التاسع عشر من شهر (دي) منعطف عظيم في تاريخ الثورة
الثورة الإسلامية
التاسع عشر من شهر (دي) منعطف عظيم في تاريخ الثورة
عدد الزوار: 83
من كلمة
الإمام الخامنئي مناسبة ذكرى انتفاضة أهالي قم المقدسة في 19 من شهر دي. الزمان:
19/10/1386هـ. ش ـ 29/12/1428هـ.ق ـ 9/1/2008م.
التاسع عشر من شهر (دي) منعطف عظيم في تاريخ الثورة
إنّ الحوادث التاريخية الكبرى هي في الحقيقة عوامل تقدم تاريخ الشعوب.
إنّ حادثة عاشوراء لم تستغرق أكثر من نصف يوم، ولكنها هزت التاريخ ومثلت فيه
منعطفاً كبيراً.
إنّ بعض الحوادث التاريخية الكبرى التي قد تنطوي على قدر عظيم من العمق والحكمة
والمثالية تترك بصماتها البارزة على حياة الشعوب لمدة طويلة ربما بلغت سنوات أو
بلغت قروناً عديدة.
إنّ الحضور الواسع للجماهير، والغضب الشعبي المقدس والثوري، والنضال الضاري ضد
النظام الطاغوتي الجائر والنفوذ الأجنبي المتغطرس، كان بحاجة الى حركة واعية تبلغ
بمسيرة الجهاد أوجها وذروتها المنشودة.
لقد قُدّر لكم أنتم يا أهالي قم القيام بهذه الحركة الضرورية في اليوم التاسع عشر
من شهر (دي)، فكان أن حدث هذا المنعطف التاريخية العظيم.
رضا خان يفرض السفور بالقوة في 17 من دي
إنّ ما سببه النظام الطاغوتي لهذا البلد ولهذا الشعب من آلام مضنية خلال
سنوات حكمه الأسود التي تنضح خزياً وعاراً، لمن الفصول التاريخية المريرة في
حياتنا.
إنّ ما حدث يوم السابع عشر من شهر دي أيام حكومة (رضاشاه) يمثل جانباً من تلك
الممارسات المفجعة.
لقد قرر أعداء الإسلام وإيران بدعم من مثقفي البلاط البهلوي آنذاك تجريد المرأة
الإيرانية من عفافها وحجابها والقضاء على تلك الطاقة الإيمانية العظيمة التي
اكتسبتها المرأة المسلمة بفضل عفتها وإبائها.
إنّ السفور كان من أمضّ الجرائم التي ارتكبها النظام الطاغوتي بحق المرأة المسلمة
الإيرانية ليجعلها تلحق بالمرأة الغربية فيما تعرضت له من كوارث وفجائع، محاولاً
بذلك إزاحة الستار الحائل بين الرجل والمرأة في الشريعة الإسلامية، والذي فرضه
الإسلام صيانة للمرأة والرجل والمجتمع على حد سواء.
لقد كان (رضاخان) هو الذي فرض السفور بالقوة الغاشمة في هذا البلد.
لقد أدى سقوط المرأة الغربية في مستنقع الفساد الى القضاء على الكيان العائلي.
إنّ تقدم المرأة في المجالات العلمية أو السياسية والاجتماعية لم يكن ليتم بنزع
الحجاب، بل إن ذلك كان ممكناً بالحفاظ عليه والتمسك به، وهو ما جربناه في النظام
الإسلامي.
إنّ التجرد من الحجاب لم يكن سوى مقدمة للتجرد من العفة والحياء في المجتمع
الإسلامي حتى يسيطر على الناس ذلك الدافع الجنسي المتأجج تاركين وراء ظهورهم آمالهم
الوطنية الكبرى، ومع أنهم سجلوا في ذلك بعض النجاح، إلا أن ما يتمتع به الشعب
الإيراني من إيمان عميق قضى على أحلامهم وحال دون استمرارهم في ذلك النجاح.
الشعب
الإيراني ينتفض في 19 دي ويقتحم ساحة المواجهة
لقد قاومت المرأة الإيرانية المسلمة تلك الضغوطات القمعية رغم ما عانته
من شدائد على مرّ الزمان، وواصلت مقاومتها بشتى الوسائل والأساليب، سواءٌ أكان ذلك
في عهد (رضاخان)، أو بعد زواله، أو طوال ما تبقى من حقبة الحكم الطاغوتي.
وعلى هذا النحو، فقد خرجت النساء المسلمات في مظاهرة حاشدة في مدينة مشهد يوم
السابع عشر من شهر دي عام 1356هـ.ش، رافعاتٍ شعار( الحفاظ على الحجاب).
