عدالة القانون دونه عقبات يمكن تخطيها فقط مع قضاء مستقل
الحكومة الإسلامية
من كلمة الإمام الخامنئي في لقاء رئيس ومسؤولي السلطة القضائية 28/06/2009
عدد الزوار: 161
من كلمة
الإمام الخامنئي في لقاء رئيس ومسؤولي السلطة القضائية 28/06/2009
عدالة القانون دونه عقبات يمكن تخطيها فقط مع قضاء مستقل
عدالة السلطة القضائيّة: العمل بالقانون
المهم، فيما يتعلّق بالسلطة القضائيّة هو أن نرى لماذا نريد هذه السلطة
1 فنقوم بالعمل على ذلك الشيء؛ ينبغي لجميع الأعمال أن تصبَّ بهذا الاتّجاه.
السلطة القضائيّة إنّما هي من أجل العدل والعدالة. وإنّ معيار العدل ومؤشّره هو
العمل بالقانون. إذا تطابق عمل الفرد أو الجماعة مع القانون كان ذلك عدلًا، وإذا
انحرف العمل عن القانون لم يكن عدلًا. والقانون في النظام الإسلامي هو أيضًا قانون
إسلامي. طبعًا قد يكون في منظومتنا القانونيّة بعض القوانين التي لا تتطابق مع
أحكام الإسلام مئة بالمئة، أو بعض القوانين المتبقيّة من العهد الماضي، أو قوانين
أخرى؛ هذه يجب إصلاحها. المعيار هو أن تجري الأعمال طبقًا للقانون؛ هنا يتحّقق
العدل.
البنى التحتية المناسبة ضرورية لتحقيق العدالة
طبعًا ليس من السهل الوصول إلى العدالة في السلطة القضائيّة. والبنى
التحتيّة التي أشار لها السيّد شاهرودي؛ كلّها ضروريّة ولازمة. رسم السياسات – حيث
إنّ رسم السياسات بحد ذاته هو بنية تحتيّة برمجيّة مرنة [سوفتوير]. وإنّ اختيار
السياسات الجيّدة، والأنظمة الصلبة [هاردوير] التي استُحدثت في السلطة القضائيّة أو
بدأ استحداثها كلّها ضروريّة ولازمة. بمعنى أنّ العدالة في منظومة كبيرة كالسلطة
القضائيّة التي يراد منها على مستوى القطاع القضائي إدارة بلد يعدّ سبعون مليون
نسمة حيث لا يمكن تحقيقها بالمجاملات والكلام، ممّا يحتاج إلى هذه المقدّمات والبنى
التحتيّة. إذًا، ما تمّ إنجازه من هذه البنى التحتيّة- سواء البرمجة الناعمة منها
أم الصلبة- قيّم ويجب معرفة قدره. وسوف تستمرّ هذه السياسات بهذا الشكل الصحيح إن
شاء الله. والواقع أنّه من الضروري أن أتقدّم بالشكر إلى شخصه وأيضًا -كما أشار هو
نفسه- إلى المسؤولين الكبار في السلطة القضائيّة وفي أقسامها المختلفة حيث بذلوا
جهودًا كبيرة جديرة بالتقدير.
... لكن ضمان تحقيقها يتوقف على المؤمن الحازم
لكن النقطة المهمّة هي أنّه بالرغم من أنّ تأمين العدالة العامة
والشاملة منوط بهذه البنى التحتيّة، فإنّ وجود هذه البنى لا يعني بالضرورة استقرار
العدالة. قد تتوفّر لدينا هذه الأمور من دون أن تتوفّر العدالة؛ هذا ما ينبغي الحذر
منه. ما يضمن العدالة هو الإنسان المؤمن الحازم العازم ذو الإرادة والخائف من الله.
الذي يخاف الله ولا يخاف أحدًا سواه. ?فلا تخشوا الناس واخشون?2؛ هذا ما
يقوله الله تعالى في القرآن. إذا كان هذا يمكن عندئذ بواسطة هذه الأجهزة المتنوّعة
والعصريّة والجيّدة بلوغ العدالة بنحو تام. وإذا لم تكن مثل هذه الإرادة أو كانت
ضعيفة أصابها الخلل، فإنّ أيًا من هذه الأجهزة لن تضمن العدالة بشكلٍ تلقائي بل قد
تكون أحيانًا أرضيّةً لانعدام العدالة. هذا هو أساس القضيّة.
تطبيق العدالة طريق يعترضه عقبات كأداء
النقطة الأساسيّة التي أقولها لكم أنتم مسؤولي السلطة القضائيّة
المحترمين في هذه اللقاءات السنويّة وفي لقاءات أخرى خاصة مع أقسام أخرى من السلطة
القضائيّة هي: يجب علينا أن ننظر لنرى هل أنّ حصيلة أعمالنا هي العدالة أم لا. إذا
كانت [النتيجة] هي العدالة فسنكون عندها مرفوعي الرؤوس أمام الله وأمام أنفسنا
وأمام الناس. أي إنّنا حينما نطبّق العدالة، صحيح أنّ شخصًا سيفرح لحكمنا وسيسخط
شخص آخر.ذا هو الحال حتمًا، حينما يصدر الإنسان حكمًا، فسيفرح طرف وسيسخط الطرف
الآخر.ولكن حتى الطرف الساخط سيكون راض في قرارة قلبه. وإذا لم نعمل بالعدالة فحتى
الطرف الذي كان حكمنا لصالحه سيفقد إيمانه القلبي بنا وسينظر إلينا نظرة استهزاء،
وسيضحك علينا في قرارة نفسه؛ هذه هي المسألة الأساسيّة.
