الثورة الإسلامية مقارنة بالثورات الأخرى: بقيت وتلاشوا
الثورة الإسلامية
الثورة الإسلامية مقارنة بالثورات الأخرى: بقيت وتلاشوا
عدد الزوار: 88
من كلمة
الإمام الخامنئي في أهالي آذربيجان 17/02/2008
الثورة الإسلامية مقارنة بالثورات الأخرى: بقيت وتلاشوا
التاسع
والعشرين من بهمن ذروة مفاخر أهالي آذربيجان الجهادية
ذكرى الجهاد التحرري الواعي لأهالي آذربيجان لن تمحى من ذاكرة الشعب
الإيراني. والتاسع والعشرون من بهمن سنة 13562 إحدى هذه الذكريات. لديكم
الكثير من هذه الأحداث في هويتكم التاريخية سواء في عهود التاريخ الماضية، أو في
عهد ما بعد الثورة، أو في فترة الحرب المفروضة، وإلى اليوم. تاريخ أهالي آذربيجان
الأعزاء الحافل بالمفاخر، يبلغ ذروته في بعض المحطات، ومنها محطة التاسع والعشرين
من بهمن.
التعريف بواقعة التاسع والعشرين من بهمن
لو أردنا تصوير القضية باختصار للشباب الأعزاء الذين لم يشهدوا ذلك
اليوم، لقلنا إن تحركاً أنطلق لمواجهة النظام الغدار من حوزة قم العلمية وأهاليها،
فقمع النظام الشرس والغدار والمعتمد على أمريكا ذلك التحرك بشدة واحتبست الأنفاس في
الصدور، وتصور الجميع أن القضية انتهت. بيد أن الحدث الذي لم يسمح بانتهاء ذلك
التحرك، وحوّله إلى تيار وعملية متواصلة هو ما قام به أهالي تبريز وآذربيجان؛ أي إن
أهالي تبريز الغيارى الشجعان الواعين حوّلوا حدثاً إلى تيار، ولم يسمحوا بدفنه في
مدينة قم وحدودها.
التاسع والعشرين من بهمن: عنوان يقظة وشجاعة أهالي
آذربيجان
ولو شئنا تشبيه ذلك بأحداث صدر الإسلام لكان شبيهاً بما فعله الإمام زين
العابدين وزينب الكبرى لصيانة حادثة عاشوراء وعدم السماح بدفنها ونسيانها في صحراء
كربلاء. لقد حوّلتم ذلك الحدث إلى راية رفعتموها بقوة فكانت تلك الراية هي العلامة
المميزة الدالة على أهمية الحدث.
ولو أردنا إسقاط هذا الحدث على نفسية أهالي آذربيجان وخصالهم، لكانت النتيجة أنهم
يتحلون بالحماس والهياج، وبالشعور واليقظة العاليين. أناس يعلمون ما هو الفعل المهم
ومتى يكون مهماً. لديهم الشجاعة والغيرة الكافية ما يؤهلهم للقيام بذلك الفعل مهما
كان خطيراً. إنهم أناس يقظون.. يقظون.. اليقظة التي تهتفون بها شعاراً. إنني أؤمن
بهذا الشعار من أعماق كياني، وقد قلتُ ذلك منذ سنوات، وأقول حيال شعاركم تصديقاً
له: آذربيجان اوياخسان، انقلابا داياخسان.3 والقضية كلها تتلخص في هذه
اليقظة والوعي والإدراك العالي وفهم الظروف والمبادرة الشجاعة في الوقت المناسب.
