نهضة الإمام الخميني: إحياء الهويّة الإسلاميّة وإعادة الثقة بالذات الوطنيّة
الثورة الإسلامية
نهضة الإمام الخميني: إحياء الهويّة الإسلاميّة وإعادة الثقة بالذات الوطنيّة
عدد الزوار: 98
كلمة
القائد في ذكرى رحيل الإمام الخمينيّ_ 04/06/2009
نهضة الإمام الخميني: إحياء الهويّة الإسلاميّة وإعادة الثقة بالذات الوطنيّة
المحاور الرئيسية
· الإسلام وعزة إيران؛ رايتا نهضة الإمام
· إحياء الهويّة الإسلاميّة للشعوب المسلمة
· استعادة المعنويّات وصحوة المسلمين
· إستلهام الشعوب لتجربة الثورة الإسلامية
· إعادة الثقة بالذات الوطنيّة
· الخطر على بلادنا يتمثل بالإنفصال عن مبادئء الإمام
الإسلام وعزة إيران؛ رايتا نهضة الإمام
أذكر نقطةً حول مسار الإمام وطريقه (رضوان الله عليه) وأهدافه. وهي أنّنا حينما
نريد تلخيص توصياته، وشعاراته، وما يطلبه من الجماهير ومن المسؤولين ومن جميع
المسلمين في العالم، نلاحظ وجود رايتين مرفرفتين في يد الإمام. والواقع أنّ إمامنا
الجليل؛ في نهضته العظيمة التي أطلقها في بلادنا، وفي العالم الإسلامي؛ رفع رايتين
خفّاقتين: إحداهما راية إحياء الإسلام وإنزال قدرته العظيمة اللامتناهية إلى
الساحة. والراية الثانية: راية عزّة إيران والإيرانيّين وشموخهم. هاتان هما
الرايتان العاليتان اللّتان رفعهما إمامنا العظيم بيديه المقتدرتين. الراية الأولى
التي تمثّل في الحقيقة بُعدًا من أبعاد دعوة الإمام ونهضته؛ وتتعلّق بالأمّة
الإسلاميّة الكبرى. والراية الثانية مع أنّها تتعلّق بالشعب الإيرانيّ وبإيران
والإيرانيّين، ولكن حيث إنّها تجربة عمليّة للتحرّك الإسلامي الحيويّ، فهي باعثة
على الأمل والعمل لدى الأمّة الإسلاميّة برمّتها؛ لأنّ هذه النهضة الكبيرة في إيران
كانت تجربة عمليّة لصحوة الإسلام، وتحقّقه على أرض الواقع. لذلك مع أنّها تتّصل
مباشرة بإيران والإيرانيّين، إلّا أنّ نتيجتها تعود بالقيمة والأهميّة مرةً أخرى
على الأمّة الإسلاميّة. سأذكر نقاطًا قصيرة حول هذين البعدين.
راية الإسلام
1- إحياء الهويّة الإسلاميّة للشعوب المسلمة
في البعد الأوّل- وهو رفع راية الإسلام- فإنّ هذا [المشروع] جعل جميع
المسلمين في كلّ أنحاء العالم، يشعرون بالهويّة والشخصيّة. بعد أن جرت محاولات طوال
سنوات مديدة لسحق الهويّة الإسلاميّة ونسفها، جاءت هذه الثورة وانتصبت القامة
الشامخة لإمامنا الكبير، أمام أنظار المسلمين في العالم؛ فشعر الجميع أنّهم اكتسبوا
هويّة وشخصيّة وأصالة.
