الإمام الخميني (قدس) نفخ روح العزة في الشعب
الثورة الإسلامية
الإمام الخميني (قدس) نفخ روح العزة في الشعب وشقّ له جادّة الحركة والتقدّم تحت راية الإسلام
عدد الزوار: 78
من كلمة
الإمام الخامنئي دام ظله في الذكرى الثالثة والعشرين لرحيل الإمام الخميني قدس سره
ــ الزمان: 3/6/2012م.
الإمام الخميني (قدس) نفخ روح العزة في الشعب وشقّ له جادّة الحركة والتقدّم تحت
راية الإسلام
العناوين الرئيسية
· شخصيّة الإمام الخميني الأبويّة
· الإمام أحيا العزة الوطنية في شعبنا
· العزة الحقيقية عند الله ومنه
· العزّة حصانة المجتمع
· الإمام نفسه مظهر لعزة النفس
· ذلة مرحلة ما قبل الثورة
· الإمام أثار الدوافع وأيقظ الاستعدادات
شخصيّة الإمام الخميني الأبويّة
تتصادف هذه الأيّام مع العيد السعيد لمولد أمير المؤمنين عليه السلام،
وهو أبو هذه الأمّة. لقد أطلق شعبنا على اليوم الثالث عشر من رجب اسم
"يوم الأب". إمامنا الكبير كان له حقّ الأبوّة
على هذا الشعب وعلى هذا البلد. أبو الأمّة يعني مظهر الشفقة والرحمة، ومظهر القدرة
والصلابة والشخصيّة. قوّة الشخصيّة الأبوية إلى جانب المحبة والرحمة الأبوية. إضافة
إلى ذلك، فإنّ الإمام هو أبو النهضة الإسلامية المعاصرة في العالم الإسلامي.
الإمام أحيا العزة الوطنية في شعبنا
أحد المواضيع الرئيسة في سيرة الإمام وسلوكه، والتي سنتطرّق إليه اليوم
ونتحدّث عنه، هو نفخ روح العزة الوطنية في هيكل البلد.
أ ــ معنى العزّة
الكلام حول هذه النهضة العظيمة للإمام التي أحيت العزة الوطنية في بلدنا
وشعبنا بحث يستند إلى وقائع المجتمع، وليس مجرّد بحث ذهني صرف. ماذا تعني العزة؟
العزّة هي البنية الداخلية المتينة لأيّ فردٍ أو أي مجتمع التي تهبه الاقتدار في
مواجهة العدوّ والعقبات، وتجعله يتغلب على التحديات.
ب ــ العزة الحقيقية عند الله ومنه
بدايةً، سأعرض بحثاً قرآنياً مقتضباً. في المنطق القرآني، العزّة
الواقعية والكاملة هي لله، ولكلّ من يختار أن يكون في جبهة الحق. وفي المواجهة بين
جبهة الحق وجبهة الباطل، بين جبهة الله وجبهة الشيطان، تكون العزّة لأولئك الذين
يختارون أن يكونوا في جبهة الله، هذا هو المنطق القرآني
(مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا)1،
(وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ
وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)2، العزّة لله،
العزّة للرسول وللمؤمنين, فما لم يدرِك المنافقون والكافرون هذا الأمر، فإنّهم لن
يفهموا أين تكمن العزّة، وأين هو قطب العزّة الواقعية. في سورة النساء، يقول القرآن
الكريم بشأن أولئك الذين يربطون أنفسهم بمراكز القوى الشيطانية من أجل الحصول على
الشأنية والقوة (أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ
فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا)3، فهل يبتغي العزة من
يلجأ إلى أنداد الله وأعدائه، وإلى القوى المادية؟ إنّ العزة عند الله. وفي سورة
الشعراء المباركة هناك تقريرٌ عن مجموعة من التحدّيات التي واجهها الأنبياء العظام
ـ فيما يخصّ النبي نوحاً والنبي إبراهيم، والنبي هوداً والنبي صالحاً، والنبي
شعيباً والنبي موسى ـ يتحدّث بالتفصيل حول التحديات التي واجهها هؤلاء الأنبياء
ويقدّم تقريراً إلهياً عن الوحي إلى أسماع الناس. وفي كل مقطع من المقاطع التي
واجهها هؤلاء كانت الغلبة لجبهة النبوة على جبهة الكفر، يقول
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ
رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)4، أي إنّه بالرغم من
أنّ الطرف المقابل كانوا هم الأكثرية، وكانت السلطة والأموال والأسلحة بأيديهم إلا
أن جبهة التوحيد هي التي انتصرت عليهم، وهذه هي آية من آيات الله سبحانه وتعالى،
وربك هو العزيز الرحيم. بعد ذلك يكرر القرآن هذا التقرير على مدى هذه السورة
المباركة، فإنّه يتوجّه إلى النبي في آخر السورة
(وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ)5 أي توكّل على
الربّ العزيز والرحيم، واعتمد عليه, فهو الضامن لغلبة الحقّ على الباطل
(الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)6،
هو الذي يراك في كل الأحوال، في حال القيام والسجود والعبادة والعمل والسعي، هو
حاضر وناظر (يراك)، (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)7.
