من موانع الزواج
العلاقات الزوجية
إن التحجج يعتبر أول وأهم مانع أو سدٍ في طريق الزواج، وهو ما نراه متفاقماً يوماً بعد يوم، التحجّج من طرف الفتاة أو من طرف الفتى أو من طرف الآباء والأمهات قد يجرّ في بعض الأحيان إلى بلوغ الفتاة "30" سنة بدون زواج، وإلى بلوغ الفتى "40" سنة عازباً...
عدد الزوار: 84
إن بحثنا في هذا المقال يدور حول موانع الزواج في هذه الأيام، والتي تشبه إلى حدّ ما السدود الترابية التي تستعمل في جبهات القتال لعرقلة تحركات العدو.
التحججات
إن التحجج يعتبر أول وأهم مانع أو سدٍ في طريق الزواج، وهو ما نراه متفاقماً يوماً بعد يوم، التحجّج من طرف الفتاة أو من طرف الفتى أو من طرف الآباء والأمهات قد يجرّ في بعض الأحيان إلى بلوغ الفتاة "30" سنة بدون زواج، وإلى بلوغ الفتى "40" سنة عازباً، وعندما يسأل ذلك الرجل عن عدم زواجه حتى بلغ ما بلغ من العمر، يجيب قائلاً: لم أجد زوجة مناسبة لي! أو لم أجد زوجة جيدة! وكذا بالنسبة للفتيات العوانس.
إن القضية الأساس التي يجب أن نلتفت إليها جميعاً هي: لا معنى لعدم قبول الفتاة لأحد المتقدمين لها من الفتيان مع أنها مقتنعة100% به، ولا معنى لعدم زواج الفتى من فتاة تعجبه100%.
إن الطبيعي في الأمر هو أن الإنسان العاقل إذا وجد نفسه يمكن أن ينسجم مع الطرف المقابل 50% أخلاقياً وذوقياً لا بأس به أن يقدم على الزواج، وإذا زدنا في هذه النسبة إلى 70% فذلك خير على خير، وإن تلك الزوجة التي تتلائم70% مع زوجها تعتبر زوجةً جيدةً جداً.
إن الحجج والتبجحات التي يستخدمها المتدينون شيء، وتلك التي يستخدمها غير المتدينين شيء آخر، فترى أحدهم يطالب الخاطب بدار مستقلة في الوقت الذي لا يمتلك المتقدم ذلك، وترى الآخر يريد فتاةً جميلة 100% ولا نقص فيها بالمرة، ولا يوجد هكذا شيء، وبعضهم يبحث عن الأنساب العالية والرفيعة في الوقت الذي يكون هو من بين الأنساب الضحلة، وعندما يسعى لهذا الأمر حثيثاً تراه يحاول الانتقاء بشكل يبعث على الدهشة، حيث يلحّ في مسألة الأنساب الرفيعة أكثر من الطبيعي مما يوجب عدم زواجه.
وقد نرى في أحيان أخرى عدم رضا أم الفتى عن التقدّم لخطبة فتاة تضع نظارة على عينيها، وقد ترفض أم إحدى الفتيات شاباً قصير القامة أو آخر لا يمتلك سيّارة.
إن هذه المسائل في حقيقة الأمر تدخل كلها ضمن دائرة التحجّج، ولا تمتّ بصلة إلى القضايا العقلية، أو القضايا التي يرتضيها العقلاء.
قد يكون في مجتمعاتنا هذه بعض الفتيات من اللاتي تقدم لهنّ أكثر من عشرين فتى، لكنهن رفضن القبول بسبب بعض المسائل الجزئية، أو التافهة، وقد نشاهد شاباً سعى للزواج حثيثاً لمدة "3" أو "4" سنوات لكنه لم يحظ بما يريد أو يرغب، بالرغم من أن له أبنة عمّ، وابنة خالة، وأن لجيرانه عدة فتيات بلغن سنّ الزواج، لكنه يشكل على كلّ تلك الفتيات، فهو يعيب على هذه جمالها، وعلى تلك طولها، وعلى أخرى أنفها وما إلى ذلك.
