المحبة والرحمة الزوجية وآفاتها
العلاقات الزوجية
إنّ المحبة تشبه بعض الشيء قانون الجاذبية في هذا العالم، هذا القانون الذي يقوم العالم بأسره على أساسه، مثلما تقوم الأسرة والبيت على أساس المحبة والرحمة.
عدد الزوار: 88
المحبة والرحمة في البيت
إن بحثنا في هذا المقال يدور حول المحبة والرحمة في البيت.
إنّ المحبة تشبه بعض الشيء قانون الجاذبية في هذا العالم، هذا القانون الذي يقوم العالم بأسره على أساسه، مثلما تقوم الأسرة والبيت على أساس المحبة والرحمة.
لو سُلب قانون الجاذبية من هذا العالم ـ ابتداءً من الذرّة وانتهاءً بالمجرّة ـ لا ختلّت النظم القائمة فيه، ولساد الفناء في مجمل عالم الطبيعة.
فإذا ما انعدمت المحبة في المنزل، وبين أفراد الأسرة الواحدة فسوف تنفلت عرى الالفة، ويؤول المنزل إلى قبر يملأه العذاب الشديد، لأن الدار الخالية من المحبة لا يمكن أن تكون فيها حياة حقيقية، لا يمكن أن يكون فيها إلاّ الموت، الموت التدريجي المقرون بالعذاب.
وبناء على ذلك منح الباري تعالت أسماؤه في وقت تشكيلها عنايةً خاصة ورحمة منه ولطفاً حتى يسكن الواحد إلى الآخر: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾1.
هل تعلمون أن لكل بناء ملاطاً ـ وهو ما يوضع من الإسمنت ونحوه بين قطع الطابوق أو الحجر لتماسكها ـ وأن ملاط الزواج وتشكيل الأسرة هو المحبة والود والألفة؟
قال الرسول الكريم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما بُنِي في الإسلام أحبَّ إلى الله عز وجل من التزويج)2.
أما الآن فسنبحث في مسألتين:
الأولى: ما هي المسائل التي يمكن أن تبعثر المحبة في البيت، بل ويمكن أن تقتضي عليها بالمرة.
المسألة الثانية: ما هي القضايا التي تساعد على ترسيخ عرى المحبة في البيت.
أ- آفات المحبة
1- الحدّة
إن أول شيء يمكن أن يُذهب المحبة من البيت إلى غير رجعة هي الحدة، الإختلاف، الغضب، وهذه كلها لا تبقي على الألفة والانسجام والودّ في البين العائلي.
فإذا ما ردّت المرأة على زوجها بحدّة، اشتعلت نار الغضب، وإذا ما تفاقم الأمر بدت العداوة والبغضاء لتصل في نهاية الأمر إلى كسر زجاجة المحبة، وحينما تبدل المحبة بالنفور، وهذا ما تفعله الحدّة في أغلب الأحيان، ناهيك عن مسألة القياس التي يستعملها بعض الرجال فهي الأخرى تُميت المحبة في كلا القلبين، وتبدل الألفة بالنفور، كأن يقول الرجل لإمرأته: إنك لا تجيدين شيئاً بالمرة، وإن جارتنا فلانة أفضل منك بكثير حيث يقول زوجها بأنها إمرأة جيدة، وطاهية ماهرة و.. و...
إن مثل هذه العبارات تنزل على رأس المرأة، كالصاعقة التي تهوي على زرع يابس بالإضافة إلى تهيئة القلب لأن يكون قاسياً من جرّاء الحقد الذي جلبته تلك العبارات، وقد أكد علماء النفس على هذه القضية فحرّموا مقارنة الزوجة بغيرها من النساء، وتنكّروا للتحدث إليها على هذه الشاكلة، لأن المرأة لا يمكن أن تنسى هذه العبارات ما دامت حيّة، وإذا أراد الشخص أن يشطب على تلك العبارات فسوف يحتاج على جهد إضافي للوصول إلى قلبها ثانيةً.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "قول الرجل للمرأة إنِّي أحبّك لا يذهب من قلبها أبداً"3.
2- الضرب والبذاءة
إن مسألة الضرب والبذاءة لا ترتبط بما نبحث فيه أصلاً، وأكرر مقولتي التي طالما ذكَّرت بها إخواني وهي، إذا جرى السبّ والشتم على لسان رجل أو امرأة ـ والعياذ بالله ـ فسيعرف الجميع بأن هذا الرجل وتلك المرأة لا يتمتعون بشخصية إسلامية ولا إنسانية بالمرة، وأن الله تباركت أسماؤه، ورسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم يمقتان مثل هؤلاء الأفراد.
