ثورة الإمام الخميني: ألأصول والمبادئء، والتحولات الجذرية
الثورة الإسلامية
ثورة الإمام الخميني(قدس سره): ألأصول والمبادئء، والتحولات الجذرية
عدد الزوار: 125
من كلمة
الإمام الخامنئي دام ظله في جمعة طهران ــ الزمان: 04/02/2011م.
ثورة الإمام الخميني(قدس) : ألأصول والمبادئء ، والتحولات الجذرية
العناوين الرئيسية :
إنتفاضة الشعوب صدى الثورة الإسلامية
مشروع الغرب السياسي للمنطقة : قيام كيانات تابعة ومتناحرة
ثورة الإمام الخميني (قدس) واختلال معادلات المنطقة
الأعداء يجهدون للإطاحة بالنظام وإلا فمسخه أو امتطاء ظهره
تغييرات جذرية أحدثتها الثورة:
1 ــ حاكمية المعايير الإسلامية سياسة وتشريعا
2 ــ إستعادة الإستقلال السياسي المفقود
3 ــ إستبدال الدكتاتورية بنظام السيادة الشعبية
4 ــ الإعتماد على الذات في العلوم والتقنيات
5 ــ إيران قوة نافذة في قضايا المنطقة والعالم
شهادة عالِم غربي في " تجربة " الجمهورية الإسلامية
أصول ومبادئء الثورة
1 ــ إسلامية الثورة
2 ــ السيادة الشعبية ضمن إسلامية الثورة
3 ــ العدالة الاجتماعية
4 ــ مقارعة الاستكبار والثبات أمام الضغوط
الثبات على الأصول جعل الثورة نموذج يحتذى
الإمام الخامنئي يوجه رسالة إشادة بنهضة الشعب المصري:
مصر النموذج الفريد لدرك مؤامرات الأعداء والتصدّي لها
الخطبة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين، نحمده
ونستعينه ونستغفره ونتوكّل عليه، ونصلّي ونسلّم على حبيبه ونجيبه وخيرته في خلقه،
حافظ سرّه ومُبلِّغ رسالاته، بشير رحمته ونذير نقمته سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم
المصطفى محمّد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين الهداة المهديّين المعصومين
المكرّمين لا سيما بقيّة الله في الأرضين، ونصلّي ونسلّم على أئمّة المسلمين وحماة
المُستضعفين وهداة المؤمنين.
أُوصيكم عباد الله بتقوى الله.
أُوصيكم جميعاً أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء والمصلِّين الأحباب
ونفسي بمراعاة تقوى الله. اليوم يوم استشهاد عليّ بن موسى الرضا أبي الحسن (عليه
آلاف التحية والسلام). قبل عدّة أيام أحيا شعبنا ذكرى رحيل نبيّ الإسلام المكرّم
المعظّم سيّدنا محمّد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وذكرى الاستشهاد المُفجِع
لسبطه الأكبر سيّدنا المجتبى عليه السلام. أُعزّيكم أيّها المؤمنون المصلّون وكلّ
الشعب الإيراني وكافّة الشيعة وجميع مسلمي العالم بهذه المصائب الكبرى والأحداث
التاريخية المفجعة الأليمة.
مراعاة التقوى تستنزل بركات الله ورحمته
يقول الله تعالى حتى لنبيّه:(يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّه)1. فالتقوى، وضرورة التقوى،
ومراعاة التقوى، يُخاطب بها حتى الكيان المقدس للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله
وسلم. لنتذكّر الله ولا ننساه، ولنراقب أعمالنا وسلوكنا وأقوالنا وحتى أفكارنا
وتصوّراتنا. هذا هو معنى التقوى. إذا تحقّق هذا فسوف تنفتح كلّ الطرق المغلقة،
وسيُعين الله تعالى الشعب الملتزم بالتقوى في كلّ المراحل والأطوار.
انتفاضة الشعوب صدى الثورة الإسلامية
إنّ لعشرة الفجر والثاني والعشرين من بهمن لهذا العام أجواء خاصّة
ومميّزة. فالشعب يشاهد بعد سنوات من الجهاد أنّ صوته وهتافه المظلوم والمُقتدر
يُسمع اليوم بقوّة أكبر في مناطق أخرى من العالم الإسلامي.
إنّ الأحداث الجارية في شمال أفريقيا حالياً، في مصر وتونس وبعض البلدان الأخرى،
لها معنًى آخر بالنسبة لنا نحن الشعب الإيراني... لها معنى خاصّ. هذا هو الشيء الذي
كان يُطرح دوماً باعتباره صحوة إسلامية بمناسبة انتصار الثورة الإسلامية الكبرى
للشعب الإيراني، وهو يُفصح عن نفسه اليوم. لذا فإنّ عشرة الفجر هذه حدث مهمّ.
سأذكر في الخطبة الأولى اليوم أموراً حول ثورتنا، وفي الخطبة الثانية سأتطرّق بعض
الشيء لقضايا مصر وتونس، ثمّ أستأذنكم أيّها المصلّون المحترمون لأُوجِّه خطبة
باللغة العربية للمسلمين العرب في كلّ المنطقة إن شاء الله.
ما أريد أن أقوله حول ثورتنا... هذا الحدث العظيم للشعب الإيراني - وهو مصدر دروس
وعِبَر لنا - هو أولاً صورة لواقع العالم، حتى نرى ماذا كان يريد المستكبرون
والمستعمرون والعتاة والقوى المهيمنة في العالم، وماذا حصل. ما الذي تابعوه وما
الذي وقع على الصعيد العملي. ثم أذكر خصوصيتين من خصوصيات الثورة تتعلّق بوقتنا
الحالي.
