الثورة الإسلامية الإيرانية نموذج فريد ثباتا على مثلها العليا
الثورة الإسلامية
الثورة الإسلامية الإيرانية نموذج فريد ثباتا على مثلها العليا
عدد الزوار: 96
من كلمة
الإمام الخامنئي دام ظله عند لقاء مجموعة من الطلبة الجامعيين الزمان: ــ
9/9/1432هـ. 10/08/2011م.
الثورة الإسلامية ألإيرانية نموذج فريد ثباتا على مثلها العليا
المطلب الذي أريد التعرّض له هو في الواقع بداية انطلاقة بحثٍ يجب عليكم أيّها
الشباب متابعته في محافلكم إن شاء الله. في الأشهر السبعة الماضية أشرت في عدّة
كلمات إلى ثبات النظام والثورة وقلت إنّ هذا الثبات والاستمرارية والاستقرار لنظام
الجمهورية الإسلامية كان من أهمّ العوامل التي جعلت شعوب المنطقة والشعوب الإسلامية
تعيش الأمل، ويمكن القول إنّه أدّى دوراً مؤثّراً في إيجاد هذه الحركة الإسلامية
العظيمة في المنطقة، وتلك الحرية واليقظة.
وأريد اليوم أن أتعرّض باقتضاب لثبات الثورة واستمراريتها واستقرارها, بالمقدار
الذي يمكن عرضه.
نماذج الثورات التي انحرفت عن مسارها
تحدث التغيّرات الكبرى في المجتمع ومن نماذجها البارزة الثورات السياسية
والاجتماعية. فمن هو الذي يوجد هذه التغيّرات؟ هناك جيلٌ يحقّق ذلك, وهو بالطبع
نتاج ظروفٍ عاشها لم تتسنَّ للجيل الذي سبقه أو للأجيال التي ستليه، كما حدث في
الثورة الإسلامية. وهنا ستتحقّق إحدى حالتين:
1-إمّا أنّ الأجيال اللاحقة ستتابع مسيرة ما حقّقه هذا الجيل من تغييرٍ وتكمّله
وتستمر عليه. وفي هذه الحالة، سيكون هذا التيّار باقياً مستمرّاً وسيتحقّق:
(فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا
يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ)1 فيستقرّ ويثبت.
2-وإمّا أنّ الأجيال اللاحقة- وعندما نقول الأجيال لا نعني بالضرورة المسألة
العمرية، بل أولئك الذين يتسلمون من المجموعة الأولى والذين يمكن أن يكونوا من نفس
مرحلتها العمرية وتحت تأثير العوامل المتعدّدة -لن تتابع الأمر وتُبتلى بالركود أو
الانحراف والانزواء. ففي مثل هذه الحالة، سيتوقف هذا التغيير عن تقديم المنافع
للناس وتقع الأضرار والخسائر فيه ولا يمكن جبران ذلك لاحقاً. فالقضية بكليتها هي
هذه.
في التحوّلات التي حدثت طيلة القرنين الأخيرين، وهي مرحلة الثورات الكبرى ــ كلّما
أمعنتُ النظروأنتم طالعوا بأنفسكم لعلّكم تجدون موارد أخرى ــ لم أجد مورداً واحداً
يشبه الثورة الإسلامية؛ حيث إن التحوّل الذي تحقّق في المرحلة الأولى، استمر في
المراحل والعهود أو العقود اللاحقة وبالصورة نفسها والأهداف نفسها والمسار الذي بدأ
نحو تلك الآمال والتطلّعات والتوجّهات . فإمّا أنّ تلك التغيّرات لم تدم كما حصل في
الثورة البلشفية، وإمّا أنّها امتدّت عبر الزمن، ولكن على فترات زمنية طويلة مليئة
بالمرارات والمِحن والمصاعب الهائلة، كما كان حال الثورة الفرنسية الكبرى أو
استقلال أمريكا؛ سواء عبّرنا عنها بالثورة أم أي شيء آخر. فالأهداف الأساس قد
تحقّقت في النهاية، لكن بعد تضحيات هائلة ولفاصل زمني طويل.
