يتم التحميل...

الثورة الإسلامية: إنجازات ومكتسبات

الثورة الإسلامية

الثورة الإسلامية : إنجازات ومكتسبات، ومستقبل واعد لا يخلو من عقبات وسلبيات

عدد الزوار: 99

من خطبة الإمام الخامنئي ــ دام ظله ــ ألأولى في صلاة الجمعة – طهران 3/2/2012م.

الثورة الإسلامية : إنجازات ومكتسبات، ومستقبل واعد لا يخلو من عقبات وسلبيات
 

العناوين الرئيسية
· عشرة الفجر : شجاعة وبصيرة وتضحية
· إنجازات ومكتسبات الثورة الإسلاميّة
· تقدم لا يخلو من عقبات وسلبيات
· نقاط القوة في الثورة
· الأخطار التي تعترض طريق الثورة
واجبات ومسؤوليّات للتغلّب على الأخطار

عشرة الفجر : شجاعة وبصيرة وتضحية
إنها أيام عشرة الفجر المباركة1. يجب علينا في هذه الأيام توجيه شكرين اثنين:

الأول: شكر الله. نعفّر جبهة الشكر على عتبة الله بكلّ خشوع وتواضع, أن وفّق شعب إيران للقيام بهذه الحركة العظيمة، وهذا العمل الكبير وهذه النهضة التاريخية على يديه وبقيادة الإمام الجليل، حيث تشكل النظام الإسلامي، وانطلقت مسيرة الشعب الإيراني إلى الله، ونحو الأهداف والقيم الإلهية. ما من نعمة أكبر من هذه، وشكر الله على هذه النعمة الكبرى أمرٌ واجب على الدوام، وهو أوجب في أيام عشرة الفجر.

والثاني: هو شكر شعب إيران، الذي أبدى وفاءً ومروءةً وتضحيةً وإيثاراً وشجاعةً

وبصيرةً، وحافظ على حضوره الدائم طوال هذه الأعوام الاثنين والثلاثين، بحيث ترسّخت هذه الغرسة يوماً بعد يوم رغم الأخطار والعقبات، وازدادت رونقاً وازدهاراً وطراوة. وهي اليوم كتلك الشجرة الطيبة التي (أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء) 2 قد تجذّرت في أرض الحياة البشرية وباتت تؤتي أُكُلها في كل حين.

بشرى إنتصار الثورات العربية
لعشرة الفجر في هذا العام - خصوصاً - طعم آخر، فنحن في أجواء الثورات المنتصرة في هذه المنطقة سواء في تونس أو في مصر أو في ليبيا حيث أثمرت التحرّكات الثورية للشعوب، وأُنجزت أعمالٌ كبيرة، وهذه بشارة كبرى لنا نحن الشعب الإيراني، وهي حدث مبارك وطيب. إنّنا وخلال إحيائنا لذكرى عشرة الفجر، والثاني والعشرين من بهمن (شباط) (ذكرى انتصار الثورة الإسلامية) في مثل هذه الأجواء؛ يجب القول إنّ الشعب الإيراني خرج من غربته بانتصار هذه الثورات بنحو نسبي، وسوف أذكر شيئاً عن هذا اليوم باختصار إن شاء الله.

في هذه الخطبة سوف أطرح على الإخوة والأخوات المصلّين الأعزاء وعلى الشعب الإيراني ثلاثة مواضيع رئيسة، وفي الخطبة الثانية سأتحدّث للإخوة العرب أكثر. أحد هذه الموضوعات الثلاثة حول ثورتنا والطريق الذي قطعناه خلال هذه العقود الثلاثة والمكتسبات التي حقّقناها والمستقبل الذي ينتظرنا. والموضوع الثاني إطلالة على قضايا المنطقة والعالم. والموضوع الثالث بعض النقاط المختصرة حول الانتخابات المقبلة.

حول الموضوع الأول هناك من الكلام ما يعادل كتباً. لكن ما سأذكره كخطوط أساسية لثورتنا جملتان أو ثلاث من هذا الكلام وشرحه طويل ومفصّل جداً.

