نهج الإمام الخميني(رض) خارطة طريق للشعب الإيراني نحو الإستقلال
الثورة الإسلامية
نهج الإمام الخميني(رض) خارطة طريق للشعب الإيراني نحو الإستقلال والعدالة والتقدم
عدد الزوار: 78
نهج الإمام
الخميني(رض) خارطة طريق للشعب الإيراني نحو الإستقلال والعدالة والتقدم
العناوين الرئيسية
مدرسة الإمام (رض) مسار جلي لحركة الشعب
أبعاد المدرسة الخمينية
1- البُعد المعنوي:
2- البُعد العقلاني:
3- بُعد العدالة:
نماذج من البُعد العقلاني في مدرسة الإمام الخميني
الإخلاص لله مظهر الروحانية في مدرسة الإمام
روحانيتنا لا تنفصل عن الشعور بالمسؤولية
ضرورة رعاية مدرسة الإمام في أبعادها الثلاثة
مدرسة الإمام (رض) مسار جلي لحركة الشعب
بشأن مدرسة الإمام، فإنّ شعب إيران العزيز يعلم هذه القضية جيداً وهي
أنّ حبّ الناس للإمام الجليل ليس مجرّد عِلقة قلبية ومشاعر وعواطف. هذا، وإن كان
الأمر من ناحية الأحاسيس والعواطف يدلّ على أنّ حب الإمام في القلوب كان هادراً،
لكنّ الأمر لم ينحصر بهذه القضية؛ بل إنّ محبة الشعب للإمام الكبير كانت بمعنى
القبول بمدرسة الإمام كخطٍّ واضحٍ ومسارٍ جليّ للحركة العامّة الكلّية لشعب إيران؛
عبارة عن مرشدٍ نظريٍّ وعمليٍّ يوصل البلد والشعب إلى العزّة والتطوّر والعدالة.
وطوال السنوات الـ 32 الماضية كان الأمر كذلك من الناحية العملية. أي أنّنا أينما
وُفّقنا لتطبيق وصايا الإمام واتّبعنا إشارة الإمام نِلنا النجاحات الوافرة. فالشعب
ينظر بهذه العين إلى خطّ الإمام وطريقه وإرثه الخالد. في هذه العقود الثلاثة تمكّن
شعبنا من الصمود بوجه أعتى المؤامرات، سواء المؤامرات العسكرية أم الأمنية أم
الاقتصادية، هذا الحظر الشامل المفروض منذ ثلاثين سنة أو المؤامرات الإعلامية من
الإمبراطورية الإعلامية الواسعة والدعايات التي كانت تبث ليل نهار ضدّ شعب إيران أو
المؤامرات السياسية. وقد ثبت شعب إيران بوجه هذه المؤامرات ببركة مدرسة الإمام
ونهجه.
أبعاد المدرسة الخمينية
إنّ مدرسة الإمام تمثّل مجموعة متكاملة ذات أبعاد مختلفة؛ ويجب النظر
إلى هذه الأبعاد مجتمعة والالتفات إليها على هذا النحو. فهناك بعدان أساسان في
مدرسة إمامنا الجليل وهما البعد المعنوي والبعد العقلاني.
1- البُعد المعنوي:
أمّا البعد المعنوي فيعني أنّ إمامنا الجليل لم يكن يسير في طريقه
باعتماده الصرف على العوامل والظواهر المادية، فقد كان من أهل الارتباط بالله
والسلوك المعنوي ومن أهل التوجّه والتذكر والخشوع والذكر؛ وكان يؤمن بالمدد الإلهي
وكان رجاؤه وأمله بالله تعالى لا حدّ له.
2- البُعد العقلاني:
وفي البعد العقلاني كان يُشهد له اعتناؤه باستعمال العقل والتدبير
والفكر والحسابات. وسوف أذكر بعض الجمل التي تتعلّق بهذين الأمرين.
3- بُعد العدالة:
البُعد الثالث، والذي نبع من الإسلام كالروحانية والعقلانية. فعقلانية
الإمام كانت من الإسلام وكذلك روحانيته؛ كانت روحانية إسلامية وقرآنية. وهذا البعد
أيضاً استقاه الإمام من متن القرآن والدين، وهو بعد العدالة. ينبغي النظر إلى هذه
مجتمعة. فالاعتماد على أحد هذه الأبعاد دون الالتفات إلى الأبعاد الأخرى يسوق
المجتمع في الطريق الخاطئ ويجرّه نحو الانحراف. فهذه المجموعة المتكاملة هي الميراث
الفكري والمعنوي للإمام. الإمام الجليل كان في سلوكه مراقباً للعقلانية ومراقباً
للروحانية وبكلّ وجوده كان متوجّهاً إلى بعد العدالة.
