يتم التحميل...

هل يعلم التاويل غير اللّه؟

مقدمات في التفسير

وقد اجمع شراح النهج4 على ان مراده عليه السلام بهذا الكلام هو الصفات, وان صفاته تعالى انما يجب التعبد بها والتوقف فيها دون الولوج في معرفة كنهها, اذ لا سبيل الى معرفة حقيقة الصفات, كما لا سبيل الى معرفة حقيقة الذات .

عدد الزوار: 223

سؤال اثارته ظاهرة الوقف على (الا اللّه) من قوله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ1 ثم الاستئناف لقوله: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا2.

وما ورد في بعض الاحاديث من اختصاص علم التاويل باللّه تعالى, وان الراسخين في العلم لا يعلمون تاويله, وانما يكلون علمه الى اللّه سبحانه، من ذلك ما ورد في خطبة الاشباح من كلام مولانا اميرالمؤمنين عليه السلام:"فانظر ايها السائل, فما دلك القرآن عليه من صفته فائتم به واستضئ بنور هدايته, وما كلفك الشيطان علمه مماليس في الكتاب عليك فرضه, ولا في سنة النبى صلى الله عليه وآله وسلم وائمة الهدى اثره, فكل علمه الى اللّه سبحانه فان ذلك منتهى حق اللّه عليك".

"واعلم ان الراسخين في العلم هم الذين اغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغيوب, الاقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب فمدح اللّه تعالى اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما, وسمى تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عن كنهه رسوخا, فاقتصر على ذلك, ولا تقدر عظمة اللّه سبحانه على قدر عقلك فتكون من الهالكين"3.

هذه الخطبة من جلائل الخطب واعلاها سندا, فلا مغمز في صحة اسنادها, وانما الكلام في فحوى المراد منها.

وقد اجمع شراح النهج4 على ان مراده عليه السلام بهذا الكلام هو الصفات, وان صفاته تعالى انما يجب التعبد بها والتوقف فيها دون الولوج في معرفة كنهها, اذ لا سبيل الى معرفة حقيقة الصفات, كما لا سبيل الى معرفة حقيقة الذات .

حيث قوله عليه السلام: "فما دلك القرآن من صفته فائتم به, وما كلفك الشيطان علمه مما ليس في الكتاب عليك فرضه".

اذ من وظيفتنا ان نصفه تعالى بما وصف به نفسه في كلامه: سميع بصير, حكيم عليم، حى قيوم ولم نكلف الولوج في معرفة حقائق هذه الصفات منسوبة الى اللّه تعالى، اذ ضربت دون معرفتهاالسدد والحجب، فلا سبيل الى بلوغها, فيجب التوقف دونها.

اذن فلا مساس لكلامه عليه السلام هنا, مع متشابهات الآيات التي لاينبغي الجهل بها للراسخين في العلم، حيث تحليهم بحلية العلم هي التي مكنتهم من معرفة التنزيل والتاويل جميعا.

نعم لا نتحاشا القول بانهم في بدأ مجابهتهم للمتشابهات يقفون لديها, وقفة المتامل فيها, حيث المتشابه متشابه على الجميع على سواء, لولا انهم بفضل جهودهم في سبيل كشفها وارجاعها الى محكمات الايات صاروا يعرفونها في نهاية المطاف فعجزهم البادئ كان من فضل رسوخهم في العلم، بان المتشابه كلام صادر ممن صدرعنه المحكم، فزادت رغبتهم في معرفتها بالتامل فيها والاستمداد من اللّه في العلم بها, ومن جد في امر وجده بعون اللّه.

فوجه تناسب استشهاده عليه السلام بهذه الاية بشان الصفات محضاً, هو العجز البادئ لدى المتشابهات، يقربه الراسخون في اول مجابهتهم للمتشابهات، وان كان الامر يفترق في نهاية المطاف.

قال ابن ابي الحديد: ان من الناس من وقف على قوله: (الا اللّه) ومنهم من لم يقف وهذا القول اقوى من الاول، لانه اذا كان لا يعلم تاويل المتشابه الا اللّه لم يكن في انزاله ومخاطبة المكلفين به فائدة، بل يكون كخطاب العربي بالزنجية، ومعلوم ان ذلك عيب قبيح.

واما موضع (يقولون) من الاعراب، فيمكن ان يكون نصبا على انه حال من الراسخين، ويمكن ان يكون كلاما مستانفا, اي هؤلاء العالمون بالتاويل، يقولون: آمنا به.

وقد روي عن ابن عباس انه تاول آية، فقال قائل من الصحابة: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ فقال ابن عباس: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْم وانا من جملة الراسخين5.

*التفسير والمفسرون في ثوبه الثقيب، الشيخ محمد هادي معرفة، من منشورات الجامعة الرضوية للعلوم الإسلامية، ط1، ص43-46.


1- آل عمران:7
2- آل عمران:7
3- الخطبة رقم91 نهج البلاغة و بحار الانوار, ج4، ص 277.
4- راجع: منهاج البراعة للراوندي، ج1، ص 382 و ابن ابي الحديد, ج6، ص 404 و ابن ميثم البحراني، ج2، ص 330, شرح الخطبة والمنهاج للخوئي، ج6، ص 310.
5- شرح النهج لابن ابي الحديد, ج6، ص 404 ـ 405

2009-10-23