1- الثورة الفرنسية:
كما حدث في الثورة الفرنسية الكبرى, ويُقال "الكبرى" لتمييزها عن
الثورات الأخرى التي قامت بعد هذه الثورة على مدى الخمسين أو الستين سنة في ذاك
البلد. نعم إنّ تلك الثورة الأولى كانت الأهم والأكثر تأثيراً وقد وقعت عام 1789
ولأجل أن تبقى في ذاكرتكم فهو: ألف بعدها سبعة، ثمانية، تسعة وهو عام الثورة
الفرنسية الكبرى ضدّ الحكومة الملكية الفرنسية كما حدث في إيران. تلك الأسرة
الملكية التي كانت تحكم فرنسا في ذلك الوقت كانت أكثر تجذّراً واقتداراً من الأسرة
المشؤومة البهلوية عندنا؛ أُسرة البوربون، والتي حكمت فرنسا لسنوات، وكان من بينهم
ضمن هذه السلسلة أباطرة فائقو القدرة.
هذه الثورة وقعت كما ذكرت عام 1789 ميلادي. حسناً، كانت الثورة ثورة شعبية بكل ما
للكلمة من معنى, فالشعب في الواقع هو الذي حضرفي الساحات كثورتنا وكان القادة
شعبيين 100% يمتلكون أفكاراً جديدة وكانوا يسعون لتشكيل مجتمعٍ شعبيّ. ولا شكّ أنّ
ما كان في بالهم أمر مختلفٌ عمّا يسمّى الأيديولوجية والعقيدة، ولكنّهم كانوا
يريدون إقامة حكومة شعبية، أرادوا حكومة يحكمها الشعب. حسناً، هذه الثورة قد وقعت
في تلك السنة. وعلى امتداد ثلاث أو أربع سنوات، تمّ تنحية تلك الجماعة الأولى التي
قادت الثورة جانباً على يد مجموعة متشدّدة متطرّفة, وتمّ إعدام بعضهم، وأمسكت هذه
المجموعة المتشدّدة بزمام الأمور. ثمّ تولّت هذه المجموعة المتشدّدة زمام الأمور
لمدّة أربع أو خمس سنوات وبسبب تشدّدها مع الناس قام الناس بردّ فعلٍ وعزلوها، حيث
تمّ إعدام بعضهم، لتأتي مجموعة ثالثة على رأس الأمور. أي إنّهم بحدود 12 سنة، حتى
سنة 1800، كان هناك ثلاث جماعات تتعاقب على السلطة وتقوم كل جماعة باقتلاع وإبادة
وقمع من سبقها. ففي تلك السنوات الـ 11 الأولى تمّ إعدام شخصيات سياسية معروفة من
الجماعات الثورية.
ولاحقاً عمّت الفوضى. من البديهي أن تقع مثل هذه الفوضى في بلدٍ بهذه الخصائص. وتعب
الناس إلى أن تمّ تشكيل جماعة من ثلاثة أشخاص وكان نابليون أحدهم, فقد كان نابليون
ضابطاً شاباً شارك في غزو مصر وهنا لهذا الأمر قصصه الكثيرة والمفصّلة فنال مزيّة
صيّرته حاكماً على هذه المجموعة ليتحوّل لاحقاً إلى ملكٍ وإمبراطور. هذه الدولة
نفسها التي تحمّلت كل تلك الخسائر من أجل اقتلاع الملك وأعدمت لويس السادس عشر
وزوجته تحوّلت مرّة أخرى إلى سلطنة ملكية يرأسها نابليون. بالطبع كان نابليون رجلاً
عسكرياً قديراً ونشيطاً وقد حقّق لفرنسا إنجازات كبرى. وكان له أعمال غير عسكرية،
وإن كانت عُمدة أعماله عسكرية. وقد قام بإلحاق عدّة دول أوروبية بفرنسا وجعل
إيطاليا وإسبانيا وسويسرا جزءاً من فرنسا، قام باحتلال عدّة دول أوروبية ليجعلها
جزءاً من فرنسا. وبالطبع، بعد ذهابه قامت كلّ واحدة منها بالانفصال مرّة أخرى. فتلك
الاحتلالات لم تكن مستديمة. لكنّ ذلك البلد الذي تحمّل كل تلك الخسائر من أجل
الثورة وتمكن من تشكيل حكومة شعبية، عاد مرّة أخرى وبسهولة ليصبح سلطنة ملكية. وبعد
نفي نابليون وموته حوالي عام 1815ـ وبعد ما يقارب 50 سنة-استقرّت حكومة ملكية في
فرنسا, وذلك بالطبع بعد سلسلة من التغييرات الشديدة المليئة بالمرارات, حيث إنّكم
لو قرأتم الروايات التي تدور حول فرنسا القرن التاسع عشر، لرأيتم بشكل واضح مظاهر
تلك الثورات وتلك المرارات والمحن والشدائد التي جرت على شعب فرنسا، ومنها مؤلفات
فيكتور هيغو وبلزاك وآخرين.
