يتم التحميل...

الحمد

مقدمات في التفسير

السورة مكية، وقيل مدنية، وقيل أنزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة وهي سبع آيات. وتسمى السورة بالفاتحة والحمد والسبع المثاني وأم الكتاب وغير ذلك من أسماء، وهي واجبة في الصلاة، ففي الحديث:"لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب".

عدد الزوار: 71

﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ. صدق اللَّه العلي العظيم

السورة مكية، وقيل مدنية، وقيل أنزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة وهي سبع آيات. وتسمى السورة بالفاتحة والحمد والسبع المثاني وأم الكتاب وغير ذلك من أسماء، وهي واجبة في الصلاة، ففي الحديث: "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب".

وقد ورد في الخبر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله: "أن أم الكتاب أفضل أنزلها اللَّه في كتابه، وهي شفاء من كل داء إلا السام" يعني الموت.

يقول تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ1.

وفي الرواية عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وعلى آله قال: "إن اللَّه أفرد الإمتنان عليّ بفاتحة الكتاب، وجعلها بإزاء القران العظيم، وإن فاتحة الكتاب أشرف ما في كنوز العرش"2.

كما روي عنه صلى الله عليه وعلى آله أنه قال: "والذي نفسي بيده ما أنزل اللَّه في التوراة ولا في الزبور ولا في القران مثلها، وهي أم الكتاب".

وفي هذه ال الكريمة عرض لكل محتويات القران: التوحيد، وصفات اللَّه، والمعاد ويوم القيامة، والهداية والضلال، وحاكمية اللَّه المطلقة وربوبيته ونعمه اللامتناهية ورحمته، والعبادة والعبودية. فهي تتضمن مراحل الإيمان الثلاث: الاعتقاد بالقلب، والإقرار باللسان، والعمل بالأركان.

المفردات

الاسم: في اللغة من السمو بمعنى الارتفاع.
الحمد: في اللغة هو الثناء على عمل أو صفة طيبة مكتسبة عن اختيار. أي حينما يؤدي شخص عملاً طيباً عن وعي، أو يكتسب عن اختيار صفة تؤهله لأعمال الخير فإننا نحمده ونثني عليه.
رب: هي في الأصل بمعنى صاحب الشي‏ء ومالكه الذي يهتم بإصلاحه وتربيته.
العالمين: جمع عالم، والعالم مجموعة من الموجودات المختلفة ذات صفات مشتركة، كعالم الإنسان، وعالم الحيوان، وعالم النبات.. فكلمة العالم وحدها تتضمن معنى الجمع، وحين تجمع بصيغة عالمين فيقصد منها كل مجموعات هذا العالم.
الصراط: هو الطريق.

الروايات

عن الرضا عليه السلام أن البسملة "أقرب إلى اسم اللَّه الأعظم من ناظر العين إلى بياضها".
وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: "إن العبد إذا أراد أن يقرأ أو يعمل عملاً فيقول بسم اللَّه الرحمن الرحيم فإنه يبارك له فيه"3.

وقال في معنى البسملة: "اللَّه هو الذي يتأله إليه4 كل مخلوق عند الحوائج والشدائد إذا انقطع الرجاء من كل من دونه وتقطع الأسباب من جميع سواه. تقول بسم اللَّه أي أستعين على أموري كلها باللَّه الذي لا تحق العبادة إلا له، المغيث إذا استغيث، والمجيب إذا دعي".

وروي عن الرضا عليه السلام أنه قال في معناها: "بهذا أَسِمُ نفسي بسمة من سمات اللَّه وهي العبادة، قيل له: ما السمة؟ قال: العلامة".

في رواية عن الإمام الصادق عليه السلام: "واللَّه إله كل شي‏ء والرحمن بجميع خلقه، الرحيم بالمؤمنين خاصة"5.

وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه سئل عن الحمد فقال: "هو أن اللَّه عرّف عباده بعض نعمه عليهم جملاً، إذ لا يقدرون على معرفة جميعها بالتفصيل، لأنها أكثر من أن تحصى أو تعرف، فقال: قولوا الحمد للَّه على ما أنعم علينا".

وعن الإمام علي عليه السلام في تفسير رب العالمين قال: "رب العالمين هم الجماعات من كل مخلوق من الجمادات والحيوانات"6.

في الخبر عن الإمام الصادق عليه السلام في تفسير يوم الدين قال: "يوم الدين هو يوم الحساب"7.

وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام في معنى الاية اهدنا الصراط المستقيم: "أدم لنا توفيقك الذي أطعناك به في ماضي أيامنا حتى نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا".

وعن الصادق عليه السلام أيضاً في معناها: "أرشدنا للزوم الطريق المؤدي إلى محبتك والمبلّغ إلى جنتك والمانع من أن نتّبع أهواءنا فنعطب أو أن نأخذ بارائنا فنهلك".

