يتم التحميل...

الإمام الخميني يفرض هوية "الجمهورية الإسلامية" في عالم السياسة

الثورة الإسلامية

الإمام الخميني يفرض هوية "الجمهورية الإسلامية" في عالم السياسة

عدد الزوار: 77

كلمة الإمام الخامنئي دام ظله بمناسبة الذكرى السنوية الثامنة عشر لرحيل الإمام الخميني (قدس). الزمان: 14/3/1386هـ. ش ـ 18/5/1428هـ.ق ـ 4/6/2007م.
الإمام الخميني يفرض هوية "الجمهورية الإسلامية" في عالم السياسة

الإمام الخميني يزداد حياة يوما بعد يوم وكذلك فكره ونهجه
قال الله الحكيم في كتابه: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)1

إنه لمجلس عظيم، وأعظم منه ملايين الأفئدة في كافة أنحاء إيران، بل في شتى مناطق العالم التي تنبض في هذه الأيام بحب الإمام في ذكراه.

وإن دلّ هذا على شيء فإنما يدلّ على عظمة تلك الشخصية التي استطاعت بفضل الله تعالى أن تخلع على هذا الشعب، بل على الأمة الإسلامية، رداء العظمة.

لقد شبّه الله تعالى الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة المثمرة ذات الأصول الثابتة والفروع الباسقة تلك التي (تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا).

إنّ الكلمة الطيبة هي كل فكرة تنبت في قلب كل إنسان عظيم وإلهي وتكون مصدر خير وبركة للجميع، وهي كل عمل تتفتّق عنه جوارح الإنسان الصالح فيكون مَشْعَلاً على الطريق لرشد وهداية البشرية.

كما أنّ الكلمة الطيبة هي ذلك الإنسان الذي صدرت عنه تلك الفكرة الحسنة أو ذلك العمل الصالح، فصار مصداقاً له وتجسيداً. ثم يقول الله تعالى بعد هذه الآية:

( يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ )2.

إنّ القول الثابت يجعل صاحبه ثابتاً ومستقيماً. فالكلمة الطيبة هي القول والقائل معاً، وهي الفكرة وما أنتجته الفكرة، كما أنها تلك الشخصية الإنسانية الفريدة التي بها قوام تلك الفكرة وذلك العمل.

وكما ترون، فإن إمامنا العظيم يبدو وكأنه يصبح أكثر حياة يوماً بعد آخر، كما يغدو أكثر شهرة وبروزاً ويصير فكره ونهجه أشدّ فَهْماً ووضوحاً في مجتمعنا وفي الأجواء الدولية الإسلامية. فما الذي يقف وراء هذه الديمومة وهذه الاستقامة وتلك البركات؟ إنه الإيمان الخالص والعمل الصادق.

لقد كان إمامنا العظيم مصداقاً لهذه الآية الشريفة: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا )3 فقد كان هدفه إلهياً، وكان سلوكه إيمانياً، وكان عمله عملاً صالحاً. وهذا هو الذي يبقى لمثل هذه الشخصية العظيمة بلا مراء، كمثل سلسلة الأنبياء والأولياء الإلهيين الذين رحلوا عنّا، سوى أنّ حقيقتهم وهويتهم ظلّت حيّة خالدة.

العلاقة بالله سر خلود الرجال الإلهيين
إنهم يريدون أن يجعلوا من القادة الماديين رموزاً حية في ضمائر الجماهير، مستخدمين في ذلك شتى أنواع الحيل والمخادعات، وهذا مستحيل.

لقد حنّطوا جسد لينين ـ القائد السوفيتي ـ حتى يظل ماثلاً أمام الأنظار، ولكنه تلاشى.

إنّ تلك المومياء ـ وهي جسم بلا روح ـ وذلك الفكر وتلك القيم وتلك الذكرى قد كُتب عليها الزوال جميعاً, سواء في مجتمعهم أو على صعيد العالم.

إنّ هذا هو الفرق بين الزعامة المادية والقيادة الروحية والمعنوية. والسبب في ذلك يعود إلى مدى العلاقة بالمصدر الأصلي للقدرة، أي العلاقة بالله تعالى، بمعنى أن يكون كل شيء منه وإليه.

إنّ هذا هو سرّ قوة وخلود ونفوذ الرجال الإلهيين.

سرعظمة الإمام الخميني (قدس) نكرانه لذاته
وسيظل الإمام خالداً انطلاقاً من هذه الفكرة وهذا المبنى.

