يتم التحميل...

الشعب الإيراني سلك طريق الثورة وما يزال؛ مستعيدا حريته وعزته

الثورة الإسلامية

الشعب الإيراني سلك طريق الثورة وما يزال؛ مستعيدا حريته وعزته

عدد الزوار: 73

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في ذكرى13 آبان يوم مقارعة الاستكبار العالمي.1 بحضور الآلاف‎ من‎ التلاميذ والطلبة التعبويين‎‎. الزمان: 9/8/1386هـ. ش ـ 19/10/1428هـ.ق ـ 31/10/2007م.
الشعب الإيراني سلك طريق الثورة وما يزال؛ مستعيدا حريته وعزته

بسم الله الرحمن الرحيم

أرحّب بكم جميعاً أيها الشباب الأعزاء، وأرجو أن تكون قلوبكم النقية والوضيئة التي تتجلّى فيها حقائق الألطاف الإلهية مرشداً لكم في جميع مراحل عمركم المديد والمبارك إن شاء الله تعالى.

إنّ لقاءنا بكم أيها الشباب، ويا أبنائي الأعزاء، وأيها التلاميذ والطلبة جاء بمناسبة حلول يوم مهم جداً هو الثالث عشر من شهر آبان، والذي هو في الحقيقة يوم الشباب من التلاميذ والطلبة.

13 آبان : الشباب الإيراني يلطم وجه الحكومة الأميركية المستكبرة
إنّ أول ذكرى عن هذا اليوم تستحضرها ذاكرة تاريخنا الوطنية تعود إلى الثالث عشر من آبان سنة 1343هـ.ش(4نوفمبر1964م)، أي قبل مجيئكم إلى هذا العالم بسنوات.

إنها وللأسف ذكرى ذلك اليوم الذي اعتقل فيه عملاء أمريكا ـ الذين ظلّوا يحكمون بلادنا لسنوات طويلة ـ إمامنا العظيم في مدينة قم؛ بسبب معارضته للحصانة القانونية التي كان يتمتع بها الأمريكيون، أو الـ(كاپيتولايسون)2 وعمدوا إلى نفيه خارج البلاد، إلاّ أنّ دور الشباب كان قد حان بعد ذلك بسنوات ليسجّلوا موقفاً مهمّاً في ذلك الظرف التاريخي العصيب، وهو ما حدث بالفعل.

وهناك حادثة مُرّة أخرى تعود إلى الثالث عشر من آبان سنة 1357هـ.ش(4نوفمبر 1978م) وذلك عندما سقط العديد من تلاميذنا شهداء على يد عملاء أمريكا المتسلّطين على بلادنا، فَهُم الذين دبّروا تلك المجزرة.

لقد كانت هذه هي الضربة الثانية التي توجّهها أمريكا لشعبنا وبلدنا على يد عملائها.

ثم حدث بعد ذلك أن حلّت الواقعة الثالثة للثالث عشر من آبان 1358هـ.ش (4نوفمبر1979م) أي بعد ذلك بعام واحد، وكانت الصفعة في هذه المرّة موجّهة لأمريكا على يد الشباب الإيراني.

والآن، وبعد مضي أعوام طويلة، مازال الأمريكيون يتعرّضون لهذه الحادثة في وسائل إعلامهم مثيرين حولها ضجّة شديدة زاعمين أنها مثّلت عدواناً سافراً عليهم، متناسين مع ذلك الحادثتين الأوليين، وعامدين إلى محوهما من التاريخ.

لقد تكرّر هذا النوع من الخيانة كثيراً في التاريخ، ولكن الحقيقة هي أنّ حادثة الاستيلاء على السفارة الأمريكية، والتي كانت وكراً جاسوسياً للأمريكيين، أسفرت عن صفعة مؤلمة وجّهها الشبّان الإيرانيون لتلك الحكومة المستكبرة التي ظلّت على مدى سنوات طوال تتدخّل في شؤون بلدنا وشعبنا وتقبض بيد من حديد على مصيرنا ومقدّراتنا.

خيارات الشعوب إزاء جور قوى التسلط: إما الخنوع وإما الثورة
إنّ هذه هي السنة التاريخية لكافة الأمم والقوى السلطوية.

وإنّ نظرة على التاريخ البشري من شأنها أن تكون درساً وعِبْرة ومشعلاً يُضيء أمامنا الطريق.

إنّ هذا هو قدر الأمم والشعوب وتاريخها الذي لا يتحوّل ولا يتبدّل.

إنّ شعبنا يعاني من ظلم وجور القوى السياسية العالمية ليس أمامه سوى خيارين لا ثالث لهما: إما أن يكابد ويتحمّل في صمت، وإما أن يثور.