إذاً في منطق القرآن، يجب طلب العزّة من الله.
ج ــ العزّة حصانة المجتمع
عندما تشمل العزّة حال أي إنسان، فرداً أو مجتمعاً، فإنّها تصبح كالسور
والحصن المنيع أمام الأعداء، يصعب النفوذ إليه، ومحاصرته والقضاء عليه, فيحفظ
الإنسان من نفوذ وغلبة العدوّ. وكلما رأينا هذه العزة متجذّرة أكثر في وجود الفرد
والمجتمع، كانت تأثيرات هذا التماسك والحصانة أكثر، ويصل الأمر بالإنسان إلى أن
يبقى مصوناً من غلبة ونفوذ العدوّ السياسي والعدوّ الاقتصادي، ويكون أيضاً محفوظاً
من غلبة ونفوذ العدوّ الأكبر والأساسي أي الشيطان. أولئك الذين لديهم العزة
الظاهرية، ولا يكون لهذه العزّة وجود في قلوبهم ووجدانهم وفي عمق وجودهم, سيكونون
عزّلاً مسلوبي الإرادة أمام الشيطان، وسينفذ إليهم.
د ــ عزّة النفس وقهر الأهواء
من المعروف أن الإسكندر المقدوني كان يمر في إحدى الطرق، وكان الناس
يعظِّمونه, وكان هناك رجلٌ ورع مؤمن يجلس في إحدى الزوايا، فلم يبدِ احتراماً أو
يقف له إجلالاً، فتعجّب الإسكندر وأمر بإحضاره فأحضروه. فقال له: لماذا لم تنحن
أمامي؟ قال: لأنك عبدٌ لعبيدي, فلماذا أنكّس رأسي لك؟ فقال الاسكندر: كيف ذلك؟ قال:
لأنك أنت عبد شهوتك وغضبك، والشهوة والغضب عبداي، وهما تحت إرادتي، ولي الغلبة
عليهما.
بناءً عليه، إذا كانت عزّة النفس نافذة في عمق وجود الإنسان، عندها لن يكون للشيطان
ولأهواء النفس تأثير على الإنسان، ولن يتلاعب الغضب والشهوة بهذا الإنسان.
هـ ــ الإمام نفسه مظهر لعزة النفس
ونحن عرفنا الإمام قدس سره على هذه الحال. كان الإمام قدس سره طوال
حياته المباركة، سواء في ميدان العلم والتدريس، أم في مرحلة النضال العصيبة، أم في
ميدان الإدارة والحكم ـ عندما كان على رأس السلطة وممسكاً بزمام المجتمع ـ في كل
هذا كان مصداقاً لهذه الآية (وَتَوَكَّلْ عَلَى
الْعَزِيزِ الرَّحِيم)8. ولهذا غدت الأمور والأعمال الكبيرة،
التي كان الجميع يقولون عنها إنها مستحيلة، ممكنة مع بزوغ شمس الإمام, وتحطّمت
بحضور الإمام جميع السدود التي قيل إنّها لا تتحطّم.
ز ــ الإمام الخميني أعزَّ الشعب
ففضلاً عن أنّه كان نفسه مظهر عزة النفس والقوّة المعنوية، فقد نفخ روح
العزة في الشعب أيضاً. هذا، كان هو الإنجاز الكبير للإمام الجليل. وسأوضح هذه
النقطة مرة أخرى. إن شعبنا من خلال الشعور بالعزة الذي تعلّمه من الثورة ومن
الإمام، استطاع أن يكتشف نفسه، واكتشف قدراته، وكانت النتيجة أنّنا شاهدنا بأمّ
العين تحقّق الكثير من الوعود الإلهية في هذه العقود الأخيرة, فالأشياء التي كنا
نقرأ عنها في التاريخ، ونراها في الكتب، إذ بنا نشهدها أمام أعيننا, انتصار
المستضعفين على المستكبرين، وكيف أنّ قصور المستكبرين الرائعة بالظاهر بدت مبنية
على شفا جرف هار، وغيرها الكثير من الحوادث الأخرى التي شاهدناها في هذه السنوات.
