يتم التحميل...

الثورة حُفظت بالشهادة وأمثالها من المبادئ

الجهاد والشهادة

الثورة حُفظت بالشهادة وأمثالها من المبادئ

عدد الزوار: 102

من كلمة قائد الثورة الإسلاميّة الإمام الخامنئي (مدّ ظلّه العالي) في لقاء عوائل شهداء المناطق الحدوديّة والمدافعين عن المراقد المشرّفة (1) 18/6/2017


الثورة حُفظت بالشهادة وأمثالها من المبادئ

الشهادة تجارة مع الله

الشهادة مفهوم عجيب، ومقولة عجيبة وعميقة. الشهادة تعني التجارة مع الله تعالى. تجارة ذات طرفين؛ لا قلق ولا خوف فيها مع الله المتعال: البضاعة فيها معلومة، وكذلك الثمن. البضاعة عبارة عن النفس، النفس التي هي الرأسمال الأساسي لكلّ إنسان في هذا العالم المادّي. هذه هي البضاعة. وهذا ما تقدّمونه أنتم. علامَ ستحصلون في المقابل؟ ستحصلون على السعادة الأبديّة والحياة الخالدة في أفضل النعم الإلهيّة. حسنًا، هذه البضاعة التي تقدّمونها أنتم بالشهادة، ليست بضاعة أبديّة. إنّها بضاعة من قبيل ذلك الثلج الذي يعرضه بائع الثلج للبيع في فصل الصيف ويقول: أيّها الناس، اشتروا منّي هذا الثلج، فإن لم تشتروه فإنّ أساس المادّة والبضاعة سيتلاشى ويذهب. هذه هي حقيقة المسألة. في الوقت الحاضر، يوجد ثلج في البيوت، أمّا نحن القدامى والمتقدّمون في العمر فكنّا نشتري الثلج من السوق، وكان بائع الثلج يضع الثلج على أکیاس من الخیش وأمثالها ويتركه ليأتي من يشتريه. وإن لم يجد له شاريًا ماذا كان يحصل؟ كان الثلج يذوب ويتلاشى. هذا المشتري الذي يأتي ويشتري منك هذه البضاعة الفانية والزائلة هو مشترٍ عظيم جدًّا.

وهذا الحياة التي نملكه أنا وأنتم هي الثلج بعينه، إنّها تزول وتتلاشى ذرّة ذرّة. أَليس كذلك؟ إنّها تنتهي شيئًا فشيئًا. كلّما يمضي يوم نقترب أكثر من تلك النهاية. أي إنّنا نقترب من القبر أكثر فأكثر. والآن كم سيطول الأمر؟ البعض يمتدّ أجله إلى الأربعين عامًا، والبعض إلى الخمسين، والبعض إلى الثمانين عامًا. بالنهاية، سينقضي هذا الأجل؛ وعاجلًا أم آجلًا سيموت [الإنسان]. وقد وُجد الآن لهذه البضاعة التي ستفنى سواءً بعتها أم لم تبعها، مشترٍ يقول لك: أنا أشتريها منك، وبأغلى وأعلى ثمن. ما هو الثمن الأعلى هذا؟ هو الجنّة. وذلك كما تمّت الإشارة إلى ذلك في الآية الكريمة التي قرأها قارئنا العزيز هذا ـ حسن التلاوة (2): "إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنّة"؛ (3) يشتري منكم هذه البضاعة ليعطيكم الجنّة [ثمنًا لها]. ﴿يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ؛ (4). ولا يعني هذا أن تسلّموا أنفسكم للعدوّ حين تجاهدون في سبيل الله وتقولوا له اقتلنا. لا يا سيّدي: عليك أيضًا أن توجّه له ضربة. هذا الحارس الذي استُشهد على حدود البلد، قد وجّه قبل ذلك ضربات كثيرة للعدوّ، وقد عمل على منع نفوذ العدوّ، ووقف في وجه مؤامراته، وفي وجه فساده. وهذا الشابّ الذي وقف في البلد الأجنبي الكذائي في مقابل داعش واستُشهد دفاعًا عن المراقد، قد وجّه قبل أن يستشهد مئات الضربات إليهم، وحال دون تقدّمهم، وأفشل أهدافهم ومخطّطاتهم، وفرّقهم، وها هو الآن يستشهد. فيَقتلون، ويُقتَلون. "وعدًا عليه"؛ هذا وعد إلهي. فالله يعدكم ويقول: سأشتري منكم هذه البضاعة مقابل الجنّة. أي السعادة الأبدية. سعادة ليست كالثلج هنا تذوب لحظة بلحظة؛ لا بل هي البقاء الدائم والأبدي، واللذّة الدائمة، والنعمة الدائمة. يأخذ منك هذا البدن الزائل ويشتريه مقابل هذا الثمن. هذا وعد الله. هذا هو الوعد الحقّ الذي وعدكم الله تعالى به، وهو ليس مختصًّا بدينكم، بل جاء في الكتب السماويّة السابقة أيضًا: ﴿وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ (5). هذه هي الشهادة. ثمّ يقول: ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ (6). وعليه، فالشهادة مفهوم من هذا القبيل. حينما تنظرون إليها في الظاهر، تجدونها مؤلمة، مرّة، تفجع الأب، والأمّ، والزوجة، والابن، والأخ والأخت، وتجرّعهم الغصص. هذا هو ظاهرها، أمّا باطنها فهو عبارة عن شراء بضاعة زائلة وآيلة إلى الخراب، بثمن باهظ جدًّا. إنّني منذ القدم، حين كنت أتحدّث إلى الأصحاب في المحاضرات والخطابات وأمثالها، كنت أقول: إنّ الشهادة هي الموت التجاريّ. أي يوجد فيه الذكاء. أولئك الذين يستشهدون، يمنّ الله عليهم بلطفه الأكبر. هذه هي الشهادة.

الثورة حُفظت بالشهادة وأمثالها من المبادئ
فهذه المفاهيم تخلق في وجودنا طاقات وقوى عجيبة، وتهيّئنا للكثير من الأعمال الكبرى. يريد الأعداء أن يسلبونا هذه المفاهيم. بعض هذه الأقلام المأجورة ـ التي ترغب باستمالة قلوب الأجانب بدل استمالة قلوب أولياء الله ـ تكتب أشياء، وتعرض لمواضيع في بعض هذه الصحف، والمجلّات، أو الفضاء الافتراضي؛ هؤلاء لا يدركون ماذا يفعلون. إنّ مفهوم الشهادة، ومفهوم الجهاد في سبيل الله، ومفهوم الصبر عليه، هي مفاهيم عظيمة. ولها أثرها في الحياة اليوميّة للمجتمع الإسلامي. أيّها الإخوة والأخوات: هذه المفاهيم هي التي حفظت الثورة.

 


1) شارك في هذا اللقاء الذي عُقد في الثالث والعشرين من شهر رمضان المبارك، عوائل الشهداء المدافعين عن المراقد، وعوائل شهداء وزارة الأمن، وعوائل شهداء حرس الحدود من قوّات حرس الثورة، والجيش والشرطة و...
2) السيّد محمّد محسن موحّدي قمّي.
3) سورة التوبة، جزء من الآية 111.
4) المصدر نفسه.
5) المصدر نفسه.
6) المصدر نفسه.

2017-10-04