وعن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال في بيان المراد من الصراط: "الصراط أدق من الشعر وأحد من السيف فمنهم من يمر عليه مثل البرق ومنهم من يمر عليه مثل عدو الفرس، ومنهم من يمر عليه ماشياً، ومنهم من يمر عليه حبواً، ومنهم من يمر عليه متعلقاً فتأخذ النار منه شيئاً وتترك شيئاً".

وعن الصادق عليه السلام أيضاً: "وهي الطريق إلى اللَّه وهما صراطان صراط في الدنيا وصراط في الآخرة، فأما الصراط في الدنيا فهو الإمام المفترض الطاعة من عرفه في الدنيا واقتدى بهداه مرّ على الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة، ومن لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن الصراط في الآخرة فتردّى في نار جهنم".

وعنه عليه السلام: "إن الصراط أمير المؤمنين عليه السلام".

وفي رواية: "إنه معرفة الإمام".

وقفات تفسيرية

لمحة إجمالية


إذا ألقينا نظرة إجمالية على ال الكريمة، وجدنا أنها استوعبت ما يتوقف عليه كمال الإنسان وسعادته في الدنيا والآخرة ذلك بأن كمال الإنسان إنما هو باستكمال قوتين: قوة النظر والعلم، وقوة الكسب والعمل فبالأولى يدرك الحق ويؤمن به ويغذي به نفسه وعقله، وبالثانية يسلك طريق الخير والفلاح والهدى والرشاد.

والفاتحة تكفّل نصفها الأول ببيان التي هي أساس هذا الوجود وأصل السعادة المطلقة لتقرير ربوبية اللَّه تعالى للعالمين ورحمته ورحمانيته وتفرده بالملك يوم الدين وهذا هو الحق الذي بإدراكه تكمل قوة العلم والمعرفة وتكفّل نصفها الثاني ببيان خط العمل في الحياة بالعبادة للَّه والاستعانة به والهداية من اللَّه وبالتزام طريق اللَّه والبعد عن طريق الجاحدين المستكبرين والضالين المتحيرين.

والقران بمجمله جاء تفصيلاً لما أجملته هذه ال وبهذا كانت فاتحة الكتاب وأم القران وعِدلاً للقران العظيم.

تبدأ السورة بذكر اسم اللَّه، وتعلمنا بذلك أن نستمد دائماً من الباري تعالى لدى البدء بأي عمل، فإن كل ما في الكون يتجه إلى الزوال والفناء إلا ما كان مرتبطاً بالذات الأبدية الخالدة، ذات اللَّه تعالى. والعمل إذا ارتبط باسم اللَّه تعالى فسوف يكتب له الدوام والبقاء وقد ورد عن رسول اللَّه صلى الله عليه وعلى آله: "كل أمر ذي بال لم يذكر فيه باسم اللَّه فهو أبتر".

ومن هنا كانت الآية الأولى التي أنزلها اللَّه على نبيه صلى الله عليه وعلى آله تحمل أمراً لصاحب الرسالة أن يبدأ مهمته الكبرى باسم اللَّه: ﴿اقرأ باسم ربك8.

وحين يركب نوح عليه السلام السفينة في ذلك الطوفان العجيب ليفتتح بذلك عهداً جديداً للبشرية مع اللَّه تعالى، فإنه يطلب من أتباعه أن يرددوا معه باسم اللَّه: ﴿وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا9.

وسليمان عليه السلام يبدأ رسالته إلى ملكة سبأ بالبسملة: ﴿إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم10.

حول كلمة "اللَّه" تعالى

كل اسم من أسمائه تعالى يبيّن حقيقة من حقائق ذاته المقدسة ونجد في القران ما يقرب من اسم من أسمائه، وهي في الحقيقة صفات من صفاته فالرحمن والرحيم  والملك وغيرها، كل واحد منها يدل على واحد من كمالاته غير أن هذا الاسم "اللَّه" هو اسم جامع لجميع صفاته الكمالية، وهذا الاسم قد اشتق إما من إله بمعنى عبد فتعني كلمة اللَّه الذات الكاملة الحقيقة بالعبادة، وإما من وَلَه بمعنى تحير فيكون بمعنى الذي يحار العقل في ذاته المقدسة.

رحمة اللَّه

إن خلق اللَّه ورعايته وحاكميته تقوم على أساس الرحمة وهذا المبدأ يشكل المحور الأساس لنظام رعاية العالم. فالرحمن هو الذي تتسع رحمته لتشمل كل الموجودات، بما في ذلك الأولياء والأعداء، والمؤمنين والكافرين، فاللَّه سبحانه يرزق كل مخلوق ما به قوام وجوده وما به ينال الطاعة والرضوان، قال تعالى:
﴿أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى.