إنجازات ومكتسبات الثورة الإسلاميّة
كانت لثورتنا هذه الخصوصيّات:
أ- لقد قضت على نظام مناهض للإسلام وجاءت بنظام إسلامي إلى الحكم.

ب- محقت نظاماً دكتاتورياً مستبدّاً، وأقامت نظام حكم شعبي بدلاً عنه.

ج- محت التبعية التي كانت بلادنا تعاني منها طوال سنين متمادية - حيث وصلت إلى أفجع وأفظع أحوالها في العهد البهلوي- ومنحت الشعب استقلالاً شاملاً.

د- قضت على القمع والتعسّف الرهيبين اللذين كانا مسلّطين على شعبنا، ومنحته الحرية ومكّنت أبناء الشعب من طرح آرائهم وكلامهم بحرية، وأضحت الأجواء أجواء حرية. وأزالت حالة الذلة والمهانة التاريخية التي عانى منها الشعب الإيراني، ومنحته العزّة الوطنية. لقد أُذلّ شعبنا لعشرات الأعوام. أُذلّ هذا الشعب الكبير- مع ما له من السوابق التاريخية وهذه الموروثات الثقافية والعلمية والتاريخية العظيمة - مقابل الحكام المتغطرسين الفاسدين، ومن وراءهم المستعمرين والمهيمنين الدوليين. لقد أزالت ثورتنا هذا الوضع وبدّلته إلى عزّة وطنية. والشعب الإيراني اليوم يشعر بعزته وشخصيته.

هـ- قضت الثورة على الضعف النفسي وعقدة الدونية لدى شعبنا، وأحلت محلها الثقة بالنفس الوطنية. لقد كان لدينا عقدة دونية، وكنا نتصور أننا لا نستطيع القيام بعمل علمي أو سياسي أو عسكري عظيم. كنا نعتقد أننا شعب ضعيف. هذا ما لقّنونا إياه وبثّوه فينا. وقد أخرجت الثورة هذه الحالة من الشعب وبدّلتها إلى ثقة بالذات الوطنية. لدينا حالياً ثقتنا بأنفسنا في كل الميادين، ونعلم أنّنا قادرون ونسير وراء هذه القدرة ونتابعها، ونصل والحمد لله إلى مقاصدنا في كل المجالات.

و- كان شعبنا معزولاً ومُعرِضاً عن الشؤون السياسية ولا يهتم لأحداث البلاد. وقد انتزعت الثورة هذه الحالة من شعبنا وجعلتنا شعباً واعياً وسياسياً. فشبابنا وناشئتنا - أينما كانوا في أقاصي البلاد - لديهم في الوقت الحاضر تحليلاتهم السياسية، وهم يدركون الأحداث السياسية، ويُحلّلون كل مسألة من المسائل. ولم يكن الحال كذلك قبل الثورة. كانت الاتجاهات السياسية ووعي القضايا السياسية حالة مقتصرة على عدد قليل جداً في البلاد. كان الناس - عموماً - بعيدون عن أحداث البلاد، تأتي الحكومات وتذهب، وتبرم المعاهدات الدولية، وتُنجِز أموراً وأعمالاً كبيرة في العالم، والشعب غير مطّلع عليها.

هذه هي الخطوط الأصلية لهذه الثورة التي أوجدت هذه الأحداث في هذا البلد. لقد تمأسست هذه الأصول وتكرّست مؤسساتياً وترسّخت. هذه ليست تحوّلات سطحية ومقطعية. شعارات الثورة اليوم هي نفسها شعارات اليوم الأول، وهذا مؤشّر على سلامة الثورة. فالشعارات بمثابة الإصبع الذي يشير إلى الأهداف ويرسمها. حينما تبقى الشعارات في نظام معيّن وثورة معينة وتترسّخ فمعنى ذلك أنّ الأهداف في ذلك النظام لا تزال نفسها الأهداف الأولى ولم تتغير، والمسؤولون والجماهير لم ينحرفوا عن الصراط المستقيم والأهداف الأصلية. إنّ شعارات الشعب الإيراني في الوقت الحاضر هي نفسها شعارات بدايات الثورة.