وإنّ الخيار الذي تقع عليه الشعوب سيكون هو الذي يحدد مصيرها ومستقبلها.

إنّ عليكم أيها الشباب أن تتأملوا وتفكروا طويلاً في هذه الظاهرة، فهذا يوضّح لنا الطريق.

إنّ العلاقات الظالمة وغير المتكافئة بين القوى السلطوية الحاكمة والشعوب والدول المحكومة ليست قضية أمس واليوم، بل هي قضية التاريخ بأكمله.

إنّ بعض القوى العظمى تعطي لنفسها حق السيطرة على الآخر بما لها من غطرسة وما تمتلكه من إمكانات مادية وعسكرية، فتغزوا الشعوب وتمارس ضدّها القمع والظلم والعسف والقتل وتُغير عليها وتستولي على ثرواتها، وهذه هي العلاقات الجائرة، وهو ما أطلقنا عليه مصطلح النظام السلطوي، أي نظام الحاكم والمحكوم، فهناك متسلط، وهناك مُسلّط عليه.

فماذا يفعل ذلك الشعب الذي يرزح تحت نير المتسلطين؟ وما هو القرار الذي سيتخذه؟

إنّ الجواب عن هذا السؤال هو الذي سيحدد مصيره ومستقبله. فهو إما أن يختار الخيار الأول، أي يصمت ويتحمّل، فمصيره واضح، وهو مصير تلك الشعوب التي تفضّل الخنوع وتستعذب الذل والهوان وتُمضي حياتها خاضعة منكوسة الرأس، فتظل تحت سيطرة المتسلطين.

أ ــ العالم الإسلام على مدى القرنين الأخيرين يختار الخنوع والخضوع
وإذا ما أردتم مثالاً واضحاً على ذلك، فما عليكم سوى إلقاء نظرة على الأمة الإسلامية خلال القرنين الأخيرين.

لقد وقع اختيار الدول الإسلامية على هذا الطريق خلال هذين القرنين الأخيرين، أي طريق التحمّل والسكوت، وطريق الخضوع والخنوع، فمن المقصّر في مثل هذه الظروف؟ إنهم المفكرون، وعلماء الدين، والشباب الذين كانت تعقد عليهم هذه الأمة آمالها. وهكذا يكون مصير الشعوب.

إنّ كافة الدول الإسلامية بكل ما لها من تراث ثقافي عظيم وتاريخ سياسي عريق آل مصيرها إلى أن تكون كلها تقريباً خاضعة للسيطرة الاستعمارية خلال القرنين الماضيين، إما بشكل مباشر وواضح وصريح، مثل العديد من الدول العربية وغيرها، وإما بشكل غير مباشر ـ وهو ما اصطلح عليه بـ(الاستعمار الجديد) ـ وذلك مثل بلدنا نحن في حقبة النظام الطاغوتي.

إنّ هذه هي نتيجة اختيار الطريق الأول، فليس هناك سوى التخلّف العلمي، والعزلة الدولية، والانحطاط الاقتصادي والمادي، وتعطيل الطاقات البشرية، وتعرّض المصادر الطبيعية للغارة والنهب، وبالتالي انهيار وسقوط البلدان.

وأما في المقابل، فإن القوى الكبرى المتسلّطة تزداد قوةً وتسلّطاً وجبروتاً يوماً بعد آخر؛ بفضل ما تستولي عليه من مقدّرات الشعوب الخاضعة لسيطرتها.

ب ــ الشعب الإيراني سلك طريق الثورة وما يزال؛ مستعيدا حريته وعزته
وأما الطريق الثاني، فإنه يغيّر مصير الشعوب: { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}3 فالخيار بِيَد الأمم والشعوب نفسها.

فإذا ما برز من بين تلك الشعوب الخاضعة رجال عظماء، ودعاة للتحرر، وعلماء كبار يتحلّون بالشجاعة، ونزلوا إلى الساحة، فإن الجماهير الشعبية ستكون على أهبة الاستعداد للتخلّي عن نزواتها وشهواتها العابرة وتكاسلها اليومي المهين والانضواء تحت لواء الجهاد والشهادة؛ لإنقاذ أنفسهم من الذل الخضوع وهوان السيطرة.

وهذا هو الخيار الذي رجّحه الشعب الإيراني بتفجيره للثورة الإسلامية.

إنّ الفضل الأول يعود للإمام والأمة.