ذلة مرحلة ما قبل الثورة
أريد أن أركّز على هذه القضية "العزة الوطنية" حتى أصل إلى النقطة
المطلوبة. اليوم هو يوم عظيم, إنّه يوم ذكرى ارتحال مؤسس الجمهورية الإسلامية في
إيران. إن ذكرى إمامنا الجليل اليوم أكثر حياةً من أي وقت مضى. إن تراثه المبارك
موجود اليوم في هذا البلد، وهو في العالم الإسلامي جلي أمام أعين الجميع. فلنعتمد
على بعض أبعاد وجود هذه الحركة.
العزة الوطنية. لقد مررنا نحن الإيرانيين على مدى تاريخنا الطويل بحقب وفترات
مختلفة... كان لدينا عزّة، وكان لدينا ذلّة أيضاً, ولكن على مدى الحقبة الطويلة
التي امتدت لمائتي عام وانتهت بالثورة، عشنا فترة عصيبة حالكة من الذل. الكثيرون
غير مطلعين على التاريخ، وكثيرون قد ينظرون نظرة خاطفة إلى التاريخ. يجب التعمق في
التاريخ وأخذ الدروس منه. فنحن في المئتي سنة هذه، غرقنا في فترة مظلمة من الذلة.
علامات هذه الذلّة كثيرة. نحن، في تمام هذه المرحلة، كنا شعباً منعزلاً عن الحياة
السياسية، لم يكن لدينا أي تأثير بأحداث منطقتنا، فكيف بالأحداث العالمية. في مرحلة
المئتي سنة هذه، وُجد الاستعمار، وجاءت الدول المستعمرة إلى منطقتنا من أقصى نقاط
العالم، واستولت على بلداننا، وأسرت شعوباً، ونهبت ثروات شعوب. في هذين القرنين،
كانت الحكومة الإيرانية والشعب الإيراني غافلين ولا علم لهم بما يجري من أحداث.
فحتى أنهم لم يكونوا مطلعين على المجريات، ناهيك عن أن يريدوا التدخل أو التأثير
فيها. كان وضعنا في المجال الاقتصادي يتّجه يوماً بعد يوم إلى مزيد من الانحطاط.
وفي مجال العلم والتقنيات كنا متخلّفين تماماً, لم نكن نمتلك في مقابل تلك الحركة
العلمية العظيمة في العالم، أية علوم مهمة قابلة للحديث عنها. وفي سياستنا
الداخلية، كنا نحذوا حذو السياسات الأجنبية. وكان المستعمرون والقوى العالمية
المسيطرة يؤثّرون على حكوماتنا، و يجرّونها ذات اليمين وذات الشمال، ويتحكّمون بها،
ويستغلونها، ولم يكن يصدر عن حكوماتنا وملوكنا وأصحاب السلطة أيّ ردّ فعل لائق
يفتخر به الإنسان. وحتى فيما يختصّ بالحفاظ على أراضي البلاد كلها، وحفظ سيادة
الدولة، شاهدنا وعشنا الضعف المخجل في مرحلة المئتي سنة هذه.