اليقظة أساس حركة الشعوب للتحرر: الشعب الإيراني نموذجا
لو افترضنا شعباً مُني بالغفلة والتخلف طوال قرون نتيجة فساد الأجهزة
الحاكمة وأنواع الاستبداد الذي يسوده، وتأخر عن قافلة العلم والحضارة وعن كل شيء،
ثم جاء الاستعمار بأساليبه وطرائقه المعقدة الغامضة جداً ليُبقي ذلك الشعب على هذه
الحالة وينسف مصادره الحيوية وقيمه التاريخية والثقافية ويمسك بزمام بلده، لو
افترضنا أن ذلك الشعب أراد قلب الصفحة، فما الذي يحتاج إليه؟ هل يمكن الذهاب
للمستعمر الظالم الغدار والرجاء منه: سيدي، أقلعوا عن الاستعمار وغضوا الطرف عن
مصالحكم؟ هل هذا ممكن؟ وهل ينفع شيئاً؟ أو إذا قلنا: لا نتوسلهم، بل نفاوضهم فهل
تُعالج المشكلةُ بالتفاوض؟ هل يمكن إخراج الطُعم من فم الذئب بالتفاوض والكلام
المنطقي وتقديم الطلبات؟ هل هذا ممكن؟
ليس أمام الشعوب في مثل هذه المحطات سوى طريق واحد، وهو أن يفصحوا عن معدنهم،
ويعرضوا قدراتهم ويستفيدوا من إمكاناتهم لكيلا يستطيع العدو استغلال نقاط ضعفهم
وعجزهم؟ لا سبيل سوى هذا أمام الشعب. هذا ما فعله الشعب الإيراني، وهو عمل يحتاج
إلى اليقظة والوعي وعدم التقاعس، وعدم الركون للأهواء والراحة المادية العاجلة
الصغيرة التافهة، واستذكار الأهداف والمبادئ الكبرى والنـزول إلى الساحة. العملية
تحتاج لهذه الأمور، وأساسها هو اليقظة. هذا ما فعله الشعب الإيراني.
الثاني والعشرون من بهمن كان ذروة هذه العملية.الموقظ الذي ظل يهتف سنوات حتى أيقظ
هذا الشعب هو إمامنا الكبير. وقد تعاون في هذه العملية جميع الخيرين، والمصلحين،
والعلماء المخلصين؛ والطبقات المختلفة دخلت كلها تدريجياً إلى ساحة وبذلت مساعدتها؛
وفجأة تحول شعبنا من شعب له سابقة العهد القاجاري ثم انسحق تماماً في العهد
البهلوي، تحول إلى شعب حي يقظ نزل إلى الساحة ليعلن عن قدراته. إنها قدرات وطنية
مستمدة من كل أبناء الشعب وما من قوة بمستطاعها مقاومتها. لتجرّب الشعوب ذلك،
والتجربة هذه ليست يسيرة طبعاً، إنما تحتاج إلى تضحية وقيادة صحيحة. إذا تحقق هذا
فلن يخضع أي شعب في العالم للجور والفقر. وقد توفرت هذه الظروف في بلدنا العزيز.
اليقظة والشجاعة لم تكونا لو لم يكن هناك إيمان
وما كان لهذه اليقظة أن تكون لولا الإيمان. إيمان الجماهير هو الذي حرّك
كيانهم من الداخل كما يفعل المحرِّك الفعّال. لولا الإيمان لما هان الموت في أعين
الناس هكذا. الإيمان هو الذي يهوِّن الموت في أعين الناس. لذلك كلما ارتفعت درجة
الإيمان كلما هان الموت. إيمان كإيمان علي بن أبي طالب يهوِّن الموت ويصغِّره إلى
درجة تجعله يقول إنني لست ممن لا يهاب الموت وحسب بل واستأنس بالموت:" آنس للموت من
الطفل بثدي أمّه"؛ يأنسه ويحبه لا يهابه فقط، بل يرحّب به. هذا ناجم عن الإيمان.
حينما يكون ثمة إيمان لن يكون الموت نهاية الحياة.
ثمة خط فاصل بين هذه النشأة وتلك النشأة. البعض يقيدونهم بالسلاسل ويعبرون بهم هذا
الخط الفاصل. هؤلاء هم الملتصقون بالحياة الدنيا. والبعض يقفزون بأنفسهم إلى الجهة
الثانية، لماذا؟ لأنهم يرون ما هناك؛ يشاهدون الوعد الإلهي. لذلك كان الشهداء
الأعزاء الذين سمعتم بأسمائهم، وتعرفون الكثيرين منهم، وكان بعضكم رفاقهم وممن
عاشوا معهم، كانوا لا يهابون الموت. كانوا يعشقون الحياة، وهذا ما يمكن للمرء أن
يدركه حين يقرأ وصاياهم. هذا هو طريق الشعب، وقد بدأ شعبنا مسيرته في هذا الطريق.