2- استعادة المعنويّات وصحوة المسلمين
وهذا ما أدّى إلى بروز علامات صحوة المسلمين في شرق العالم الإسلاميّ
وغربه: استعاد الشعب الفلسطينيّ أنفاسه، بعد عشرات الأعوام من الإخفاق. واستعاد
الشباب في البلدان العربيّة معنويّاتهم، بعد هزيمة حكوماتهم في ثلاث حروب مع الكيان
الصهيونيّ، وقد اعتراهم اليأس والخيبة. هذه أمور تتعلّق بالعالم الإسلامي ولا تختصّ
ببلادنا. فالكيان الصهيوني، تلك الغدّة السرطانيّة في قلب البلدان الإسلاميّة، وقد
ظهر حتّى ذلك اليوم بمظهر القوّة التي لا تُقهر، وقد صدّق الكثيرون في العالم
الإسلامي أنّ الكيان الصهيوني لا يقهر، تلقّى صفعةً من يد الشباب المسلمين، وانطلقت
الانتفاضات الفلسطينيّة، وانهالت الضربات المتتالية عليه، سواء في الانتفاضة الأولى
أو في انتفاضة الأقصى، أو في هزيمة وتراجع ما قبل تسعة أعوام في لبنان، أو في حرب
الثلاثة وثلاثين يومًا، أو في العام الماضي في حرب الاثنين وعشرين يومًا مع أهالي
غزّة المظلومين- كلّ هذه كانت ضربات نزلت بالكيان الصهيوني. هذا في حين كان الكيان
الصهيوني - يوم انتصرت الثورة الإسلاميّة - من وجهة نظر الحكومات المسلمة والشعوب
المسلمة، وخصوصًا الشعوب العربيّة كيانًا لا يُهزم. وقد أفضى هذا إلى أن يسارع
الكيان الصهيوني لترك شعار «من النيل إلى الفرات» ونسيانه.
3- إستلهام الشعوب لتجربة الثورة الإسلامية
بدأت الشعوب المسلمة - من أفريقيا إلى شرق آسيا - تفكّر بتأسيس نظام
إسلاميّ، وحكومة إسلاميّة وفق صيغ ومعادلات شتّى؛ وليس بالضرورة وفق معادلة نظام
الجمهوريّة الإسلاميّة عندنا. لكنّهم بدأوا يفكّرون بسيادة الإسلام في بلادهم. وقد
نجحت بعض البلدان، والبعض ينتظرهم مستقبل واعد من الحركات الإسلاميّة.
4- إحياء الأمل في النفوس بمستقبل أفضل
نزل المثقّفون في العالم الإسلامي إلى الساحة بأمل جديد. تغيّرت
معنويّات الشعراء والفنّانون والكتّاب الذين كانوا يتحدّثون بيأس ويشعرون بالهزيمة،
بعد انتصار الثورة الإسلاميّة وعقب حركة الإمام الجليل العظيمة وصمود هذا الشعب؛
وتبدّلت لهجة كلامهم، وأشعارهم، وكتاباتهم، واصطبغت بلون الأمل. وهذه حكاية طويلة
على كلّ حال.
5- الغرب يحاول تجميل مجهه القبيح إزاء المسلمين
أقول هنا للشعوب المسلمة: إنّكم ترون اليوم أنّ لهجة العالم الغربي
تجاهكم قد لانت. وهذا ثمرة الصحوة العامّة والصمود والمقاومة في العالم الإسلامي.
وعد الله- الذي لا يُخلف- بنصر المؤمنين لا يتحقّق إلّا إذا صمدوا، وأصرّوا،
وضحّوا. وكلّما تحقّق هذا الصمود انقلبت الصفحة وخرج العالم الإسلامي عن حالة الذل
والهوان أمام الغرب.
في الماضي، كان العالم المهيمن والعتاة المهيمنون يتّخذون قراراتهم بشأن البلدان
الإسلاميّة كيفما شاءوا. لم يكونوا حتّى ليسألوا رأي الشعوب المسلمة أو الحكومات
الإسلاميّة. كانوا يخطّطون للاستيلاء على نفطهم إذا كان لديهم نفط، وعلى أسواقهم
إذا كان لديهم أسواق؛ ويتّخذون القرارات وكان يجب تنفيذ تلك القرارات. ولكن مع صحوة
العالم الإسلاميّ تغيّر هذا الواقع إلى حدّ كبير. على المسلمين في شتّى أرجاء
العالم الإسلاميّ معرفة قدر هذه التجربة، كتجربة موفّقة وثمينة وتنظيم مسارهم على
أساسها. تصبح الشعوب عزيزة شامخة بصمودها.