مشروع الغرب السياسي للمنطقة : قيام كيانات تابعة
ومتناحرة
في الشقّ الأول المتعلّق بصورة الواقع الراهن، ومقارنته بالشيء الذي
أراده عتاة وطغاة العالم، أقول: إنّ المنتصرين في الحربين العالميتين الأولى
والثانية، وهم بعض البلدان الأوروبية وأمريكا، كانت لهم سياسة ثابتة لمنطقة الشرق
الأوسط المهمّة.
فهذه المنطقة مهمّة إنْ من حيث الموقع العسكري فهي نقطة اتصال آسيا وأوروبا
وأفريقيا، وإنْ من حيث كونها أحد أكبر مخازن النفط في العالم، والنفط هو شريان حياة
كلّ القوى الصناعية المتسلّطة على العالم، وإن من حيث شعوب المنطقة ففيها شعوب
عريقة ومتجذّرة وذات سوابق تاريخية. لذلك رسموا لهذه المنطقة سياسة معيّنة، وكانت
هذه السياسة عبارة عن أنّه يجب أن تكون في هذه المنطقة بلدان ووحدات سياسية لها هذه
الخصوصيات:
أولاً، يجب أن تكون ضعيفة.
وثانياً، يجب أن تعادي إحداها الأخرى وتعارضها
ولا تتّفق معها، ولا تستطيع الاتحاد، لهذا لاحظتم سياسة تقوية القومية العربية
والقومية التركية والقومية الإيرانية تتابع طوال الأعوام المتمادية بجهود حثيثة.
وثالثاً، يجب أن يكون حكّام هذه البلدان عملاء
ومطيعين وخاضعين للقوى الغربية من الناحية السياسية.
ورابعاً، يجب أن تكون هذه البلدان من الناحية
الاقتصادية مُستهلِكة، بمعنى أن تنفق أموال النفط الذي ينتزع بالمجان تقريباً من
أيديهم للاستيراد والاستهلاك حتى تزدهر المصانع الغربية.
وخامساً، من الناحية العلمية، يجب أن تكون
متخلفة ولا يسمح لها بالتقدم علمياً.
وهذه النقاط التي أذكرها إنّما هي عناوين بارزة، ويمكن حقاًّ تأليف كتب وذكر تفاصيل
كثيرة لكلّ واحدة منها. فعلى سبيل المثال، كيف حالوا في بلدنا إيران وفي بعض
البلدان الأخرى دون تنمية العلوم وتعميقها، وكيف أرادوا أن تكون شعوب هذه المنطقة
من الناحية الثقافية مقلِّدة محضة للأوروبيين، وتكون من الناحية العسكرية ذليلة
وضعيفة وهشَّة، وتكون من الناحية الأخلاقية فاسدة ومنحطَّة بمختلف الأشكال، وأن
يكون تعاملها مع الدين قشرياً بشكل تامّ وقانعة بنوع من التديّن الفردي والتشريفاتي
[التديّن السطحي] أحياناً. هذه هي الصورة التي رسمها هؤلاء لهذه المنطقة، ووضعوا
سياساتهم على هذا الأساس. لعلّ الخبراء الاستراتيجيين في الغرب قد جلسوا لآلاف
الساعات، ودرسوا هذه القضايا وفكّروا ووضعوا البرامج وحدّدوا الشخصيات التي عليها
العمل في بلدان هذه المنطقة وتنفيذ سياساتهم وأعمالهم. وِفقَ هذا التحليل يمكن
إدراك سلوك رضا خان بصورة صحيحة، ويمكن أيضاً إدراك ما قام به مصطفى كمال في تركيا،
وآخرون وآخرون. هذه كانت برامجهم وخططهم.
وقد نجحوا... نجحوا في ذلك إلى ما قبل انتصار الثورة الإسلامية باستثناء بعض
الفواصل الزمنية القصيرة وفي بعض المسائل. وفي مصر مثلاً وعلى امتداد سنوات، جاءت
حكومة وطنية قومية إلى مصر، ولمدّة قصيرة فقط، وفي إيران أيضاً بنحو آخر، وفي أماكن
أخرى بأشكال مختلفة، ولكن على العموم، وحين ننظر للأمور بشكل كلي، فقد تقدم هؤلاء
على كافة المستويات.
ثورة الإمام الخميني (قدس) واختلال معادلات المنطقة
إلا أنّه قبل الثورة وقعت فجأة حادثة كبرى وانفجار عظيم غيّر كلّ
أوضاعهم. ظهر في الشعب الإيراني رجل عالِم متميّز حكيم فقيه مجاهد شجاع مخاطِر نافذ
الكلمة باسم الإمام الخميني قدس سره، وقد كان ظهور هذا الرجل ووجوده وتربية هذا
الإنسان الكبير من فعل الله تعالى حقاً. كان تقديراً إلهياً أن يقع مثل هذا الحدث.
وقد كان الشعب الإيراني مستعداً فتقبّل الأمر ورحّب به وألقى بنفسه في الأهوال
والمخاطر ونزل إلى الساحة وضحّى بنفسه وماله ونجح في الامتحان، هكذا انتصرت الثورة
الإسلامية، وتغيّرت كل المعادلات واختلّت.