والجدير بالذكر أنه يتزوج في نهاية المطاف فتاة سيئةً، أو دميمةً بالرغم من معايبه الكثيرة التي كان يلقيها على هذه تلك.
إن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم تحدّث كثيراً عن مسألة تزويج البنات في حضور العامة والخاصة ليلفت أنظار المجتمع الإسلامي إلى خطورة بقاء البنات بدون زواج مبكّر،وقد جاء عن الإمام الرضا علي بن موسى عليه السلام رواية تتعرض لهذا الأمر حيث قال: "نزل جبرئيل على النبيّ صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد إن ربك يقرئُك السلام ويقول: إن الأبكار من النساء بمنزلة الثّمر على الشجر، فإذا أينع الثمر فلا دواء له إلا اجتنائه، وإلاّ أفسدته الشمس، وغيّرته الريح، وإنّ الأبكار إذا أدركن ما تدرك النساء فلا دواء لهن إلا البعول، وإلا لم يؤمن عليهم الفتنة، فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله المنبر فجمع الناس ثم أعلمهم ما أمر الله عز وجل به.. "1.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بصدد تزويج الفتيان مبكراً: "أيما شاب تزوج في حداثة سنه عج شيطانه: يا ويله! عصم منّي دينه"2.
لقد ضجّ بعضهم حينما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتحدث في مسألة تزويج البنات فقام ليسأل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً: لمن نزوّج فتياتنا؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: الأكفاء؟ فقال: ومن هو الكفؤ يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم:"المؤمنون بعضهم أكفاء بعض"3.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته يخطب فزوّجوه، إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"4.
وجاء في مكارم الأخلاق
(جاء رجل إلى الإمام الحسن بن علي عليه السلام يستشيره في تزويج ابنته! فقال: زوجها من رجل تقيّ، فإنَّه إن أحبّها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها).
كم هي جميلة هذه الرواية التي نقلت لنا عن الإمام الحسن بن علي عليه السلام والتي تتنكر لجميع أشكال الحجج والأعذار، ولا أعرف أحداً لا يتحجج في هذا الزمان حينما تطلب منه يد ابنته، بالرغم من كثرة الروايات والأحاديث الذامّة لمن لا يزوج ابنته من رجل تقيّ.
لقد حدثت في زمان الرسول محمّد صلى الله عليه وآله وسلم عدّة وقائع من زواج عجيب، لكي لا يبقى هناك للمسلمين من حجةٍ في ما يدّعون، ومن جملتها: زواج "جويبر" وزواج "زيد" و"المقداد".
ولقد كانت تلك الحوادث والوقائع تتبنّى تزويج فتيات جميلات، ذوات حسب ونسب، من رجال ليس لهم من الدنيا إلاّ تقواهم وذلك حتى يتمكّن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من إحياء قانون الأخلاق والدين في المجتمع.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنما زوجت مولاي زيد بن حارثة زينب بنت جحش، وزوجت المقداد ضباعة بنت الزبير لتعلموا أن أكرمكم عند الله أحسنكم إسلاماً"5.
وقال أيضاً صلى الله عليه وآله وسلم: "أنكحت زيد بن حارثة زينب بنت جحش، وأنكحت المقداد ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ليعلموا أن أشرف الشرف الإسلام"6.
إن هكذا إنكاح وتزويج يراد منه إفهام الناس بأن هذه الجميلة ذات الحسب والنسب والأخلاق الفاضلة لا يليق بها إلا الكفؤ، والكفؤ هو من تشرّف بشرف الإسلام، وأحسن إسلامه، فمن اقتنع بنسبة 70% بإحدى الفتيات لا ينبغي له أن يتحجج بشتى الطرق كي يفلتَ من هكذا زواج، ولا ينبغي له أن يستخر أيضاً، فالاستخارة لها أوقاتها، وأوقاتها هي انعدام حالة التفكير، أو عندما لا تكون المشورة مؤثرة، أو عندما يقع الإنسان في إحدى حالات الإبهام أو الظلمة أو التشويش.