وفي تلك الأثناء كنا نحن في المنفى، فتنامت الى أسماعنا أخبار تلك النهضة الواعية
التي قامت بها المرأة الإيرانية المسلمة بكل قوة وشجاعة. لقد كان ذلك طرفاً من
فجائع النظام الطاغوتي متمثلة في محاولة إبادة الأهداف الدينية، والقيم الأخلاقية،
والرخاء الاقتصادي، والكرامة الدولية. وخلاصة القول فإن تبديد الثروة الوطنية كان
من الجرائم التي ارتكبها ذلك النظام الطاغوتي المشؤوم.
ولكن الشعب الإيراني استيقظ قبل فوات الأوان، ملبياً نداء قائده العظيم ومقتحماً
ساحة المواجهة. لقد كان التاسع عشر من شهر دي تعبيراً عن مثل تلك اللحظة التاريخية
الحساسة، ولهذا فلابد وأن يبقى دائماً ماثلاً في الأذهان، وهذا ما حدث ومازال يحدث
حفاظاً على مشاعر الجماهير.
أهالي قم والوفاء للثورة والإسلام
لقد أثبت أهالي قم وفاءهم والتزامهم. ولربما كان هناك خلال تلك السنين
من نقضوا بيعتهم للثورة والإسلام والإمام، فكان ذلك خسارة لهم، أو بتعبير القرآن
الكريم {فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى
نَفْسِهِ} ، ولكن البعض الآخر ظل باقياً على وفائه والتزامه وإخلاصه،
فكانوا مصداقاً لقول الله تعالى:{ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا
عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} وهؤلاء هم
أغلبية أبناء شعبنا، فأبوا إلا الوفاء بالعهد، وبذلك نالوا الأجر الإلهي العظيم،
وحباهم الله الانتصار في الحرب المفروضة والتوفيق في كافة مجالات المواجهة مع القوى
العظمى، وأنعم عليهم بالعزة الوطنية والتقدم في شتى الحقول والأصعدة.
لقد أتخذ الشعب الإيراني خطوات واسعة على طريق بلوغ أهدافه المنشودة، ومازالت
القافلة منطلقة بخطى واثقة نحو الأمام. وهذا فيما يتعلق بالتاسع عشر من شهر دي.
الثورة الإسلامية صدى لنهضة الإمام الحسين (ع) وصورة عنها
إنّ البعد العاطفي لهذه المراسيم يترك أثره على مشاعر وأحاسيس الجماهير،
وأما البعد المعنوي العميق فإنه يرسخ الوعي لدى أرباب الفكر والبصيرة.
إنّ ثمة قولاً لأمير المؤمنين(عليه الصلاة والسلام) درجتُ على تكراره فيما مضى، وهو
(ألا لا يحمل هذا العَلَم إلا أهل البصر والصبر).
وهذا العَلَم هو عَلَم الإنسانية ولواء الإسلام والتوحيد، فلا يحمله إلا أهله، وإن
الإمام الحسين (عليه السلام) هو مظهر البصر والصبر.
لقد سار أتباع الإمام الحسين على ذلك الدرب، ثم قاموا بنهضة عظيمة عندما وجدوا
بينهم قائداً مقتدراً، وذلك بعد قرون طويلة من الثورة الحسينية.
إنّ الثورة الإسلامية حدث عظيم وتاريخ مجيد. ولأننا مازلنا نعيش أحداث هذه الثورة،
فإن كافة أبعادها العظيمة لم تتضح أمامنا بعد، ولسوف تكون أشد وضوحاً أمام الأجيال
القادمة.
لقد انبثق نظاماً للحكم على حين غرة في نقطة جغرافية حساسة من العالم، في دنيا
تُوظَّف فيها الأموال والثروات والسلطات والسياسات وغيرها للعمل ضد القيم الإنسانية
والدينية، ونهض شعب حر يأخذ بيده لواء القيم ويستعيد المثل الإنسانية ويرفع نداء
التوحيد، فكانت المعجزة، وإنها لمعجزة زماننا؛ ولكنهم لم يلبثوا أن انقضوا عليه،
وتحركت قوى الطاغوت كباراً وصغاراً بكل ما لديهم من قوة وعتاد، فلم يَهُن ولم يضعف،
بل ألحق الهزيمة بالكثيرين منهم، وجعلهم يتقهقرون وهم يجرّون أذيال الخزى والعار،
وها نحن الآن نشاهد علائم تراجع الاستكبار وانسحابه، بينما أحرز الشعب الإيراني
الانتصار في هذا الصراع.