يتم التحميل...

قضية الغدير قضية كل المسلمين؛ قضية صفة الحكومة والحاكم في الإسلام

الحكومة الإسلامية

من كلمة الإمام الخامنئي بمناسبة: عيد الغدير في 110 آلاف تعبوي 25-11-2010

عدد الزوار: 42

من كلمة الإمام الخامنئي بمناسبة: عيد الغدير في 110 آلاف تعبوي 25-11-2010
قضية الغدير قضية كل المسلمين؛ قضية صفة الحكومة والحاكم في الإسلام

الرسول ألأكرم ينصب عليا خليفة له في ولاية أمور المسلمين
مع أن عيد الغدير من خصائص فرقة الشيعة الإمامية لكن لهذا الحدث مفهوماً ومحتوى ومضموناً واسعاً يجعله مستوعباً لكل المسلمين، بل حسب الإيضاح الذي سأذكره فهو لكل المخلصين والمتشوقين لسعادة الإنسان وتحسين حاله.

نحن الشيعة لدينا هذا الاعتقاد الراسخ بشأن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وهو اعتقاد متقن لا سبيل للشك فيه، ونعتبر الحديث المتواتر - أي حديث يوم الغدير - الذي رواه كل محدثي الإسلام الكبار من شيعة وسنة سنداً وركيزة لهذا الاعتقاد المتقن.

عيّن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في يوم حار وفي منطقة حساسة ومقابل أعين الناس علي بن أبي طالب عليه السلام إماماً للمسلمين من بعده وولياً لأمور الإسلام وقدمه وعرفه للناس: "من كنت مولاه فهذا علي مولاه"1. وهذا عطف على آيات عديدة تثبت ولاية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من قبل الله تعالى (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ)2 وآيات عديدة أخرى. يقول: "من كنت مولاه فهذا علي مولاه". أيّ معنى للولاية يختص بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم ينسحب على أمير المؤمنين عليه السلام بهذا التنصيب والتعريف الذي قام به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

هذا دليل متين وموثق ولا سبيل للشك فيه. وقد ناقش كبار العلماء هذه المسألة. وليس من اللازم أن ندخل في بحوث عقدية، فهذا أمر محرز.

كان تنصيبا إلهيا لم يشكك به أحد
كان جميع الناس قد خبروا علي بن أبي طالب عليه السلام في ذلك اليوم عن كثب، ولم يشكك أحد في تنصيب أمير المؤمنين عليه السلام. وكان واضحاً أن هذا الرجل المضحي المخلص ذا المرتبة العليا في الإيمان والتقوى جدير بمثل هذه الحظوة من قبل الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ومن قبل الله تعالى في الواقع. لم يكن تنصيب الإمام علي عليه السلام تنصيباً نبوياً، بل تنصيباً إلهياً. كان هذا شأن الله الذي أبلغه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم للناس.

يوم دخل أمير المؤمنين عليه السلام المدينة مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كان شاباً في الثالثة والعشرين من عمره.

وليقارن الشباب ممن هم في سن الثالثة والعشرين سلوكهم بذلك الشاب الممتاز على امتداد تاريخ البشرية. نفس هذا الشاب أضحى نجم معركة بدر وبطلها. وهو الذي تألق في معركة أحد إلى درجة علم معها كل المسلمين بعظمة ما قام به. وهو نفسه الشاب الذي وقف إلى جانب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الامتحانات المختلفة، وفي غزوات الرسول، وفي الصمود بوجه ضغوط جبهة الكفر والاستكبار يومذاك. وهو الشاب الذي لم يرغب في الدنيا. يوم نصبه الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم -وكان وقتها شاباً- كان له في أعين المسلمين عظمة لا يمكن لأحد إنكارها. ولم ينكرها أحد لا في ذلك الوقت ولا في الأزمنة اللاحقة.

لم تكن حادثة الغدير مجرد نصب خليفة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فللغدير جانبان: أحدهما يتعلق بنصب الخليفة، والجانب الثاني هو الإلفات إلى قضية الإمامة. الإمامة بالمعنى الذي يفهمه كل المسلمين من هذه الكلمة ومن هذا العنوان.

خلافة الرسول هي إمامة المجتمع وقيادته دينيا ودنيويا
الإمامة بمعنى قيادة الناس والمجتمع في أمور الدين والدنيا. هذه من القضايا الرئيسة على امتداد تاريخ الإنسانية الطويل. ليست قضية الإمامة قضية خاصة بالمسلمين أو الشيعة.

الإمامة معناها أن يحكم فرد أو جماعة المجتمع، ويرسمون اتجاه مسيرته في أمور الدنيا والشؤون الروحية والمعنوية والأخروية. هذه قضية عامة تشمل كافة المجتمعات البشرية.