نماذج من البُعد العقلاني في مدرسة الإمام الخميني
1-اختيار النظام الشعبي:
أذكر هنا عدّة نماذج من المظهر العقلاني للإمام.
الأوّل هو اختيار النظام الشعبي كنظامٍ سياسي للبلاد، وهو الاعتماد على آراء الناس.
واختيار هذا النمط كنظام (سياسي) يُعدّ من المظاهر البارزة لعقلانية الإمام في
مدرسته الإحيائية والمنهجية. فعلى مدى عدة قرون من الزمن والأنظمة الفردية (سلطة
الشخص الواحد) تتوالى على حكم بلدنا؛ وكان الأمر من الناحية العملية ليس سوى
الاستبداد والدكتاتورية البهلوية التي صارت أمرّ وأشدّ من استبداد الماضين، حتى في
عهد المشروطة في إيران (الحركة الدستورية ) وإعلان تطبيق القانون في البلاد بشكل
رسمي. ففي بلدٍ بمثل هذه السوابق أوجد إمامنا الجليل هذا الإمكان (حكم الناس)،
وحقّق هذا التوفيق، وحوّل قضية حضور الشعب والانتخابات الشعبية إلى حقيقة راسخة؛
فشعبنا لم يذق طعم الانتخابات الحرّة سوى في برهة قصيرة جداً، في بداية المشروطة.
ففي مثل هذا البلد وفي ظلّ مثل هذه الأجواء رسّخ إمامنا الجليل ومع أول خطوة مسألة
الانتخابات في البلد. لقد سمعتم مراراً أنّه على مدى هذه السنوات الـ 32 من انتصار
الثورة الإسلامية، قد أُجريت حوالي 33 عملية انتخابية في البلد، كان يُقبل فيها
الناس بحرّية على صناديق الاقتراع ويدلون بأصواتهم التي كان على أساسها يتشكّل
المجلس والحكومة ومجلس الخبراء ومجالس البلديات وأمثالها. كان هذا أبرز نموذج
لعقلانية إمامنا الجليل.
2-الصلابة وعدم التنازل في مواجهة الأعداء:
النموذج الآخر لعقلانية الإمام واستناده إلى العقل والذكاء، كان عبارة
عن صلابته وعدم مهادنته في مواجهة العدوّ المعتدي. لم يثق الإمام بالعدوّ. فبعد أن
خبَر عدوّ شعب إيران، وعدوّ هذه الثورة جيداً، وقف مقابله كالطود الشامخ. صحيح أنه
كان هناك من يتصوّر أنّ العقل يقتضي أن يتنازل المرء أحياناً للعدوّ، إلا أنّ
الإمام كان يتحرّك بعكس هذا التصوّر. فعقلانية الإمام وعقل هذا الرجل الإلهي الناضج
الكامل أوصله إلى هذه النتيجة وهي أنّ أقلّ تنازلٍ وتراجعٍ وليونة مقابل العدوّ
ستؤدي إلى تقدّم هذا العدوّ. ففي ميدان المواجهة لا يشعر العدوّ بالرحمة إزاء تراجع
الخصم. فأيّ خطوة إلى الوراء من قبل الشعب المجاهد، معناها تقدّم العدو خطوة إلى
الأمام ومزيد من تسلّطه. كان هذا أحد مظاهر عقلانية الإمام الجليل.
