ما هي مقوّمات الحياة الزوجية إسلامياً؟
العلاقات الزوجية
هناك مقوّمات أساس للوصول إلى الهدف المنشود دينياً من الحياة الزوجية:
عدد الزوار: 26هناك مقوّمات أساس للوصول إلى الهدف المنشود دينياً من الحياة الزوجية:
1- السكينة والطمأنينة
"فكلّ واحد من الزوجين ناقص في نفسه مفتقر إلى الآخر ويحصل من المجموع "الزوج والزوجة" واحد تامّ من شأنه أن يلد وينسل. ولهذا النقص والافتقار يتحرّك الواحد منهما إلى الآخر حتّى إذا اتّصل به سكن إليه، لأنّ كلّ ناقص مشتاق إلى كماله وكلّ مفتقر مائل إلى ما يُزيل فقره، وهذا هو الشبق المودع في كلٍّ من هذين القرينين"[1].
فالأصل أن يسكن الزوج إلى زوجه، وهذا لا يكون إلا بالانسجام. فمن يطمع بالأنس بمن لا ينسجم معه يكون طامعاً في غير مطمع. وهذا يحتاج إلى رفع العوائق والمنفّرات الّتي تمنع من الانسجام. وهذا يُرجعنا إلى الشعور بالمسؤولية وعدم الاستهانة بالحياة الزوجية، سواء من قِبَل الزوج أو الزوجة، فالانسجام له أسبابه الموضوعية ولا يأتي هكذا من قدرة قادر.
فعلى كلٍّ من الرجل والمرأة أن يُسخّر وقتاً لفهم الآخر، فالأمزجة تختلف، والعادات، والمرتكزات، وأساليب مقاربة الأمور، وكيفية مواجهة الأحداث السارّة أو المحزنة.
والخلاصة: الانسجام الّذي يولّد السكن والاطمئنان والأنس له ثمن ولا يأتي بالمجّان.
2- المودّة
وهي المحبّة المصاحِبة للتعبير الفعليّ.
وأيضاً هذا الأمر لا يتحقّق إلا بالعمل الدؤوب المشتمل على الإحسان إلى الآخر والتضحية في سبيله، والتحمُّل منه، والموافقة، وعدم المنافرة، وعدم التعاكس المستمرّ، والعمل الدائب وبذل قصارى الوسع للوصول إلى الاتّفاق بأسرع وقت ممكن عند الاختلاف في الرأي وعدم إطالة فترة المنازعة والاختلاف، فإنّه مما يُمرض المودّة. فينبغي عدم تكثير التنازع وتكراره، فلا نستطيع أن ننفي الاختلاف في الآراء من رأس لأنّه أمر غير ممكن واقعاً، ولكن لا بُدّ من الذكاء والمهارة والفنّ في التعامل للتخطّي السريع والوصول إلى الاتّفاق بسرعة، ولا بُدّ من التغافل عن كثير من صغائر الأمور، فعن إمامنا محمد الباقر(عليه السلام): "صلاح حال التعايش والتعاشر ملء مكيال ثلثاه فطنة وثلثه تغافل"[2].
وتلاحظون هذه الأمور كم هي شاقّة، فيها جهاد للنفس الّذي هو الجهاد الأكبر.
3- الرحمة
من كلٍّ من الرجل والمرأة للآخر. ورحمة كلٍّ منهما لها مواردها الخاصة.
فالرجل يرحم المرأة:
* إذا تسرّعت فيغفر لها، كما ورد في الحديث أنّ من حقّها عليه أن يغفر لها إذا جهلت.
* ويرحم ضعفها إذا قصّرت في القيام ببعض حقوقه.
* ويرحمها في مواطن حاجتها إليه.
والرحمة من لوازمها عدم القسوة والخشونة سواء في الكلام أم في المواقف، فإنّه من المؤسف أن نرى بعض الرجال يستعرض عضلاته، ويختبر قوّته في قبال زوجته.
والمرأة ترحم زوجها:
* عندما تراه منهكاً وتعباً من عناء العمل ومعاركة الحياة، تُبادر إلى التخفيف عنه.
* وعندما تراه مهموماً لتكاليف الحياة الصعبة الّتي تثقل الكاهل.
* وإذا قصّر في قضاء بعض حوائج المنزل لانشغاله في عمله والكدّ على معيشته ومعيشة كلّ العيال.
* وإذا تعسّر عليه عمله وقصّر الإنتاج عن النفقة، تصبر عليه وترحمه ولا تعيّره ولا تجرح شعوره، بل تعينه وتشجّعه وتحثّه على القيام بما يُصلح شأن عمله.