ظهرت الثورة الإسلامية في إيران بقوّة واستمرت بقوّة. فلم تكن السنوات الأولى
والثانية والثالثة مجرد حالة من الفوران والحماس لينتهي بعد ذلك. كلا، بل تواصل
الأمر وسأشير لاحقاً إلى هذا الاستمرار بالخصوص. وقف الإمام كالجبل، ومن خلفه وقف
الشعب كالجبل الشامخ.
الأعداء يجهدون للإطاحة بالنظام وإلا فمسخه أو امتطاء
ظهره
وبذلت جبهة الأعداء - ولم يكن العدو واحداً، بل كانوا في جبهة واحدة -
كلّ ما استطاعت من الجهود والمساعي، وفعلوا كلّ ما بوسعهم، ابتداءً من حروب
الشوارع، إلى الحروب القومية، إلى الانقلاب العسكري، إلى فرض حرب السنوات الثمانية
وصولاً إلى الحظر الاقتصادي، وإطلاق حملة هائلة من الحرب النفسية طوال اثنين
وثلاثين عاماً، منذ اثنين وثلاثين عاماً والحرب النفسية ضد الشعب الإيراني وضد
الثورة وضد الإمام قائمة... لقد مارسوا الكذب وتوجيه التهم وبثّ الإشاعات، وسعوا
لزرع الشقاق وتحريف السبل في الداخل.
الأهداف التي كانوا يسعون لها هي بالدرجة الأولى إسقاط الثورة ونظام الجمهورية
الإسلامية. كان هدفهم الأول هو الإطاحة. وهدفهم الثاني عندما لا يتحقّق إسقاط نظام
الجمهورية الإسلامية هو السعي لمسخ الثورة وتبديلها، أي تفريغها من جوهرها النقي
وإزالة باطنها وسيرتها وروحها. محاولاتهم كثيرة في هذا المجال، وآخر مسرحياتهم التي
عُرضت على الخشبة كانت فتنة عام 88 [2009 م]. كانت في الحقيقة واحدة من هذه
المساعي. ووقع بعض الناس في الداخل أسرى هذه المؤامرة بسبب حب الذات وحب المناصب
وما إلى ذلك من الأمراض النفسية الخطيرة. وقد قلت مراراً إنّ المُخطّط والمُصمّم
والمدير كان ولا يزال خارج الحدود. وقد تعاونوا معهم في الداخل، بعضهم عن علم
وبعضهم الآخر عن غير علم . هذا هو الهدف الثاني.
أمّا الهدف الثالث، فكان ولا يزال - إذا بقي النظام الإسلامي- العمل على دسّ عناصر
من ذوي النفوس الضعيفة فيه، والاستفادة منهم، وجعلهم الأطراف الأساسيين الذين
يتعامل معهم في خصوص قضايا البلاد. وبالتالي تكون النتيجة وجود نظام لا يمتلك
القدرة الكافية، ويكون ضعيفاً ومطيعاً - المهم هو أن يكون عميلاً ومطيعاً - ولا يقف
في وجه أمريكا، هذه هي أهدافهم.
وقد أُحبِطت هذه الأهداف وهذه المراحل حتى هذا اليوم، ولم يفلحوا في تحقيقها. طبعاً
بذلوا الكثير من الجهود وتابعوا ممارسات متنوعة - سوف أشير إلى بعضها خلال حديثي -
ولم يدّخروا أي جهد، لكنهم لم ينجحوا، لأن الشعب كان يقظاً. لدينا في المجتمع نخب
جيدة، وشعبنا شعب صالح جيد، ولدينا كذلك مسؤولون جيدون. ولذلك والحمد لله فشل العدو
حتى الآن في تحقيق أهدافه. لقد واصلت الثورة طريقها وتقدمت.
تغييرات جذرية أحدثتها الثورة
والآن نسأل ما الذي حدث في الثورة؟ هذه أمور مهمّة. الثورة التي حدثت في
إيران أوجدت تغييرات تعتبر من حيث العمق تغييرات مهمة وجذرية وأساسية. على أساس هذه
التغييرات يمكن التقدم بالمجتمع وإيجاد تغييرات واسعة. لقد أُرسيت هذه الدعائم
الأصلية بشكل متين ومحكم.
أريد هنا الإشارة إلى بعض هذه التغييرات التي حصل، وهي طبعاً مما يعلمه الجميع
ونعلمه كلنا، فهي أمور مقابل أنظارنا، ولكن، كما يلفت الله تعالى أنظارنا في القرآن
الكريم إلى الشمس (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا)2
، والشمس هي أمامنا، لكنّه يُقسم بها لننتبه إلى أنّ هذه الظاهرة وهذه الحادثة وهذا
الموجود له كلّ هذه العظمة... نحن كذلك يجب علينا التنبّه لهذه الظواهر العظيمة
المحيطة بنا، لذلك فإنّ ذكر هذه الأمور ضروري من حيث إنّنا يجب أن نتوجّه وننتبه
لها.
1 ــ حاكمية المعايير الإسلامية سياسة وتشريعا
أولاً، كان النظام الحاكم في البلاد قبل الثورة نظاماً محارباً للإسلام
بشدّة. لم يكن لهم اهتمام كبير بالظواهر الإسلامية، ولكنّهم في العمق كانوا يسعون
بجدّ لاستئصال جذور الإيمان الإسلامي لدى الشعب. ولديّ أمثلة وخواطر كثيرة بهذا
الخصوص، ولا مجال ههنا لاستعراضها. وجاءت الثورة لتكون في مقابل ذلك تماماً بفارق
180 درجة، فجعلت الإسلام محوراً لإدارة البلاد، فكانت الأحكام والقوانين
إسلامية،وكذلك معايير وملاكات قبول القوانين أو رفضها أصبحت إسلامية، وكذلك معايير
عمل الجهات التنفيذية في البلاد.