تقدم لا يخلو من عقبات وسلبيات
لقد كانت حياتنا خلال هذه المرحلة - الممتدة لنيّف وثلاثين سنة - متأثّرة بهذه الخطوط الأساسية. لقد حقّقنا تقدّماً وكانت لدينا نقاط ضعف ونواقص. يجب أن نعرف حالات التقدّم التي حققناها و كذلك علينا تشخيص مواطن ضعفنا, إذا تكتّمنا على نقاط ضعفنا ولم نعرفها وتجاهلناها فسوف تبقى وتتكرّس وتتجذّر ولن ترتفع. علينا معرفة كلّ نقاط القوة ونقاط الضعف.

توجد نقاط إيجابية ونقاط سلبية كذلك، وهناك صعود وهبوط، لكن المسيرة والحركة كانت مستمرة وهذا هو المهمّ. ليعلم شبابنا الأعزّاء أنّه طوال هذه الأعوام الاثنتي والثلاثين أو الثلاثة والثلاثين كانت هناك محطّات أبدينا فيها ضعفاً، وكان لهذه الحركة صعود وهبوط، ولم تكن دوماً على وتيرة واحدة، فقد كانت أحياناً سريعة وفي أحيان أخرى كانت أقلّ سرعة لكنّها لم تتوقّف أبداً، وقد تقدّمنا في الاتجاه الرئيس للمسيرة نفسه، ونشاهد اليوم ثمار ذلك.

نقاط القوة في الثورة
أذكر بعض نقاط القوة التي لدينا طوال هذه المدّة، وسأذكر أيضاً بعض نقاط الضعف:
أ- الانتصار على التحديّات
نقطة القوّة الأهمّ في هذه السنوات الاثنتي والثلاثين هي الانتصار على التحدّيات، وهذا الشيء على جانب كبير من الأهمية. لم نكن شعباً ننكّس رؤوسنا ونسير في طريقنا ولا أحد يهتم بنا. لا، فمنذ البداية كانت القوى العالمية المهيمنة تتربّص بنا، وعمدت إلى إيذائنا وعرقلة مسيرتنا، وقد فرضوا الحرب علينا، وأطلقوا صدّاماً علينا، وشغلونا لمدة ثمانية أعوام، وبعثوا لنا الإرهابيين، وفرضوا الحظر الاقتصادي. وقد تغلّبنا إلى الآن على كل هذه التحديات، فلم يُخضعنا أيّ تهديد، ولم يبعث شعبنا وثورتنا على الندم والاستسلام. لقد واصلنا طريقنا والحمد لله بهامات مرفوعة. هذه هي نقطة القوّة الأهمّ لدينا.

ب- تنامي الخدمات
ونقطة القوّة التالية التي توفّرت خلال هذه الفترة هي تنامي واتساع الخدمات المقدمة للشعب كمّاً وكيفاً. هذه الخدمات لا تقارن بالماضي القريب قبل الثورة ولا حتى بالماضي البعيد. الخدمات الهائلة التي انتشرت وتنامت في أنحاء البلاد كلّها كانت ذات نوعية وجودة عالية ومن الدرجة الأولى - الخدمات المادية والمعنوية - وكانت كمّيتها وسعتها أيضاً كبيرة جداً. هذه نقطة قوّة مهمّة.

ج- التقدّم العلمي
ونقطة القوّة الأخرى: التقدّم العلمي. يا أعزائي، لا تستهينوا بهذا التقدّم العلمي, هذا التقدم على جانب كبير من الأهمية. العلم هو أساس التقدم الشامل لأيّ بلد. سبق أن قرأت الحديث القائل: "العلم سلطان"3.. أي العلم اقتدار. كل من يتوفر لديه هذا الاقتدار يستطيع أن يبلغ كل مقاصده. وقد استطاع مستكبرو العالم - بفضل العلم الذي حازوا عليه - فرض قوتهم على كل العالم. ونحن طبعاً لن نميل إلى منطق القوّة أبداً، لكن العلم ضروري لنا بالتأكيد من أجل التقدّم.

