التفسير
مقدمات في التفسير
قال الراغب: الفسر والسفر متقاربا المعنى كتقارب لفظيهما, لكن جعل الفسر لاظهارالمعنى المعقول، والسفر لابراز الاعيان للابصار يقال: سفرت المراة عن وجهها واسفرت واسفر الصبح، وقال تعالى: وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا اي بيانا وتفصيلا.
عدد الزوار: 185
التعريف بالتفسير. التفسير من فسر, بمعنى ابان وكشف.
قال الراغب: الفسر والسفر متقاربا المعنى كتقارب لفظيهما, لكن جعل الفسر لاظهارالمعنى المعقول، والسفر لابراز الاعيان للابصار يقال: سفرت المراة عن وجهها واسفرت واسفر الصبح، وقال تعالى: ﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾1 اي بيانا وتفصيلا2.
واصطلحوا على ان التفسير هو: ازاحة الابهام عن اللفظ المشكل، اي المشكل في افادة المعنى المقصود.
وكانت صياغته من باب "التفعيل" نظرا للمبالغة في محاولة استنباط المعنى، كما في كشف واكتشف، فان في الثاني افادة زيادة المحاولة في الكشف، فكان اخص من المجرد, وذلك بنا على ان زيادة المباني تدل على زيادة المعاني.
فالتفسير ليس مجرد كشف القناع عن اللفظ المشكل، بل هومحاولة ازالة الخفا في دلالة الكلام، فلا بد ان يكون هناك ابهام في وجه اللفظ, بحيث ستر وجه المعنى، ويحتاج الى محاولة واجتهاد بالغ حتى يزول الخفا ويرتفع الاشكال.
وهذا هوالفارق بين التفسير والترجمة، لانها حيث كان الجهل باللغة وعدم معرفة الوضع الذي يرتفع بمراجعة كتب اللغة المعروفة، وليس في ذلك كثير جهد وعناء.
الحاجة الى التفسير
ما وجه الحاجة الى تفسير القرآن، وقد انزله اللّه نورا وهدى وبصائر للناس وتبيانا لكل شي، 3 كما انه جاء ليكون بنفسه احسن تفسيرا4، فهل هناك حاجة الى تفسير؟.
نعم انزل اللّه الكتاب ليكون بذاته بيانا للناس عامة وتفصيلا لكل شي، 5 غير ان بواعث الابهام امر عارض، ولعله كان من طبيعة البيان القرآني، جاء تشريعا للاصول والمباني، واجمل في البيان ايكالا الى تبيين النبى صلى الله عليه وآله وسلم ليبين للناس تفاصيل ما نزل اليهم6.
قال الامام الصادق عليه السلام: (ان رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم نزلت عليه الصلاة ولم يسم لهم ثلاثا ولا اربعا, حتى كان رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي فسر لهم ذلك)7.
هذا جانب من الاجمال (الابهام) الحاصل في وجه لفيف من آيات الاحكام، ولعله طبيعي في مثل البيان القرآني، كما نبهنا.
وجانب آخر اهم: احتوىالقرآن على معان دقيقة ومفاهيم رقيقة، تنبؤك عن كمون الخليقة واسرار الوجود,هي تعاليم وحكم راقية جاء بها القرآن، وكانت فوق مستوى البشرية آنذاك، ليقوم النبى صلى الله عليه وآله وسلم بتبيينها وشرح تفاصيلها, وكذا صحابته العلماء ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾8.
وذلك في مثل صفاته تعالى الجلال والجمال، ومعرفة وجود الانسان، وسر خلقته، ومقدار تصرفه في الحياة، والهدف من الخلق والايجاد، ومسائل المبدأ والمعاد.
كل ذلك جاء في القرآن في اشارات عابرة، وفي الفاظ وتعابير كنائية، واستعارة ومجاز، فكان حلها والكشف عن معانيها بحاجة الى فقه ودراسة وتدبر، وامعان نظر وتفكير وايضا فان في القرآن الماعات الى حوادث غابرة وامم خالية، جاء ذكرها لاجل العظة والاعتبار، الى جنب عادات جاهلية كانت معاصرة، عارضها وشدد النكير عليها، في مثل مسألة النسي، وانها زيادة في الكفر،9 ونهيه عن دخول البيوت من ظهورها10 ونحوذلك، فاستنكرها عليهم وعنفهم عليها حتى ابادها، وقطع من جذورها فلم يبق منها سوى اشارات عابرة، لولا الوقوف عليها، لما امكن فهم معاني تلكم الايات.
كما تعرض لأمور اتى عليها من وجه كليها واهمل جانب تعيينها، فجاءت مجملة هي بحاجة الى شرح وبيان،في مثل الدابة التي تخرج من الارض فتكلم الناس، 11 والبرهان الذي عصم يوسف من ارتكاب الاثم12.