2 ــ إستعادة الإستقلال السياسي المفقود
قبل انتصار الثورة، كان البلد يعيش التبعية من الناحية السياسية، أي إنّ
الحكومة ومحمد رضا نفسه والأجهزة المختلفة كانت مطيعة لأمريكا وتنتظر إشارات
أمريكا. وهنا أيضاً الشواهد كثيرة، كأن يذهب شخص من هنا إلى أمريكا - كالدكتور
أميني - من أجل أن يُقنِع الأمريكيين بأن يكون رئيس وزراء إيران. وعاد وأصبح رئيساً
للوزراء. وبعد سنة أو سنتين ذهب الشاه إلى أمريكا - وكان غير راغب فيه - وأقنع
الأمريكيين بعزله عن رئاسة الوزراء، وعاد فعزله عن رئاسة الوزراء! كان هذا واقع
بلدنا آنذاك. كان الشاه ورئيس البلاد من أجل تعيين رئيس الوزراء بحاجة لموافقة
الأمريكيين ورضاهم!، كان الشاه في كثير من الأمور يدعو سفير أمريكا وسفير بريطانيا
إلى قصره ليطرح عليهما القرار الذي يريد اتخاذه! وإذا عارضا فلا يُصدر القرار! هذه
هي التبعية السياسية. كانوا مطيعين لأمريكا، وقبل الفترة الأمريكية كانوا مطيعين
لبريطانيا. البريطانيون أنفسهم جاؤوا برضا خان إلى السلطة، وحينماوجدوا أنّه لم يعد
ينفعهم عزلوه عن السلطة ونفوه من البلاد وجاءوا بابنه إلى السلطة. كان هذا قبل
الثورة. وعندما جاءت الثورة حقّقت للبلد استقلاله السياسي الكامل.
اليوم، لا توجد أيّة قوّة في هذا العالم الكبير، وبين هذه القوى الكبرى يمكنها أن
تزعم أنها تؤثر على إرادة مسؤولي البلاد أو الشعب الإيراني. وهذه النقطة بالذات -
أي الصمود والاستقلال والعزة السياسية - لها أكبر الجاذبية في نفوس الشعوب. حين
ترون أنّ الشعوب تحترم الشعب الإيراني الكبير فإنّ الجانب الأكبر من هذا الاحترام
يعود لهذا السبب... الاستقلال السياسي.
3 ــ إستبدال الدكتاتورية بنظام السيادة الشعبية
قبل الثورة كان نظام الحكم ملكياً، والطرف المقابل لذلك هو السيادة
الشعبية [الديمقراطية]. والشعب لا شأن له ولا دور في نظام الحكم الملكي. أما في
نظام الحكم الديمقراطي فالشعب هو الكل في الكل. كان الحكم وراثياً قبل الثورة. يموت
واحد ويعيّن آخر مكانه. أي إن الناس لم يكن لهم أي دور، كانوا مضطرين للقبول شاؤوا
أم أبوا. أما في الجمهورية الإسلامية وببركة الثورة، فإن الدولة منتخبة، والناس هم
الذين ينتخبون، وذوق الناس وإرادتهم هي الحاسمة. قبل الثورة كانت الدولة دكتاتورية
استخبارية... دكتاتورية سوداء حالكة... لا زلت أتذكر أن أحد أصدقائنا جاء لزيارتي
من باكستان - وقد جاء إلى مشهد بطريقة غير قانونية - وكان يتحدث ويقول ( كنا نقرأ
المنشور الفلاني في الحديقة مع الأصدقاء). فتعجبت، في الحديقة؟! منشور؟! وهل هذا
ممكن!؟ لم يكن يخطر ببالنا إطلاقاً أن يكون هناك منشور في جيب أحد، ويكون في ذلك
المنشور شيء من النقد للجهاز الحاكم آنذاك، ويمكن لذلك الشخص أن يمشي في الأزقة.
هكذا كان وضع الدكتاتورية الاستخبارية في ذلك الحين. وجاءت الثورة فجعلت الأجواء
حرة... أجواء النقد والإصلاح والتذكير والتنبيه، وحتى أجواء المخالفة والاعتراض
فتحتها الثورة أمام الناس. هكذا كان الوضع طوال هذه الأعوام الاثنين والثلاثين بما
في ذلك سنوات بداية الثورة.
4ــ الإعتماد على الذات في العلوم والتقنيات
قبل الثورة كان اعتماد البلد في العلوم والتقنيات على الغرب تماماً. وقد
قلتُ مراراً إنّ بعض قطع طائراتنا العسكرية حينما كانت تتعطّل أو تستهلك، وكان يراد
إصلاحها لم يكونوا يسمحون للمهندسين في القوّة الجوية بفتح هذه القطعة ليروا ما هي،
ناهيك عن أن يفكّروا في تصليحها. كانوا يضعون القطعة في طائرة ويأخذونها إلى أمريكا
ويأتون بغيرها مكانها، أو إذا كان المقرّر إصلاحها كانوا يُصلحونها. لم تكن هناك
صناعة، كانت الصناعة تجميعية محضة من دون أي ابتكار. وبعد الثورة توفّرت الثقة
بالذات العلمية، والاعتماد على الذات الوطنية. وها هم كلّ هؤلاء العلماء البارزين
والكبار في مختلف حقول العلم. لدينا اليوم علماء في داخل البلاد أمثالهم في العالم
معدودون وقليلون جداً. لقد تقدّم علماؤنا، وإنّ معظمهم من الشباب.