لقد مضى أعداؤه وخصماؤه في الدين والسياسة وذهبوا بلا رجعة، ولكن الإمام العظيم سيبقى خالداً في المجتمع الإسلامي والمجتمع البشري الكبير؛ بفضل فكره وشخصيته ووجوده الحقيقي، بل إنه سيزداد تألّقاً وقوةً وتجسّداً بمرور الأيام.

إنّ هذا هو سرّ النفوذ المعنوي لإمامنا العظيم.

إنّ سرّ النفوذ العجيب لهذا الرجل العظيم ودخوله إلى قلوب الجماهير المسلمة الهائلة في شتى بلدان العالم هو نكران الذات، وتجاهل المصلحة الشخصية، والاعتبار بوجود الله، والاستلهام منه، والعمل في سبيله وله بكل معنى الكلمة. فهذا هو سرّ عظمة الإمام الكبير وزعامته الروحية.

وهذا السرّ هو نفسه سرّ نفوذ الأنبياء وخلودهم، وإلاّ فإن بمقدور الجميع إتقان المناورات السياسية ورفع الشعارات الطنّانة وخداع الجماهير، وليس ذلك على أحد بعسير. ولكنّ مثل هذه الأمور ليست بتلك التي تجعل الزعيم المعنوي والروحي يهيمن على الأفئدة أو أن يطرق بابها.

عمق ارتباطه بالله عَمَرَ قلبه بالسكينة والهدوء
إنّ سلطة الإمام لم تكن معنوية وشكلية، بل كانت على غرار حكومة الأنبياء، ولم تكن أبداً كمثل حكومات الجبابرة والجائرين. ولهذا فإنكم عندما تتأملون في حياة الإمام فإنكم تجدون أنّ تلك العلاقة والصلة بالله تُدخل على قلبه السكينة والهدوء.

لقد كنّا نراه هادئاً بينما يسيطر الهلع على الآخرَين. وكنّا نجده حازماً وحاسماً عند تردّد وخَوَر الآخرين.

وها هو يقول في وصيّته مخاطباً الشعب الإيراني وكافة الشعوب المسلمة: أستودعكم الله بروح هادئة وقلب مطمئن، ثم ينتقل إلى رحمته تعالى.

إنه يودّع هذا العالم بقلب مطمئن حتى وهو يعالج سكرات الموت.

الإمام الخميني (قدس) مستندا إلى الشعب تحمل تبعات الثورة والنظام
لقد كان يطرق أذهان البعض: كيف أنّ الإمام رحل عن هذه الدنيا والتحق بالرفيق الأعلى واستطاع أن يلقى الله بقلب مطمئن بلا أدنى قلق أو اضطراب, مع تبحّره في أحكام الدين وما كان يوليه من أهمية لأرواح الناس وأموالهم، وكل هذا العدد الهائل من الشهداء الذين ضحّينا بهم في الحرب المفروضة؟ وكانوا يتساءلون: من الذي يتحّمل مسؤولية كل هذه الدماء المسفوكة؟ إنّ جواب الإمام عن كل هذه التساؤلات المثيرة هو: أنّ المسؤول عن ذلك هو نفسه الذي كان مسؤولاً عن الدماء التي سُفكت في صفّين والنهروان.

وإنّ المسؤول عن كل هذه المشاكل والمعاناة هو بنفسه المسؤول عن كافة المحن والآلام والمتاعب التي تحمّلها أمير المؤمنين في حياته.

إنّ هناك تبعات للثورة من أجل خلاص الشعب، كما أنّ ثمّة تبعات للحرب المفروضة لمدة ثماني سنوات دفاعاً عن استقلال هذا الشعب، وللصمود في مواجهة المستكبرين وقوى الاستكبار العالمي ـ إحقاقاً للحق ـ تبعات. وقد قام الإمام بتسديدها جميعاً متمثلة في الثقة العامة للشعب.

لقد استثمر الإمام هذه الثقة واستفاد منها في ديمومة المواجهة، فمنّ الله عليه بالثواب الأوفى والجزاء العظيم.