تقدّمنا العلمي الذي أحرزناه طوال هذه الأعوام الثلاثين ونيف كان مذهلاً حقاً. والتقنية النووية بالمناسبة هي معروفة وقد جعلتنا محط أنظار الجميع في داخل البلاد وخارجها، لكن الأمر لا يقتصر عليها فقط، فهناك تقنية نووية، وهناك أيضاً علوم الفضاء والطيران، والعلوم الطبية - ولحسن الحظ إنّ بلادنا اليوم تحتل في الطبّ مراتب مهمة جداً وصعبة المنال، وقد أُنجزت أعمالٌ طبية كبيرة في هذا البلد - وهناك تقنيات الأحياء، وتقنيات النانو وهي من العلوم الحديثة في العالم، وهناك تقنيات الخلايا الجذعية وهي من أعظم الأعمال والإنجازات في ميدان العلم، وهناك الاستنساخ، وصناعة الحواسيب العملاقة، وتقنيات الأشكال الجديدة من الطاقة، والأدوية الراديوية والأدوية المضادة للسرطان، والقائمة متواصلة.

ما أذكره ليس من باب الارتجال، إنّما هي شهادات المراكز العلمية المعتبرة في العالم. هم يقولون إنّ أسرع نمو علمي في العالم كله حصل خلال هذه الأعوام كان في إيران. فتقرير عام 2011م يقول "إنّ أسرع نمو علمي في العالم كله حصل في إيران". وحسب التقارير التي أطلقتها المراكز العلمية المعتبرة في العالم، فإنّ إيران تحتل المرتبة العلمية الأولى في المنطقة. وكنّا قد حددنا لأنفسنا سنة 1404 هـ . ش. (2025 م)، كي نصل إلى هذه المرتبة العلمية الأولى، أي لا يزال أمامنا 14 عاماً. في العام الميلادي الماضي قالوا إنّ إيران هي الأولى في المنطقة من حيث المرتبة العلمية، والـ17 في العالم. أي إنّ المرتبة العلمية لبلادنا على مستوى العالم هي السابعة عشرة، وهذا شيء على جانب كبير من الأهمية، فتقدّمنا العلمي إذاً هو من نقاط قوتنا.

د- تأسيس البنى التحتية
من نقاط قوتنا الأخرى، تقدّم البلاد في تأسيس البنى التحتية، الفنية والمعمارية والصناعية, فكلما زارتنا وفود من خارج البلاد وشاهدت هذه الإنجازات،

أثنت عليها. أمّا الأعمال العظيمة التي أُنجزت على مستوى الاتصالات والطرق والمواصلات والبنى التحتية المختلفة الفنية والصناعية والمعمارية وأمثال ذلك، فهذه لها قصة أخرى مستقلة. وأنا في واقع الأمر آسف كثيراً، عندما أرى هذه التقارير الواضحة والوافية، وما ينبغي وما لا ينبغي، ولا يعرض ذلك على الشعب ليسرّ ويفرح، ويعلم أي حدث يجري في البلاد.

هـ- نقل قيم الثورة للأجيال المتعاقبة
ومن نقاط قوتنا خلال هذه المدة نقل قيم الثورة للجيلين الثاني والثالث. عندما تنظرون إلى الشباب ترون أنّهم تلقّوا هذه القيم وأدركوها. شهيدنا العزيز الأخير مصطفى أحمدي روشن - الشهيد الذي تركت شهادته لوعة وحرقة في قلوبنا - أو الشهيد الشاب الذي سبقه الشهيد رضائي نجاد الذي استشهد مطلع هذه السنة. كان هذان الشهيدان شابين عالمين في 32 من العمر، لم يدركا زمن الإمام الخميني، ولم يدركا زمن الحرب، ولم يدركا زمن الثورة، لكنّهما كانا يدرسان ويكسبان العلم ويقطعان المراحل والمراتب العلمية تباعاً بكل شجاعة وشهامة، وكانا على علم ووعي بأنّهما مُعرّضان للخطر والتهديد. هذا شيء مهم جداً وهو قيمة من القيم.. هذه هي قيم الثورة في الجيل الثالث. أحمدي روشن ورضائي نجاد وأمثالهما من الجيل الثالث للثورة. الخطوة العظيمة التي قام بها الشباب بعد استشهاد أحمدي روشن حيث أعلنوا عن استعدادهم للعمل خطوة مهمة جداً، ويجب عدم الاستهانة بهذا. من نقاط قوتنا ومن نقاطنا الإيجابية انتقال هذه القيم للجيلين الثاني والثالث. طبعاً كانت هناك بعض حالات التساقط، وكان هناك بعض التائبين من الثورة والنادمين عليها، لكن النماء عندنا كان أكثر من التساقط. القوى المهترئة تتساقط لكن القوى الشابة الطريّة تتصاعد وتنمو.