هذا مضافا الى غرائب اللغة التي جاءت في القرآن, وان كان صعبا فهمها على عامة الناس، لولا الشرح والبيان.
قال الراغب: فالتفسير اما ان يستعمل في غريب الالفاظ، نحو "البحيرة" و"السائبة" و"الوصيلة" اوفي وجيزكلام يبين ويشرح، كقوله: ﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ﴾13 او في كلام مضمن بقصة لا يمكن تصوره الا بمعرفتها, نحو قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ﴾14 وقوله: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا﴾15.
قال الامام بدر الدين الزركشي: التفسير علم يعرف به فهم كتاب اللّه، وبيان معانيه، واستخراج احكامه وحكمه، وان اللّه انما خاطب خلقه بما يفهمونه، ولذلك ارسل كل رسول بلسان قومه، وانزل كتابه على لغتهم.
والقرآن انما انزل بلسان عربى مبين في زمن افصح العرب، وكانوا يعلمون ظواهره واحكامه، وانما احتيج الى التفسير, لما فيه من دقائق باطنة لا تظهر الا بعد البحث والنظر, مع سؤال النبى صلى الله عليه وآله وسلم عنها في الاكثر، كسؤالهم لما نزل: ﴿وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ﴾16، فقالوا: اينا لم يظلم نفسه! ففسره النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالشرك، واستدل بقوله تعالى: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾17، وكسؤال عائشة عن الحساب اليسير18، فقال: "ذلك العرض، ومن نوقش الحساب عذب"19، وكقصة عدي بن حاتم في الخيط الذي وضعه تحت راسه، 20 وغير ذلك مما سالوه عن آحاد منه.
قال: ولم ينقل الينا عنهم تفسير القرآن وتأويله بجملته، فنحن نحتاج الى ما كانوا يحتاجون اليه وزيادة،لقصورنا عن مدارك احكام اللغة بغير تعلم، فنحن اشد الناس احتياجا الى التفسير.
قال: ومعلوم ان تفسير القرآن يكون بعضه من قبيل بسط الالفاظ الوجيزة وكشف معانيها، وبعضه من قبيل ترجيح بعض الاحتمالات على بعض، لبلاغته ولطف معانيه، ولهذا لا يستغنى عن قانون عام يعول في تفسيره عليه، ويرجع في تفسيره اليه، من معرفة مفردات الفاظه ومركباتها، وسياقه، وظاهره وباطنه، وغير ذلك ممالا يدخل تحت الوهم، ويدق عنه الفهم.
بين اقداحهم حديث قصير هو سحر, وما سواه كلام.
وفي هذا تتفاوت الاذهان، وتتسابق في النظر اليه مسابقة الرهان فمن سابق بفهمه، وراشق كبد الرمية بسهمه،وآخر رمى فاشوى21 وخبط في النظر خبط عشوا, كما قيل: واين الرقيق من الركيك، واين الزلال من الزعاق22.
*التفسير والمفسرون في ثويه القشيب، الشيخ محمد هادي معرفة، من منشورات الجامعة الرضوية للعلوم الإسامية، ط1، ص13-18.
1- الفرقان:33.
2- ذكر ذلك في مقدمته للتفسير, ص 47.
3- قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا﴾النساء:174. ﴿هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ﴾آل عمران:138. ﴿هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ﴾الجاثية:20. ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾النحل:89.
4- ﴿وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾الفرقان:33, اي احسن بيانا وتوضيحا.
5- ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً﴾الانعام:114,﴿وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾يونس:37.
6- ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾النحل:44.
7- الكافي الشريف، ج1، ص 286.
8- الجمعة:2.
9- التوبة:37.
10- البقرة:189.
11- النمل:82.
12- يوسف:24.
13- المائدة:103 قال الراغب: البحيرة هي الناقة اذا ولدت عشرة ابطن، شقوا اذنها وتركوها,فلا تركب ولايحمل عليها والسائبة، اذا ولدت خمسة ابطن، تسيبت في المرعى، فلا تردعن حوض ولا كلا والوصيلة، اذا ولدت الشاة توامين ذكرا وانثى، فلا يذبح الذكر, ويقال:وصلت اخاها, فيتركونه لاجلها والحام: الفحل اذا ضرب عشرة ابطن، كان يقال: حمي ظهره فلا يركب.
14- التوبة:37.
15- البقرة:189 راجع: مقدمته للتفسير ص 47 ـ 48.
16- الانعام:82.
17- لقمان:13.
18- في قوله تعالى: ﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴾الانشقاق:7 ـ8.
19- تفسير الطبري، ج30، ص 74.
20- تفسير الطبري، ج2، ص100.
21- يقال: اشوى الرجل، اذا اصاب شواه، ولم يصب مقتله والشوى: قحف الراس وجلدته واشوى السهم: اخطا الغرض.
22- البرهان في علوم القرآن، ج1، ص 13 ـ 15 والزعاق: الماءالمر, لايطاق شربه.