تفسير سورة الإخلاص
مقدمات في التفسير
السورة مكية، وقيل مدنية، وسميت بسورة التوحيد لأنه ليس فيها إلا التوحيد، وكلمة التوحيد تسمى كلمة الإخلاص لذلك سميت بها أيضاً، وهي مع البسملة خمس آيات، وحول أهميتها ورد في ثواب الأعمال عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: "من مضى به يوم واحد فصلى فيه خمس صلوات ولم يقرأ فيها بقل هو اللَّه أحد قيل له: يا عبد اللَّه لست من المصلين".
عدد الزوار: 679
﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ* لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾. صدق اللَّه العلي العظيم
السورة مكية، وقيل مدنية، وسميت بسورة التوحيد لأنه ليس فيها إلا التوحيد، وكلمة التوحيد تسمى كلمة الإخلاص لذلك سميت بها أيضاً، وهي مع البسملة خمس آيات، وحول أهميتها ورد في ثواب الأعمال عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال:
"من مضى به يوم واحد فصلى فيه خمس صلوات ولم يقرأ فيها بقل هو اللَّه أحد قيل له: يا عبد اللَّه لست من المصلين".
وفي الكافي عن الباقر عليه السلام: "قل هو اللَّه أحد ثلث القران".
وقيل في وجه كونها كذلك أن القران يشمل الأحكام والعقائد والتاريخ وهذه السورة تبين قسم العقيدة بشكل خاص وقيل أن القران على ثلاثة أقسام المبدأ والمعاد وما بينهما وهذه السورة تشرح القسم الأول.
وفي الكافي عن السجاد عليه السلام أنه سئل عن التوحيد فقال: "إن اللَّه عزّ وجلّ علم أنه يكون في آخر الزمان أقوام متعمقون فأنزل اللَّه قل هو اللَّه أحد والآيات من سورة الحديد إلى قوله عليم بذات الصدور فمن رام وراء ذلك فقد هلك".
وورد في نزولها عن الصادق عليه السلام: "أن اليهود سألوا رسول اللَّه صلى الله عليه وعلى آله فقالوا: انسب لنا ربك، فلبث ثلاثاً لا يجيبهم ثم نزلت قل هو اللَّه إلى آخرها".
المفردات
اللَّه: قيل هو من (وله) بمعنى تحير، لأن العقول تحيرت في ذاته المقدسة. وقيل من (اله) بمعنى عبد، والإله هو المعبود. ومهما يكن فهو اسم علم يدل على الذات الإلهية المستجمعة لجميع صفات الكمال.
الصمد: هو السيد الذي يقصده الناس بحوائجهم.
كفواً: الكفؤ المثل والنظير في المقام والمنزلة والقدر، وأطلقت الكلمة على كل شبيه ومثيل.
الروايات
عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه سأله رجل عن تفسير هذه السورة فقال: هو اللَّه أحد بلا تأويل عدد الصمد بلا تبعيض بدد لم يلد فيكون موروثاً هالكاً ولم يولد فيكون إلهاً مشاركاً (في النهج: فيكون في العز مشاركاً) ولم يكن له من خلقه كفواً أحد.
وفي الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال في تفسير الآية: "اللَّه معناه المعبود الذي أله1 الخلق عن درك ما يأتيه والإحاطة بكيفيته، والأحد الفرد المتفرد الذي لا نظير له".
وعن الإمام الحسين بن علي عليه السلام أنه قال: "الصمد الذي لا جوف له، والصمد الذي قد انتهى سؤدده، والصمد الذي لا يأكل ولا يشرب، والصمد الذي لا ينام، والصمد الدائم الذي لم يزل ولا يزال".
وقال عليه السلام: "الصمد السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر ولا ناه".
وفي رواية عن الإمام الحسين بن علي عليه السلام: "لم يلد لم يخرج منه شيء كثيف كالولد وسائر الأشياء الكثيفة التي تخرج من المخلوقين، ولا شيء لطيف كالنفس.. ولم يولد لم يتولد من شيء ولم يخرج من شيء.. إلا بل هو اللَّه الصمد الذي لا من شيء ولا في شيء ولا على شيء مبدع الأشياء وخالقها ومنشيء الأشياء بقدرته".
يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "لم يلد فيكون مولوداً، ولم يولد فيصير محدوداً.. ولا كفء له فيكافئه، ولا نظير له فيساويه"2.
وفي رواية عن الإمام الباقر عليه السلام: "وقوله عزّ وجلّ لم يلد ولم يولد يقول لم يلد فيكون له ولد يرثه ملكه، ولم يولد فيكون له والد يشركه في ربوبيته وملكه، ولم يكن له كفواً أحد فيعازه في سلطانه".