عدوانية أميركا تفاقم كره الشعوب المسلمة لها
لاحظوا اليوم أنّه حتّى هذه الحكومة الجديدة في أمريكا، تحاول رسم صورة
جديدة لحكومة الولايات المتّحدة في أعين شعوب هذه المنطقة. طبعًا من حقّهم أن
يطلبوا هذا الشيء؛ لأنّ الحكومة الأمريكيّة السابقة خلقت وجهًا قبيحًا، منفّرًا
وخشنًا لحكومة الولايات المتّحدة لدى شعوب هذه المنطقة. إنّ شعوب منطقة الشرق
الأوسط، والمنطقة الإسلاميّة، وشمال أفريقيا، يكرهون أمريكا من أعماق قلوبهم؛
لأنّها واجهتهم طوال سنين بالعنف والقسوة والتدخّل العسكريّ في منطقتهم، إلى هضم
الحقوق والتمييز والتدخّلات السافرة، وقد شاهدوا ضياع حقوقهم على يد الحكومات
الأمريكيّة المتعسّفة على مدى السنين الماضية؛ لذلك يكرهون أمريكا. والآن تحاول
الحكومة الأمريكيّة الجديدة تغيير هذا الوجه؛ أي: تحاول رسم صورة جديدة لأمريكا في
هذه المنطقة. كيف يمكن هذا؟ أقول بنحو حاسم: هذا لن يحصل بالكلام، والخطابات،
والشعارات. لقد فعلوا أشياء أساءت بشدّة إلى شعوب هذه المنطقة وأزعجتها؛ ووجّهت
إليها ضربات. لا يمكن تبديد هذا الانزعاج والاستياء والنفور العميق بالكلام
والخطابات والشعارات؛ لا بد من عمل.
أ ــ أميركا تنكر حقوق الشعب الفلسطيني وتدعم العدوان
عليه
لقد تحدّثت أمريكا عن الديمقراطيّة، وعن اعتبار أصوات الشعوب. لكنّها
تجاهلت أصوات الشعب في فلسطين حين انتخب حكومة معيّنة، ولم تعرها أيّة أهميّة ولم
تبال بها. ما النتيجة التي ستحصل في أذهان الشعوب من هذا؟ واضح جدًّا. بخصوص حقوق
الشعب الفلسطيني، الشعب الذي طُرد من دياره ومن وطنه بطريقة عنيفة وظالمة - وهذا
شيء يعرفه الجميع وليس تاريخًا غير معروف، إنّما هو أمر يعود إلى ستّين سنة حيث حرم
الشعب الفلسطيني من حقوقه وتشرّد في بلدان مختلفة - لم تكترث أمريكا إطلاقًا لحقوق
هذا الشعب ولم تدعمه أبدًا، وليس هذا وحسب بل دعمت الكيان الغاصب بنحوٍ مطلق، وإذا
أراد الفلسطينيّون المظلومون رفع أصوات الاعتراض اعتبروا هذا الاعتراض إخلالًا
وممارسات شريرة. كيف يمكن إصلاح هذه الأمور؟
ب ــ الكذب الأمريكي والبرنامج النووي
ليست ممارسات هضم أمريكا للحقوق في هذه المنطقة معدودة. بخصوص بلدنا
وحول قضيّة الطاقة النوويّة - القضيّة المطروحة منذ سنوات - لاحظوا كم كتموا
الحقيقة وكم تحدّثوا بخلاف الواقع؟ كم كذبوا، وكم واجهوا إرادة الشعب وهو حقّه
الطبيعي والمشروع الذي حصل عليه بنفسه. يقول شعبنا إنّنا نروم الحصول على الصناعة
والتقنيّة النوويّة. نريد استخدام الطاقة النوويّة في المجالات السلميّة المختلفة
للحياة، وهم يقولون إنّ الشعب الإيراني يريد الحصول على القنبلة النوويّة. لماذا
يكذبون؟ لماذا يجعلون الشعب الإيراني –بكلامهم هذا- يكرههم من الأعماق؟ هذا ما
فعلوه في الأعوام الماضية. أعلن الشعب الإيراني ومسؤولوه مرارًا إنّنا لا نريد
السلاح النووي، فهذا الشيء غير موجود أساسًا في سلسلة احتياجاتنا العسكريّة ونظامنا
التسليحي. ولقد أعلنّا أنّ استخدام السلاح النووي حرام وممنوع في الإسلام، وامتلاكه
يخلق خطرًا كبيرًا ومشكلة كبيرة؛ وإنّنا لا نريده ولا نعمل للحصول عليه. حتى لو
أعطونا المال وقالوا لنا افعلوا هذا الشيء لَرَفَض الشعب الإيراني ومسؤولوه القيام
بمثل هذا العمل. ومع ذلك، تلاحظون أنّ إعلام المعارضين والغربيّين طوال السنوات
الماضية ومن أجل تبرير كلامهم الباطل وطروحاتهم المزيّفة، كرّر دائمًا أنّ إيران
تبتغي الحصول على القنبلة الذريّة بدل القول إنّها تريد الحصول على الطاقة النوويّة
السلميّة. أليس هذا غمطًا للحقوق؟!
