يتم التحميل...

إيّاكم والعصبيّة

صفر

إيّاكم والعصبيّة

عدد الزوار: 194

إيّاكم والعصبيّة


عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، إِلَّا إِبْلِيسَ اعْتَرَضَتْهُ الْحَمِيَّةُ فَافْتَخَرَ عَلَى آدَمَ بِخَلْقِهِ، وتَعَصَّبَ عَلَيْهِ لأَصْلِهِ، فَعَدُوُّ اللَّهِ إِمَامُ الْمُتَعَصِّبِينَ، وسَلَفُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، الَّذِي وَضَعَ أَسَاسَ الْعَصَبِيَّةِ، ونَازَعَ اللَّهً رِدَاءَ الْجَبْرِيَّةِ، وادَّرَعَ لِبَاسَ التَّعَزُّزِ، وخَلَعَ قِنَاعَ التَّذَلُّلِ».

إن من أخطر مساوئ الاخلاق التي لا يتحدد ضررها بالمستوى الشخصي للانسان بل يتعداه الى المجتمع الانساني، العصبية التي تفتك بنفس الانسان فتجعله صريعا بين يدي الشيطان يقلبه كيف يشاء، ويتحول المتعصّب الى أداة بيد الشيطان ينفث به على الناس فيضلهم ويبعدهم عن الهدى.

والعصبية هي داء ينشأ من التكبّر، حيث يرى الانسان نفسه أعظم شأنا وأعلى قدرا من غيره، فيتعصب لنفسه، أو يرى قومه أعظم وأفضل فيتعصّب لهم، وهي أساس وضعه ابليس كما ورد في الرواية أعلاه.

أما على المستوى الفردي فقد حكى الله عز وجل لنا قصة ابني آدم ﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ.

فقد جعلت العصبية الانسان يقع في الحسد فيقتل أخاه ويصف أمير المؤمنين ذلك فيقول: «ولَا تَكُونُوا كَالْمُتَكَبِّرِ عَلَى ابْنِ أُمِّهِ مِنْ غَيْرِ مَا فَضْلٍ جَعَلَهُ اللَّهُ فِيهِ سِوَى مَا أَلْحَقَتِ الْعَظَمَةُ بِنَفْسِهِ مِنْ عَدَاوَةِ الْحَسَدِ، وقَدَحَتِ الْحَمِيَّةُ فِي قَلْبِهِ مِنْ نَارِ الْغَضَبِ، ونَفَخَ الشَّيْطَانُ فِي أَنْفِهِ مِنْ رِيحِ الْكِبْرِ الَّذِي أَعْقَبَهُ اللَّهُ بِهِ النَّدَامَةَ، وأَلْزَمَهُ آثَامَ الْقَاتِلِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».

وعلى الانسان ان يكون شديد الانتباه، وعلى يقظة دائمة من الوقوع في شراك الشيطان هذا، فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «فَأَطْفِئُوا مَا كَمَنَ فِي قُلُوبِكُمْ مِنْ نِيرَانِ الْعَصَبِيَّةِ وأَحْقَادِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّمَا تِلْكَ الْحَمِيَّةُ تَكُونُ فِي الْمُسْلِمِ مِنْ خَطَرَاتِ الشَّيْطَانِ ونَخَوَاتِهِ، ونَزَغَاتِهِ ونَفَثَاتِهِ».

وعلى الانسان الاعتبار ايضا بما جرى في الامم السابق حيث كانت نهايتهم بسبب العصبية التي أخذت من نفوسهم فجعلتهم يعيشون البغضاء والعداوة، وهي من مكائد الشيطان، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «فَاللَّهً اللَّهً فِي كِبْرِ الْحَمِيَّةِ وفَخْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُ مَلَاقِحُ الشَّنَئَانِ ، ومَنَافِخُ الشَّيْطَانِ ، الَّتِي خَدَعَ بِهَا الأُمَمَ الْمَاضِيَةَ ، والْقُرُونَ الْخَالِيَةَ».

وما يقي الانسان من فخ العصبية امور وردت في الرواية عن امير المؤمنين (عليه السلام): «واعْتَمِدُوا وَضْعَ التَّذَلُّلِ عَلَى رُؤوسِكُمْ ، وإِلْقَاءَ التَّعَزُّزِ تَحْتَ أَقْدَامِكُمْ ، وخَلْعَ التَّكَبُّرِ مِنْ أَعْنَاقِكُمْ واتَّخِذُوا التَّوَاضُعَ مَسْلَحَةً بَيْنَكُمْ وبَيْنَ عَدُوِّكُمْ إِبْلِيسَ وجُنُودِهِ فَإِنَّ لَهُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ جُنُوداً وأَعْوَاناً ، ورَجِلاً وفُرْسَاناً».

وفي المقابل على الانسان ان كان لا بد وأن يتعصّب فليكن للصفات الاخلاقية الحسنة وللحق، وقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «إِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنَ الْعَصَبِيَّةِ، فَلْيَكُنْ تَعَصُّبُكُمْ لِمَكَارِمِ الْخِصَالِ، ومَحَامِدِ الأَفْعَالِ ومَحَاسِنِ الأُمُورِ، ... فَتَعَصَّبُوا لِخِلَالِ الْحَمْدِ مِنَ الْحِفْظِ لِلْجِوَارِ، والْوَفَاءِ بِالذِّمَامِ والطَّاعَةِ لِلْبِرِّ، والْمَعْصِيَةِ لِلْكِبْرِ والأَخْذِ بِالْفَضْلِ، والْكَفِّ عَنِ الْبَغْيِ والإِعْظَامِ لِلْقَتْلِ، والإِنْصَافِ لِلْخَلْقِ والْكَظْمِ لِلْغَيْظِ، واجْتِنَابِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ».

2018-10-31