3- غرس الثقة بالنفس في الشعب:
المظهر الآخر لعقلانية الإمام كان غرس الثقة بالنفس والاعتماد على الذات
في الشعب. فعلى مدى سنوات، ومنذ بداية تسلّط الغربيين ودخولهم إلى هذا البلد أي منذ
بداية القرن التاسع عشر الميلادي، حينما فُتح الباب للغربيين على إيران كانوا دوماً
يحشون رأس الشعب الإيراني، بواسطة عمّالهم وأعوانهم، بالتحليلات المختلفة
ويُحقّرونه ويحملونه على التصديق بأنّه لا يقدر وليس لديه شأنية الإقدام والتطوّر
العلمي، وأنّه لا يمتلك القدرة على العمل والوقوف على قدميه. كان زعماء النظام
البهلوي وما قبله يُحقّرون شعب إيران على الدوام. فكانوا يُظهرون أنّ أيّ تطوّر
متصوّر وأيّ عملٍ كبير يجب أن يتحقّق بواسطة الغربيين، وأنّ شعب إيران ليس لديه هذه
القدرة. لكن إمامنا الجليل عمل على غرس روحية الثقة بالنفس في مثل هذا الشعب، وهو
ما أضحى نقطة تحوّل في شعب إيران. إنّ كل هذا التطور الذي يتحقّق في المجال العلمي
والصناعي وغيره من الميادين المختلفة للحياة كان بسبب روحية الثقة بالنفس هذه. إنّ
شبابنا الإيرانيين اليوم وحرفيّينا وعلماءنا وسياسيّينا ومبلّغينا، جميعهم يمتلكون
الإحساس بالقدرة. فقد رسّخ الإمام الجليل في عمق روح هذا الشعب شعار "نحن نستطيع".
وكان هذا أحد المظاهر المهمّة لعقلانية الإمام الجليل.
4- تدوين الدستور:
مظهرٌ آخر هو تدوين الدستور. لقد أمر الإمام خبراء الشعب أن يدوّنوا
الدستور عن طريق الانتخابات. وهؤلاء المدوّنون للدستور أنجزوا عملية التدوين بعد
انتخاب الشعب لهم. فلم يجرِ الأمر بطريقة يقوم فيها الإمام بتعييّن مجموعة خاصة
لكتابة الدستور ثمّ يُجعل في عهدة الشعب. انتخب الشعب الخبراء عن معرفة ووعي،
وهؤلاء قاموا بتدوين الدستور. ثمّ قام الإمام مجدَّداً بعرض هذا الدستور على الشعب
وأجرى استفتاءً عامّاً عليه في طول البلاد وعرضها. هذا كان من مظاهر عقلانية
الإمام. أنظروا كيف رسّخ الإمام أركان النظام بصورة مُحكمة. لقد أوجد الإمام قاعدة
متينة ومُحكمة من الجهات الحقوقية والسياسية والاجتماعية وكذلك على صعيد التطوّرات
العلمية، والتي أمكن على أساسها بناء الحضارة الإسلامية العظيمة.
5- الشعب هو " صاحب البلاد "
ومن القضايا التي تظهر عقلانية الإمام الجليل هو أنّه كان يفهّم الناس
أنّهم أصحاب هذا البلد ومالكوه "فللبلاد صاحبٌ". وهذا الكلام كان يجري على الألسن
في عهود الحكومات الاستبدادية أنه للبلاد صاحب. وكان مرادهم من هذا التعبير أنّ
أصحاب البلد هم في الواقع أولئك المستبدّون والدكتاتوريون المسلّطون على البلاد.
كان الإمام يفهّم الناس أنّ للبلد صاحباً وهو الشعب.
الإخلاص لله مظهر الروحانية في مدرسة الإمام
كان مظهر الروحانية في الإمام الجليل وبالدرجة الأولى إخلاصه. كان
الإمام يقوم بالعمل لله. فمنذ البداية كان كلّما أدرك التكليف الإلهي يؤدّيه، ولم
يأبَ الإمام أيّة تضحية على هذا الطريق. فمنذ بداية المواجهات والنضال في العام
1962 كان الإمام على هذا المنوال، يتقدّم من خلال التكليف. ولطالما ردّد هذا الدرس
على الناس والمسؤولين أنّ ما هو مهمّ هو التكليف. نحن علينا أن نؤدّي تكليفنا
ونتيجة عملنا بيد الله. لهذا كان مظهر الروحانية المهمّ في سلوك الإمام عبارة عن
إخلاصه. لم ينطق بكلمة أو يفعل فعلاً أو يُقدم خطوة من أجل الحصول على ثناء وتمجيد