"كان للإمام الصادق جعفر بن محمد عليه السلام صديقٌ لا يكاد يفارقه، إذا ذهب مكاناً، فبينما هو يمشي معه في الحذَّائين ومعه غلامٌ له سنديٌّ يمشي خلفهما، إذْ التفت الرجل يريد غلامه ثلاث مرات فلم يره، فلما نظر في الرابعة، قال: يا ابن الفاعلة أين كنت؟ قال: فرفع أبو عبد الله الصادق عليه السلام يده فصكَّ بها جبهة نفسه، ثم قال: سبحان الله تقذف أمَّهُ؟ قد كنتُ أرى أنَّ لك ورعاً فإذا ليس لك ورع؟ فقال: جعلت فداك إن أمَّة سنديّة مشركة، فقال: ما علمت أن لكل أمةٍ نكاحاً، تنحَّ عنّي، قال: فما رأيته يمشي معه حتى فرّق الموت بينهما"4.
من هذا نفهم بأن الرجل الذي يسبّ ابنه، أو امرأته حتى ولو كان هناك قصورٌ منهما فهو مغضبٌ لله جلَّت صفته، وأن المرأة التي تشتم زوجها أو ابنها لا ينبغي لها أن تتوقع من الباري تعالى غير الغضب، وأن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وفاطمة الزهراء عليها السلام، والأئمة الأطهار عليهم السلام غاضبون عليها، وأن السبّ أو الشتم سيتجسد في عالم البرزخ ليضحى رفيقاً للسبّاب، ويتجسد أيضاً يوم القيامة على شكل حيوان مفترس يلتهمه ولا يموت.
قال الإمام الباقر محمد بن علي عليه السلام: "دخل يهودي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعائشة عنده فقال: السَّام عليكم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: عليكم، ثم دخل آخر فقال مثل ذلك، فرد عليه صلى الله عليه وآله وسلم كما ردّ على صاحبه ثم دخل آخر فقال مثلَ ذلك فردّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما ردّ على صاحبيه فغضبت عائشة فقالت: عليكم السام والغضب واللعنة يا معشر اليهود يا إخوة القردة والخنازير فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا عائشة إن الفحش لو كان ممثلاً لكان مثال سوء، إنَّ الرفق لم يُوضع على شيءٍ قطّ إلاَّ دانه ولم يُرفع عنه قطّ إلا شانه، قالت: يا رسول الله أما سمعت قولهم: السام عليكم؟ فقال: بلى! أما سمعت ما رددت عليهم؟ قلتُ: عليكم، فإذا سلّم عليكم مسلم فقولوا سلام عليكم، وإذا سلم عليكم كافر فقولوا: عليك"5.
قال تعالى في محكم كتابه المجيد: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾6.
لذا يجب على المسلم أينما كان، وكيفما كان، أن يكون مؤدباً، ملتزماً، يُدرك ما يقول، وهذا ما يوصي به الإمام الصادق جعفر بن محمد عليه السلام أصحابه دائماً، فالمعلم لا يجدر به أن يكون لعّاناً ولا بذيئاً مع تلاميذه، والزوجة يجب عليها أن تبتعد عن السبّ والشتيمة، وكذا الولد عليه أن ينتبه لهذه المسألة الحساسة والمهمة، وليعلم الجميع بأن المسلم ليس بلعّان ولا طعّان ولا فاحش ولا بذيء.
أما بالنسبة للضرب فهو الآخر حاله كحال السبّ والشتم والبذاءة في الكلام، وأن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنه كثيراً، وهدد الرجل الضارب لزوجته بسبعين ضربة سوط من يد مالك جهنم في يوم القيامة لأن الضرب ليس من شأن المسلم الحقيقي، ليس من عمل الإنسان الواعي، ومن فعل ذلك، رجلاً كان أو امرأة عُدَّ أحمقاً ووضيعاً، وعليه نخرج من هذا البحث لأن البذاءة والضرب تميت القلوب، بعد أن تُذهب المحبة منها.
سأل رجل النبيّ صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله! ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: "أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الزوجة ولا تقبّح، ولا تهجر إلاَّ في البيت"7.
*الأخلاق البيتية، مظاهري، دار المحجة البيضاء، دار الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ط1، ص163-167.
1- الروم:21.
2- وسائل الشيعة/ ج14، ص3.
3- وسائل الشيعة/ ج14، ص10.
4- أصول الكافي/ ج4، ص16.
5- أصول الكافي/ ج4، ص464.
6- آل عمران:30.
7- أبو داود وابن حبان في (صحيح).