ج ــ جرائم أمريكا في أفغانستان والعراق
عملت الحكومات الأمريكيّة طوال الأعوام الماضية، وخصوصًا رئيس
الجمهوريّة الأمريكي الأبله السابق - وبذريعة محاربة الإرهاب- على احتلال بلدين
مسلمين هما العراق وأفغانستان. وعندما تنظرون إلى أفغانستان ترون الطائرات الحربيّة
الأمريكيّة تقصف الناس وتقتلهم مئة [بعد] مئة أو مئة وخمسين [بعد] مئة وخمسين، وليس
لمرّة واحدة أو مرّتين أو عشر مرات، بل قصفوا الناس وقتلوهم دائمًا طوال السنوات
الماضية. طيّب، وماذا يفعل الإرهابيّون؟! هذا هو الشيء نفسه الذي يفعله الإرهابيّون
مع فارق أنّ الإرهابيّين يقتلون الناس شخصًا أو شخصين أو عشرة أشخاص، وأنتم
تقتلونهم مئةً أو مئةً وخمسين كلّ مرة. أيّة مكافحة للإرهاب هذه؟ في العراق ساندوا
العناصر البعثيّة الإرهابيّة - وفقًا لمعلومات أكيدة - وتماشوا معهم، والحال أنّهم
رفعوا شعار مكافحة الإرهاب! هذا هو ما يجعل شعوب المنطقة تبغض أمريكا، وتسوِّد
وجهها وتسقطها.
ألأقوال لا تجدي إذا أرادت أميركا تجميل وجهها
إذا أراد رئيس جمهوريّة أمريكا الجديد تغيير هذا الوجه، عليه تغيير هذه
الممارسات. وهذا لا يحصل بالخطابات والشعارات وما إلى ذلك. والشعوب المسلمة تعلّم
أنّ صدق الساسة الأمريكيّين يتبيّن حينما يبادرون إلى التغيير على المستوى العملي.
وإلّا إذا لم يغيّروا على المستوى العملي، حتى لو ألقوا مئة خطاب وحتى لو أسمعوا
الأمّة الإسلاميّة كلامًا معسولًا جميلًا فإنّ ذلك لن يؤثّر. الصحوة الإسلاميّة هي
الوجه الأوّل للحركة العظيمة التي أطلقها إمامنا الجليل.
راية العزّة
1-انتزاع الشعور بالذلّ والانهزام من نفوس الشعب
الوجه الثاني يتعلّق بعزّة إيران والإيرانيّين. العمل الأوّل والأهم
الذي قام به إمامنا الجليل في هذا الوجه الثاني هو أنّه انتزع من الشعب الإيراني
الشعور بالهوان والذلّ، وأخرج هذه المشاعر من ساحة روحه. هذه مسألة على جانب كبير
من الأهميّة. كان يشعر شعبنا منذ مئة وخمسين سنة أو مئة سنة بالذلّ والهوان في
داخله بسبب عوامل عديدة. كان يشعر بالدونيّة والنقص؛ ابتداءً من حروب العهد
القاجاري وتلك الهزائم الصعبة وفقدان مدن عديدة، إلى العهد البهلوي وزمن رضا خان
وتلك الدكتاتوريّة والقمع الشديد للشعب الذي أحصي على الناس أنفاسهم. ثم الفترة
التي تلت عهد البهلوي الأول، أي في زمن [ابنه] محمد رضا، فمع حضور الأمريكيّين
وتشكيل منظّمة الأمن المعروفة باسم السافاك وسلوكها العنيف مع الناس، شعر الناس
أنّهم لم يعد لديهم أيّة حيلة. شعر الشعب الإيراني بالهزيمة في عدّة قضايا مهمّة.