إنّ تلك المبادرة التي أبداها إمامنا العظيم ـ تلك الشخصية الفريدة والخالدة في تاريخ بلادنا ـ وتلك الاستجابة التي أبداها الشعب للإمام في مسير هذه النهضة كانت هي التي قلبت كل الأوراق وغيّرت جميع الموازين، فبعد أن كنّا تلقّينا صفعة، وجّهنا لهم صفعة، فواحدة بواحدة.

لقد كانت الثورة الإسلامية صفعة قوية وجّهها الشعب الإيراني إلى كافة العملاء والمعتدين والمستكبرين والساخرين وسيطرة ونفوذ أمريكا الظالمة والقوى الاستكبارية الغاشمة على مدى أعوام طويلة.

إنّ أحد مظاهر هذه النهضة هو الثالث عشر من آبان سنة 1358 هـ.ش، وهو يوم الشباب. لقد كان لكل فرد من أبناء الشعب الإيراني دور في انتصار الثورة، فالنساء كان لهنّ دور بارز، والرجال كان لهم دور بارز، ونزلت كافة الفئات الشعبية إلى الميدان، فكان هذا الحدث التاريخي العظيم.

إنّ من الواضح هو أنّ القوى السلطوية لا تستسلم ولا تتراجع بسرعة وسهولة، فلابد لهذا الكفاح أن يستمر حتى تستطيع الشعوب أن تعزز مكانتها. وها أنتم الآن في هذه المرحلة من مواصلة الكفاح.

إنّ هذا الكفاح لا يقتصر على ميدان الحرب فحسب، بل إنه غالباً ما يكون في ميادين الطاقة الإنسانية والإرادة البشرية.

إنّ الشعوب عندما تكرّس إرادتها لمواصلة طريق الاستقلال والرفعة، فإنها ستمضي قُدُماً، وهذا ما حدث في إيران.

حال البلاد والعباد في عهد الطاغوت
أيها الشباب الأعزاء، إنكم ورثة واقع مزدهر في هذا البلد.

لقد كان بلدنا ذات يوم نقطة حساسة وأساسية لتمركز القوى الاستكبارية في هذه المنطقة.

إنّ الحكام الخونة، وآل بهلوي المنحوسين، والعملاء المُرتشين، والمثقفين الخانعين، والعلماء اللامبالين، وضَعُوا جميعاً يدهم في يد الآخر وجعلوا هذا الشعب مثل قيعة من الماء الراكد. وهكذا فإن المستعمرين كانوا يفعلوا ما يشاؤون بهذا الشعب، وكانت الحصانة القانونية (كاپيتولاسيون) التي أشرت إليها من أبرز مصاديق ذلك.

لقد سنّوا قانوناً في البرلمان الإيراني يُلزم الحكومة الإيرانية والسلطة القضائية الإيرانية بعدم ملاحقة المجرمين والجناة الأمريكيين في إيران؛ وعندها رفع الإمام صوته ليوضّح للمواطنين حقيقة الأمر.

إنّ عسكرياً أمريكياً يحمل رتبة صغيرة ـ عريفاً مثلاً أو طباخاً ـ إذا ما قام بتوجيه أشد الإهانات وأغلظها إلى أكبر شخصية علمية أو دينية أو سياسية إيرانية، فلا يحق لأحد محاكمته!

إنّ ما كان يمارسه الأمريكيون من ظلم في إيران يمارسونه الآن في البلدان الخاضعة لسيطرتهم.

إنّ شركة (بلاك واتر) في بغداد تفتح نار أسلحتها على المواطنين الأبرياء دون أن يعترض عليها أحد أو يطلب محاكمتها.

لقد كانوا يفعلون الشيء نفسه عندما كانوا في إيران؛ لأنهم عندما يُخضعون شعباً لسيطرتهم فهم لا يراعون له إلّاً ولا ذمّة.

فعلى الشعوب أن تصحوا وتسترد وعيها ويقظتها وتجد طريقها بنفسها، وهو ما فعله الشعب الإيراني.

وبالطبع، فلقد دفعنا الثمن غالياً، ومن ذلك حرب الثماني سنوات التي خاض غمارها الشعب الإيراني؛ ثمناً للحصول على استقلاله وعزّته وكرامته.

واليوم فإن الشعوب والمثقفين في العالم الإسلامي وفي العديد من البلدان الأخرى يستلهمون من شبابنا وشعبنا الإيراني.

إنّ التقدير والاحترام الذي تكنّه الجامعات في كافة أنحاء العالم الإسلامي اليوم لإيران وشعبها يفوق العديد من البلدان الأخرى، وذلك كله بفضل إرادة الشعب الإيراني التي غيّرت مصيره ومستقبله.