5 ــ إيران قوة نافذة في قضايا المنطقة والعالم
قبل الثورة لم يكن لإيران أي تأثير في القضايا العالمية، وحتى في قضايا
المنطقة. كان البلد مُهاناً، وليس بمقدوره ترك أي تأثير في القضايا المختلفة. وبعد
الثورة تحققت للشعب عزّة وعظمة في أنظار شعوب العالم، وأصبح له تأثير في قضايا
المنطقة إلى درجة صدمت الأعداء وفرضت عليهم الاعتراف بذلك. تلاحظون اليوم المواقع
الالكترونية التي تورد الأخبار الأجنبية، تجدونها دوماً تتحدث عن نفوذ إيران
وتمكنها وحضورها في قضايا المنطقة. يذكرون ذلك حتى بدوافع مغرضة أحياناً، لكنهم
يعترفون على كل حال.
وعلى الصعيد الثقافي، كنا قبل الثورة محض مقلدين، وبعد الثورة أصبح الغزو الثقافي
الآفة والخطر الأساس والكبير. والشواهد من هذا القبيل كثيرة. هذه هي الأمور الأساس.
حينما يتم إرساء مثل هذه الدعائم في بلدٍ، يستطيع الشعب عندئذ أن يكون متفائلاً
بقدرته على بناء صرح حضارة جديدة وعظيمة على هذه الأسس. كلّ واحدة من هذه الخصوصيات
تستقطب أنظار الشعوب بنحو من الأنحاء. فالشعوب الأخرى تنظر فترى وتنجذب وتثني
وتمدح. بالطبع الأهم من كلّ شيء، هو حالة الاستقلال السياسي والصمود في مقابل
عنجهية وغطرسة الأعداء وتعسفهم.
شهادة عالِم غربي في " تجربة " الجمهورية الإسلامية
أنقل هنا رأياً لعالِم غربي، وليس من دأبي أن أنقل شيئاً من أقوال هؤلاء
الساسة الغربيين وثنائهم، لكنّ هذه العبارة مُلفتة، فهو يقول: شيئان إذا تداولهما
المسلمون من يد ليد وتعرَّفَت إليهما الشعوب المسلمة فسوف تتحطّم جميع المحظورات
الغربية - أي الأصول الغربية القطعية - وتصبح باطلاً. فما هما هذان الشيئان؟ يقول
هذا المفكّر الغربي: أحدهما دستور الجمهورية الإسلامية، وهو الدستور الذي يَطرح
أمام أنظار المسلمين في العالم نظام حكم جماهيري شعبي تقدّمي عصري، وفي الوقت نفسه
ديني. إنّه دستور يدلّ على أنّ بالإمكان تأسيس نظام حكم يتّصف بالحداثة والعصرية
والتقدّم ويكون دينياً تماماً. هذه هي الصورة التي يرسمها الدستور. يقول إنّ مثل
هذا الشيء ممكن. هذا أحد الشيئين. والأمر الثاني: حصيلة النجاحات العلمية
والاقتصادية والسياسية والعسكرية للجمهورية الإسلامية، وهو ما لو توفّر للمسلمين
لوجدوا أنّه أمر ممكن، وقد حصل. يقول: لو أنّ الشعوب المسلمة اطّلعت على هذه
الإمكانية والحصول النسبي، أي إنّ هذا الشيء ممكن وقد تحقّق بنحو نسبي في إيران
الإسلامية اليوم، ولو وضع هذا النظام أمام أنظارهم، فسيكون من الصعب التصدي لموجة
الثورات المقبلة.
لقد حدث هذا الشيء اليوم. وهو طبعاً لم يحصل اليوم، بل منذ ثلاثين عاماً. إنّها
فكرة تتموضع تدريجياً وبصورة هادئة في أذهان الشعوب، وتنمو وتنضج ثم تبرز بهذا
الشكل الذي تشاهدونه حالياً في شمال أفريقيا والمناطق الأخرى.
إيران تثبت أمام مختلف الضغوط
طبعاً ارتكب الغربيون أنفسهم أخطاءً سياسية، وقد ساعدت هذه الأخطاء
السياسية الجمهورية الإسلامية. لاحِظوا أنّ الغربيين أخطأوا في خصوص الملف النووي
الإيراني. فقد ضخّموا القضية النووية الإيرانية من أجل مواجهتها، وأثاروا الضجيج
حولها ومارسوا الضغوط وقالوا إنّ على الجمهورية الإسلامية التراجع عن قضيتها
النووية. ولكن اتضح للناس في العالم طوال هذه الأعوام السبعة - منذ سبعة أعوام وهم
يبذلون مساعيهم - شيئان أحدهما هو أنّ إيران استطاعت إحراز تقدّم لم يكن متوقّعاً
في الملف النووي، والثاني هو إنّ إيران على الرغم من كلّ هذه الضغوط صمدت ولم
تتراجع. وهاتان الحقيقتان هما لصالح الشعب الإيراني. واليوم، العالم بأسره يعلم أنّ
أمريكا وأوروبا وأعوانهم وأتباعهم رغم كل الضغوط التي مارسوها لم يستطيعوا التغلّب
على الجمهورية الإسلامية وفرض التراجع عليها. هذا ما تمّت معرفته وشاع على يد أعداء
الشعب الإيراني أنفسهم، أي إنّهم ساعدوا على تعريف الشعب الإيراني. و كذا الحال في
القضايا الأخرى.