الشعب الإيراني يحقق أحلامه في الحرية والكرامة بالجهاد والتضحيات
إنّ الجماهير التي احتشدت لتشييع الإمام إلى مثواه كان يفوق عددها عدد من جاءوا إلى استقباله لدى عودته للبلاد، وهو ما يعني( من كان لله كان الله له) لقد كانت أفئدة الناس تهوي إليه، ولم يكن الإمام يريد تلك الثروة لنفسه، فقد كان يعلم أنها لله تعالى، ولابد أن تُنفق في سبيله، فأعادها الله عليه أضعافاً مضاعفة.

إنّ هذا هو الطريق إلى الله، ولهذا الطريق مشقّة وعناء، فعلى سالكه تحمّل ما يلقى من تعب ونَصَب.

إنّ على الأمم والشعوب أن تتحمّل تبعات أحلامها وتحقيق كرامتها حتى ولو لم تكن تؤمن بالدين ولا بيوم القيامة. وهكذا إذا كانت ترنوا نحو الاستقلال أو الحفاظ على حقوقها في مواجهة المستكبرين في العالم، فلابد من تقبّل التبعات وتحمّل العواقب.

إنه لا يمكن تحقيق آمال التقدم والتنمية والعزة والسيادة ونحن قابعون في صمت الزوايا المظلمة دون بذل الجهود في ساحات الجد والعمل، فهذا مستحيل.

إنّ البعض لا يُتقِنون سوى الشكوى والحديث عن النقائص والعيوب، فأنّى لهم أداء دورهم في مسيرة التطور والتغيير؟

إنّ هذا هو الشيء الوحيد الذي لا ينبسون فيه ببنت شفة! إنهم يكتفون بدور المشاهد عند العمل والكفاح، ثم يصبحون قضاة ظالمين بألسنةٍ حِدادٍ عند الحساب والمحاكمة، وهو ما لا يصح.

إنّ على الشعوب أن تجِدّ في العمل والنضال إذا ما أرادت تحقيق طموحاتها العالية.

لقد جاهد شعبنا حق الجهاد، فحقق الانتصار لثورته, كما ضحّى بالغالي والنفيس طوال ثماني سنوات من الحرب المفروضة حتى استطاع الخروج منها مرفوع الرأس.

لقد تكاتفت القوى العظمى، وسخّروا نظام البعث العراقي أملاً في القضاء على الثورة وإبادة الجمهورية الإسلامية، لكن شعبنا وقف صامداً لا يتزحزح.

وكانت نتيجة هذا الصمود أن أيقن العالم بأن الإيراني إذا ما صمم على الدفاع عن حقوقه وهويته، فإنه لن يعرف التقهقر ولا التراجع.

إنّ هذا الصمود الواعي وذلك العزم الأكيد هو الطريق الوحيد لتحقيق آمال الشعوب. فلابد من الوعي، وأن نكون على بصيرة من حقوقنا، وأن نتقدم بقدم راسخة من أجل إحقاقها.

إنّ من المستحيل استرداد الحقوق عن طريق التوسل والرجاء.

لقد كان الإمام يعرف القوى الكبرى حق المعرفة، ولم يكن من الممكن التوسل بها. وطالما كان التوسل والرجاء هو الوسيلة، وكان التراجع هو الموقف، وكانت المداهنة هي السلوك، فإن من طبيعة المتسلطين أن يعقّدوا أهواءهم، ويصعّدوا من تهديداتهم، ويرفعوا من درجة غضبهم، ويشدّوا من هجماتهم.

إنّ الحق لا يُستردّ إلاّ بالقوة والإرادة. وهكذا استطاع الشعب الإيراني أن يستردّ حقوقه المسلوبة، وأن يعزّز كرامته، وأن يحمي ثغوره، وأن يقيم في أرضه حكومة مستقرة ذات سيادة، وأن يشعر بالقوة والتفوّق، وكل هذا بفضل صموده وجهاده العظيم.

أيها الأعزاء، أيها الشعب الإيراني، أيها الشباب الأعزاء، فلتكن ثقتكم بالنفس عالية، ولتقدّروا أنفسكم، فلقد استطعتم اجتراح المعجزات، وسيكون ذلك من شأنكم أيضاً في غد الأيام.

إنه لا قيمة لِمَا تريد القوى السلطوية منحه للشعوب. فهل يركع الشعب الإيراني متوسلاً أمام الجبابرة والمستكبرين والمرائين حتى يمنحوه الحق في الحصول على الطاقة النووية؟! كلا، فهذا لا يليق بشعب حر ومستقل.

وهكذا هي الحقوق الأخرى، فهي من هذا القبيل.