هذا وذاك. فما أدّاه لوجه الله نال عليه البركة من الله وصار خالداً. فهذه هي خاصية
الإخلاص. كان الإمام يكرّر هذه الوصية على المسؤولين، فكان يأمرنا بأن نكون من
المتوكلين والواثقين بالله الذين يحسنون الظن بربّهم ويعملون لله. وكان هو من أهل
التوكل والتضرّع والتوسّل والاستمداد من الله ومن أهل العبادة. فبعد نهاية شهر
رمضان عندما كان المرء يرى الإمام كان يشعر بنورانيته شعوراً حسياً. كان يستفيد من
فرص الحياة من أجل التقرّب إلى الله تعالى ومن أجل تطهير قلبه وروحه الطاهرة. وكان
يأمر الآخرين ويقول: إنّنا في محضر الله. العالم محضر الله. العالم محلّ حضور
التجلّيات الإلهية. وكان يوجّه الجميع في هذا الاتّجاه. وكان من الذين يراعون
الأخلاق ويوجّه الآخرين نحو الأخلاق. فقسمٌ مهمّ من الروحانية في الإسلام عبارة عن
الأخلاق واجتناب المعاصي، والبُعد عن الطعن وسوء الظنّ والغيبة وسوء السريرة
والفرقة. كان الإمام الجليل نفسه يُراعي هذه الأشياء ويُوصي الناس بها وكذلك
المسؤولين. لطالما أوصانا الإمام بأن لا نغترّ بأنفسنا وأن لا نعدّها أعلى من
الناس، وأن لا نتعالى عن الانتقاد ونغفل عن العيوب. لقد سمع جميع المسؤولين رفيعو
المستوى في بلدنا هذا الأمر من الإمام بأنّ علينا أن نكون مستعدّين، إذا انتُقدنا
أن لا نقول إنّنا أرفع من أن يكون لدينا عيب أو يُوجّه إلينا نقد. وهكذا كان
الإمام. فهو قد كرّر في كتاباته وخصوصاً في أواخر عمره الشريف وفي تصريحاته إنّني
أخطأت في القضية الفلانية. أقرّ بأنّه قد أخطأ في القضية الفلانية؛ ومثل هذا الأمر
يتطلّب عظمة كبيرة. فروح أي إنسان ينبغي أن تكون عظيمة لكي تتمكّن من القيام بمثل
هذا الأمر حيث تنسب الخطأ والاشتباه إلى النفس؟ هذه هي روحانية الإمام وأخلاقه وهي
أحد الأبعاد المهمّة للدرس الذي عَلَّمَنا إيّاه الإمام.
بُعد العدالة في مدرسة الإمام الخميني قدس سره
وكان بُعد العدالة في مدرسة الإمام بارزاً جداً. هذا وإن كانت العدالة
بأحد معانيها تنبع من العقلانية والروحانية، لكنّ عظمة هذا البُعد في شخصية الإمام
الجليل أبرزته لنا بصورة متفرّدة. فمنذ بداية انتصار الثورة كان الإمام يصرّ على
الاعتماد على الشرائح المستضعفة فيُكرّر هذا ويُوصي به، فالتعبير بـ "الحفاة وسكّان
الأكواخ" من العبارات التي تكرّرت كثيراً في كلمات الإمام. وكان يُصرّ على
المسؤولين أن يُدركوا الطبقات المحرومة. ويُصرّ على المسؤولين أن يجتنبوا حياة
الأشراف. كان هذا من الوصايا المهمّة للإمام العظيم، وعلينا أن لا ننساها. إنّ آفة
المسؤولية في أيّ نظامٍ يعتمد على آراء الناس وإيمان الشعب هي: أن يتحوّل المسؤولون
إلى التفكير برفاهيتهم الخاصّة والبحث عن الثروة وتجميع المال وهوس حياة النبلاء
والأشراف وطرق باب هذا وباب ذاك؛ فهذه هي الآفة العظمى. وقد جنّب الإمام نفسه هذه
الآفة بشكل تام وكان يُوصي مسؤولي البلاد مراراً بأن لا يتّجهوا نحو حياة القصور
والأشراف، وأن لا ينشغلوا بتكديس الثروة بل بإيجاد روابط قريبة مع الشعب. ونحن
الذين كنّا في تلك الأيام من المسؤولين كان الإمام يحبّ لنا أن نرتبط بالناس ونأنس
بهم، ويصرّ على إيصال الخدمات إلى أقصى نقاط البلاد لكي يتنعّم أهالي تلك المناطق
النائية بالخدمات العامّة. وكانت هذه نابعة من نظرة الإمام الجليل لبُعد العدالة.