فإذا سار الإنسان في الصراط المستقيم وطريق الحق أصبح تحت رحمة من اللَّه خاصة، وكأن العالم قد صيغ بحيث أن السائر في طريق اللَّه لا بد أن يكون اللَّه في عونه فيهديه ويسبغ على قلبه النور
﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا11.

ويهين له أسباب الرزق. فهذه الرحمة الخاصة الرحيمية لا تشمل إلا الذين وضعوا أنفسهم في مهب هذه الرحمة بإيمانهم وأعمالهم الصالحة.

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وعلى آله أن للَّه عزّ وجلّ مائة رحمة أنزل منها واحدة إلى الأرض فقسمها بين خلقه، فبها يتعاطفون ويتراحمون، وأخّر تسعاً وتسعين لنفسه يرحم بها عباده يوم القيامة. وروي أن اللَّه قابض هذه إلى تلك فيكملها مائة يرحم بها عباده يوم القيامة.

حمد اللَّه والثناء عليه

ثم إن الرحمة من حيث المعنى عبارة عن رقة القلب ولكنها في اللَّه تعالى صفة كمال لا نقص فيها فليست عبارة عن رقة قلب أو تأثر أو انفعال نفساني وإنما هي لطف من ألطافه تعالى بعباده.

وإذا كانت كل نعمة ورعاية تعود إلى اللَّه تعالى، فأول واجبات العباد بعد ذكره أن يحمدوه على نعمه التي لا تحصى، هذه النعم التي تحيطنا وتغمر وجودنا، وتهدينا إلى معرفة اللَّه، وتدفعنا في طريق العبودية.

فكل حمد هو للَّه تعالى، وأما لماذا كان كل حمد للَّه فلأن الحمد يكون على الجميل، والقران يبيّن أن كل شي‏ء مخلوق له تعالى:
﴿اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ 12.

وإنه جميل:
"الذي أحسن كل شي‏ء خلقه"13.

فكل شي‏ء في عالم الوجود للَّه تعالى وهو جميل فالحمد للَّه. وهو رب العالمين ولهذا استحق اللَّه الحمد في مبتدأ الأعمال، وفي مختتمها:
﴿وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 14.

فهو رب العالمين وخالقهم وسائق أرزاقهم إليهم ومدبر أمورهم وحافظهم..

ذكر المعاد.. سبب النجاة

حيث كان الاعتقاد بيوم القيامة، وذكره دائماً وعدم نسيانه عاملاً مهماً لهداية الإنسان ووصوله إلى هدفه الأسمى، إذ لولاه لكان خلق كثير على رغم اعتقادهم باللَّه وخالقيته يتركون مسؤولياتهم وتكاليفهم، قال تعالى:
﴿لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ 15.

لذلك كثرت الايات التي تتحدث عن الجنة ونعيمها والنار وأهوالها وعاقبة المحسن والمسي‏ء كل ذلك من أجل أن يلتفت الإنسان إلى سلوكه وعواقب أعماله.

وكما أنه تعالى محمود لأنه رب العالمين فكذلك هو محمود ويجب حمده لأنه رحمان ورحيم ولأنه مالك يوم الدين.

والتعبير بمالك يدل على سيطرة اللَّه التامة وهيمنته المستحكمة على كل شي‏ء في ذلك اليوم، حيث يحضر البشر في تلك المحكمة الكبرى للحساب، وتقف أمام مالكها الحقيقي للحساب، حيث لا يملك أحد لأحد ضراً ولا نفعاً، ﴿يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ16

"لمن الملك اليوم".

فيأتي الجواب:
﴿اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ17.

ففي ذلك اليوم ظهور ملكه للجاهلين بمالكيته المطلقة ومظهر جلياً للموحدين وإلا فهو المالك والملك المطلق في الدنيا والاخرة ولا ملك ولا مالك غيره.

ولأجل ذلك ينبغي على العبد أن يلهج بالدعاء إلى ربه ويتضرع إليه
"إياك نعبد وإياك نستعين".

ويستشعر حضوره دائماً، ويخاطبه ويناجيه، يتحدث إليه أولاً عن تعبده، ثم يستمد العون منه وحده دون سواه.

فيعترف بأن اللَّه سبحانه هو وحده اللائق بالعبادة، والطاعة، والخضوع، وبالتشريع دون سواه. ويتجنب أي نوع من العبودية والتسليم لغير اللَّه تعالى.

وثمرة هذا الاعتقاد أن يصبح الإنسان معتمداً على اللَّه دون سواه، وهذا ما يستفاد من تقديم المفعول إياك على الفاعل في نعبد ونستعين.