الإمام الخميني يفرض هوية "الجمهورية الإسلامية" في عالم السياسة
وأما القضية الأخرى فهي: أنّ الإمام استطاع أن يفرض هوية جديدة على عالم السياسة المغمور بالاضطرابات، وهي هوية الجمهورية الإسلامية في هذه المنطقة وهوية الشعب الإيراني الحيّ, الذي استطاع إقامة هذه الجمهورية والحفاظ عليها والدفاع عنها.

إنها هوية إسلامية وهوية وطنية، وهي ليست حكراً على الشعب الإيراني.

إنّ الهوية الإسلامية هي هوية كافة شعوب الإسلام، ولقد استطاع إمامنا العظيم استرجاع هذه الهوية بفضل إرادة وعزم الشعب الإيراني وأن يجعلها حيّة نابضة.

لقد كان الغرب قد أحكم سيطرته على هذه المنطقة منذ سنوات طويلة، وبعد الحرب العالمية الثانية، كان بَسْطُ النفوذ على منطقة الشرق الأوسط على وشك بلوغ نهايته. لقد كان الاستعمار قد بدأ في تنفيذ مشروعه السلطوي منذ سنوات، وكان يرى أنّ مشروعه قد تكلل بالنجاح في تلك المرحلة.

فالعراق كان يرزح تحت السيطرة الاستعمارية بشكل ما، وإيران بشكل آخر، والبلدان العربية من أمثال الأردن وسوريا ولبنان ومصر وسواها، كانت تعاني هي الأخرى بشكل أو بآخر من سطوة السيطرة الاستعمارية ونفوذ المستعمرين الغربيين والأوروبيين ومن ثم الأمريكيين.

ولتعزيز نفوذهم الاستعمارية، فإنهم زرعوا بذرة الكيان الصهيوني الغاصب في تراب هذه المنطقة الحساسة؛ حتى يتأكّدوا أنّ الغرب له وجوده المحسوس وسيطرته العسكرية والسياسية الفاعلة بفضل الصهاينة، وأنه يبسط يده على كل شيء.

لقد ظهرت حركات التحرر في عدد من البلدان في السنوات الأخيرة من النصف الأول وأوائل النصف الثاني من القرن الماضي، ولكن الغربيين تمكّنوا من قمعها بسرعة وأن يسيطروا على مساراتها. وهذا ما حدث في العراق بشكل من الأشكال، وفي بعض البلدان العربية الأخرى بصورة أو بأخرى، وكذلك في مصر بنحو من الأنحاء، فلم يسمح الغربيون إطلاقاً بأن تخرج هذه المنطقة الحساسة والغنية بالمصادر الحياتية عن سيطرتهم.

وفي مثل هذه الظروف فاجأتهم الثورة الإسلامية بالاندلاع. إنهم لم يكونوا يصدّقون أنّ نهضة دينية بقيادة الإمام تتحوّل إلى مثل هذه الحركة الشعبية الواسعة. لقد نزلت الجماهير الشعبية الإيرانية إلى الميدان متدفّقة بكل قوة، فاستطاعت إرادة الشعب الإيراني والقيادة الحكيمة النادرة لإمامنا العظيم أن تجعل من هذا الحدث ما يشبه المعجزة.

إنّ أحداً في عالم السياسة لم يكن يصدّق أنّ نظاماً يطل برأسه في هذه المنطقة فجأة ـ ولا سيّما في إيران التي كانت خاضعة بحكومتها وبلاطها خضوعاً تاماً للنفوذ الأمريكي ـ ثم يقيم دولة على أساس ومباني وأحكام الدين, حاملاً لواء الإسلام و(لا إله إلا الله محمد رسول الله).

إنّ المتبحّرين في السياسة آنذاك أدركوا أنّ مصير هذه المنطقة قد تغيّر. وبالطبع فإن المتسلطين حاولوا بكل ما لديهم أن يطفئوا نور هذه الشعلة وأن يقضوا على هذه النهضة, وأن يئدوا هذا الوليد الجديد، غير أنّ العارفين ذوي البصيرة كانوا يعلمون أنّ يد القدرة الإلهية آخذةً في الظهور.

لقد كان هذا البرعم اليانع ينمو وتمتد جذوره في الأعماق يوماً بعد يوم، إنه برعم الجمهورية الإسلامية، وإنه هو تلك الكلمة الطيبة (أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء).

2017-02-24