ابتداءً من قضيّة الحركة الدستوريّة حيث هُزم الشعب الإيراني بعدما انتصر، وإلى
قضيّة النهضة الوطنيّة التي قام فيها الشعب بتحرّك جبّار إلّا أنّ المتصدّين
والمسؤولين لم يستطيعوا الحفاظ على التحرّك، فهُزم الشعب. وبعد ذلك، ابتدأت فترة
استبداد عصيب منذ العام 1954 إلى العام 1979، استولى على قلوب الجماهير طوال أربع
وعشرين سنة، إلى درجة أنّه سلب الشعب الروحيّة والأمل.
2- إعادة الثقة بالذات الوطنيّة
من جهة أخرى كان المثقّفون المتغرّبون الذين شارك الكثير منهم في العمل
في أجهزة الحكومة الظالمة، قد أفهموا الناس من خلال كلامهم ومن خلال أعمالهم بأنّهم
غير قادرين وغير كفوئين، ولا يستطيعون فعل أي شيء ولا بدّ لهم من التقليد. كانوا
يقولون لهم: لا بدّ لكم من التقليد في العلم، وفي الصناعة، وفي الثقافة، وفي
الملابس والأزياء، وفي الطعام، وفي الكلام؛ حتى بلغ بهم الأمر أن قالوا ذاك مرة:
يجب تغيير الخط الفارسي! لاحظوا كم يجب أن يبتعد الشعب عن استقلاله وعزّته حتى
يتجرّأ البعض على القول له أنّه يجب أن يغيّر خطه.
الخطّ الفارسي الذي كُتب به تراثنا العلمي مدّة ألف سنة، قالوا يجب تغييره واستعارة
خط الأوربيّين وتقليده؛ لقد بلغ بهم الأمر إلى هذا الحد.
جاء الإمام وانتزع روح الهوان والدونيّة هذه، وبثّ في الشعب روح الثقة بالذات طوال
خمسة عشر عامًا من نهضته حتى انتصار الثورة. ومنذ انتصار الثورة إلى عشرة أعوام من
عمره المبارك بنحوٍ آخر [يبثّ في الشعب]: أنتم قادرون، ونحن قادرون، أنتم عظماء
ومقتدرون.
هذه الثقة بالذات الوطنيّة أحد ركنين أساسيّين لتقدّم أي بلد؛ والركن الآخر هو
الإمكانات الماديّة. بيد أنّ الإمكانات الماديّة لا تكفي. قد يكون للبلد إمكانات
ماديّة كبيرة لكنّه لا يبلغ النمو والرقي والرفعة، فلا يستطيع الشعب بلوغ مدارج
العزّة والاقتدار. لقد كان لنا قبل الثورة هذا النفط الذي لدينا الآن نفسه، والغاز
نفسه، وهذه المناجم الهائلة من الفلزات القيّمة نفسها، وهذه المواهب والكوادر
البشريّة المتألّقة نفسها، ومع ذلك كنّا شعبًا من الدرجة الثالثة، وشعبًا مجهولًا
في العالم، ومهانًا من قبل القوى الكبرى، وخاضعًا لجور حكومة فاسدة عميلة مرتبطة
بأعداء الشعب. إذًا، الإمكانات الماديّة لا تكفي، بل لا بدّ من عناصر أخرى؛ عناصر
معنويّة. من أهم تلك العناصر: الثقة بالذات والاعتماد على النفس، وأن يؤمن الشعب
أنّه قادر. لقد أوصلنا إمام الأمّة إلى هذا الإيمان: أنّه يمكن [لهذا الشعب] الصمود
والمقاومة؛ وأنّه قادر على تحرير بلده، وعلى حماية نظام الحكم الذي يريده والمحافظة
عليه بكلّ اقتدار؛ وكذلك على التأثير في العالم وفي السياسات الدوليّة، وهذا ما حصل
فعلًا.