كان الإمام يُصر أن يُنتخب المسؤولون من بين الناس وأن يكونوا مُنبثقين منهم، وأن
لا تُصبح التبعية ــ المحسوبيات ــ مِلاكاً لتقبّل المسؤوليات؛ التبعية للشخصيات
والعائلات. كان إمامنا الجليل يُحذِّرنا من مصيبة الألف عائلة التي تزعّمت هذه
البلاد في العهد القاجاري والبهلوي. وكان أحياناً يقول في مقام مدح أحد المسؤولين:
إنّ هذا جاء من بين الناس. كان يعدّه مِلاكاً. فبرأي الإمام الجليل كان الاعتماد
على الثروة والسلطة للوصول إلى المسؤولية من المخاطر الكبرى على البلاد والثورة.
ضرورة رعاية مدرسة الإمام في أبعادها الثلاثة
حسناً، هذه هي أبعاد خطّ الإمام.إخواني وأخواتي ؛ يا شعب إيران العزيز:
إنّ هذه المدرسة قد عبرت بنا، طيلة هذه السنوات ال32، المنعطفات الخطرة، ورفعت من
مستوى عزّتنا الوطنية وكرامتنا الدولية. فهذا البلد قد تقدّم ببركة السير على هذا
الخط، وبمقدار ما حافظ على هذا الخط سار قُدُماً نحو قِيمه وأهدافه. علينا رعاية
هذا الخطّ إلا أنّ هذا ينبغي أن يكون من جميع الجوانب. فلو أراد شخصٌ أو تيّارٌ أن
يَعدِل عن القيم الإسلامية والثورية تحت عنوان العقلانية فهذا انحرافٌ. ولو أراد
شخصٌ بحجّة العقلانية أن يخرج عن التقوى مُقابِل العدوّ ويُحدِث التبعية فهذا
انحرافٌ وخيانة. إنّ تلك العقلانية الموجودة في مدرسة إمامنا الجليل لا تقتضى
الغفلة عن خدع العدو وكيده وخططه الماكرة والثقة به والتنازل له. فكلّما تنازل
الإنسان لعدوّه سوف يخسر الدعم المعنوي العظيم داخل البلد ومن قلوب الشعب.
وهكذا في النقطة الأخرى: فلو دُسنا على الأخلاق تحت عنوان السير نحو العدالة وباسم
الثورية، فإنّنا نكون قد أضررنا وانحرفنا عن خطّ الإمام. ولو قمنا تحت عنوان
الثورية وباسم تحقيق العدالة بإهانة إخواننا وشعبنا المؤمن وأولئك الذين يُخالفوننا
من الناحية الفكرية، ولكنّنا نعلم أنّهم مؤمنون بأصل النظام والإسلام، وقمنا
بأذيّتهم وتعذيبهم نكون قد انحرفنا عن خطّ الإمام. ولو أردنا تحت عنوان الثورية
والسلوك الثوري سلب الأمن من بعض الناس في المجتمع والبلد نكون قد انحرفنا عن خط
الإمام. ففي هذا البلد توجد آراء وعقائد مختلفة. فلو انطبق عنوان الإجرام على حركة
ما أو كلامٍ ما، فمثل هذا العنوان الإجرامي قابلٌ للمعاقبة وعلى الأجهزة أن
تتعقّبه؛ ولكن عندما لا ينطبق عليه هذا العنوان الإجرامي، وإنما يخالف أسلوبنا
السياسي ونهجنا ومذاقنا، دون أن يكون بصدد الإطاحة والخيانة وتطبيق أوامر العدوّ في
البلد، فلا يمكننا أن نحرمه الأمن والعدالة، (وَلاَ
يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ) 1
. فالقرآن يأمرنا قائلاً: لا ينبغي أن تكون مخالفتكم لقومٍ ما سبباً
للدّوس على العدالة وتناسيها؛ (اعْدِلُواْ)2
، أجروا العدالة حتى بما يتعلّق بمن يخالفكم؛ (هُوَ
أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) 3
، إيّاكم أن تتصوّروا أنّ التقوى تعني أن نسحق من يُخالفنا. كلا،
فإنّ إجراء العدالة يتوافق مع التقوى. فعلينا جميعاً أن نكون حذرين وواعين. فمثل
هذا البُعد لا ينبغي أن يطغى على الأبعاد الأخرى.
البُعد الروحاني والمعنوي هكذا أيضاً.
1- سورة المائدة، الآية 8.
2- م.ن.
3- م.ن.