أما إذا كانت المسألة واضحة، وأن الذي جاء يخطب إليك ابنتك خلوق ومتدين ويتمكن من فتح بيت الزوجية، فلم الاستخارة؟ أو إذا رأيت فتاةً خيرةً متدينةً، خلوقةً، ملتزمةً تتمكن من مداراة الزوج فعلام الاستخارة؟
إن أصل الاستخارة في الإسلام يحمل معنى غير المعاني المعمول بها هذه الأيام، ولذا أطلب منكم أن تعملوا بها، طبق الموازين الإسلامية.
وطريقة الاستخارة هي:
إذا أردت تأدية عمل ما عليكم بإقامة ركعتين لوجه الله تعالى، وأتبعها بعد ذلك بقول "أستخير الله برحمته" مائة مرّة، ثم باشر في أداء العمل وسيكون ذلك العمل مباركاً بإذن الله تعالى.
وهذا هو أصل الاستخارة في الإسلام.
إن الاستخارة التي أسندتها الروايات المتواترة الصحيحة والتي تحدّث عنها صاحب الجواهر رضوان الله تعالى عليه هي: طلب الخير من الله تعالى حين الشروع بعملٍ ما بفتح كتابه المبارك، هذا بالإضافة إلى الحالات التي يعجز فيها التفكير عن العمل، أو بعبارة أخرى الحالات المبهمة، والتي لا تنفع معها المشورة، عند ذلك يمكن أن يستخير المرء الباري تعالى بفتح كتابه فإن كانت الآية تنذر بالسوء فلا بأس من ترك القيام بذلك العمل.
وخلاصة القول: إن المانع الأول في أغلب حالات الزواج هو التحجج الذي يبرز من بعض الفتيان أو من بعض الفتيات أو من آبائهم وأمهاتهم، لذا أطلب من الجميع أن يتكلوا على الله تبارك وتعالى بدلاً من الإتكال على تلك الحجج والأعذار الواهية التي ما أنزل الله بها من سلطان، وليعلم الجميع أن المتوكلين على الله لا يمكن أن يخافوا أو يحزنوا في مثل هذه المواقف: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾7.
نقل لنا البعض حكاية عن المرحوم كاشف الغطاء رضوان الله تعالى عليه، وكما تعلمون أنه كان أحد مراجع زمانه، حيث لم تشهد الحوزات العلمية رجلاً عالماً، شجاعاً، فاضلاً مثله، إلاّ ما ندر.
قال المرحوم كاشف الغطاء بعد انتهاء إحدى جلسات تدريسه مخاطباً طلابه: لي ابنة بلغت سن الرشد، وأروم تزويجها من رجل متدين خلوق، فإذا ما تقدم لها هكذا شخص زوّجته إياها، فقام أحد الفضلاء من مكانه ليجلس مرّة أخرى ـ عانياً بذلك أنه يتقدم لخطبتها ـ، وعندها قال له المرحوم كاشف الغطاء تعال إلى دارنا اليوم.
ذهب المرحوم كاشف الغطاء إلى منزله وتبعه ذلك الفاضل المتدين، وهو معروفٌ لدى المرحوم بشكل كامل، إذ كان يتمتع بأخلاق فاضلة، لكنه لم يكن يمتلك من الدنيا إلاّ رحمة ربّه.
دخل ذلك الشاب الفاضل منزل المرحوم الشيخ كاشف الغطاء، وفي حضوره قال منادياً ابنته: وجدتُ لك زوجاً لا يملك من حطام الدنيا شيئاً، ولكنه عالم متدين،وفاضل خلوق، فهل ترضين به زوجاً لك، فأجابت: الأمر أمرك يا أبه.
