وسراجاً منيراً
قال تعالى:
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً
وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً
* وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنْ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً)[1].
وعن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) يصفُ بعثةَ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله):
" أَرْسَلَهُ بِالدِّينِ الْمَشْهُورِ ، والْعَلَمِ الْمَأْثُورِ ، والْكِتَابِ
الْمَسْطُورِ ، والنُّورِ السَّاطِعِ ، والضِّيَاءِ اللَّامِعِ ، والأَمْرِ
الصَّادِعِ ، إِزَاحَةً لِلشُّبُهَاتِ ، واحْتِجَاجاً بِالْبَيِّنَاتِ ، وتَحْذِيراً
بِالآيَاتِ ، وتَخْوِيفاً بِالْمَثُلَاتِ"[2].
أشرقتِ الأرضُ بنورِ نبيِّ الإسلامِ محمّدٍ (صلى الله عليه وآله) في السابعَ عشرَ
من شهرِ ربيعِ الأوّلِ في العامِ الذي عُرِفَ بعامِ الفيلِ، وسجّلَ التاريخُ طيلةَ
ثلاثٍ وستينَ عاماً مسيرَ إنسانٍ أخذَ بيدِ قومِه من الضلالِ إلى الهدى. وتشيرُ هذه
الكلماتُ إلى الأهدافِ التي كانت غايةَ البعثةِ النبويّةِ والرسالةِ المحمّديةِ:
1- إزاحةُ الشبهاتِ: لقد عميَ الحقُّ على الناسِ على الرغمِ من شدّةِ
ظهورِهِ، وذلك لعظيمِ الشبهاتِ التي أحاطتْ بأذهانِ الناسِ، فمنعتْهُمْ من صحيحِ
الرؤيةِ والنظرِ، ولذا كانَ لا بُدَّ وأنْ تُزاحَ حجبُ الشبهاتِ حتّى ترى الناسُ
بعينِ البصيرةِ حقائقَ الأشياءِ، وهذا ما قامَ به النبيُّ (صلى الله عليه وآله)،
وقد وردَ عن أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام) يصفُ الناسَ آنذاك فقالَ: " بَيْنَ
مُشَبِّهٍ لِلَّه بِخَلْقِه أَوْ مُلْحِدٍ فِي اسْمِه ، أَوْ مُشِيرٍ إِلَى غَيْرِه
، فَهَدَاهُمْ بِه مِنَ الضَّلَالَةِ وأَنْقَذَهُمْ بِمَكَانِه مِنَ الْجَهَالَةِ".[3]
2- الاحتجاجُ بالبيِّناتِ: لم يترك اللهُ عزَّ وجلَّ الناسَ دونَ طريقِ
هدىً بل كانتْ الدلالاتُ الواضحةُ على وجودِه وتوحيدِه أمامَهم، فللَّهِ عزَّ وجلَّ
الحجَّةُ البالغةُ، وعندما أرسلَ اللهُ أنبياءَه جعلَ من وظائفِهم تذكيرَ الناسِ
بتلك الدلالاتِ وبيانَ أنّهم لا حجّةَ لهم في إنكارهِم للهِ عزَّ وجلَّ أو الشركِ
به، قالَ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام): " أَرْسَلَه بِحُجَّةٍ كَافِيَةٍ
ومَوْعِظَةٍ شَافِيَةٍ"[4].
3- التحذيرُ بالآياتِ: فالمعجزاتُ الحاسمةُ والتجاربُ الشافيةُ كلُّها
من الشواهدِ المحقَّةِ التي تدفعُ الناسَ إلى الإيمانِ والتوحيدِ وهي من المؤكداتِ
والمذكراتِ التي توقظُ الإنسانَ الغافلَ الذي يضلُّ الطريقَ فإنَّ وجودَ هذه الآياتِ
في كلِّ وقتٍ أمرٌ لازمٌ، ومن هذه الآياتِ ما وردَ من تذكيرِ الإنسانِ بأصلِ خلقتِه،
قالَ تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ
تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ)[5]، أو دعوتِه إلى
النظرِ في خلقِ السمواتِ والأرضِ، قالَ تعالى: (وَمِنْ
آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفُ أَلْسِنَتِكُمْ
وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ )[6].
4- التخويفُ بالمثُلاتِ: لمزيدٍ من الاحتجاجِ على الناسِ تبقى المشاعرُ
والأحاسيسُ باباً لا يُستهانُ به، يهزُّ الذاتَ ويُحرِّكُها حين يرى الإنسانُ تجاربَ
الآخرينَ ومصيرَ المنكرينَ والضالّينَ، ولذا فعلى سبيلِ المثالِ إنَّ السيرَ في
تجاربِ الغابرينَ وما جرى عليهم نتيجةً لكفرِهم وعنادِهم فيه من العبرةِ ما يكفي
وفيه من الأمثلةِ ما يُطمئنُّ إليه، فما جاءَ في القرآنِ الكريمِ من تكرارِ أحداثِ
ما جرى على الأممِ السابقةِ يجعلُ في الإنسانِ الخوفَ من أنْ يكونَ مصيرُه كمصيرِهم.
قال تعالى: « أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ
يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لأُولِي النُّهى »)
وقد حكى عن قصة فرعون والظلم الذي تمادى به حتى نزل به العقاب الالهي ليبقى عبرة
لمن يأتي بعده (وقال : * ( « فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ
بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ
آياتِنا لَغافِلُونَ » )).
[1] - الأحزاب، 45 ـ 47.
[2] - نهج البلاغة، الخطبة 2.
[3] - نهج البلاغة، الخطبة 1.
[4] - نهج البلاغة، الخطبة 161.
[5] - الروم 20.
[6] - الروم 22.