و- التأثير في قضايا المنطقة والعالم
نقطة أخرى من نقاطنا الإيجابية خلال هذه المدة القفزات الواسعة في التأثير في القضايا الأساسية في المنطقة والعالم. فنظام الجمهورية الإسلامية اليوم هو نظام بلد مؤثّر. "النعم" أو "اللا" التي يقولها في قضايا المنطقة وحتى في القضايا العالمية مؤثّرة. وهذا شيء مهم جداً للبلد.

ز- البنية القوية للنظام
من نقاط القوة الأخرى لدينا البنية القوية والمتينة للبلد والنظام في مواجهة الأعداء. نحن لا نضطرب مقابل العداء ولا نقلق ولا تتملّكنا الهموم. وإنّ بنية النظام والبلاد بنية متينة.

ح- ارتقاء مراكزنا العلمية
من نقاط القوّة الأخرى عندنا الارتقاء الكمّي والكيفي لمراكزنا العلمية، أي جامعاتنا وحوزاتنا العلمية. لقد ارتفع مستوى حوزاتنا العلمية من الناحية الكمّية ومن الناحية النوعية، وكذا الحال بالنسبة لجامعاتنا. هذه من نقاط قوتنا، وكل واحدة من هذه النقاط تتطلب شرحاً مطوّلاً، وثمة إحصائيات تدلّ عليها، وتوجد غيرها الكثير من نقاط القوّة.

تتمة لنقاط القوّة أُذكّر أنّه على الشعب الإيراني أن يتنبّه إلى أنّ كل هذا التقدم العلمي والاجتماعي والتقني تحقّق في ظروف الحظر والمقاطعة، وهذه مسألة على جانب كبير من الأهمية. لقد أغلقوا أبواب العلم وأبواب التقنية بوجهنا، وسدّوا الطرق، ولم يبيعونا المنتجات اللازمة، ومع ذلك تقدّمنا على هذا النحو. لقد حصلت هذه الأمور والتطورات في ظروف الحظر، وهذا ما يضاعف الآمال.

نقاط الضعف أو الأخطار التي تعترض طريقنا
ولدينا طبعاً نقاط ضعف، ويجب التغلّب على نقاط الضعف هذه وإزالتها. وسأعود لقضية الحظر والظروف التي فُرضت وأتطرّق لها بعض الشيء.

أمّا نقاط ضعفنا فهي الأخطار التي تعترض طريقنا، وكانت موجودة خلال هذه المدة وينبغي علينا بعد ذلك أن نتغلّب عليها:

أ- النزوع إلى الدنيا
نقطة ضعفنا الأولى هي النزوع إلى طلب الدنيا، حيث تتمكّن من بعضنا وتسيطر عليه. فطلب الدنيا والماديات أصاب بعضنا - نحن المسؤولين - وشيئاً فشيئاً سقط من قاموسنا قبح الميل للثروة والبذخ والتشريفات والعيش برفاهية والنزعة الارستقراطية. وحينما نصبح هكذا فإنّ هذه الحالة تتسرّب إلى الناس, فالميل للارستقراطية والبذخ وجمع الثروات، والتمتّع بها بشكل غير مشروع وغير مستساغ موجود لدى كثير من الناس بشكل طبيعي. لكن عندما نطلق العنان لأنفسنا ونصاب بهذه الآفات، فسوف تتطرق هذه الأحوال إلى الناس، وتظهر فيهم.