عندها عقد الشيخ لابنته على ذلك الشاب الفاضل ليدخلا إحدى غرف منزله بعد أن تهيأت البنت لتلك الليلة، وقبل أذان الصباح قام المرحوم كاشف الغطاء لتأدية صلاة الليل، وقبل أن يشرع بصلاته طرق باب العروسين ليقول لهما: سخنت لكما بعض الماء (ولم يكن في ذلك الزمان حمام داخل المنزل) وما عليكما إلاّ الذهاب إلى الغرفة الفلانية لتغتسلا من أجل إقامة صلاة الليل، فذهب الزوجان ليغتسلا ويقيما بعد ذلك صلاة الليل، ولكن هل انتهى إيثار وتضحية كاشف الغطاء إلى هذا الحدّ؟
﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾8.
لقد كان صهر الشيخ كاشف الغطاء هو: الشيخ محمد تقي مسجد شاهي وهو من كتاب حاشية على "المعالم" حيث ما زالت تلك الحاشية تعد من الأصول الحيّة، بالرغم من انقضاء"300" أو "400" عاماً على كتابتها.
لقد تقدم هذا الصهر على كاشف الغطاء بعلمه، وكان جميع أولاده علماء ومجتهدين، ولم ينقطع العلم والاجتهاد عن منزله إلى يومنا هذا، حيث أضحى جميع أبنائه وأحفاده من المتدينين الملتزمين، ومن المعروفين في أصفهان بهذه الصبغة، حتى شاع صيته بين حكّام زمانه فأبدوا له الاحترام والتواضع والتبجيل.
وخلاصة القول: كان ذلك العرس جميلاً وطيِّباً فشاع طيبه إلى باقي الأجيال، إنه العرس الذي أراده القرآن الكريم، إنه العرس الإسلامي الحقيقي.
لقد كان نهج الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الشكل، وكان نهج الأئمة الأطهار من أهل بيته بهذه الكيفية، وكذا كان نهج التابعين لهم بإحسان.
كان العلامة المجلسي معروفاً بمقامه العلمي الرفيع، بالإضافة إلى إمكانياته المادية التي جعلته يتمكن من الصفويين ويجعل من دورهم بلاطاً له، ولو لم يكن للعلامة المجلسي غير كتاب بحار الأنوار، لكفاه أن يقال فيه إنه من نوادر العلم التي قلّ نظيرها.
كان للعلامة المجلسي ابنة فاضلة ومجتهدة وذات جمال، ولم تكن تتجاوز حينئذٍ عشرين سنة، وكانت تعدّ من أسمى العوائل نسباً وحسباً، وبالرغم من كل ما تمتلك من صفات حميدة، زوّجها المجلسي لأحد تلامذته، ممن لم يكونوا على مستوىً رفيع من العلم، ولكنه كان على أرفع مستوى من الأخلاق والتدين والالتزام، إنه الملا صالح المازندراني غير المعروف بين إخوانه وأقرانه وزمانه.
لقد زوّج العلامة المجلسي ابنته الفاضلة تلك إلى أخلاق هذا الرجل الصالح، وإلى دينه والتزامه، ويقال إن الملا صالح كان عليه أن يطالع في ليلة زفافه، ولكنّه تعثر في حل إحدى المسائل عندها تمكنت تلك الفتاة الشابة من حلّ مسألته بسهولة لأنها لم تكن فتاة عادية، بل كانت عاملة معلّمة.
إذن، لماذا وافق العلامة على تزويجها من ذلك الرجل الذي كان اقل منها مستوى في العلم؟ لأنه لم يكن من المتذرعين بالحجج الواهية، وأنه كان من المؤمنين بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه وإن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"9.
2- الروتين الممقوت
المانع أو السدّ الثاني بوجه الزواج، وخصوصاً في هذا الزمان هو الروتين الممقوت الذي نراه يزداد صعوبة يوماً بعد يوم، ففي البداية كانوا يفرضون على الشاب تقديم قرآن من الدرجة الأولى، وبعد ذلك صار عليه أن يضيف إليه مرآة وقنديلين كهربائيين تنتخبهما أم الفتاة، ثم تفاقم الأمر إلى أبعد من ذلك ليصل إلى أن الفتى لو باع نفسه في السوق لما وفّى بمبالغ تلك المتطلبات، المشتملة على عدّة خواتم ذهبية واسورة ذهب من العيار الراقي، وقلادة الماس مطعمة بالذهب الخالص و.. و.. حتى بلغ الأمر بالبعض إلى أن يقول: أتوسل إليكم بإعفائي من هذا الزواج!
