يتم التحميل...

حرب الدفاع المقدس: نصر الله لنا كان إعجازيا

الجهاد والشهادة

حرب "الدفاع المقدس": نصر الله لنا كان إعجازيا

عدد الزوار: 112

من كلمة سماحة الإمام الخامنئي في "أمسية ذكريات" الدفاع المقدس في ذكرى تحرير "خرّمشهر" في الثالث من خرداد 1396 ه.ش
(24 أيار 2017م)


حرب "الدفاع المقدس": نصر الله لنا كان إعجازيا

حرب "الدفاع المقدس" أضرار وفوائد
برأيي أنا العبد، أن هذه الحرب -حرب الدفاع المقدس هذه- إلى جانب ما سببّته لنا من خسائر، كانت لديها فوائد ومنافع كبيرة لنا. هذه المنافع أكبر وأكثر بكثير من تلك الخسائر. لقد كانت خسائرنا هناك هي الخسائر البشرية والمادية، أي أننا فقدنا شبابًا، وفقدتهم عوائلهم، وفجعنا كلنا بهؤلاء الشباب، ووقعت خسائر مادية، وتخلفت البلاد بنسبة ما، من حيث ظواهر الحياة لفترة من الزمن. كانت هذه خسائر الحرب. في كل الحروب توجد مثل هذه الخسائر والأضرار. لكن منافع الحرب كانت منافع طويلة الأمد ومنافع خالدة مستمرة. وبالطبع كانت لها منافع قصيرة الأمد وفورية أيضًا.

أ ــ أكبر الفوائد حفظ وتعزيز روح الثورة عند جيلنا الشاب
إحدى أكبر فوائد حرب الثمانية أعوام ودفاع الثمانية أعوام هذه: حفظ وتعزيز روح الثورة والحركة عند جيلنا الشاب وفي مجتمعنا. لولا هذه الحركة الجهادية والفدائية المضحية لتعرضت الروح الثورية في تلك البدايات للتطاول واحتمال الاعتداء عليها، فلم تكن حينها قد اكتسبت عمقًا كبيرًا. نعم، كان الإمام العظيم موجودًا وقد كانت شخصيته شخصية تضمن الكثير من الأمور، لكن الأخطار كانت أخطارًا جسيمة؛ لقد كانت الروح الثورية ستتعرض للخطر بالتأكيد. حُفظت الثورة وترسخت بالمشاركة في ساحة الدفاع المقدس.

ب ــ اختبرنا عمليا عقيدتنا بـ "نصر الله للمؤمنين"
فائدة أخرى هي أننا جرّبنا واختبرنا بأنفسنا مرة أخرى فكرة الدفاع عن الهوية الوطنية والهوية الدينية والثورية، والتي تحدثنا عنها مرارًا وسمعناها ونقلناها من: أن الله تعالى ينصر الإنسان عند الشدائد والصعاب ويدافع عنه إذا سار في سبيل الحق. وهذا أمر بالغ الأهمية. المجتمع الذي يتحرك ويسير نحو الأهداف السامية يواجه بشكل طبيعي موانع وعقبات، وخصوصًا في العالم المعاصر المادي. إذا كانت تلك المثل والأهداف الكبرى، معنويةً ومناهضة للتسلط والهيمنة، فمن البديهي أن تكون هناك عقبات وموانع في وجهها. من الأمور المهمة جدًا، أنْ يشعر الشعب أنه قادر على الانتصار على العقبات. نعم، نحن نقرأ في الروايات والآيات عن التوكل على الله ﴿وَمَن يَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ (1) وأمثالها؛ نقرؤها ونقولها ونعتقد بها أيضًا. ولكن أن يشاهد الإنسان عمليًا حالة «وَمَن يَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ» فهذا يختلف كثيرًا عن مجرد القول والاعتقاد.