تفسير السورة
قد تقدم أن اللَّه سبحانه وتعالى أراد في كتابه أن يصحح نظرة ووعي الإنسان للألوهية ولذا تعددت النظرات في تصوير الإله، وسورة التوحيد كما هو جليّ من اسمها تساهم كما جملة النص القراني في معرفة اللَّه كما ينبغي وكما يليق بجلاله.
تبدأ السورة بالخطاب الإلهي الموجه إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله: "قل هو اللَّه أحد،" وضمير الغائب (هو) إشارة الإلهية التي هي في غاية الخفاء، وبحسب تعبير أمير المؤمنين عليه السلام: "المستور عن درك الأبصار، المحجوب عن الأوهام والخطرات".
واللَّه اسم الجلالة اسم علم للباري سبحانه وتعالى لا يطلق على غيره.
يقول السيد الطباطبائي في الميزان: "السورة تصفه تعالى بأحدية الذات، ورجوع ما سواه في جميع حوائجه الوجودية من دون أن يشاركه في شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، وهو التوحيد القراني الذي يختص به القران الكريم ويبني عليه جميع المعارف الإسلامية.. فاللَّه أحد لا بمعنى العدد بخلاف الواحد الذي هو بمعنى العدد".
ويضرب مثالاً توضيحياً لذلك بقوله: "واعتبر ذلك في قولك: ما جاءني من القوم أحد، فإنك تنفي به مجيء اثنين منهم وأكثر كما تنفي مجيء واحد منهم، بخلاف ما لو قلت: ما جاءني واحد منهم فإنك إنما تنفي به مجيء واحد منهم بالعدد، ولا ينافيه مجيء اثنين منهم أو أكثر"3.
فالمقصود من قوله تعالى اللَّه أحد الإشارة إلى تفرده، فهو المعبود الذي يتحير الخلق ويعجزون عن إدراكه والإحاطة بكيفيته، فهو متفرد بإلهيته، متعال عن صفات خلقه. وتنتقل السورة إلى بيان استغناء اللَّه تعالى عن كل ما عداه، واحتياج كل ما عداه إليه. فاللَّه صمد، مستغن عن كل شيء في كل شيء، ويفتقر إليه كل شيء في كل شيء. وهو السيد المصمود إليه أي المقصود في الحوائج كلها.
ثم ترد السورة على النصارى الذين يؤمنون بالتثليث، وأن المسيح ابن اللَّه، وعلى اليهود الذين قالوا عزير ابن اللَّه، وعلى مشركي العرب الذين كانوا يعتقدون أن الملائكة بنات اللَّه، وعلى كل من ينسب للَّه نوع بنوة أو أبوة أو تولد بأي معنى كان، فتنفي عن الذات الإلهية كل أشكال التولد والانفصال: "لم يلد ولم يولد".
فهو سبحانه لا شبيه له في ذاته، ولا نظير له في صفاته، ولا مثيل له في أفعاله، وهو متفرد لا نظير له من كل الجهات "ولم يكن له كفواً أحد".
وبحسب مدلول هذه الآية فاللَّه سبحانه منزه عن جميع عوارض المخلوقين، وعن كل نقص ومحدودية.
الإسلام دين التوحيد
لقد اختص الإسلام عن سائر الأديان باسم دين التوحيد وافترق عنها بالتشدد في إنكار الشرك والتنزيه عن كل شائبة من شوائبه وتميز المسلم عن غيره بكلمة لا إله إلا اللَّه، وهي منهج عملي، وشريعة للحياة، كما هي عقيدة بأدق ما فيها من معنى. ومتى صدق هذا الإيمان واستقام في قلب أي إنسان أحبّ وتسامح، وأخلص وتواضع، وضحى وتعاون، وتنزه عن رذيلة الحقد والحسد والخيانة والكبرياء والغرور وبذل قصارى جهده لمرضاة اللَّه.
وكلمة التوحيد مبدأ إلهي إنساني يهدف إلى نجاة الإنسان في حياته الفانية والباقية ويحفظ له كرامته واستقلاله في شخصيته ولا يجعل لأحد عليه سلطاناً إلا للحق وحده.
* دروس قرآنية. سلسلة المعارف الاسلامية،جمعية المعارف الإسلامية الثقافية. ط: 6، آب 2009م - 1430ه. ص: 81-85.
1- أله الرجل تحيّر في الشيء فلم يحط به علماً.
2- نهج البلاغة، الخطبة 186.
3- الميزان، ج20، ص387.