ما الذي عدا مما بدا؟ وما الذي سيحدث لو رضيت العروس بتلك المرآة والقنديلين علاوة على نسخة من كتاب الله الكريم؟ وماذا سيحدث لو لم تكن تلك المرآة والقنديلان؟ ومن هو الذي يريد رؤيتهما في منزلك؟ ما المانع في أن تكون عدّة تلك الخواتم خاتماً واحداً؟ ويكون خاتم العريس عقيقاً؟ بدل الخاتم الذهبي الذي يهدى إليه من أهل البنت تيمناً بجارتهم التي أهدت لعريسها خاتماً ذهبياً؟
إن الخاتم الذهبي الذي تهديه الأسرة إلى هذا العريس يُعدّ بمثابة أوّل سلّم في سوء الحظّ الذي يمكن أن يلاقيه في حياته الزوجية التي إبتدأت بمخالفة أحد القوانين الشرعية.
فالخاتم الذهبي لا يمكّن صاحبه من إقامة صلاة مقبولة، لأن الذي يتختم بالذهب تبطل صلاته، هذا بالإضافة إلى أن هذا التختم سيسجّل له معصية في سجلّ أعماله لأن الرجل لا يحقّ له التزيّن بالذهب.
الخاتم، الساعة، الأزرار، النظارات وكل ما يوجب التزين به إذا كان من ذهب حرم على الرجل!
إن التختم بالعقيق أو بخاتم من فضة بالنسبة للعريس لن يسقط السماء على الأرض على حدّ قول العامّة، ولن يبعث بالأرض إلى حيث السماء، وكذا الأمر بالنسبة للعروس التي لا تلبس قلادة من الماس أو بضعة خواتيم ذهب.
جاء رجل إلى الإمام الباقر محمد بن عليّ عليه السلام، فسأله الإمام عليه السلام: ألك زوجة؟ قال: كلا يا بن رسول الله، فقال عليه السلام: لست مستعداً للمبيت ليلةً واحدة بدون امرأة، ثم قال: "إنّ ركعتين يصليهما رجل متزوج، أفضل من رجل يقوم ليله ويصوم نهاره أعزب"11.
ثم أعطى الإمام عليه السلام سبعة دنانير للرجل وقال له: اذهب وتزوج.
إن ذلك الزواج الذي تمّ بسبعة دنانير ذهبية، لا يمكن أنْ يتمّ الآن إلاّ بسبعين من الدنانير الذهبية، والدينار هو سبعة مثاقيل، كل مثقال شرعي فيه يساوي "17" حمصة أو حبّة.
وقد يكون الأمر في زماننا هذا أكثر من سبعين ديناراً أضعافاً مضاعفةً، لذا ترى البعض يبيع منزله ليتمكن من إقامة حفلة العقد، وهذا ما لا يرضاه الله ولا رسوله ولا المؤمنون.
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالساً مع أصحابه، فجاءت إحدى النساء وتحدثت من وراء حجاب قالت: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! زوّجني فالتفت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى أصحابه وقال: من يريد منكم أن يتزوّج؟ فقام إليه أحدهم وقال: أنا يا رسول الله، قال صلى الله عليه وآله وسلم: ما لديك من مهر؟ قال: لا شيء إلاّ هذا الذي أرتدي: فقال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: هل تحفظ شيئاً من القرآن؟ قال: نعم أحفظ منه سورة الواقعة، عندها قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للمرأة: هل ترضين بسورة الواقعة مهراً لك؟ فأجابت بالقبول، وتمّ العقد.
