يتم التحميل...

اوجه التفسير

مقدمات في التفسير

فاما اللغة، فعلى المفسر معرفة معانيها, ومسميات اسمائها, ولا يلزم ذلك القارئ ثم ان كان ما تتضمنه الفاظها يوجب العمل دون العلم، كفى فيه خبر الواحد والاثنين، والاستشهاد بالبيت والبيتين وان كان مما يوجب العلم، لم يكف ذلك، بل لا بد ان يستفيض ذلك اللفظ, وتكثر شواهده من الشعر.

عدد الزوار: 159

اخرج الطبري بعدة اسانيد الى ابن عباس، قال: التفسير اربعة اوجه: وجه تعرفه العرب من كلامه، وتفسير لايعذر احد العلماء بجهالته، وتفسير يعلمه العلم، وتفسير لا يعلمه الا اللّه تعالى1.

قال الزركشي في شرح هذا الكلام: وهذا تقسيم صحيح

فاما الذي تعرفه العرب، فهو الذي يرجع فيه الى لسانهم، وذلك شان اللغة والاعراب.

فاما اللغة، فعلى المفسر معرفة معانيه، ومسميات اسمائه، ولا يلزم ذلك القارئ ثم ان كان ما تتضمنه الفاظها يوجب العمل دون العلم، كفى فيه خبر الواحد والاثنين، والاستشهاد بالبيت والبيتين وان كان مما يوجب العلم، لم يكف ذلك، بل لا بد ان يستفيض ذلك اللفظ، وتكثر شواهده من الشعر.

واما الاعراب، فما كان اختلافه محيلا للمعنى، وجب على المفسر والقارئ تعلمه، ليتوصل المفسر الى معرفة الحكم وليسلم القارئ من اللحن وان لم يكن محيلا للمعنى، وجب تعلمه على القارئ ليسلم من اللحن، ولا يجب على المفسر، لوصوله الى المقصود دونه، على ان جهله نقص في حق الجميع.

اذا تقرر ذلك، فما كان من التفسير راجعا الى هذا القسم، فسبيل المفسر التوقف فيه على ما ورد في لسان العرب، وليس لغير العالم بحقائق اللغة ومفاهيمها تفسير شيء من الكتاب العزيز، ولا يكفي في حقه تعلم اليسير منه، فقد يكون اللفظ مشترك، وهو يعلم احد المعنيين.

الثاني: ما لا يعذر احد بجهله، وهو ما تتبادر الافهام الى معرفة معناه من النصوص المتضمنة شرائع الاحكام ودلائل التوحيد وكل لفظ افاد معنى واحدا جليا لا سواه، يعلم انه مراد اللّه تعالى.

فهذا القسم لا يختلف حكمه، ولا يلتبس تاويله، اذ كل احد يدرك معنى التوحيد،من قوله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ2 وانه لا شريك له في الهيته، وان لم يعلم ان "لا" موضوعة في اللغة للنفي و"الا" للاثبات، وان مقتضى هذه الكلمة الحصر و يعلم كل احد بالضرورة ان مقتضى قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ3 ونحوها من الاوامر، طلب ادخال ماهية المامور به في الوجود، وان لم يعلم ان صيغة "افعل" مقتضاها الترجيح وجوبا او ندبا فما كان من هذا القسم لا يقدر احد ان يدعي الجهل بمعاني الفاظه، لانها معلومة لكل احد بالضرورة.

الثالث: ما لا يعلمه الا اللّه تعالى، فهو يجري مجرى الغيوب، نحو الآية المتضمنة قيام الساعة، ونزول الغيث، وما في الارحام، وتفسير الروح، والحروف المقطعة.
وكل متشابه في القرآن عند اهل الحق، فلا مساغ للاجتهاد في تفسيره، ولا طريق الى ذلك الا بالتوقيف، من احد ثلاثة اوجه:

اما نص من التنزيل، او بيان من النبى صلى الله عليه وآله وسلم، او اجماع الامة على تاويله.

فاذا لم يرد فيه توقيف من هذه الجهات، علمنا انه مما استاثر اللّه تعالى بعلمه.

قلت: وهذا انما يصدق بشان الحروف المقطعة، فانها رموز بين اللّه ورسوله، لا يعلم تاويلها الا اللّه والرسول، ومن علمه الرسول بالخصوص.

والرابع: ما يرجع الى اجتهاد العلماء، وهو الذي يغلب عليه اطلاق التاويل، وهو صرف اللفظ الى ما يؤول اليه فالمفسر ناقل، والمؤول مستنبط، وذلك استنباط الاحكام، وبيان المجمل، وتخصيص العموم.

وكل لفظ احتمل معنيين فصاعد، فهو الذي لايجوز لغير العلماء الاجتهاد فيه، وعلى العلماء اعتماد الشواهد والدلائل، وليس لهم ان يعتمدوا مجرد رايهم فيه.

ثم اخذ في بيان كيفية الاجتهاد و استنباط الاحكام من ظواهر القرآن، عند اختلاف اللفظ او تعارض ظاهرين، بحمل الظاهر على الاظهر، وترجيح احد معنيي المشترك، وما الى ذلك مما يرجع الى قواعد (علم الاصول).

ثم قال: فهذا اصل نافع معتبر في وجوه التفسير في اللفظ المحتمل، واللّه العالم.

واخيرا قال: اذا تقرر ذلك فينزل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "من تكلم في القرآن بغير علم فليتبوا مقعده من النار" على قسمين من هذه الاربعة: احدهما: تفسير اللفظ، لاحتياج المفسر له الى التبحر في معرفة لسان العرب، الثاني: حمل اللفظ المحتمل على احد معنييه، لاحتياج ذلك الى معرفة انواع من العلوم:

علم العربية واللغة و التبحر فيهما.

ومن علم الاصول ما يدرك به حدود الاشياء، وصيغ الامر والنهي، والخبر، والمجمل والمبين، والعموم والخصوص، والظاهر والمضمر، والمحكم والمتشابه، والمؤول، والحقيقة والمجاز، والصريح والكناية، والمطلق والمقيد.

ومن علوم الفروع ما يدرك به استنباط، والاستدلال على هذا اقل ما يحتاج اليه، ومع ذلك فهو على خطر فعليه ان يقول: يحتمل كذ، ولا يجزم الا في حكم اضطر الى الفتوى به4.

*التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب، الشيخ محمد هادي عرفة، من منشورات الجامعة الرضوية للعلوم الإسلامية، ط1، ص57-60.


 

1- تفسير الطبري، ج1، ص 26.
2- محمد: 19.
3- البقرة:43.
4- البرهان في علوم القرآن.

2009-10-23