بالطبع بعد ذلك، أي في سنة 1860 ونيّف، وقعت ثورة أخرى مجدّداً وتمّت تنحية ذلك
الملك الذي ينتمي إلى نابليون الثالث وجاءت الحكومة الجمهورية، حيث إنّ الجمهوريات
كانت تتعاقب من الأولى إلى الثانية إلى الثالثة، إلى أن وصل الأمر إلى فرنسا التي
ترونها اليوم وهي على شاكلة الحكومة الشعبية والديمقراطية. لقد عانت الثورة
الفرنسية من كل تلك المرارات فلم تكن من بداية نشوئها تمتلك تلك القدرة والإمكانية
بحيث تستقرّ بين أهلها وتستمرّ. فتقريباً، جرت كل هذه التحوّلات على مدى عهودٍ
طويلة قاربت حوالي القرنين من الزمن.
2- الثورة الأمريكية:
ونفس هذه القضية حدثت في أمريكا. وقعت الثورة الأمريكية وهو ما يُصطلح
عليه بتحرير أمريكا من الإنكليز قبل الثورة الفرنسية بخمس سنوات تقريباً، أي حوالي
سنة 1782، وبالطبع لم تكن أمريكا في ذلك الزمن تزيد عن خمسة ملايين نسمة. نشأت تلك
الحركة وأقيمت دولة ووصل إلى زمام السلطة شخصيات كجورج واشنطن المعروف وغيره. لكن
حدث معهم ما حدث في فرنسا. وبعد ذلك التحرّك الأوليّ الذي جرى عانى الشعب الأمريكي
من المحن والحروب الأهلية الهائلة والمتعاقبة. وفي أحد تلك الحروب الأهلية -وهي أهم
حرب أهلية بين الشمال والجنوب, في الواقع بين الشمال الشرقي والجنوب الشرقي، لأن
غرب أمريكا لم يكن حتى ذلك الحين تحت سلطة هذه الدولة -وفي هذه الحرب قُتل ما لا
يقل عن مليون شخص خلال أربع سنوات. وبالتأكيد، لم يكن في ذلك الزمان إحصاءات دقيقة،
فأولئك الذين كتبوا وتحدّثوا يقولون هذا. حتى وصل الأمر بالتدريج، وبعد مرور مئة
عام، إلى استقلال أمريكا. وحصلت تلك الدولة على استقرارها وتمكّنت من الاستمرار على
نفس تلك الوضعية السابقة.
بالطبع، إنّ قصص الجرائم التي وقعت والفجائع التي جرت بواسطة أولئك الحكّام
وأتباعهم وجيوشهم هي قصصٌ مؤلمة وطويلة وعجيبة: غزو الدول المجاورة، والاعتداء على
السكّان الأصليين وهم من الهنود الحمرـ واقتلاع وقمع القبائل الهندية، وإنني لآسف
أنّ شبابنا لا يعلمون عن هذه القضايا. فعندما يعلم الإنسان مدى التخريب والفظائع
والقسوة والظلم الذي كان وراء مدنية اليوم والتطور والثروات التي تحققت في هذه
الدول، عندها ستتسع آفاقه بما يتعلّق بالثورات وما ينبغي أن يقوم به وما هو تكليفه.
3- الثورة الروسية:
وفي روسيا، حدث الأمر بنحوٍ آخر. فالأهداف التي رُسمت في ذاك البلد وهي
أهدافٌ عقائدية وأيديولوجية لم تتحقّق. ففي الأساس تمّ الادّعاء أن حكومة روسيا هي
حكومة شعبية جماهيرية اشتراكية, أي أنّ الحكومة شعبية جماهيرية تقوم على أكتاف
الناس وتلتزم بتلبية احتياجاتهم, وقد نُقض هذا الأمر منذ السنوات الأولى. فلم تمر
على سنة 1917، التي هي سنة الثورة، خمس أو ست سنوات حتى تغيّر الطريق وتمّ حذف
الشعب من حسابات الحكومة بالمعنى الحقيقي للكلمة وصار الحزب الاشتراكي بأعضائه،
الذين يبلغون عدّة ملايين، هو الحاكم, وكان يترأس ذاك الحزب عدّة أشخاصٍ في كلّ
عهدٍ. ففي عهد ستالين لم يكن الحاكم سواه, أمّا في العهود اللاحقة فإنّ الهيئة
التأسيسية للحزب الاشتراكي كانت تدير جميع الأمور. فأيّة ضغوطٍ مورست على هذا الشعب
وأيّة قيود وُضعت وما هي المِحن التي مرّت عليهم؟!
