يتم التحميل...

إنصاف النفس ومواساة الأخوان

رجب

إنصاف النفس ومواساة الأخوان

عدد الزوار: 157

إنصاف النفس ومواساة الأخوان


عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام): "نظام الدين خصلتان: إنصافك من نفسك، ومواساة إخوانك".

جُبلَت فطرة الإنسان على المطالبة بحقِّها، وعلى إرادة العدل، وعلى النفور من الظلم، والإنصاف هو أن يتعامل الإنسان مع الآخرين بما يستحقّونه، فلا يُنقصهم شيئاً هو لهم، والإنصاف صفة يتحلّى بها الإنسان في داخله، ومن خلالها يحفظ دينه وهو طريقه للفوز في الآخرة.

وبالإضافة إلى كون الإنصاف والعدل مطلوبان بالفطرة، فقد وردت الروايات بالحثّ على رعايتهما، وعلى ضرورة التحلي بهما، ويتأكد ذلك فيمن يتولّى أمرا من أمور الناس، وقد أوكَل إليه مهمة القيام بشأن من الشؤون العامة، ولذا ورد عن الإمام علي (عليه السلام): "الإنصاف زين الإمرة".

والتعامل بالإنصاف بين الناس تترتب عليه آثار اجتماعية مباشرة فهو من جهة يرفع الخلاف بينهم، ويجعل الألفة هي التي تسود بينهم وبه تدوم المحبة في القلوب.

ويتأكّد الحث على الإنصاف عندما يمتلك الإنسان القوة التي تجعله مهاب الجانب يخافه الآخرون ويخشونه، فيعظم خطر صدور الظلم منه، ولذا عليه أن يحذر القادر من الوقوع في التعدي على حقوق الناس، قال الإمام علي (عليه السلام): "زكَاةُ القُدرَةِ الإنْصافُ".

ولا يبرر للإنسان اللجوء إلى الظلم أن الآخر قد ظلمه، فهذا منطق مرفوض في الأخلاق الإسلامية، بل ترتقي درجة العدل عند من لا يبادر إلى ظلم من ظلمه ولذا قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "أعدَلُ الناسِ من أنصَفَ من ظَلَمَه".

وبما أن الهوى هو الأساس الذي يخرج بالإنسان عن الإنصاف إلى الظلم، فإن محاربة الهوى هي أول باب للخروج من الظلم، لا سيما اذا كان الهوى يعود بالنفع الى الغير ممن يميل إليهم القلب، وقد حث الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) مالك الأشتر في عهده له على الحذر من ذلك فقال: "أنصِفِ اللَّه وأَنْصِفِ النَّاسَ مِنْ نَفْسِكَ، ومِنْ خَاصَّةِ أَهْلِكَ، ومَنْ لَكَ فِيه هَوًى مِنْ رَعِيَّتِكَ، فَإِنَّكَ إِلَّا تَفْعَلْ تَظْلِمْ".

بل يتأكد الأمر أكثر برعاية الإنصاف في الضعيف الذي لا يملك القدرة على أخذ حقه، ومن لا يجد من يدفع عنه ظلما يقع عليه وفي عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) لمالك الأشتر يخاطبه الإمام بقوله: "وتَفَقَّدْ أُمُورَ مَنْ لَا يَصِلُ إِلَيْكَ مِنْهُمْ، مِمَّنْ تَقْتَحِمُه الْعُيُونُ وتَحْقِرُه الرِّجَالُ، فَفَرِّغْ لأُولَئِكَ ثِقَتَكَ مِنْ أَهْلِ الْخَشْيَةِ والتَّوَاضُعِ، فَلْيَرْفَعْ إِلَيْكَ أُمُورَهُمْ، ثُمَّ اعْمَلْ فِيهِمْ بِالإِعْذَارِ إِلَى اللَّه يَوْمَ تَلْقَاه، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مِنْ بَيْنِ الرَّعِيَّةِ أَحْوَجُ إِلَى الإِنْصَافِ مِنْ غَيْرِهِمْ، وكُلٌّ فَأَعْذِرْ إِلَى اللَّه فِي تَأْدِيَةِ حَقِّه إِلَيْه".

فالغاية هي أن يقف الإنسان بين يدي ربه يوم القيامة وله الحجة والعذر فيما كان يعامل الناس به، فمن كان متبعا للهدى والإنصاف في التعامل بين الناس سوف يكون حاضر الجواب، وأما من يقف في مشهد القيامة لا يحير جوابا فهو من كان متبعا للهوى في التعامل مع الناس. يقول أمير المؤمنين علي (عليه السلام): "أنصف من نفسك قبل أن ينتصف منك، فإن ذلك أجلّ لقدرك، وأجدر برضا ربك".

إن الخصومة في يوم القيامة لمن يظلم هي مع الله عز وجل والإنسان فيها خاسر حتما، يقول الإمام علي (عليه السلام): "ومَنْ ظَلَمَ عِبَادَ اللَّه كَانَ اللَّه خَصْمَه دُونَ عِبَادِه، ومَنْ خَاصَمَه اللَّه أَدْحَضَ حُجَّتَه، وكَانَ لِلَّه حَرْباً حَتَّى يَنْزِعَ أَوْ يَتُوبَ"!..

وأعظم ما ينبغي للإنسان أن يعمل عليه هو أن ينصف نفسه كما ينصف الآخرين، وإنصاف النفس أي العدل معها، يتحقق من خلال أن لا يترك لهذه النفس أن تتمادى في طلب ما لا يحق، فإنه بذلك يظلمها ولا يحسن إليها، لأن النفس تتمادى في الطلب فتخرج عن العدل فهو يسيء إليها بحجة الإحسان لها.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

2017-04-12