آداب الحديث - مضمون الحديث
آداب إسلامية
عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم:لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم وكثرة الحج والمعروف وطنطنتهم بالليل، ولكن انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة. للحديث غايات وأهداف وآداب. فالتفاهم بين الناس حاجة اجتماعية مستمرة وتتعدد أغراض الإنسان من الحديث بتعدد الحاجات والمشاعر الإنسانية...
عدد الزوار: 85
عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم وكثرة الحج والمعروف وطنطنتهم بالليل، ولكن انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة".
مقدّمة
للحديث غايات وأهداف وآداب. فالتفاهم بين الناس حاجة اجتماعية مستمرة وتتعدد أغراض الإنسان من الحديث بتعدد الحاجات والمشاعر الإنسانية، ويكثر حديث الإنسان بكثرة علاقاته، حيث يلاحظ أن أكثر الأشياء صدوراً من الإنسان هو الكلام، سيما وأنه طريق لمعظم النشاطات التي يؤديها المرء...
لذا فإنه لا عجب أن توليه الشريعة عناية فائقة في أحكامها وآدابها.
أما الأمور التي ينبغي على المتحدث مراعاتها في حديثه:
ترك المراء
المراء هو الجدال الذي لا يكون هدفه الوصول إلى الحقيقة بل إظهار النفس وإثبات الرأي وله آثار سيئة في الدنيا والآخرة وقد أكدت الروايات الكثيرة عن النبي وأهل بيته عليهم الصلاة والسلام على عدم الدخول في المراء حتى ولو كان الشخص على حق.
فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم:"أورع الناس من ترك المراء وإن كان محقّاً"1.
وقد وصف أمير المؤمنين عليه السلام صاحب المراء بأوصاف ذميمة.
ففي الحديث عنه عليه السلام:"فأما صاحب المراء والجهل تراه مؤذيا مماريا للرجال في أندية المقال وقد تسربل بالتخشع وتخلى عن الورع"2.
ومن آثار المراء اللا أخلاقية أنه يغذي حب الذات والأنانية في الإنسان المؤمن فما معنى أن يناقش الإنسان إنسانا لا يتقبل الحق ولا يأخذ بالحقيقة إلا حب إثبات جدارة النفس وأهليتها وإظهار الغلبة على الآخرين وغير ذلك من الأمور الشيطانية التي يتحين إبليس الفرص للنيل من إيمان المؤمن والدخول إلى قلبه من خلالها.
الغيبة والبهتان
من أخطر الأمراض الموجودة في المجتمعات مرض التلهي بأخبار الناس وذكر عيوبهم والتسابق في فضح كل مستور في المجالس، وكأن المجلس لا يكون عامراً بدون ذكر عيوب الناس والقدح بهم وتناقل الأخبار السيئة في غيبتهم! وهذا الفعل هو المسمى بالغيبة، والغيبة من الكبائر التي وعد الله عليها العذاب في النار.
وقد ورد الكثير من الأحاديث الشريفة في تحريم الغيبة والتحذير منها.
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا أبا ذر: إياك والغيبة فإن الغيبة أشد من الزنا"3.
وعن الإمام علي عليه السلام: "الغيبة جهد العاجز، الغيبة آية المنافق، الغيبة شر الإفك"4.
فأول شيء ينبغي الاهتمام به هو التخلص من الغيبة في مجالسنا واستبدالها بذكر الخير ومحاسن الناس بدل عيوبهم...
وينبغي للجالس في المجلس أيضا أن يتجنب البهتان وهو أشد من الغيبة لتضمنه الكذب والافتراء على الآخرين.
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"من بهت مؤمنا أو مؤمنة أو قال فيه ما ليس فيه أقامه الله تعالى يوم القيامة على تل من نار حتى يخرج مما قاله فيه"5.
فعلى الإنسان المؤمن أن يراقب الكلمة التي تخرج من حلقه لأنه سيسأل عنها يوم القيامة.
صدق الحديث
إن الكذب من أخطر الآفات التي ابتليت بها المجتمعات البشرية، وهو من أكثر الأمراض شيوعاً بسبب سهولته، فيكفي فيه تحريك اللسان بغير الحق والاعتماد على المخيلة! ويصبح عادة مترسخة في الإنسان بعد فترة يصعب عليه التخلص منها!
ومن هنا فقد أكد الإسلام على حرمته وضرورة اجتنابه حتى جعل نقيضه وهو الصدق علامة من علامات المؤمن.
فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم وكثرة الحج والمعروف وطنطنتهم بالليل، ولكن انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة"6.
فأول شيء عليك أن تفعله في الحديث هو السيطرة على هذا اللسان الصغير ومنعه من الاسترسال وارتكاب الكذب!
ترك اللغو
واللغو هو ترك الحديث عن الأمور النافعة في إطار الدين والدنيا، والانشغال فيما لا يفيد وتضييع الجهد بما لا ينتج، والمؤمن بعيد عن العبث واللهو، منصرف إلى الأمور الجادة والنافعة، فهو يبتغي دائماً من كلامه أهدافاً ومنافعاً تجعله أكثر أتّزاناً وتقرباً إلى اللّه (عزَّ وجلّ).
يقول تعالى في وصفه للمؤمنين: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ﴾(المؤمنون:3).
وأفضل الحديث ما يذكّّر باللَّه والآخرة، ويدعو إلى المكارم.
فعن الإمام علي عليه السلام: "كل قول ليس لله فيه ذكر فلغو"7.
ترك الهذر والثرثرة
وذلك بسبب ما فيها من غرور مما يكشف عن شخصية غير متزنة، لأن الذي يمسك الحديث ويستأثر به دون غيره يبدو وكأنه مغرور يعرض نفسه ومعلوماته على الآخرين، مضافاً إلى أنه ينافي احترام الآخرين وفسح المجال أمامهم ليشاركوا ويمارسوا حقهم بالكلام، كذلك فإن الثرثرة قد تؤدي إلى الحرام من حيث لا يلتفت المتحدث، وأن حرص الإنسان على أن يصغي أكثر من أن يتحدث يجعله أكثر وقاراً وتواضعاً، وأقل أخطاء وأكثر استفادة.
روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:"من وصايا الخضر لموسى عليه السلام: لا تكونن مكثاراً بالنطق مهذاراً، فإن كثرة النطق تشين العلماء وتبدى مساوئ السخفاء"8.
*آداب المجلس والحديث، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، شباط 2004م، ص45-53.
1- من لا يحضره الفقيه ج4، ص395.
2- الخصال، ص194.
3- ميزان الحكمة، ح 15502.
4- ميزان الحكمة، ح 15466-15465-15464.
5- ميزان الحكمة، ح 1991.
6- ميزان الحكمة، ح 10195.
7- ميزان الحكمة، ح 18247.
8- ميزان الحكمة، ج8، ص439. 2013-01-31