النبي إبراهيم، بكل ما يتمتع به من عظمة، يقول لله تعالى أريد رؤية إحياء الموتى، فيقول له الله: ﴿أوَلَم تُؤمِن فيجيب: ﴿قالَ بَلى ولكِن لِيَطمَئِنَّ قَلبي (2). هذه السكينة القلبية واطمئنان القلب والإيمان من أعماق الإنسان وروحه بحقيقة من الحقائق حالة على جانب كبير من الأهمية. وهذا ما أظهرته الحرب وأثبتته لنا. نحن الآن نستطيع أن ندّعي وبكل قوة، أن الجمهورية الإسلامية تستطيع أن تواجه كل التحديات التي تُوضع في طريقها وأن تنتصر عليها جميعًا، لأننا جربنا هذا الشيء، لقد جربنا هذا الأمر: ﴿وَلا تَهِنُوا ولا تَحزَنُوا واَنتُمُ الاَعلَونَ ان كنتم مؤمنين (3). إذا كان هناك إيمان في القلب والعمل، سوف تتذلل الجبال أمام مجتمع ومجموعة أو إنسان قوي، ولن تكون لديها قدرة على المقاومة. وهذه إحدى فوائد الحرب بالنسبة لنا. حسنًا. هذه حقائق وواقع.

نصر الله لنا مع التفاوت الهائل بالإمكانات كان إعجازيا
بالطبع فإن فوائد الحرب أكثر من هذا بكثير. هذه أفكار تحليلية ولن نستفيض ونسترسل أكثر. لقد وقعت هذه الحادثة المفعمة بالبركة، هذه الحادثة العظيمة، والتي لا يمكن تصديقها عادةً بالنسبة لنا، نحن الناس البسطاء والسطحيي النظرة، وقعت وجرت في بلادنا؛ أي أننا في بداية الحرب لم نكن نمتلك أي شيء. وأقولها لكم، لم نكن نمتلك أي شيء، فأيدينا كانت خالية، وأسلحتنا كانت قليلة وناقصة أيضًا وكذلك لم يكن لدينا تواصل مع الخارج. بعض ما كنا نمتلكه في المخازن لم يُستخدم إلا بعد فترات من بدء الحرب. لقد كنتُ هنا في هيئة الأركان، في المركز الاستشاري وعلى تواصل وارتباط بالعسكريين. حسنًا، كان هناك شباب متدينون مؤمنون في الجيش يأتون إلينا ويرفعون لنا التقارير. وكنت أتابع الأمور باعتباري ممثلًا للإمام. جاءوا وقالوا إنّ لدينا مدافع من نوع 203، وهي أثقل أنواع مدفعيتنا، وهذه المدافع لم تُرسل للجبهة، بل لم تُذكر أصلًا. في حرب مثل هذه الحرب والعدو مدجّج بالسلاح والمعدات، ولدينا وسيلة نستطيع الاستفادة منها ولم نستفد منها. طرحت هذه القضية في الاجتماع الذي كان لنا مع هؤلاء السادة -بني صدر وغيره- طرحت هذه القضية، ولم يكن بني صدر على علم بالموضوع أصلًا، وكان هناك آخرون لم يرغبوا أساسًا في طرح مثل هذه الأمور. ثم قام أحد القادة العسكريين الذين كانوا في الاجتماع وقد استشهد فيما بعد -رحمة الله عليه- فقال: نعم، نحن نمتلك هذا النوع وهو مهم جدًا. فقلنا: إذًا لماذا لا تستخدمونه؟ أي إنه كانت لدينا أسلحة لم نستخدمها.

في الأهواز، جاءنا جندي شاب من قوات الجيش وقال إنّ لدينا في ثکنة الفرقة 92، ملالات حديثة؛ يطلق عليها اسم "بي أم پي تو" (BMP2)، وقد حصلنا عليها لاحقًا. وكنا نقول دائمًا إننا بحاجة للمعدات والتجهيزات الفلانية وكانوا يقولون لا نملك هذا. نهضنا ذات صباح وذهبنا مع ذلك الأخ الجندي نفسه، ودخلنا للثكنة من باب خلفي آخر إذ لم يكن بالإمكان الدخول من المدخل الرئيسي، دخلنا وذهبنا إلى وسط المعسكر، ورأيت أنّ الخبر صحيح. شاهدت نحو تسع أو عشر ملالات "بي أم پي"، وهي لا تزال جديدة و"بعلبتها" ولا تزال مغلفة بألواح الخشب، وقد أصابتها الأمطار والرياح ببعض الأضرار لأنها موضوعة في معرض الشمس تحت السماء. هكذا كان وضعنا في بداية الحرب. لم تكن لدينا أعتدة وتجهيزات عسكرية، ولم تكن لدينا قوات منظمة ومرتبة جاهزة للعمل أو إنها كانت قليلة جدًا. كانت لدينا أشياء قليلة لم تكن تستخدم؛ لأنه كان على رأس الأمور شخص أو أشخاص لم يكونوا مشفقين مهتمين. لقد تقدمنا إلى الأمام بمثل هذه الأوضاع والظروف. وما ذكرته يعود لسنة 59 ه.ش [1980 م]. هذه الأمور التي أتحدث عنها تعود للنصف الثاني من عام 59، أي الأشهر الستة الأولى بعد اندلاع الحرب.

