يتم التحميل...

طوبى لهؤلاء

ربيع الأول

طوبى لهؤلاء

عدد الزوار: 247

طوبى لهؤلاء


ورد في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): (طُوبَى لِمَنْ شَغَلَه خَوْفُ اللَّه عَزَّ وجَلَّ عَنْ خَوْفِ النَّاسِ، طُوبَى لِمَنْ مَنَعَه عَيْبُه عَنْ عُيُوبِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ إِخْوَانِه، طُوبَى لِمَنْ تَوَاضَعَ لِلَّه عَزَّ ذِكْرُه وزَهِدَ فِيمَا أَحَلَّ اللَّه لَه)[1].

تنظر الناس عادة وغفلة منها الى من يملك هذه الدنيا وما فيها من مال او منصب او جاه على أنه قد نال السعادة، فتقول: طوبى له، ولكن النبي (صلى الله عليه وآله) يحدد في هذه الرواية المعايير الصحيحة للسعادة، فمن يصح ان يقال طوبى له هو من كان مصداقا لهذه الأصناف الثلاثة التي هي:

1- من كان الخوف من الله عز وجل آخذا به عن الخوف من الناس،
ويرجع ذلك الى درجة إيمانه بالله عز وجل، فكلما ازداد العبد ايمانا بالله ازداد خوفا من الله دون الناس، لأن الخوف ينشأ ممن بيده مقاليد الأمور، ومن عاش اليقين في قلبه والمعرفة التامة بأنها بيد الله كان خوفه من الله فقط، وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "من كان بالله أعرف كان من الله أخوف"[2]، وهذا الخوف يثمر عملا بالطاعات وتجنبا عن المعاصي، وبهذا يزداد قربا ومنزلة عند الله، ففي الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "أعلى الناس منزلة عند الله أخوفهم منه"[3].

2- من ينظر في عيوب نفسه وهذا يمنعه عن عيب غيره،
لأنه يكفيه شغلا عن ان يفكّر في عيوب غيره او يذكرها امام الناس، فهو بذلك يتحرز عن الوقوع في إثم الغيبة وإلحاق الأذى بالمؤمنين، وتتجلى السعادة هنا بان من ينظر الى عيوب نفسه يسعى لإصلاحها، وهكذا تدريجا تتكامل نفسه حتى تصل الى الصفاء التام وعند ذلك يكون الاحتراز عن عيوب الآخرين صفة لاصقة به لا تنفك، ففي وصية النبي (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام) يعدد له من يكون من الرجال في ظلّ عرش الله عز وجل يوم لا ظلّ إلا ظلّه: "ورَجُلٌ لَمْ يَعِبْ أَخَاهُ بِعَيْبٍ حَتَّى يُصْلِح ذَلِكَ العْيب مِنْ نفسِهِ، فإنِّه كُلَّما أصلحَ مِنْ نفَسِهِ عَيبْا بدَا لهَ مِنْهَا آخَرُ وكَفَى بالْمَرْءِ فِي نفسِهِ شُغُلا".

3- من يكون التواضع منه لأجل الله عز وجل،
فهو يملك أسباب الرفعة ولكنك تجده لا يترفّع على الناس، وفي رواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) يكشف النماذج البارزة المهمّة للتواضع يقول (صلى الله عليه وآله): "رأس التواضع ان تبدأ بالسلام على من لقيت وترد على من سلم عليك وان ترضى بالدون من المجلس ولا تحب المدحة والتزكية والبر[4]".

ولأن صفة التواضع مفتاح للسلوك الحسن بين الناس فقد اختارها الله عز وجل لأنبيائه يقول أمير المؤمنين (عليه السلام): "ورَضِيَ لَهُمُ التَّوَاضُعَ، فَأَلْصَقُوا بِالأَرْضِ خُدُودَهُمْ، وعَفَّرُوا فِي التُّرَابِ وُجُوهَهُمْ، وخَفَضُوا أَجْنِحَتَهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ، وكَانُوا قَوْماً مُسْتَضْعَفِينَ"[5]


[1] - الكافي ( مُشَكَّل ) - الشيخ الكليني - ج 8 ص 169
[2] -بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 67 ص 393
[3] - بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج 74 ص 180
[4] - روضة الواعظين - الفتال النيسابوري - ص 383
[5] - نهج البلاغة، الخطبة 192.

2018-11-27