أبعاد العزّة الوطنيّة
هذه هي العزّة الوطنيّة التي تحدّثت عنها قبل مدّة في سنندج لإخواننا
الكُرد. العزّة الوطنيّة مهمّة جدًّا للبلد. وهذه العزّة الوطنيّة ليست مجرّد كلام،
إنّما لها ترجمتها العمليّة في كلّ مجالات حياتنا.
أ- البعد الإداري
العزّة الوطنيّة في إدارة البلاد معناها أن يعتمد النظام والحكومة على الشعب
والجماهير.
ب- البعد الاقتصادي
العزّة الوطنيّة في القضايا الاقتصاديّة تحصل حينما يصل البلد إلى
الاكتفاء الذاتي؛ ويكون قادرًا إلى حدّ ممكن معه إذا احتاج شيئًا من العالم يستطيع
الحصول عليه، وإذا ما احتاج إليه العالم في الوقت عينه، فيمكنه الحصول عليه؛ أي أن
لا يكون البلد مغلوبًا ومقهورًا.
ت- البعد العلمي
العزّة الوطنيّة في مجال العلم هي أن يسعى الشاب الجامعي والباحث
والعالم إلى سبر غمار العلم وتحطيم حدوده وأن ينتج العلم، وهذا الشيء الذي أسميناه
النهضة الرقائقية (البرمجية) وإنتاج العلم. وإنّ الذين بلغوا بالعلم هذه المراتب
كانوا بشرًا، إن لم نقل إنّهم كانوا أقلّ منّا من حيث معدّل المواهب والذكاء، فهم
ليسوا أكثر منّا. لدينا قرون من الماضي العلمي المتألّق في التاريخ، ويجب أن نستطيع
اليوم أيضًا إنتاج العلم وإيجاده واكتشافه، فيكون لنا حصّة أساسيّة في الصرح العلمي
في العالم؛ هذه هي العزّة.
ث- بعد السياسة الخارجيّة
أمّا عزة الشعب في السياسات وفي تعاطيه مع البلدان الأخرى والحكومات
والقوى المختلفة، فتكمن في تمتعه باستقلال الرأي. على الحكومة وعلى النظام أن يظهرا
أمام القوى الأخرى بحيث لا تتمكن هذه القوى من فرض إرادتها عليهما في أية قضية.
ج- البعد الثقافي
العزّة الوطنيّة في المجال الثقافي هي أن يلتزم الشعب بتقاليده وأن يرى
لها قيمة ولا يقلّد الثقافات الأجنبيّة المهاجمة. ومع الأسف، فقد غرق بلدنا قبل
الثورة وطوال مئة عام أو يزيد أمام هذا الطوفان وهذه الأمواج المدمّرة من الثقافة
الغربيّة، ولا نزال نتحمّل آثار ذلك، ولا نزال نعاني من التبعات إلى يومنا هذا.
العزّة الوطنيّة هي أن يحترم الشعب تقاليده وأعرافه، ويفخر بها، ولا يكترث لقول
الآخرين حين يقولون له: إنّك رجعي. تفعل بعض البلدان الأوربيّة اليوم أفعالًا لو
عرضت على إنسان عاقل سويّ طبيعي لما بدر منه سوى الضحك والاستهزاء. نقول: لماذا
تفعلون هذا؟ يقولون: هي تقاليدنا! هم ملتزمون بتقاليدهم البالية القديمة. وإذا ما
احترمت الشعوب الأخرى تقاليدها والتزمت بها يستهزئون بهم ويعيّرونهم. كلا،
الانهزامية هي في قبال العزّة الوطنيّة [مخالفة للعزة الوطنية]. تتحقّق العزّة
الوطنيّة حينما لا ينهزم الشعب إزاء ثقافة الآخرين. هذه هي العزّة الوطنيّة، العزّة
الوطنيّة لها ترجمتها ومعانيها ومصاديقها في مجالات الحياة.
ح- البعد الاجتماعي
أمّا في أسلوب إدارة البلاد والتعامل مع الناس: فتتجلّى العزّة الوطنيّة
في أن يحظى جميع أفراد المجتمع بالاحترام: "إمّا أخ لكَ في
الدين أو نظير لكَ في الخلق" 1. إذا كان الشخص على دينكم فهو
جدير بالاحترام، وحتى لو لم يكن على دينكم كان جديرًا بالاحترام أيضًا. كلّ إنسان
في المجتمع جدير بالاحترام والتكريم؛ هذه حالة تُنتج العزّة الوطنيّة. هذه هي
الأبعاد المختلفة للعزّة الوطنيّة التي أوصى بها الإمام وأشار إليها وشدّد عليها.