روحانيتنا لا تنفصل عن الشعور بالمسؤولية
فنحن أهل المعنويات والتوسّل والتوجّه والذكر والشكر. وإنّ أجواء مجتمعنا عابقة
بالتوجّه إلى الله. فشهر رمضان في بلدنا هو شهرٌ مشهود، وهو ربيع الروحانية.
وشبابنا الأعزّاء هؤلاء في جلسات القرآن والذكر والدعاء والتوسّل لهم من الحضور
النوراني ما يُبهج الإنسان. وفي الأيام الآتية نفس مراسم الاعتكاف التي يُقيمها
شبابنا تُعدّ ظاهرة مُدهشة.
في أيّام شبابنا، في حوزة قمّ العلمية، وفي أيّام منتصف رجب التي هي أيّامٌ معروفة
للاعتكاف، لعلّ الذي كانوا يُشاركون في الاعتكاف في مسجد الإمام، في تلك الأيام، لم
يكن ليتجاوز العشرة أو الخمسة عشر نفراً أو العشرين من الطلبة هناك حيث مركز الحوزة
العلمية أي قم. فمثل هذا العمل لم يكن معروفاً. أمّا في أيامنا هذه، وفي جامعات
البلاد، يعتكف آلاف الأشخاص من شبابنا الجامعيين ذكوراً وإناثاً في مساجد الجامعات.
يتعبّدون لثلاثة أيام ويختلون بربّهم ويثبّتون علاقتهم بالله؛ وكذلك المساجد الكبرى
والجوامع لها حالها. فهذه هي المعنويات. إنّ بلدنا هو بلد المعنويات، ولكنّ
روحانياتنا ومعنوياتنا تصاحب الشعور بالمسؤولية. فهذه المعنويات لا ينبغي بأي شكلٍ
من الأشكال أن تفصلنا عن مسؤوليتنا الثورية العظيمة، بل ينبغي أن تكون معينة لنا في
حركتنا الثورية. أولئك الذين يعتمدون على التديّن وتحت عنوان التديّن يسعون لجعل
مجتمعنا وشبابنا معزولين عن السياسة ويعملون على إبعادهم عن الحضور في ميادين
البلاد؛ هؤلاء مُخطئون ويسلكون الطريق الخطأ وقد ابتلوا بالانحراف؛ فهذه الأبعاد
تكون مجتمعة.
ثبات الشعب على نهج الإمام الخميني (قدس) أحبط مخططات الأعداء
إنّني هنا وفي جوار مرقد الإمام المطهّر، وفي جوار الأرواح الطيبة للشهداء الذين
دُفنوا في هذا المزار المعنوي بهشت زهراء، أَشهد أنّ شعبنا قد سلك هذا الطريق
جيّداً وقد حفظ نهج الإمام. إنّني أرى بالعين ويمكنني أن أَشهد أنّ شبابنا الثوريين
اليوم إذا لم يكونوا من الناحية الإيمانية والتقوائية وثبات العقيدة أفضل من الشباب
الثوريين في بداية الثورة، فهم ليسوا بأقلّ. إنّني أَشهد من صميم القلب وبضرسٍ قاطع
وأعتقد بأنّ شعبنا قد وفى بعهده على أفضل وجه؛ فقد حفظ القيم وثبت عليها؛ إنّ شعبنا
هو الذي أحبط خطط أعدائنا.