فحتى أنه في تلك العهود كانت تتسرّب كتابات من داخل الاتحاد السوفياتي إلى الخارج،
وكان بعضها يُترجم إلى اللغة الفارسية وكنّا نطالعها. وإلى ما قبل سقوط الاتحاد
السوفياتي، كان الكثير من تلك الجوانب الشاقّة والمرّة مخفياً، ثمّ تبيّن كل شيء
بعد انهياره، واتّضح ما كان يفعله ذلك الحزب والأغلال التي كان يكبل بها الشعب. تلك
الأدبيات التي ظهرت في تلك الفترة تدلّ على محنة حياة ذلك الشعب تحت ذاك الحُكم.
فالثورة قد انحرفت منذ البداية بشكلٍ تام، لأنّها لم تنفّذ وعودها الأولى.
4- انقلابات بلاد شمال أفريقيا:
حسناً، هذه ثوراتٌ. وكان هناك ما يشبه الثورات في منطقة الشرق الأوسط
وبشكلٍ أساس في شمال أفريقيا وأمريكا اللاتينية. ولم تكن ثورات، بل في الأغلب عبارة
عن انقلابات. وفي أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات حدثت تحرّكات ثورية في بلاد
شمال أفريقيا أي في مصر وليبيا والسودان وتونس كانت ذات ميول يسارية. وكانت جميع
هذه البلاد بلاداً ثورية, وما خلا بعض الاستثناءات المحدودة فإنّ الذين كانوا من
المؤسسين للثورات انحرفوا عنها. فكانت الثورات يساريّة معادية لأمريكا وإنكلترا أو
فرنسا, وقد تمّ جر الجماهير إلى الميادين على هذا الأساس, لكنّ نفس أولئك الذين
كانوا يترأسون هذه الثورات انحرفوا من الناحية العملية وسقطوا مرّة أخرى في أحضان
القوى الاستعمارية ! وأحد هؤلاء هو بورقيبة التونسي. كان بورقيبة قائد الثورة
التونسية، وفي الأساس هو من صنع هذه الثورة، لكنّه تحوّل إلى أداة بيد الغرب
وفرنسا، فتحرّك في ذلك الاتّجاه, ثمّ لحقه بن علي بعد ذلك. أو في مصر، فقد كان أنور
السادات من مساعدي جمال عبد الناصر ومن أولئك الذين صنعوا ذلك الانقلاب, أو
بتعبيرهم ثورة الضباط الأحرار, وفي الأساس كانت حركة الضباط الأحرار في زمان عبد
الناصر تحمل شعار نجاة فلسطين, ولكنّ عملهم وصل إلى أن يصالحوا من اغتصب فلسطين وأن
يتآمروا على شعبها، ووصل بهم الأمر أخيراً إلى التعاون مع الصهاينة لمحاصرة فلسطين
وغزّة وإبادة شعب فلسطين! أي إنّهم انحرفوا عن ذلك التحرّك الابتدائي 180 درجة.
أو في السودان, بحسب ما يبدو لا تذكرون شيئاً عن النُّميري. فنحن نتذكّر مجيئه إلى
السلطة. لقد كان النُّميري ضابطاً ثورياً خلّص السودان في الواقع من يد الغرب،
لكنّه وبالتدريج سار باتّجاه الغرب ليتحوّل إلى أحد عملائه وأدّى ذلك إلى أن يقوم
الثوريون اللاحقون، الذين تسلموا زمام الأمور في السودان، ضدّه ويخلّصوا البلد منه.
فجعفر النُّميري الذي قام بانقلابٍ ضدّ حكومة غربية تحوّل بالتدريج من معادٍ للغرب
إلى عنصرٍ غربيّ يستخدمه الغرب ويعمل لمصلحته، فأصبح عميلاً للغرب! والباقون كانوا
على هذا المنوال.