شعبنا تقدم ويتقدم بالتزامه بعزته الوطنية
و قد تقدّم النظام الإسلامي في هذه الأعوام الثلاثين على أساس الثقة
بالذات. طبعًا كانت هناك منعطفات وكبوات ونهوض، لكنّ المسيرة لم تتوقّف والشعب لم
يتوقّف. وقد ظهرت عزّة شعبنا اليوم في العالم. إنّني لا أوافق على كلام أولئك الذين
يتصوّرون أنّ شعبنا أصيب بالهوان في العالم وسقط من الأعين نتيجة التزامه بمبادئه
وأصوله؛ أبدًا. لدينا أعداء، وأعداؤنا جبهة متّحدة تتكوّن من قوى تدخليّة ومتسلّطة
في العالم. حينما ترى هذه القوى بلدًا من بين البلدان، التي تعتقد أنّها أقمارها
التي يجب أن تبقى تدور في فلكها، كبلد إيران الذي خرج عن مدارها بالثورة
الإسلاميّة، يخرج من مدارها وفلكها، فإنّهم يحاولون مجابهته وضربه وقمعه وإذلاله
ووسائل إعلامهم كثيرة. ليس معنى هذا أنّنا فقدنا عزّتنا، كلا، في قرارة قلوب هؤلاء
الذين يعادون الإسلام والجمهوريّة الإسلاميّة ثمّة احترام راسخ للإمام والشعب
الإيراني.
إنّ سبيل شعبنا الكبير الذي نشأ على كلمات الإمام وهديه، سبيله لبلوغ ذروة العلياء
والتقدّم هو أن يحافظ على عزّته الوطنيّة في جميع المجالات. يمكن لهذا الشعب بلوغ
ذروة العلياء. فالشعب إذا تمتّع بالقوّة وأحرز الرقي المادّي والمعنوي، سوف يتحقّق
له الأمن الكامل أيضًا. أي إنّ هشاشته وضعفه سوف يزولان ولن يعود الأعداء يطمعون
فيه. إذا أراد شعبنا بلوغ الأمن التام، وإذا أراد أن لا يتجرّأ الأعداء على تهديده
فعليه السير في هذا الطريق. إذا كان يريد التقدّم والعدالة فعليه السير في هذا
الدرب.
الخطرالكبير على بلادنا يتمثل بالإنفصال عن مبادئء ونهج
الإمام الخميني
الخطر الكبير على بلادنا هو الانفصال عن الشعب، والانفصال عن القيم
الإسلاميّة، والانفصال عن الخط المبارك للإمام الخميني؛ هذه أخطار تواجه بلادنا.
إذا تمّ الحفاظ على هذه الهيكليّة المتينة التي أوجدتها الثورة فسوف يمكن ترميم
الكثير من المشكلات هنا وهناك على مرّ الزمان. لا تسمحوا بتحطّم هذه الهيكليّة
المتينة، فإذا تحطّمت لن يعود بالإمكان معالجة أي جرح من الجراح، ولن يمكن ترميم
أيّة زاوية خربة؛ والهيكليّة المتينة للنظام الإسلامي والتي علمنا الإمام إيّاها
يجب أن تُصان وتحفظ. إنني أشكر الله على أن استطاع الشعب الإيراني ومسؤولوه طوال
هذه السنوات الثلاثين مواصلة هذا الطريق بمقدار استطاعتهم. طبعًا كان هناك اختلاف
في الدرجات وبعض حالات الضعف والشدّة؛ في فترة ما كان الوضع أفضل، وفي فترة أخرى
بدرجات أقل، بيد أنّ الحركة هذه استمرت دائمًا وإلى اليوم، وسوف تستمرّ حتى النصر
النهائي بتوفيق من الله وبهمّتكم أيّها الشعب، وخصوصًا هممكم يا شباب هذا الشعب.
1- نهج البلاغة، الرسالة 53