الثورة الإسلامية مقارنة بالثورات الأخرى: بقيت وتلاشوا
الفرق بين هذا الشعب وثورته عن كثير من الشعوب التي ثارت هو أنه اعتصم
بحبل متين: ﴿... فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ
الْوُثْقَىَ... ﴾. العروة الوثقى هي أنكم تريدون القفز على هاوية أو
العبور على حافة دقيقة جداً، ويكون هناك حبل متين تمسكون به. فإذا أمسكتم به اطمأن
بالكم وتأكدتم من أنكم لن تسقطوا؛ هذه هي العروة الوثقى.
﴿ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ
بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ ﴾؛ الكفر بالطاغوت والإيمان بالله. هذا ما
كان شعبنا يمتلكه، لذلك تخطى هذا المعبر دون همٍّ أو غمّ، وهذا ما أدى إلى بقاء هذا
التحرك العظيم بين جماهير الشعب.
ليتنبّه شبابنا الأعزاء لهذه النقطة، وليتنبّه أهل المعرفة والفكر. الثورة تيار..
وهي كذلك في كل مكان. إنها تيار وليست حدثاً. لكن هذا التيار قد يتوقف وسط الطريق
في كثير من المواضع. أنظروا تاريخ الثورات الكبرى على اختلافها. إنها تتوقف وسط
الطريق. البعض يبلغون نصراً معيناً فيغتبطون به وينسون الناس، ويترك الناس الساحة
شيئاً فشيئاً، وينتهي كل شيء.
الثورة الفرنسية الكبرى التي ابتدأت أواخر القرن الثامن عشر، انتهت مطلع القرن
التاسع عشر وتلاشت ولم يبق منها شيء. ثاروا ضد الملكية الاستبدادية فقضوا على
الملكية، وبعد نحو 15 سنة تولى زمام الأمور ملك مقتدر مستبد آخر هو نابليون
بونابرت. بقوا ممتحنين عشرات الأعوام إلى أن استطاعوا تدريجياً التحرر من جانب من
تلك الحالة بشكل من الأشكال.
الثورات لا تبقى، وتُترك منقوصةً لانعدام الإيمان وفقدان تلك العروة الوثقى. وهذه
الثورة بقيت بين شعبنا وازدادت حيوية يوماً بعد يوم. وأثبتت مزيداً من كفاءتها
باستمرار. انظروا للثاني والعشرين من بهمن هذه السنة. مضت تسع وعشرون سنة على
الثورة، وكان الثاني والعشرون من بهمن هذه السنة كما قال السيد مجتهد شبستري من
تبريز، ووصلتني الأنباء من مناطق مختلفة - طهران والمدن الأخرى - ذكر المختصون
والمطلعون بشكل حاسم تقريباً أن مشاركة الشعب وهياجه هذه السنة كان أكبر من السنة
الماضية والسنوات التي سبقت، لماذا؟ لأنه شعب حي ولأن هذه الثورة حية.
الذين اعتراهم الهياج والانفعال خلال هذه السنوات الوسيطة وقالوا إن الثورة انتهت
وماتت والإمام نُسي من الأذهان، كانوا على خطأ وكانت حساباتهم سيئة وخاطئة. لقد
ازدادت فاعلية الثورة وحيوية قيمها.
1- عبارة باللغة التركية
(الآذرية) تعني مرحباً بكم أيها الإخوة والأخوات.
2- 18/2/1978م انتفاضة أهالي تبريز بمناسبة أربعينية شهداء مدينة قم الذين ثاروا
بتاريخ 9/1/1978م ضد النظام البهلوي إثر نشر صحيفة اطلاعات مقالاً مسيئاًً ضد
الإمام الخميني، وكانت هذه الأحداث منطلقاً للشوط الأخير من الفعل الثوري الذي
انتهى بانتصار الثورة الإسلامية في 11/2/1979م.
3- آذربيجان يقظة، آذربيجان حارسة الثورة.