أثاروا الضجيج بحظر البنزين على إيران فلا يُصدَّر البنزين إلى إيران. حسناً، لقد
كنّا ولا نزال من مستوردي البنزين. قالوا نريد منع دخول البنزين إلى إيران. وأثاروا
الضجيج حول هذا الموضوع. وذهب محلّلوهم بالتخمين إلى أنّ البلاد ستضطرب والناس
ستفعل كذا وكذا. لكنّ هذا أدى إلى أن يُفكِّر المسؤولون هنا بإنتاج مزيد من
البنزين. واليوم حسب التقرير الموجود لديّ - طبعاً حتى 22 بهمن[11شباط] بتوفيق من
الله - سوف تستغني بلادنا عن استيراد البنزين تماماً... وبناءً على التقرير الذي
تلقيته سيكون بإمكاننا بعد الآن حتى تصدير البنزين، وقد أصدروا الأوامر بذلك. هنا
انتهى ضجيجهم لصالح شعب إيران. وقد شاهد المراقبون الدوليون هذه الحقيقة. والأمر
كذلك في جميع القضايا، بالنسبة لحظر الأسلحة في فترة الحرب، وفي قضية خلق تيار
إسلامي متطرّف وموازٍ. خلقوا في جوارنا تياراً إسلامياً متطرّفاً من أجل التضييق
على الجمهورية الإسلامية والإضرار بها، فأصبح الآن آفة عليهم، وليس بإمكانهم
السيطرة عليه والحؤول دونه، ولا يدرون كيف يعالجون الأمر. وكذا الحال بالنسبة
لاختلاقهم الخلافات المذهبية. وكذا الحال في فتنة سنة 88 [انتخابات 2009م] حيث
أشاعوا الضجيج والصخب وقالوا إنّ الجمهورية الإسلامية انتهت والخلافات انتشرت وحدث
كذا وكذا. ثم نظروا فوجدوا أنّ الشعب الإيراني وقف وانتصر، وقد كان التاسع من دي
[30/12/2009م] و22 من بهمن العام الماضي من أيام الله بالمعنى الحقيقي للكلمة.
القلوب بيد الله، والله تعالى قد جاء بهذه القلوب إلى وسط الساحة، وأظهر الشعب
الإيراني قدرته. مهما فعلوا شيئاً انتهى بالضرر عليهم، وبعد الآن أيضاً سيكون الأمر
كذلك. هذا واقع مشهود في العالم حالياً. أرادوا شيئاً وحصل شيء آخر.
الثبات والإستقامة على أصول ومبادئء الثورة
وأمّا النقطة الثانية التي ذكرت أنّه ينبغي أن أقولها، فهي إنّنا لو
أردنا تشخيص أهمية أيّة ظاهرة وتشخيص نجاحها فيجب أن ننظر كم استطاعت هذه الظاهرة
أن تكون نموذجية ومثالاً يحتذى، وكم استطاعت الصمود والاستقامة والبقاء على مبادئها
وكلامها. وهكذا هو الحال بالنسبة للثورات. إذا أرادت الثورة التأثير على أذهان
الآخرين وممارساتهم والتحوّل إلى نموذج لهم فيجب أن تتحلّى بخصوصيات أهمّها الثبات
والاستقامة والصمود. فإذا تحقّق ذلك، كانت الثورة نموذجاً للآخرين، وإلا فالبرق
الذي يقدح في مكان ثم ينطفئ لا يمكنه أن يُعدّ نموذجاً ومثالاً، ولا يمكنه ترغيب
الآخرين بأن يتبعوه. وقد استطاعت ثورتنا أن تكون مُلهِمة، وأن تُوفِّر نموذجاً
ومثالاً، وقد كان هذا نتيجة الثبات والاستقامة والصمود على الأصول والأركان الرئيسة
التي أعلنها الإمام الخميني قدس سره لهذه الثورة.
1 ــ إسلامية الثورة
لقد صمدت هذه الثورة. ويمكن أن أذكر عدّة أمثلة في هذا الباب. المثال
الأول الصفة الإسلامية. منذ البداية قال الإمام إنّ ثورتنا إسلامية، وتقوم على أساس
الإسلام، وأُثيرت ضجة كبيرة في العالم فقالوا إنّ الإسلامية لا تجتمع مع
الديمقراطية، والإسلامية رجعية وتخلّف، والأحكام الإسلامية لا يمكن تطبيقها وكذا
وكذا. وراح بعضهم يردّد في الداخل صدى ما قالته تلك الأوساط، فكتبوا الكتب
والمقالات، وبثّوا الإشاعات من أجل فرض التراجع عن الالتزام بالإسلام على الجمهورية
الإسلامية. لكن الجمهورية الإسلامية صمدت وثبتت ولم تستسلم للضجيج والصخب. نعم، نحن
إسلاميون ونفخر بهذا، ونثبت أنّ هذا هو سبيل إنقاذ البشرية. هذا ما أعلنته
الجمهورية الإسلامية بصوت عال للعالم بأسره.
واليوم لاحِظُوا مجتمعنا بعد 32 سنة. فالسلوكيات إذا لم تكن أكثر إسلامية من اليوم
الأول، فهي على أقلّ تقدير بنفس إسلامية اليوم الأول لانتصار الثورة. الشباب الذين
لم يروا الإمام ولم يعاصروا فترة الحرب ولا يتذكّرون شيئاً عن الثورة نرى أنّ
التزامهم بمبادئ الإسلام أفضل وأقوى من التزام بعضنا نحن الشيوخ. مسؤولو البلاد
يفخرون بالإسلامية. طبعاً طوال
هذه الأعوام الـ 32 جرت محاولات عديدة، وقد كان هناك بعض الأشخاص حتى داخل المنظومة
الحكومية يحاولون أن يسلكوا سُبُلاً ملتوية ليبتعدوا تدريجياً، لكنّهم لم يستطيعوا.