إننا لا نقول بأنه من الواجب عليكم أن تفعلوا مثلما فعل ذلك الرجل وتلك المرأة في صدر الإسلام، ولكننا نقول لكم لا تصبحوا أُسارى هذه القيود العصرية، ولِمَ نضع أنفسنا في مواضع يشمّ منها رائحة العبودية؟ وهذا ما نراه واضحاً على الجميع من فضلاء وعلماء، وتجار وزرّاع وجميع من هم يعيشون في هذا المجتمع إلاّ ما رحم ربّي.
إن الغالبية العظمى تستخدم الحجج والاعذار، واللجوء إلى الاستخارة بدون علل معقولة، والطريف في الأمر أن العريس إذا جلس للعقد عندنا تراه منشغل البال، سارح الفكر بعيداً عما حوله، لأنه يفكر في كيفية تسديد القروض التي استخدمها في شراء الذهب واللوازم الثمينة التي طُلبت منه، لا أعرف ما الذي سيحدث لو تم العرس دون ذهب؟ ولكن الذي أعرفه هو أن الفرد المدّعي بتسليمه لله تعالى لا ينبغي له أن يجري وراء هذه التوافه الى هذا الحدّ.
ألا يعلم الجميع بأن الله تعالى يلطف بعباده المتساهلين؟ ألا تعلمون بأن الباري تعالى سيكافئ المنصفين أفضل مكافأة، هذا إذا كانت نيّتهم لله تعالى وحده، فلم التصعّب في هذه المسائل؟ ولم الإصرار على شراء الحاجيات الثمينة والسلع النادرة من أجل ذلك العرس؟
أيتها السيدة! إن الذهب ستجديه بعد الزواج إن شاء الله، وما عليك إلاَّ أن تبحثي الآن عن صهرٍ متدينٍ متقٍ يحبّ ابنتك، وعلى حدّ قول الإمام الحسن عليه السلام: فانه إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها.
والطريف في الأمر أن البعض يقول: لا يمكن أن يكون العقد عقد فرح وسرور ما لم يأت العريس بثياب فاخرة لأم العروس ولأخت العروس ولأب العروس وهذا ما لا يطاق! أو قد تطلب والدة العريس أشياء ولوازم لها كي يتم الفرح والسرور، وبدون تلك الطلبات لا يمكن أن تكون فرحة مسرورة.
وأقول هنا: إذا لم تكن فرحة ومسرورة فلن تكون بهذه اللوازم الكمالية كذلك، ولو كانت تريد خير ابنتها لما فعلت ذلك، لأنها بفعلها ذاك تعقّد مسألة المهر والزواج وتزيد الطين بلّة.
وعليه فلا باس بأن يقتصر أبو العروس على شراء بدلة للعريس ولا يزيد في ذلك كيلا تضحى عادةً متداولةً، فقد يكون أبو العروس محتاجاً لخبز عشائه، ولشراء ما يسدّ جوعة أبنائه، فلم هذا الإحراج؟ ولم هذه القيود؟ اتقوا الله الذي بين ظهرانيكم وأنيبوا إليه يرحمكم.
قد يتشبث البعض بأن الهدايا الكثيرة لأم العروس ولأخت العروس ولعمّ العروس تبعث على المحبة، ولكننا نقول له بأن هذه المسائل لا تبعث بالمرة على المحبة وعلى ما أظن اننا ضيّعنا المكان الذي يجب أن نقول فيه الدعاء.
يقول "مثنوي": ذهب أحدهم إلى بيت الخلاء، وهنا شرع بقراءة أحد الأدعية التي يدعا بها في وقت الوضوء والمضمضة.
وعند الوضوء عاد ثانية إلى قراءة نفس الدعاء الذي كان يدعو به في بيت الخلاء بعد ذلك انتبه إلى حاله فقال:
أيها النفس لقد أصبحتِ في مأخذك للماء لكنك ضيعت مكان الدعاء.