عبادة اللَّه

الطريق الوحيد للتقرب إلى اللَّه تعالى هو العبادة والعبودية للَّه وحده، إذ هو الطريق الذي اختاره اللَّه لعباده، فيه يصلون إليه ومن خلاله يحصلون على كمالاتهم.

ولذا حذر اللَّه تعالى من عبادة النفس والهوى، وكذا حذّر من عبادة الشيطان وإطاعته:
﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ 18.

والعبادة وإن كانت هدف الخلقة:
﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُون 19.

ومع ذلك فهي هدف نسبي وطريق إلى تحصيل اليقين:
﴿وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ20.

وكلما ارتقى الإنسان في عبادة اللَّه فإنه يرتقي في الاستقامة ولذا قرن تعالى بينهما:
"إياك نعبد وإياك نستعين".

طلب الهداية من اللَّه

فالهداية المقصودة في قوله تعالى:
"إهدنا الصراط المستقيم".

هي الهداية التكوينية لا التشريعية بمعنى أن هذا الإنسان الذي استجاب للهداية التشريعية ودعوة الأنبياء للعمل بالشرائع الإلهية وعمل بمقتضاها، يطلب منه تعالى أن ينوّر قلبه بنوره الذي يبصر به حقائق الأمور، ويطلب منه أن يزيده من ذلك الهدى الذي يجعله في أرقى مراتب القرب من اللَّه تعالى:
﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ 21.

وبعد أن يقر الإنسان بالتسليم لرب العالمين ويرتفع إلى مرحلة العبودية للَّه والاستعانة
77
 به تعالى يتقدم هذا العبد بأول طلب من بارئه وهو الهداية إلى الطريق المستقيم، طريق الإيمان والعمل الصالح ليهبه اللَّه نعمة الهداية بعد أن وهبه جميع النعم الأخرى.

ما هو الصراط؟

أما الصراط فهو الطريق المصون عن الأعوجاج وهناك بيَّن الطرق الكثيرة طريق واحد مستقيم هو طريق السعادة على الإنسان أن يسلكه للوصول إلى التكامل وقد عرفته الآيات بأنه الدين قال تعالى:
﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا 22.

ومن خصائصه أنه واحد ففي كل مورد ذكر في القران فإنه مفرد.

ويوصف بالسويّ:
﴿فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى 23.

وقد أمر تعالى باتباعه فقال:
﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ 24.

هذا وقد فسّرت بعض الروايات التي تقدم بعضها الصراط المستقيم بأنه الإمام عليه السلام أو الإسلام ولكنها من باب الجري أي من باب ذكر المصاديق وإلا فإن الصراط هو الطريق الواسع العظيم وهو واحد فقط لأنه من عند اللَّه وإلى اللَّه.

والآية تميز بين صراط الذين أنعم اللَّه عليهم وصراط الذين ضلوا والذين استحقوا غضب اللَّه عليهم.

والذين أنعم اللَّه عليهم هم الأنبياء، والصديقين، والشهداء، والصالحين بحسب صريح الآية الكريمة:
﴿وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا 25.

أما الذين ضلوا واستحقوا غضب اللَّه ففي تحديد هاتين المجموعتين أقوال:
1- المغضوب عليهم الذين يضيفون إلى كفرهم اللجاج والعناد ومعاداة الحق، وينزلون ألوان التنكيل والتعذيب بالمؤمنين:
﴿وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ... ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ 26.

والمغضوب عليهم هم أسوأ حالاً من الضالين التائهين الذين لا يعرفون الحق.

2- المغضوب عليهم هم المنحرفون من اليهود، "والضالين" هم المنحرفون من النصارى.

والحق أن المغضوب عليهم أو الضالين هم كل منحرف عن صراط اللَّه المستقيم، وأياً كان السبيل الذي اتخذ، والروايات التي طبقت المغضوب عليهم ولا الضالين على اليهود والنصارى فهي من باب الجري وبيان المصداق.

* دروس قرآنية. سلسلة المعارف الاسلامية، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية. ط: 6، آب 2009م- 1430هـ، ص: 69-79.


1- الحجر:87.
2- تفسير البرهان، ج1، ص26.
3- بحار مجلد، ج92، ص242.
4- معنى يتأله إليه: يفزع إليه ويلتجأ ويسكن.
5- نقلاً عن الميزان.
6- تفير نور الثقلين، ج1، ص51.
7- مجمع البيان ذيل الاية: مالك يوم الدين.
8- العلق:1.
9- هود:41.
10- النمل:30.
11- العنكبوت:69.
12- الرعد:16.
13- السجدة:7.
14- يونس:10.
15- ص:26.
16- الانفطار:19.
17- المؤمن:16.
18- يس:60.
19- الذاريات:56.
20- الحجر:99.
21- الحج:54.
22- الأنعام:161.
23- طه:135.
24- الإنشقاق:6.
25- النساء:69.
26- ال عمران:112.

2010-06-09