كم يفصل ما بين النصف الثاني من سنة 59 [1980] والأشهر الستة الأولى من سنة 61 [1982 م]؟ خلال هذه الفترة الزمنية كانت حركة الشعب الإيراني وقواتنا المسلحة [في وضع] بحيث تم القيام بعمليتين كبيرتين مهمتين في الشهرين أو الأشهر الثلاثة الأولى من سنة 61، أي عملية "الفتح المبين" في فروردين سنة 61 [آذار ونيسان 82م]، وعملية "بيت المقدس" وتحرير خرمشهر في أرديبهشت وبداية خرداد [أيار وحزيران]، أي إن التقدم والتحرك كان سريعًا إلى هذه الدرجة. بمعنى أننا في نفس الشهر الذي كانوا يقصفون فيه الأهواز بالقذائف عن بعد عشرة كيلومترات - كانوا يقصفون الأهواز بالمدافع من "دُبّ حردان" على بعد تسعة أو عشرة كيلومترات عن الأهواز كما أتذكر- وصلنا من تلك الأوضاع إلى أوضاع نأسر فيها عدة آلاف من العسكريين العراقيين في عملية الفتح المبين، وعدة آلاف من الأسرى في عملية بيت المقدس، ونتمكن من استعادة مساحات واسعة من الأراضي وتحرير مدينة خرمشهر وتقوية القوات وأمور أخرى.

لقد استمرت هذه الحالة إلى أواخر الحرب. أي إننا استطعنا أن نتعرف على هويتنا وقدراتنا أكثر فأكثر، وأن نتقدم إلى الأمام ونعرف أنفسنا. هذا ما حصل.

طوال ثمانية أعوام اجتمع العالم كله ضدنا وحاربنا، هذه حقيقة وواقع؛ كل العالم. أي أن أمريكا كانت ضدنا عمليًا، وحلف الناتو كان ضدنا عمليًا، والاتحاد السوفياتي في ذلك الحين كان ضدنا عمليًا، والرجعيون في المنطقة -هذه السعودية والكويت وغيرهما- كانوا ضدنا، كلهم شاركوا في العمل ضدنا. كلهم تعاونوا وحاربونا وشاركوا في تلك الحرب؛ والحال أنّنا كنا نبتة جديدة وغرسة حديثة الظهور قليلة التجارب. ومع هذا، استطعنا التغلب على كل هؤلاء؛. هذه هي تجربتنا. أليس هذا بكاف لـ «لِيَطمَئِنَّ قَلبي»؟ إن هذا مثل إحياء الطيور الذي طلبه النبي إبراهيم (عليه السلام) من الله تعالى. قال له الله افعل هذا ليطمئن قلبك، ويجب أن نمتلك هذه الطمأنينة القلبية. كل من لا يتحلى بهذه الطمأنينة القلبية فهو معيوب؛ فيه عيب. أي إن التعبير الأفضل هو أن نقول إن فيه عيبًا. إذا نظرنا نظرة متفائلة إيجابية نقول إن فيه عيبًا، أما إذا نظرنا نظرة سلبية فيجب أن نحكم بشكل آخر.

 


1 ــ سورة الطلاق، جزء من الآية 3 .
2 ــ سورة البقرة، جزء من الآية 260 .
3 ــ سورة آل عمران، جزء من الآية 139

2017-10-04