مواصلة المسيرة بمواصلة طريق العلم والتنمية المجتمعية الشاملة
إنه لابد من مواصلة هذه المسيرة، والأمل معقود عليكم أنتم أيها الشباب، فكونوا على أَهبة الاستعداد.

إنّ القضية لا تقتصر على الحرب العسكرية فحسب؛ لكي ندعوكم إلى الاستعداد، كلا، فإذا ما وقع هجوم على إيران يوماً ما، فلقد أثبتت الملايين جدارتها من شباب وشابات وأمهات وأبناء، ولقّنوا الأعداء درساً لا يُنسى، وهو ما حدث في الماضي وسيحدث أيضاً في المستقبل، ولكن المسألة لا تنحصر بالعمل العسكري.

إنه لابد للشباب الإيراني من الاستمرار على طريق العلم والإرادة الراسخة والإبداع والبناء والتنمية والتكامل. إننا سنكون عرضة للضرر والخسارة كلما ابتعدنا عن المعارف الإسلامية ونفضنا أيدينا من الجهاد والنضال والعمل، وبقدر ذلك سنكون قد تأخّرنا وفشلنا في هذا الصراع التاريخي الذي هو معركة موت أو حياة.

إنّ على الشعب الإيراني أن يثبت جدارته في المجال العلمي والاقتصادي، وأن يعزّز من وحدته وتضامنه، وأن يقوّي في نفوس أبنائه بذور المعرفة والوعي والقدرة الفكرية والروحية، ولاسيّما في أوساط الشباب.

إنّ بذور العلم والمعرفة والسياسة في جامعاتنا ومدارسنا والتي تتعهّدها بالعناية والرعاية التنظيمات الناشطة على اختلاف أسمائها ـ كالاتحادات الإسلامية، والتجمع الإسلامي، وحركة العدالة، والتعبئة الطلابية وسواها العشرات من التنظيمات الشبابية ـ تُعتبر كل واحدة منها بمثابة ورقة ذهبية رابحة لنضال الشعب الإيراني، فلابد من المزيد من الرعاية لهذه البذور والبراعم.

إنّ هذا هو معنى تعبئة الشعوب وإن كان أعداء هذا الشعب يضعون لها معنىً آخر.

إنّ معنى التعبئة هو أن يدرك كل شاب أنّ من حق بلاده أن تكون حرة ومستقلة ومزدهرة، وأن يكون على استعداد للعمل وتحمّل المسؤولية والقيام بدور فاعل في سبيل تحقيق هذا الهدف، فهذا هو معنى التعبئة.

إنّ اسم التعبئة اسم مقدس.

إنّ التعبئة الشعبية العامة تعني استعداد الشعب ويقظته الدائمة، ولا سيّما الشباب من التلاميذ والطلبة الذين يَخْطُون بأقدامهم على طريق العلم والدراسة.

وهكذا هم المسؤولون، فإن عليهم أن يعبّئوا أنفسهم بهذا المعنى. وإذا ما حدث هذا، فلن يكون بمقدور أحد أن ينال من هذا الشعب.

التقدم الذي انجزه بلدنا أوغر صدر العدو المستكبر ضدنا
إنّ الوعي يزداد بين أبناء شعبنا يوم بعد آخر، ولهذا فقد التحقت بلادنا بركب التقدم.

لقد حققت بلادنا سبقاً كبيراً في مضمار التقدم خلال السنوات العشرين الماضية، سواء أكان ذلك على الصعيد السياسي أو العلمي أو الاقتصادي أو تنامي الطموحات الثورية والإسلامية وازدياد وعي فئة الشباب. ومن أوضح هذه المظاهر للعيان أيها الشباب الأعزاء تقدّمنا في المجال العلمي؛ وهو ما نجده متبلوراً في تطورنا على مستوى الطاقة النووية، وسوى ذلك من النماذج والمصاديق. وبالطبع فإن العدو لا يروق له هذا التقدم.

لقد بات محور السياسة الأمريكية الخارجية هو الملف النووي الإيراني، فلماذا؟ لأنه مؤشر على تقدم بلد لا يريدون له التقدم، ولا يرتضون له القوة والإقتدار العلمي والمعنوي، والثقة بالنفس؛ لعلّهم يخضعونه لسيطرتهم من جديد. وهذا هو سبب استيائهم.
 


1- (13آبان13584 نوفمبر1980م)السيطرة‎‎‎ على‎‎ السفارة الأميركية من قبل طلاب الجامعات.
2- معاهدة تنص على منح الحصانة القانونية للأمريكيين في إيران.
3- سورة الرعد: الآية 11.

2017-02-24