وبناءً على ذلك إننا نظنّ بأن الذهب الكثير سيجلب لنا حبّ العروس! وإن الحب كله مقرون بإغراق العروس بالذهب! كلا إن المحبة لا يأتي بها إلاّ الإيمان والعمل الصالح والالتزام بما أنزل الله في كتابه الكريم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾12.
فمن أحكم علائقه بالله تعالت أسماؤه تمكن من إصابة الهدف الذي يريد، وعندها يتمكن من حب الفتاة له، لأن الباري تعالى وعد الذين آمنوا من العاملين بأن يجعل لهم حباً ووداً ووئاماً في قلوب الناس، وقسماً بذات الله أنا على يقين بأنكم ـ أيها المؤكدون على الروتين الشائع ـ لا تجرؤون على القول بأن الله ورسوله وإمام زماننا راضون عن هكذا زيجات؟
وإنكم لتدركون جيداً بأن عملكم هذا مخالف لشرعة الله الحقة، لذا ينبغي لنا جميعاً أن نساهم في كسر هذه القيود التي جعلت منا أُسارى لهذا الروتين الممقوت!
المهور الثقيلة
السد أو المانع الثالث والذي أضحى مصيبة في مجتمعاتنا المعاشة: هو المهر.
نسمع في بعض الأحيان بأن الأفراد الذين لا يرتبطون بدين، من الذين ليس لهم علاقة بالثورة الإسلامية يقولون بأن مهور فتياتهم تربو على المليون، والمليونين، والثلاثة ملايين، ولكن الحال الحاضر يقول أكثر من ذلك فقد سمعنا بأن المهور طغت عليها صبغة ثورية على أيامنا هذه، وإن بعض المتدينين قد وضع مهراً لابنته يتجاوز المائة وأربعة والعشرين ألف سكّة ذهب تيمناً بالمائة والأربعة والعشرين ألف نبي ورسول!! وهذا مما يجعل الشاب يهرب من الزواج بعيداً، وقد يضاف شيء آخر إلى ذلك وهذا ما سمعناه في مدينة قم المقدسة وهو "حق اللبن"، وهو من الأمور الخرافية البائسة! ومعنى حق اللبن هو: أن والدة الفتاة تطالب العريس بأجور ما سقته من لبن لابنتها التي ستضحى زوجةً لهذا العريس، وهذه الأجور لا تعطى للأم بل للأب، وحق اللبن هو إحدى الحيل التي يراد منها بيع البنت تحت هذا العنوان، وإن هذه الاموال التي تؤخذ من العريس تحت طائلة "حق اللبن" تحددها أم الفتاة.
إن الكثير من الفقهاء يشكلون على المهر، ويرجعون ذلك إلى نظر الشرع المقدس، أي لو اتفق أن يتقدم شخص لا يملك شيئاً فهل يمكن أن يقبل في ذمته مليوناً؟
إن أغلب الفقهاء يقولون: إن الشخص الذي لا يمتلك شيئاً لن يتأتى له أن يقبل مليوناً في ذمته، ويقول بعض الفقهاء: إن الذمة واسعة، ومن لم يكن لديه مليون، لا يمكن أن يستحصل أحدٌ منه شيئاً، ولكنها ستبقى في ذمته.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم بصدد المهر: "تياسروا في الصداق، فإن الرجل ليعطي المرأة حتى يبقى ذلك في نفسه عليها حسيكه"13.
إن فلاناً من الناس يحاول ربط هذا الفتى بمهر ثقيل كي يبقي على ابنته، ولو كان الفتى غير منسجمٍ مع تلك الفتاة، غير محب لها بالرغم من أنه يصرف لها ما تريد من الأموال، وهذا ما تريده أنت أيضاً، ويسمح لها بالذهاب أينما شاءت، وهذا ما يوافق هواك أيضاً، لكنه لا يتعامل مع ابنتك مثلما يتعامل الزوجان المحبّان، فتراه على سبيل المثال غير مجامل لابنتك كونه لا يحبها، ولا ينسجم معها، فما العمل حينذاك؟ وما الذي تستطيع فعله كي تجعل هذا الرجل يحبّها؟ إنّه لا يضربها، ولا يشتمها، لكنه عبوس، لا يرغب بالتحدث إليها بالمرة.