نحن نعاني اليوم، للأسف، من الإسراف والنزعة الاستهلاكية. لقد قلتُ هذا مراراً وأقوله مرّة أخرى، هذا خطر يعترض طريقنا. يجب التقليل من النزعة الاستهلاكية والحرص على الدنيا ومتاع الدنيا. ما إن تنتشر إشاعة بأنّ الشيء الفلاني قد ندر وشحّ حتى يهجم الناس لجمعه وامتلاكه خوفاً من أن يفقدوه، والحال أنّ ذلك الشيء قد لا يكون من الأشياء الضرورية في الحياة. وحتى لو لم تكن تلك البضاعة شحيحة فإنّ هجوم الناس عليها سيجعلها شحيحة، ونحن لا نتنبّه لهذه النقطة. هذه من مواضع ضعفنا، ويجب علينا رفع هذا النقص والضعف.

ب- الضعف على مستوى التزكية والأخلاق
من نقاط ضعفنا الأخرى أننا لم نحقق تقدماً أخلاقياً وتزكية أخلاقية ونفسية بموازاة العلم والتقدم العلمي، وهذا نوع من التخلف. طبعاً، الوضع اليوم أفضل بكثير مما كان عليه قبل الثورة - ولا ريب في هذا أبداً- لكن كان يجب علينا أن نتقدم. لقد تقدمنا في العلم وتقدّمنا في السياسة، وكان ينبغي لنا أن نتقدم في المعنوية وتزكية النفس. في القرآن الكريم أين ما ورد ذكر التزكية والتعليم عن لسان الخالق قدّم سبحانه التزكية على التعليم، والتعليم هنا هو تعليم الكتاب والحكمة،(وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)4 في موضع واحد فقط جرى تقديم التعليم على لسان إبراهيم. وهكذا فقد غفلنا عن التزكية الأخلاقية والنفسية.

ج- العدالة الاجتماعية
وعلى صعيد العدالة الاجتماعية لم نصل بعد إلى المستوى الذي يريده الإسلام وهو ما نطمح إليه بدورنا. هذه أيضاً من نقاط ضعفنا.

واجبات ومسؤوليّات في التغلّب على الأخطار
يجب علينا تلافي نقاط الضعف هذه. إنّها مواطن نقص وضعف لا يمكن تخطيها وعدم الاكتراث بها. على المسؤولين وكذلك على أبناء الشعب أن يشعروا أنّ من واجبهم تلافي هذه النواقص والسلبيات. يجب أن نطلب العون من الله تعالى ونتغلّب على هذه النواقص ونرفعها. ورفعها أمر ممكن طبعاً, إنّها سلبيات يمكن التغلّب عليها ومعالجتها.

أ- النظر للمستقبل وتحمّل المسؤولية
أعتقد أنّ الأعمال التي يجب أن نقوم بها للتغلّب على هذه السلبيات والنواقص هي بالدرجة الأولى النظر للمستقبل وتحمّل المسؤولية. علينا جميعاً أن نشعر بالمسؤولية، خصوصاً مسؤولو البلاد وخدمة الشعب يجب أن يشعروا بالمسؤولية، ويجب أن لا نلقي النواقص والتقصيرات على عاتق بعضنا. إذا ظهر نقص في موضع من المواضع يجب أن لا يقول مجلس الشورى إنّ الحكومة مقصّرة وتقول الحكومة إنّ مجلس الشورى مقصّر، ويقول ذاك إنّ السلطة القضائية مقصّرة. لا، الحدود واضحة. الدستور عيّن الخطوط والحدود.

وواجبات الجميع معلومة. للقيادة مسؤولياتها، وللحكومة مسؤولياتها، ولمجلس الشورى مسؤولياته، وللسلطة القضائية مسؤولياتها، ولقوات الشرطة مسؤولياتها، والأجهزة التنفيذية كل واحد منها له مسؤولياته، فلا نلقي اللوم على بعضنا. إذا ظهر إشكال يختصّ بالقيادة فعلى القيادة أن تتقبل الأمر بتواضع لأنّه يختص بها وتحاول رفعه. هذا من الأعمال والأمور الأساسية.