لا أريد أن أتحدّث بهذا الشأن بالتفصيل؛ فلا يوجد وقت، ولعلّه الآن لا يوجد مجال
لمثل هذا الحديث؛ ولكن أتحدّث بالإجمال والإشارة. إنّ أعداءنا يتصوّرون أنّه برحيل
الإمام قد بدأ عصر زوال هذا النظام المقدّس. كانوا يتصوّرون أنّ الإمام إذا رحل
فإنّ هذه الشعلة ستنطفئ بالتدريج وأنّ هذا المصباح سيخبو. وفي مراسم تشييع جنازة
الإمام، فإنّ مشاعر الشعب وذلك التحرّك العظيم في دعم ما قام به الخبراء جعلهم
آيسين. فقد خطّطوا لمدّة عشر سنوات ــ فهذا تحليلي، وليس بمعنى أنّه خبر، إنّما
تحليلٌ تُثبته القرائن لنا ــ وكانوا يأملون أنّه بعد عشر سنوات (هذه المخططات)
ستُؤتي ثمرتها. وفي سنة 1999 عندما جرت تلك الأحداث، كان الشعب هو من أحبط تلك
الحوادث، ففي الثالث والعشرين من شهر تير[14-7-1999] من ذلك العام، نزل الناس إلى
الشوارع وأحبطوا في يومٍ واحد مؤامرة العدوّ التي كان يخطّط لها لسنوات وانقضى ذلك
اليوم. ثمّ جاءت أمواجٌ أخرى ووضعوا خططاً لعشر سنوات وحتى مجيء عام 2009. وبرأيهم
أنّه ستحين الفرصة. تصوّروا أنّهم قد هيّأوا الأرضية. كان للناس مطالب - الناس
المرتبطين بالنظام والأوفياء له - ففكّروا أنّه يمكنهم استغلال هذه المطالب. لهذا
أحدثوا قضايا عام 2009. فبقيت طهران لمدّة شهرين أو ثلاثة في حالة من الاضطراب -
بالطبع طهران فقط - فتمكّنوا طيلة هذه المدّة من إشغال القلوب والأذهان بهم. وهنا
نزل الناس إلى الميدان. وبعد أن انكشفت السرائر، علم الناس في يوم القدس ما هو
مُراد هؤلاء، وفي يوم عاشوراء فهموا عمق مُرادهم، فنزل شعبنا العزيز إلى الميدان،
وحقّق ملحمة التاسع من شهر دي [30-12-2009]. ليس فقط في طهران بل في جميع أنحاء
البلاد، نزل الملايين في ذاك اليوم [9دي] ومن ثمّ ومن دون أيّة فاصلة في الثاني
والعشرين من شهر بهمن [11-2-1979 ذكرى انتصار الثورة الإسلامية]، وقضوا على تلك
المؤامرة من خلال نزولهم إلى الميدان. هذه هي مهارة الشعب. فالسلام على شعب إيران،
السلام على هذا الشعب المؤمن والمجاهد والبصير. وإن شاء الله بتوفيقه تعالى سيستمرّ
هذا الشعب على هذا الطريق والخط وعلى هذه الأهداف وبنفس هذا العزم والهمّة حتى
النهاية.
حضور الناس في الميدان إلى جانب المسؤولين حقق إنجازات كبرى
ولحسن الحظّ، فإنّ هذه الحركة العظيمة للشعب آتت أكلها. فببركة الثقة التي أولاها
الشعب لمسؤولي البلاد، وببركة الاستقرار الذي تحقّق بحضور الناس في جميع أنحاء
البلاد تمكّن المسؤولون من توسعة الخدمات وأنجزوا الأعمال الكبرى؛ فقد تحقّقت في
البلاد أعمالٌ عظيمة في البُنى التحتية وهو شرطٌ ضروري لتقدّم أيّ بلد، ونفس هذه
الأعمال في البُنى التحتية هي التي تجري اليوم بصورة متلاحقة؛ والشعب يشاهد هذا،
وإن شاء الله سوف يرى ثمارها على المدى القصير والبعيد. وببركة هذا الاستقرار الذي
تحقّق بمشاركة الشعب فإنّ مؤامرات العدوّ الأمنية قد أُحبطت وكذلك مؤامراته
الإعلامية. فببركة هذا الحضور الشعبي أضحى التطوّر العلمي والتقني في البلاد بمستوى
عال. وفي يومنا هذا وطبق الإحصاءات الدولية لا طبق إحصاءاتنا وبحسب الحسابات
الدولية، التي تُعلَن بشكلٍ رسمي، فإنّ سرعة التطوّر العلمي في بلدنا تبلغ 11 أو 12
ضعف المعدّل العام في العالم؛ وهذا ليس بالشيء القليل. هذا ما يقوله المخالفون
ويعلنه أعداؤنا. فقد حقّق شبابكم العلماء في يومنا هذا من التطوّر وفي مجال أكثر من
عشرة فروع مهمّة ما يأتي في الدرجة الأوّلى علمياً وتقنياً في البلاد، بحيث صاروا
في الصفّ الأوّل على المستوى العالمي أي إنّهم ضمن علماء الدول العشر الأولى في
العالم؛ كلّ ذلك ببركة حضور الناس. وكلما استمرّ هذا الحضور وهذه الثّقة المتبادلة
وهذا الإحساس العميم بالمسؤولية، ستحوز البلد على المزيد من التطوّر. هذا هو خطّ
الإمام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في الذكرى 22 لرحيل الإمام الخميني قدس سره ــ
الزمان: 14/3/1390ش.
1/7/1432ق.
4/6/2011م.