ثبتت الجمهورية الإسلامية على مبادئها وإسلاميتها... هذا نموذج.
2 ــ السيادة الشعبية ضمن إسلامية الثورة
والنموذج أو المثال الآخر، قضية السيادة الشعبية [الديمقراطية]. فقد
أعلن الإمام الخميني قدس سره منذ اليوم الأول أنّ الشعب يجب أن يُدلي برأيه سواء في
أصل انتخاب الجمهورية الإسلامية، أم في تدوين الدستور، أم في قبول الدستور الذي
تمّت المصادقة عليه في مجلس الخبراء، أم في انتخاب رئيس الجمهورية، أم في انتخاب
المجلس.. صمد الإمام... مضت على الثورة 32 سنة، وإذا أحصينا عدد الانتخابات
والاستفتاءات المُقامة، فتكون النتيجة أنّه لدينا 32 مشاركة انتخابية جماهيرية – أي
بمعدل انتخابات واحدة كلّ عام - حيث توجّهت الجماهير لصناديق الاقتراع وأدلت
بأصواتها وانتخبت. انتخاب الشعب مهمّ جداً. كانت طهران في فترة الحرب المفروضة تحت
القصف، لكنّ الانتخابات لم تتعطل. وفي المدن التي كانت تحت القصف الصاروخي لنظام
صدّام خلال فترة الحرب لم تتعطّل الانتخابات. وفي إحدى دورات مجلس الشورى ضغطوا
لتأخير الانتخابات لأسباب سياسية تتعلّق بهم، لكنّهم لم ينجحوا.
لم يحصل تأخير حتى يوم واحد في انتخابات الجمهورية الإسلامية ومشاركة الجماهير لحدّ
الآن. هذه هي الديمقراطية. قالها الإمام الخميني قدس سرخ منذ اليوم الأول، وبقيت
الجمهورية الإسلامية ثابتة على هذه الديمقراطية. لم يوافق على تجاوز الديمقراطية.
واليوم فإنّ مسؤولي البلاد ابتداء من خبراء القيادة الذين ينصبون القائد ويعزلونه،
إلى رئاسة الجمهورية، إلى مجلس الشورى، إلى المجالس البلدية هم من المُنتَخَبين من
قبل الشعب. وقد تولّت الأمور تيارات متنوّعة ولم يتولّ الأمور تيارٌ واحد. فمنذ
اليوم الأول وإلى الآن تولّى الأمور عدّة رؤساء جمهورية، وكان لكل واحد منهم توجّه
وميول سياسية معينة، لكنّهم تولّوا الأمور كلهم من خلال انتخاب الشعب.
3 ــ العدالة الاجتماعية
المثال الآخر هو العدالة الاجتماعية. أعلن الإمام الخميني قدس سره مبدأ
العدالة منذ اليوم الأول. والعدالة الاجتماعية أصعب من كل هذه الأمور والمهمّات.
أقول لكم إنّ تكريس العدالة الاجتماعية أصعب من الحفاظ على الديمقراطية، وسائر
المهمّات في الجمهورية الإسلامية. إنّها عملية صعبة جداً. ولا نقول إنّنا استطعنا
إلى اليوم تكريس وتحقيق العدالة الاجتماعية بشكل كامل، لا، لا تزال المسافة بعيدة
جداً. لا تزال المسافة كبيرة بين العدالة التي أرادها منّا الإسلام وما هو موجود
اليوم في مجتمعنا، بيد أنّ المسيرة نحو العدالة الاجتماعية لم تتوقّف وهي مستمرة
وتتصاعد يوماً بعد يوم. التحرّك باتجاه العدالة الاجتماعية أشد حالياً من الأعوام
والدورات الماضية. من المصاديق المهمّة للعدالة الاجتماعية التقسيم والتوزيع
المناسب للفرص في البلاد. يتمّ التركيز في الأنظمة الغافلة عن حقيقة العدالة
الاجتماعية على طبقة خاصّة وعلى مناطق خاصّة من البلاد، ولكن في الجمهورية
الإسلامية كلّما مضى الزمن وتقدمنا - وقد مضى حتى الآن 32 عاماً - نجد أنّ هذا
المعنى يتكرّس ويقوى أكثر [أي التقسيم والتوزيع المناسب للفرص]. فالقرى والمدن
النائية تندرج اليوم ضمن مناطق المراقبة والاهتمام. كلّ عمليات البناء للمساكن في
القرى والأرياف، وكلّ هذا المدّ للطرق نحو المدن البعيدة والقرى في البلاد... طرق
التواصل، والاتصالات على اختلاف أشكالها، وتوصيل الطاقة الكهربائية والمياه الصالحة
للشرب والهاتف وإمكانات الحياة... كلّ هذه الأمور تم توزيعها في مختلف أنحاء
البلاد.
هذه الأسفار والزيارات التي يقوم بها المسؤولون للمحافظات والمدن، وبعض هذه المدن
البعيدة لم يكن أهاليها يتصوّرون يوماً أن يشاهدوا مسؤولاً من الدرجة الثانية،
ولكنّهم اليوم يرون أنّ مسؤولي البلاد من ذوي الرتب العليا يزورون مناطقهم. هذا شيء
على جانب كبير من الأهمية والقيمة. حينما يذهب المرء إلى هناك ويشاهد المشكلات
ينبعث فيه الحافز لمعالجتها، وهذا هو تحقيق العدالة الاجتماعية. نحن نسير باتجاه
العدالة الاجتماعية.
