باقِرُ العِلْم
تهلُّ مع شهرِ رجب الولادةُ المباركةُ للإمامِ محمدٍ بنِ عليٍّ الباقرِ (ع)، أمّه فاطمةُ بنتُ الحسنِ بنِ عليٍّ (ع)، وهو هاشميٌّ من هاشمِيَيْن، علويٌّ من علوِيَيْن، فاطميٌّ من فاطميَيْن لأنّه أولُ من اجتمعتْ له ولادةُ الحسنِ والحسينِ (عليهما السلام).
كانت مدةُ عمرِه 57 سنةً؛ منها مع جدِّه الحسين أربعُ سنين ومع أبيه بعدَ جدِّه الحسين 35 سنةً وبعد أبيه 18 سنةً.
تميّزتْ جهودُ الإمامِ الباقرِ (عليه السلام) في أمرين:
1- الجهودُ العلميةُ العامةُ: فقد وفدتْ إلى العالمِ الإسلاميِّ بعدَ فترةٍ من انتهاءِ الفتوحاتِ أفكارٌ ونظرياتٌ وثقافاتٌ متنوعةٌ، وبدأت الحاجةُ فعلاً إلى بناءِ الشخصيةِ العلميةِ للإسلامِ وفي ظلِّ غيابِ السلطةِ الحاكمةِ آنذاك عن ذلك وعجزِها عن القيامِ بشيءٍ كان لا بدَّ للإمامِ الباقرِ (عليه السلام) أن يتولّى ذلك فبنى أولَ مدرسةٍ علميةٍ واسعةِ النطاقِ في مسجدِ جدِّه رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) في المدينةِ المنورةِ، ومن أهمِّ خصائصِ هذه المدرسةِ أنّها كانت تضمُّ في كنفِها المسلمينَ جميعاً بشتّى اتجاهاتِهم سواء أكانوا من الموالينَ لأهلِ البيتِ (عليهم السلام) أو من غيرِهم، ويكفي في ذلك تلقيبُه بباقرِ العلمِ، واشتهارُه بهذا اللقبِ بين الخاصِّ والعامِّ في كلِّ عصرٍ وزمانٍ. ومن خصائصِه العلميةِ ما ذكرَه الشيخُ المفيدُ: روى عن الإمامِ الباقرِ (عليه السلام) أجيالٌ ثلاثة معالمَ الدينِ: بقايا الصحابةِ ووجوه التابعينَ ورؤساءُ فقهاءِ المسلمينَ، فمنَ الصحابةِ نحو جابرٍ بنِ عبدِ اللهِ الأنصاريّ ومن التابعينَ نحو جابرِ بنِ يزيد الجعفيِّ، ومن الفقهاءِ الزهري والأوزاعي وأبي حنيفة ومالكٍ والشافعي.
2- بناءُ وتربيةُ الخواصِ المعتمدين: لقد اتسعتْ مساحةُ العالمِ الإسلامي، ولا يكفي اْن يكونَ الإمامُ في المدينةِ، بل لا بدَّ وأنْ ينتشرَ في الآفاقِ من يُعتمدُ عليهم في تثبيتِ دينِ الناسِ، وهذا ما تكفّلَ الإمامُ الباقرُ (عليه السلام) بالقيامِ به فهو وكما يقولُ الإمامُ الخامنئيُّ: «كان يربّي أشخاصاً ويُعدّهم ويُخصّهم بالعنايةِ - التلامذة الخواص - ثم يربطُهم ببعضهم، ويبثُّهم في أرجاءِ العالمِ الإسلامي كأقطابٍ وأركانٍ ووكلاءَ ونوّابٍ ليتابعوا ما قامَ به، ويتحمّلوا أعباءَ التبليغِ والتعليمِ الّذي قامَ به. وهذا التنظيمُ السرّيُّ للإمامِ الباقرِ (عليه السلام)، كان قد بدأ قبلَ عصرِ زمانِه، لكنّه تفاقمَ وازدادَ في زمانِه، وبالطبعِ وصلَ في زمنِ الإمامِ الصادقِ والإمامِ موسى بنِ جعفرٍ (عليهما السلام) إلى أوجِه؛ لقد كان هذا عملاً آخر وهو شديدُ الخطورةِ».
لهذا كان بعضُ أصحابِ الإمامِ الباقرِ (عليه السلام)، يُعرفون بأصحابِ السرِّ، كجابرٍ بنِ يزيد الجعفيِّ، فماذا يعني ذلك؟ إنّه من أولئك الّذين كانوا يتواجدون في أرجاءِ العالمِ الإسلاميِّ وفي كلِّ الأماكنِ ممّن يتحمّلونَ مسؤوليةَ هدايةِ المستعدّينَ والمحبّينَ والأخذِ بأيديهم.
ومن الأمورِ اللافتةِ في حياةِ الإمامِ ما وردَ في سيرةِ حياتِه من أنه كان دائمَ الذكرِ للهِ عزَّ وجلَّ، فكان يمشي وهو يذكرُ اللهَ، ويأكلُ الطعامَ وهو يذكرُ اللهَ، ولقد كان يُحدِّثُ القومَ وما يُشغلُه ذلك عن ذكرِ اللهِ وكان يجمعُ ولدَه فيأمرُهم بذكرِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
2019-03-05