وكلّ هذا يحتاج إلى توفيق من الله تعالى واستعانة به، ودعاء مستمرٍّ بنيّة مخلصة، لكي يجعل الله تعالى البركة في الحياة الزوجية، ويشمل الزوجين بألطافه لكي يقدرا على تحمُّل هذه المسؤولية.
لا تبدأ حياتك الزوجية بالحرام
لكي يُنزل الله تعالى البركة على البيت الزوجيّ يلزم من كلا الزوجين أن يتبعا تعاليم الشرع المبين الّتي توجب الرحمة من الله تعالى، أفلا نقول في الدعاء "اللّهمّ إنّي أسألك موجبات رحمتك"، إذاً للرحمة موجبات ولنزول البركة موجبات، وللتوفيق بين الزوجين موجبات، وكذلك يوجد ما يمنع هذه المعاني كلّها، ويأتي بأضدادها، من الشؤم والنكد، وعدم المحبة والمودّة، وعدم الاتّفاق والانسجام...
والعاقل يتعرّض من بدء حياته الزوجية، من أوّل يوم، بل من أوّل خطوة يخطوها لنفحات الرحمن سبحانه، ولبركاته، وذلك من خلال القيام بالمستحبّات وترك المكروهات، والدعاء للتوفيق..
بينما الجاهل يبدأ من أوّل يوم في حياته الزوجية بالأعراس المحرّمة الّتي تشتمل على الغناء والموسيقى والرقص الّذي يتعدّى فيه الشرع المبين، وباللباس غير المحتشم للنساء مما لا تُسيغه مرتكزاتنا الدينية ولا أخلاقنا الإنسانية.
بالله عليكم أيّ موجبات رحمة يقوم بها مثل هذا.
وأيّ نفحات رحمانية وألطاف إلهية يتعرّض لها؟
وأيّ بركة من هذا الزواج يرجوها وهو يعصي الله تعالى جهاراً.
وفي الرواية: إنّ البيت الّذي يُسمع فيه الغناء لا تدخله الملائكة، ولا يُستجاب فيه الدعوة، ولا يأمن الفجيعة، وإنّ الغناء عشّ النفاق...إلى ما هنالك من مضامين تُشنّع على الغناء وسامعيه.
ويتذرّع الإنسان بكلمات واهية غالباً ينطق بها الشيطان عن لسانه، كأن يقول: هي ليلة في العمر وتمضي!
عجيب، يعني إذا كانت مرّة واحدة يجوز لي أن أعصي؟
وفي الرواية عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): "إذا هممت بسيئة فلا تعملها، فإنه ربما اطلع الله على العبد وهو على شئ من المعصية فيقول: وعزتي وجلالي لا أغفر لك بعدها أبدا"[3].
وإذا كان هذا المنطق سليماً؛ فإذاً يستطيع العبد أن يعصي الله بكلّ المعاصي، ولكن يعصي بكلّ معصية مرّة واحدة والأمر يمضي، يقتل مرة واحدة، يزني مرة واحدة، يسرق مرة واحدة....
هل هذا منطق سليم؟!
أو يقول: إنّ أهل زوجتي، أو إنّ بعض أهلي يريدون أن يفرحوا لنا.
أو إنّ العرف جارٍ هكذا فلا نقدر على مخالفة التقليد.
أو إنّ الناس تعيب علينا وتقول إنّ عرسكم كان مثل مأتم.
أقول: المؤمن لا يفرح بالمعصية بل المعصية هي مأتم وعزاء له، ولا ينبغي لعاقل مؤمن أن تغلبه العادات والأعراف إذا كانت مخالفة لرضا الله تعالى.
ويمكن القيام بمظاهر الفرح، فإنّ الإسلام لم يمنع من الفرح بل أباحه وخصوصاً في الأعراس، غاية الأمر أن لا تُمارس المعاصي بحجّة الفرح.
وهل الفرح لا يكون إلا بمعصية الله؟! هناك أساليب شرعية تُعبّر خير تعبير عن الفرح والسرور.
نسأل الله التوفيق والرحمة والبركة في كلِّ شؤوننا.
* من كتاب: مواعظ قرآنية – سلسلة الدروس الثقافية- جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
[1] - تفسير الميزان، السيّد الطباطبائي، ج 16، ص 166.
[2] - بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج 75، ص 241.
[3] ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج2، ص124.