ينبغي أن تتركّز كافّة المساعي على هذا الشيء. والعدالة من الأمور التي قيل فيها
"الحق أوسع الأشياء في التواصف وأضيقها في التناصف"
. التحدّث به سهل والالتزام به صعب، بل صعب جدًا. يواجه الإنسان عقبات كأداء،
وإذا لم يكن ثمّة عزيمة راسخة وتوكّل على الله فسوف يعجز الإنسان عن مواصلة الطريق.
هذا ما ينبغي بثّه دومًا في السلطة القضائيّة؛ ينبغي بثّ هذه الروح وإفشائها في كلّ
مفاصل السلطة القضائيّة ومواقعها باستمرار؛ وهي أنّ واجبنا هو التناصف وتحقيق
العدل.
والحالة الأصعب من العدل حينما يكون الطرف المقابل للعدل هم الأقوياء. فلا يخضعون
ويفرضون منطق القوة وتكون لهم توقّعات [وآمال]؛ هنا ينبغي الصمود والثبات. هذه هي
ميزة القاضي واستقلاله: أن لا يأخذ بعين الاعتبار في مثل هذه الأحوال سوى الله ونص
القانون. إذا كان القانون ملاك العمل في جميع القضايا الفرديّة والاجتماعيّة فسوف
يتمّ تأمين العدالة.
لا تجعلوا الجماهير بعضهم في مواجهة بعض
وحول هذه القضايا الأخيرة قلت إنّني أعارض أن نقسِّم أبناء بلدنا
وجماهيرنا العزيزة إلى قسمين ونضع جماعة في مواجهة جماعة. ليست القضيّة على هذه
الشاكلة. ليست أذواق الناس وتصوّراتهم ونظراتهم واحدة في كثير من الأمور. لكن هذا
لا يعني الاحتكاك والتزاحم والتعارض والعراك. يجب أن لا نحرّض جماهيرنا على
الاشتباك فيما بينها. إنّني أنصح الجانبين: لا تثيروا مشاعر الشباب، ولا تجعلوا
الجماهير بعضهم في مواجهة بعض. الشعب متّحد ولديه إيمان، وله علاقاته الطيبة الحسنة
بالنظام. ومؤشّر هذه العلاقات الحسنة: المشاركة في الانتخابات. لو لم يكونوا
متفائلين آملين، وحسني الظن، ولو لم تكن لديهم الثقة لما جاءوا للمشاركة في
الانتخابات. إذًا، ليس للشعب أيّة مشكلة مع نظامه. ينبغي عدم تقسيم هذا الشعب إلى
جزأين وتحريض جزء على آخر.
هنا أيضًا يوجد معيار قانوني لحلّ القضايا وفصلها. إذا لم يحكم القانون فإنّ ما
سينـزل بالجميع نتيجة غياب القانون لَأشدّ مرارة بكثير ممّا قد يسبّبه تطبيق
القانون من مرارة لدى البعض: "ومن ضاق عليه العدل فالجور
عليه أضيق" 3. العدل هو مراعاة القانون. إذا شعرنا بالضيق من
مراعاة القانون ولم نشأ الخضوع له فإنّ ما سينـزل بنا نتيجة اللاقانون أسوأ وأصعب
مراتٍ من مرارة الصبر على القانون. هذا ما يجب أن يلتفت إليه الجميع.
شعبنا بتوفيق من الله وهدايته وبعونه شعب مؤمن واع وحاضر في الساحة ومستعدّ للعمل
أينما اقتضت الضرورة؛ علينا نحن إصلاح أنفسنا. على النخب والخواص السياسيّين
التدقيق في سلوكهم ومواقفهم وكلامهم. هذا خطاب لكلّ النخب وليس لطرف أو تيّار
محدّد. على الجميع مراعاة الدقّة والحذر، وعلى الكلّ أن يعلموا أنّ هذا الشعب شعب
متلاحم ولا جدوى من تحريض مشاعر هذا الطرف على ذاك أو إثارة مشاعر ذاك الطرف ضدّ
هذا. حينما تكونوا متحّدين ومتعاطفين وعندما تشعروا بالثقة ببلادكم ونظامكم وتبرزوا
هذه الثقة، حينئذ لن تؤثر وساوس الخنّاسين الدوليّين والساسة الظالمين المتدخّلين
[في شؤون غيرهم] البعيدين عن الإنسانيّة.
1- ما هي غاية ومقاصد هذه
السلطة.
2- سورة المائدة؛ الآية 44.
3- نهج البلاغة- خطبة 216