ما يشاهده المرء من حياة المسؤولين في العالم إنّما هو حياة باذخة ارستقراطية.
الذين يصلون إلى الحكم ويتولون رئاسة الجمهورية أو مناصب رفيعة تنقلب حياتهم رأساً
على عقب. لكن الأمر ليس كذلك في بلادنا. طبعاً أمثالي يجب أن يُطابقوا حياتهم مع
أضعف وأفقر شرائح المجتمع، لكننا لم نستطع ولم نُوفَّق لذلك. هذا شيء لم يحصل، لكن
حياة مسؤولي البلاد والحمد لله هي بمستوى الطبقة المتوسطة، وبعضهم دون المتوسط.
وهذا شيء غاية في الأهمية.
مشاريع أسهم العدالة، والمساكن الريفية، وترشيد الدعم الحكومي... هذه أعمال كبيرة.
وإذا استطاع مسؤولو البلاد إن شاء الله تطبيقها بنحو جيد، فهذا إنجاز كبير جداً،
كالدعم الذي كانت تقدّمه الحكومة للجميع بما يتعلق بالكهرباء، فذلك الذي يوجد في
بيته مصابيح وثريات عديدة يستهلك الكثير من الكهرباء أين هو من ذلك الذي لا يوجد في
بيته سوى مصباحٍ أو مصباحين؟ فالأثرياء كانوا يستفيدون من هذا الدعم أكثر من غيرهم،
وهذا ظلمٌ، ويريدون [الحكومة الحالية] الحؤول دون هذا الظلم. وكذا الحال بالنسبة
للخبز والبنزين وغير ذلك. نحن صامدون والنظام صامد على شعار العدالة الاجتماعية.
4 ــ مقارعة الاستكبار والثبات أمام الضغوط
النقطة الأخرى هي مقارعة الاستكبار وعدم الرضوخ للضغوط. ونحن أيضاً
صامدون في هذا المجال. وقد كان هذا العمل شاقّاً، إلاّ أنّ الجمهورية الإسلامية
نجحت في القيام بهذا العمل الصعب. فالكثيرون ومنذ بداية الثورة، كانوا يقولون ما
دامت الثورة قد انتصرت فلنكتف ولنذهب وننهِ الأمور مع الأمريكيين. ومعنى هذا هو
تخطئة شعار مقارعة الظلم الذي تتبنّاه الثورة. كانوا يُشجّعون على هذا. وقد كان
هناك -على مرّ الزمن - من يسعى وراء هذا الأمر، أن نذهب ونتماشى مع أمريكا، وننضوي
تحت مظلّة ورعاية من هم أعداؤنا الأصليون. ومعنى هذا الكلام بيع القضية الفلسطينية
والتغاضي عن جرائم أمريكا في العراق وأفغانستان وأمثال ذلك. معنى هذا الكلام غضّ
الطرف عن كلّ هذا الظلم الذي تمارسه أمريكا في العالم. معنى هذا الكلام عدم
الاعتراض على هذه الأمور والقضايا.
الثبات على الأصول جعل الثورة نموذج يحتذى
تطبيع العلاقات معناه أن لا يعود الشعب الإيراني والمسؤولون الإيرانيون
قادرين على التصريح باعتراضهم والتعبير عن مواقفهم، وفي مرحلة لاحقة سيضطرون
تدريجياً لقبول كلام أولئك. وقد كانت هذه الاستقامة صعبة جداً، لكنّها كانت مباركة
واستجلبت الرحمة الإلهية، ولفتت أنظار الشعوب. كان لصمودكم أيها الشعب الإيراني في
هذه الأعوام الـ32 على الشعارات الأصلية للثورة بركة كبيرة، هي أن ينظر لكم العالم
الإسلامي اليوم بعين الإعظام والإجلال. فعندما يسافر مسؤولو بلدنا إلى البلدان
المختلفة يُستقبلون بكلّ حفاوة وترحيب. عندما يرصد المراقبون شعبية الشخصيات
السياسية يأتي مسؤولو بلدنا في المرتبة الأولى. لقد أصبح ما قام به الشعب الإيراني
نموذجاً يُحتذى. وأنتم تشاهدون اليوم تباشير ذلك. هذه البركة الكبرى وهذه الميزات
لم يكن لتتضح إلا بعد مرور الزمن.
ففي مصر اليوم يُسمع صدى أصواتكم. قبل أيام تحدّث ذاك الرئيس الأمريكي الذي عاصر
ثورتنا، وقال إنّ الأصوات التي تُسمع في مصر اليوم هي معروفة عندي. أي إنّ ما يُسمع
في القاهرة اليوم كان يُسمع في طهران أيام رئاسته. هذا ما يحكم به العالم ويقوله،
لذلك فإنّ عشرة الفجر في بلادنا لهذا العام مهمّة وحسّاسة وحماسية.
ستُضاف مظاهرات 22 بهمن التي تخرجون بها - يا شعبنا العزيز - إلى كلّ أمجادكم إن
شاء الله.
بسم الله الرحمن الرحيم (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ
الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ)3.
1- سورة الأحزاب، الآية 1.
2- سورة الشمس، الآية 1.
3- سورة الكوثر، الآيات 1- 3.