الرّسول العظيم
وردَ عن أميرِ المؤمنينَ عليٍّ (عليه السلام) يصفُ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله) : «طَبِيبٌ دَوَّارٌ بِطِبِّهِ، قَدْ أَحْكَمَ مَرَاهِمَهُ، وأَحْمَى مَوَاسِمَهُ، يَضَعُ ذَلِكَ حَيْثُ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ، مِنْ قُلُوبٍ عُمْيٍ، وآذَانٍ صُمٍّ، وأَلْسِنَةٍ بُكْمٍ، مُتَتَبِّعٌ بِدَوَائِهِ مَوَاضِعَ الْغَفْلَةِ، ومَوَاطِنَ الْحَيْرَةِ».
ترتبطُ عظمةُ الإنسانِ بعظمةِ ارتباطهِ وقربهِ من اللهِ عزَّ وجلَّ حيث تتجلّى
الصفاتُ الإلهيّةُ فيه، ولا شكَّ في أنَّ النبيَّ (صلى الله عليه وآله) هو الإنسانُ
الكاملُ الذي لم يُدانيه أحدٌ من الناسِ حتى الأنبياءُ والرسلُ في المكانةِ عندَ
اللهِ عزَّ وجلَّ، قال تعالى: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ
أَوْ أَدْنَى﴾.
وعظمةُ رسولِ اللهِ (ص) تتمثّلُ بأمورٍ ثلاثةٍ:
1- عظمةُ شخصيةِ الرسولِ (صلى الله عليه وآله): ويصفُ ذلك أميرُ
المؤمنينَ (عليه السلام) بقولهِ: «ولَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ بِهِ - صَلَّى الله
عَلَيْهِ وآلِهِ - مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ
مَلَائِكَتِهِ يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ الْمَكَارِمِ، ومَحَاسِنَ أَخْلَاقِ الْعَالَمِ
، لَيْلَهُ ونَهَارَهُ».
2- عظمةُ الرسالةِ التي بلّغَها والتي هي الرسالةُ التامّةُ الكاملةُ والخاتمةُ:
وقد وصفَ أميرُ المؤمنينَ (عليه السلام) الإسلامَ فقالَ: «دِينُ اللَّهِ
الَّذِي اصْطَفَاهُ لِنَفْسِهِ ، واصْطَنَعَهُ عَلَى عَيْنِهِ ، وأَصْفَاهُ خِيَرَةَ
خَلْقِهِ ، وأَقَامَ دَعَائِمَهُ عَلَى مَحَبَّتِهِ».
3- صعوبةُ المهمّةِ والمشاقِّ التي تحمَّلَها: من أعظمِ ما يُميِّزُ المكانةَ
التي اختصَّ اللهُ عزَّ وجلَّ بها نبيَّه تلكَ الظروفُ التي أحاطتْ برسالتِه،
والجهدُ العظيمُ الذي بذلَه في سبيلِ الخروجِ بالنَوَاةِ الأولى للمجتمعِ الإسلاميِّ
كنموذجٍ إنسانيٍّ مشرقٍ، يقولُ الإمامُ القائدُ الخامنئيُّ (دام ظلّه): «إنّ هذا
المخلوقَ الإلهيَّ الّذي لا نظيرَ له، وهذا الإنسانَ الكاملَ الّذي كان قد بلغَ تلك
الدرجةَ من الكمالِ في هذه المرحلةِ قبل نزولِ الوحي، قد شرعَ منذُ اللحظةِ الأولى
من البعثةِ في دخولِ مرحلةٍ من الجهادِ الشاملِ والبالغِ المشقّةِ والمكابدةِ،
استغرقتْ ثلاثاً وعشرين سنةً، وكلُّ هذا كان نموذجاً للكفاحِ والمجاهدةِ والعملِ
الدؤوبِ. لقد كانَ جهادُه صلّى اللهُ عليه وآلهِ وسلّمَ جهاداً مع نفسِه، ومع أناسٍ
لا يُدركونَ من الحقيقةِ شيئاً، ومع ذلك المحيطِ الّذي كان يعمُّه ظلامٌ حالكٌ
ومطبِقٌ... فإذا ما تأمّلتُم في التاريخِ لوجَدْتُّم صفحةً تاريخيةً مظلمةً كانتْ
تضربُ بأطنابِها على كافّةِ نواحي الحياةِ الإنسانيةِ».
ولقد خصَّ اللهُ عزَّ وجلَّ نبيَّه بالكراماتِ ومنها أنّه مفتاحُ الرحمةِ الخاصةِ
ولذا وردَ الأمرُ بأنْ يبدأَ الإنسانُ بأيِّ حاجةٍ يلجأُ بها إلى ربِّه بالصلاةِ
على نبيِّه (صلى الله عليه وآله) لأنَّ هذه الصلاةَ مضمونةُ الإجابةِ، فقد وردَ عن
أميرِ المؤمنينَ (عليه السلام): «إِذَا كَانَتْ لَكَ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ
حَاجَةٌ فَابْدَأْ بِمَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وآلِهِ وسَلَّم ثُمَّ سَلْ حَاجَتَكَ فَإِنَّ اللَّهَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ
حَاجَتَيْنِ ، فَيَقْضِيَ إِحْدَاهُمَا ويَمْنَعَ الأُخْرَى».
فببركةِ الصلاةِ على محمدٍ وآلِ محمدٍ تُستجابُ دعواتُ المؤمنينَ: «اللَّهُمَّ
اجْعَلْ شَرَائِفَ صَلَوَاتِكَ، ونَوَامِيَ بَرَكَاتِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ
ورَسُولِكَ، الْخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ والْفَاتِحِ لِمَا انْغَلَقَ، والْمُعْلِنِ
الْحَقَّ بِالْحَقِّ والدَّافِعِ جَيْشَاتِ الأَبَاطِيلِ، والدَّامِغِ صَوْلَاتِ
الأَضَالِيلِ».
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين
2018-11-05