إنّني أذكر في الأربعينيات الشمسية (الستينات الميلادية) عندما كنت في مشهد، كنّا
نتلقّى إذاعة صوت العرب المصرية في زمن عبد الناصر، ونستمع إليها. فقد ذهب جمال عبد
الناصر إلى ليبيا، وبصحبة هذا القذّافي نفسه الذي كان في ذاك الوقت شاباً لم يتجاوز
الـ 29 وقام بانقلاب عسكري وجعفر النُّميري، ثلاثتهم كانوا يتحدّثون عبر إذاعة صوت
العرب المصرية. فقد اجتمعوا وكانوا ينطقون بكلمات ثورية وعنيفة. نفس هذا القذّافي
كان يطلق شعارات، كانت تبثّ فينا الحماس في ذلك الوقت. فنحن في الأغلب كنّا في خضم
النضال. وكان الاستماع إلى تلك الإذاعة مخالفاً للقانون. كنا مع بعض الأصدقاء
وأحدهم كان يمتلك جهاز راديو نذهب ليلاً إلى أحد البيوت ونستمع معاً إلى إذاعة صوت
العرب.
كانت الحركات على هذا النحو. أي إنّ الثورات ولأسبابٍ متعدّدة، إمّا إنّها انحرفت
منذ البداية أو بعد ذلك بقليل. وأحياناً كان هذا الانحراف يستغرق عشرات السنين. وفي
بلدٍ كفرنسا استغرق هذا الانحراف أكثر من سبعين سنة حتى تمكّن بالتدريج من تحقيق
جزء من الأهداف وليس جميع الأهداف.
النموذج الفريد للثورة الإسلامية الإيرانية
الثورة الإسلامية كانت استثناءً. فقد كانت الثورة الإسلامية حركة ذات
أهداف محدّدة، وإن كانت تلك الأهداف التي حُدّدت في بعض الأحيان كلّية واتّضحت
بالتدريج وتبلورت وشُخّصت مصاديقها, لكن أهدافها كانت أهدافاً واضحة. فالهدف كان
الإسلام ومواجهة الاستكبار، وحفظ استقلال البلاد، وإرجاع الكرامة للإنسان، والدفاع
عن المظلوم، والتطوّر، والسموّ العلمي والتقني والاقتصادي, فقد كانت هذه أهداف
الثورة. عندما ينظر المرء في بيانات الإمام رضوان الله عليه وفي الوثائق الأساس
للثورة يرى أنّ كل تلك الأمور لها جذورٌ في المصادر الإسلامية. فالشعبوية والاعتماد
على إيمان الناس وعقائدهم ودوافعهم وعواطفهم كانت من أركان الثورة الأساس. وقد
استمرّ هذا الخط ولم ينحرف ولو بمقدار درجة واحدة، قد مرّ على الثورة أكثر من 32
سنة, وهذه حادثة مهمّة جداً.
فالثبات والاستقرار في الثورة الذي نتحدث عنه يعني ذلك. لقد قلنا كلمة واحدة
(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ
اسْتَقَامُوا)2؛ لقد قال شعب إيران "ربنا الله" ووقف على
قدميه. التمسّك بهذا القول انتقل من جيلٍ إلى جيل. وأنتم اليوم شبابٌ ألقيتم هذه
الكلمات بنشاطٍ فائق وحماس وحيوية وصدق في هذا المكان بالذات، ومن المحتمل أنّه لم
يكن أحدٌ منكم قد وُجد في هذه الدنيا عند بداية الثورة، ولم تعيشوا عهدها، ولم
تشاهدوا تجربة الحرب ولم تدركوا زمن الإمام, ولكن الخط هو هو، والطريق هو ذاك
الطريق، والهدف هو تلك الأهداف، وما يُقال الآن هو ما لو أردنا أن نقوله في ذلك
الوقت، كنا نقوله. لقد كنت آتي إلى جامعة طهران مرّة كلّ أسبوع وكنّا نعقد اللقاءات
مع الجامعيين ونصلّي, وبعد الصلاة كانت تتم الإجابة عن الأسئلة والكلمات وقد استمرّ
هذا الأمر لفترات. فتلك الكلمات التي كانت تصدر في ذلك الوقت عنا وعن الجامعيين هي
نفس هذه الكلمات الآن، وبالطبع إنها اليوم أكثر نضجاً ودقّة وخبرة. وهذه المشاعر هي
بنفس مستوى تلك المشاعر والأحاسيس، ولكن في المطالب التي تُطرح اليوم داخل البيئة
الجامعية نجد أنّ العقلانية أكثر مما كانت عليه في ذلك الوقت ومثل هذا له قيمة مهمة
جداً.
1- سورة الرعد، الآية 17.
2- سورة فصلت، الآية 30.