ب- عدم الغفلة عن القيم الأصولية
المهمّة الأصلية الأخرى هي أننا يجب أن لا نغفل عن القيم الأصولية (الأساسية)، ولا ننشغل بالقضايا الفرعية والهامشية، ونغفل عن الأصول. وهذه النقطة بدورها لها شرحها المفصّل.

ج- الحفاظ على الاتّحاد والتعاطف
ومن واجباتنا أيضاً الحفاظ على الاتحاد والتعاطف. قلنا مراراً إنّه لا بد من توفّر الاتحاد والتعاطف بين المسؤولين. السلطات الثلاث والآخرون يجب أن يكونوا متعاطفين ومتواكبين ومتعاضدين، حتى لو كان بينهم اختلاف في وجهات النظر في بعض المواطن. لا ضير في الاختلاف في وجهات النظر، ولكن يجب أن لا يقفوا ضد بعضهم في توجّهات النظام والبلاد والثورة، بل يشدّوا على أيدي بعضهم بقوة ويتقدّموا إلى الأمام، هذا ما يجب عليهم وعلى أبناء الشعب فيما بينهم وعلى أبناء الشعب في علاقتهم بالمسؤولين. هذا الاتحاد والتعاطف علاج حاسم لكثير من المشكلات الموجودة في البلاد.

د- عدم الانخداع بوعود العدو
من المهام الأصلية التي يجب أن ننهض بها وعلى الجميع التنبّه لها هو أن لا ننخدع بابتسامات العدو والوعود الكاذبة لجبهة الأعداء، ولدينا تجارب خلال هذه الأعوام الثلاثين، فقد ابتسموا لنا أحياناً، وفي البداية صدّقهم بعضنا، وشيئاً فشيئاً أدركنا ما الذي يجري وراء الستار. يجب أن لا ننخدع بابتسامات العدو ووعوده الكاذبة. بسهولة تامة تنكث جبهة القوى المادية المهيمنة على العالم اليوم عهودها. تنكث عهودها وأقوالها دون خجل أو همّ. لا يخجلون من الله، ولا من خلق الله، ولا من الجانب الذي يفاوضونه.. يكذبون بكل سهولة ! لدي نماذج حية ليس هنا موضع مناقشتها، وربما أذكرها إذا اقتضت الضرورة ونفس هذه التصريحات التي أطلقها الأمريكان ورئيس جمهورية أمريكا، والرسالة التي كتبها لنا، والجواب الذي بعثناه، ثم رد الفعل والخطوة التي قاموا بها مع مضمون هذه الرسائل. هذه أمور سوف تعرض يوماً ما على الرأي العام في العالم - يوم تستدعي الضرورة - وسيرى العالم ما هو حال هؤلاء وواقعهم، وكم هي أهمية كلامهم وقيمته، وكم هي قيمة وعودهم. إذاً، من مهماتنا الأساسية أن لا ننخدع بابتساماتهم ووعودهم الكاذبة.

هـ- اجتناب الكسل
ومن النقاط أيضاً اجتناب الكسل وقلّة العمل. الكسل والخمول وقلّة العمل تدمّر الإنسان، والعائلة، والبلد، والشعب. على الجميع أن يعملوا... يجب أن يعملوا عملاً جهادياً. حينما أعلنا هذا العام عاماً للجهاد الاقتصادي، فمعنى ذلك أن الحركة الاقتصادية يجب أن تكون حركة جهادية. هذا ما يتعلّق بقضايا الثورة والكلام كثير والوقت قليل، ويجب أن نطرح القضايا الأخرى.


1- الأيام العشرة الأولى التي سبقت إعلان انتصار الثورة الإسلامية في إيران 11/2/1979م.
2- إبراهيم، 24.
3- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج20، ص 319.
4- الجمعة، 2.
 

2017-02-24