وبمرور الأيام ستشعر البنت بأنها في زنزانة انفرادية، وما إن تمضي السنة حتى نسمع تلك البنت تقول: أخرجوني من هذه الدار، سأتنازل عن كل شيء في سبيل أن يطلقني، وإن صداقي حلال له مقابل حريتي التي سلبت.
لذا، أيها الآباء، أيتها الأمهات! إننا لا نوافق على تزويج فتياتكم بدون مهر، ولا نوافق أيضاً على تزويجهن بالملايين والمليارات، اجعلوا الأمر وسطاً فلا بأس من أن يكون المهر، نسخة من كتاب الله المجيد، وبضعة مسكوكات ذهبية بحيث لا تتجاوز الخمس، لا إفراط ولا تفريط.
قال أمير المؤمنين عليّ عليه السلام:
﴿لا يرى الجاهلُ إلاَّ مفرِطاً أو مُفَرِّطاً﴾14.
إن على المتقدم للخطبة أن يراعي شأن الفتاة، مثلما ينبغي للفتاة مراعاة شأن الفتى الخاطب، وما هو مقدار شأن الفتى أو شأن الفتاة؟.
إن الكثير من الأسر تساهم في توجيه ضربة روحية إلى الفتى والفتاة منذ الليلة الأولى التي جاء فيها الخاطب، لتصل في النهاية إلى كراهية ظاهرية ظانّين بأنهم يبيعون منزلاً فهذا يقول كم سعر هذه الدار، وآخر يقول إن الثمن عالٍ جداً ولا بأس من تخفيضه قليلاً، ليصلوا في النهاية إلى تعيين القيمة الأصلية لتباع الدار، ويستلم المبلغ.
أما بالنسبة للخطوط، فالأمر على أيامنا هذه لا يختلف كثيراً عن وضعية بيع وشراء الدار، يجلس أهل العروس في مواجهة أهل العريس، فيسأل أهل العريس عن قيمة المهر؟ فيقال لهم: مليارد! فيجيبون: ما الذي حدث؟ خفضوا الثمن قليلاً!
وقد تحتد لهجة الحديث في بعض الأحيان، لتبرز حالة من التجريح في البيت الأسري، وقد تصل تلك الحالة إلى قمتها فتكسر أركان المحبة التي كان يحملها الفتى لتلك الفتاة، والمحبة كما تعلمون مثلها كمثل الزجاجة إذا كسرت صعب التئامها.
يتفق الجميع على الثمن، ويشرب العروسان عصير الفرح، ولكن يبقى شيء لا يمكن أن ينسى على مدى الدهر، ألا وهو عداوة أم العريس للعروس وأهلها، هذه العروس التي تسببت في أن يكون المهر بهذه الكيفية المضرة بابنها، وعندها لا يمكن أن تستقيم حياة تلك العروس ما دامت ترى أم عريسها المختلفة معها في كل شيء.
*الأخلاق البيتية، مظاهري، دار المحجة البيضاء، دار الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله سلم، ط1، ص53-67.
1- وسائل الشيعة/ ج14، ص39.
2- كنز العمال/ ح44441.
3- وسائل الشيعة ج14، ص49.
4- مكارم الأخلاق/ ص204.
5- كنز العمال/ ح313.
6- بحار الأنوار/ ج103، ص266.
7- يونس:62.
8- العنكبوت:69
9- بحار الأنوار/ ج 103 ص373.
10- الإيقاف هنا نعني به: حبس مالٍ وصرف منفعته لجهةٍ معينة، ويجوز في الخيرات ابتداءً وانتهاءً.
11- وسائل الشيعة/ ج14،ص7.
12- مريم:96
13- الحسيكة: العداوة والحقد، كنز العمال/ ح44731.
14- نهج البلاغة/ الحكمة رقم 67