في نفس مرحلة المئتي سنة هذه، التي تمّ فيها توقيع معاهدة تركمنچاي المذلة وقبلها
معاهدة كَلستان, حيث تم اقتطاع 17 مدينة من مدن القوقاز عن إيران. في هذه الفترة
التي امتدت لقرنين، احتلوا بوشهر، من دون أية مقاومة ولو بسيطة من قبل الدولة أو
الحكومات. في تلك الفترة أيضاً جاءت حكومة أجنبية إلى منطقة قزوين وعسكرت فيها
وهدّدت الحكومة المركزية في طهران بأنه يجب عليها أن تقوم بكذا وكذا، وأن تبعد
الشخص الفلاني، وإلا فإننا سوف نهاجم طهران! أي إنّهم ما إن تقدّموا إلى قزوين حتى
هدّدوا طهران، وكانت الحكومة المركزية في طهران ترتعد فرائصها. و لولا بضع شخصيات
نادرة آنذاك لاستسلمت الحكومة بالتأكيد لإملاءات تلك الدولة الأجنبية. وفي تلك
الفترة أيضا، جاءت الحكومة البريطانية، وأوجدت الحكم البهلوي في إيران، واختاروا
رضا خان ورفعوه من مكانه الوضيع إلى أعلى سلطة في البلاد، وجعلوا حكمه الملكي في
البلاد بشكل قانون، وسلّموه زمام جميع الأمور، وهو بدوره كان في قبضتهم وتحت
إرادتهم. وفي تلك المرحلة أيضاً، عقدت معاهدة 1919م المهينة. فوفقاً لهذا الاتفاق
المعاهدة أصبح اقتصاد البلد في أيدي الأجانب، وأصبح تقرير مصير البلد السياسي
والاقتصادي بيد أعداء إيران. وفي تلك المرحلة بالذات، جاء رؤساء ثلاثة بلدان -
متحالفة في الحرب - إلى طهران من دون حصول على إذن من الحكومة، ومن دون أدنى اكتراث
بالحكومة المركزية وعقدوا اجتماعاً. جاء روزفلت وتشرشل وستالين، بملء رغبتهم، إلى
طهران وعقدوا الجلسة، ولم يأخذوا إذن أحد، ولم يظهروا أي جواز سفر. كان محمد رضا
ملك إيران يومذاك فلم يأبهوا له أبداً، ولم يذهبوا لزيارته، بل ذهب هو للقائهم،
وعندما دخل الغرفة لم ينهضوا له ولم يعبؤوا بحضوره! انظروا إلى ذلة هذه الحكومة
المركزية التي تُفرض على الشعب إلى أين وصلت؟ هذا هو حضيض المذلة لأية حكومة أو
شعب. كان هذا في حقبة القرنين اللذين مرّا علينا.
بالطبع وسط هذا، توجد استثناءات: مثلاً، تولّى أمير كبير العمل لثلاثة أعوام.
وأيضاً فتوى الميرزا الكبير الشيرازي التي حسمت قضية التنباك، أو تدخّل العلماء في
قضية المشروطة، أو قيام نهضة تأميم النفط في إيران في إحدى المراحل. كل هذه حالات
استمرت لفترات قصيرة ومؤقتة ولم يكتب لبعضها النجاح بتاتاً، أمّا الجو العام
الداخلي والحركة الكلية، فإنّها كانت حركة ذلّة، فُرضت على إيران العظيمة، وعلى هذا
الشعب الكبير الصانع للتاريخ، هذا الشعب صاحب التراث التاريخي العريق.
الإمام أثار الدوافع وأيقظ الاستعدادات
غيّرت الثورة الإسلامية الكبيرة الاتّجاه كلياً، وقلبت الصفحة. إنّ همةّ
الإمام - الذي كان قائد هذه الثورة، والممسك بزمام هذه الثورة، وزعيمها - هي التي
أحيت روح العزة الوطنية في هذا الشعب, وأعادت له عزّته. إنّ الإمام الجليل لقّن
الناس ثقافة "نحن نستطيع"، وثبّتها في قلوبهم، وهذه هي أيضاً الثقافة القرآنية التي
تقول:(وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ
الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)، إن الإيمان يعني العلوّ. إنّ
الإيمان وسيلة للعلوّ المادّي ولكنه لا ينحصر بهذا، فالإيمان منشأ العلوّ، والعزّة،
ورشد الشعوب. تقدم الإمام نفسه إلى الأمام وقاد، وعندها استثار الدوافع في الناس،
وتفتحت الهمم والاستعدادات، وهنا صار عمل الناس وحضورهم في الساحات سبباً لاستجلاب
الرحمة الإلهية. هذه نقطة عظيمة جداً، إن رحمة الله واسعة، ولكن ما لم يهيّئ
الإنسان وعاءه فإن أمطار الرحمة لن تنزل. لقد نزل شعبنا إلى الساحة، وجعل نفسه وسط
الميادين, فصار ذلك محلاً للرحمة والهداية الإلهية, فشملته الهداية الإلهية، وكذلك
الرحمة، وشرع بحركة لا تعرف التوقّف، الحركة نحو العزة والتقدّم وصناعة العزّة,
وبالطبع فقد كانت هذه الحركة سريعة أحياناً وبطيئة أحياناً أخرى، لكنها لم تتوقف
ولم تتعطل.
1- فاطر، 10.
2- المنافقون، 8.
3- النساء، 139.
4- الشعراء، 8-9.
5- الشعراء، 217.
6- الشعراء، 218-219.
7- الأنفال، 61.
8- الشعراء، 217.