الأئمة صنفان:
أ ــ أئمة يهدون إلى الجنة
هذا الإمام يمكن أن يكون على حالتين: إمام يقول عنه الله تعالى في القرآن الكريم: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)3.

هذه إمامة تهدي الناس بأمر الله وتأخذ بأيديهم لتجتاز بهم الأخطار والمهالك والمزالق والهاويات، وتوصلهم إلى الهدف المنشود من الحياة الدنيوية للإنسان، والذي خلق الله هذه الحياة ومنحها للإنسان للوصول إليه. هذا شكل من أشكال الإمامة مصداقها الأنبياء الإلهيون والرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وقد جمع الإمام الباقر عليه السلام الناس في منى وقال: "إن رسول الله كان هو الإمام". الإمام الأول هو الرسول صلى الله عليه وآله وسلم نفسه.

الأنبياء الإلهيون وأوصياء الأنبياء والمصطفون من الناس هم من الفئة الأولى من الأئمة، ومهمتهم الهداية، حيث يهديهم الله تعالى وينقلون هذه الهداية إلى الناس: (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ). أفعالهم أفعال حسنة.. (وَإِقَامَ الصَّلَاةِ)، والصلاة رمز ارتباط الإنسان واتصاله بالله.

(وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ). وهم عبيد لله ككل البشر الذين هم عبيد لله، وعزتهم الدنيوية لا تنال إطلاقاً من عبوديتهم لله أو من مشاعر العبودية لله في قلوبهم وكيانهم.. هذه فئة.

ب ــ أئمة يهدون إلى النار
والفئة الأخرى: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ)4، وهو ما ورد في القرآن الكريم بخصوص فرعون. فرعون أيضاً إمام. بنفس المعنى الذي استُخدمت فيه كلمة إمام في الآية الأولى استُخدمت هنا أيضاً كلمة إمام. أي إن دنيا الناس ودينهم وآخرتهم -أجسام الناس وأرواحهم- في قبضة هؤلاء الأئمة، لكنهم (يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ). يدعونهم إلى الهلاك.

· الحكومات العلمانية مصاق للنوع الثاني من الأئمة
حتى أكثر حكومات العالم علمانية - وعلى الرغم مما تدعيه سواء علمت بذلك أم لم تعلم - تمسك في قبضتها بدنيا الناس وآخرتهم. هذه الأجهزة الثقافية الهائلة التي تأخذ أجيال الشباب اليوم في مختلف أصقاع العالم نحو سوء الأخلاق والفساد والضياع هم الأئمة الذين (يَدْعُون إِلى النّارِ).

الأجهزة المقتدرة التي تأخذ الناس إلى النار من أجل مصالحها، ومن أجل سيادتها الظالمة، ومن أجل أن تصل إلى أهدافها السياسية المختلفة، ودنيا الناس في أيديهم وآخرة الناس أيضاً في أيديهم، أي إن أجسام الناس وأرواحهم في أيديهم.

الادعاء القائل إن الكنيسة في المسيحية تعنى بالآخرة والسلطة تعنى بالدنيا ادعاء فيه مغالطة. حينما تقع السلطة بيد أناس غرباء على الدين والأخلاق فسوف تكون الكنيسة أيضاً في خدمتهم، وتقع القيم الروحية والمعنوية أيضاً في قبضة اقتدارهم وتتبدد وتُسحق.

ستكون أجسام البشر وأرواحهم تحت تأثير سلطتهم. هذه هي حالة الإنسانية دائماً.

الإسلام دين ودولة
المجتمع إما أن يكون تحت إشراف وإدارة إمام عادل -منصّب من قبل الله وهادٍ إلى الخيرات والحق- أو في قبضة أناس غرباء على الحق وغير عارفين به وفي حالات عديدة معاندين للحق، لأن الحق لا يتصالح مع مصالحهم الشخصية والمادية. إذن، هي إحدى حالتين ولا تخرج الحال عنهما.

لقد أثبت الإسلام بتأسيسه نظام حكم في المدينة وتأسيس المجتمع المدني النبوي أنه ليس مجرد نصيحة وموعظة ودعوة لسانية. إنما يروم الإسلام لحقائق الأحكام الإلهية أن تتحقق في المجتمع، وهذا غير متاح من دون تأسيس سلطة إلهية.

وبعد ذلك، عيّن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في نهاية عمره المبارك بأمر من الله وبإلهام من الله الشخص الذي يليه.

طبعاً سار التاريخ الإسلامي في مسار آخر، لكن هذا هو ما أراده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والإسلام. كانت هذه أطروحة بقيت في التاريخ.

يجب أن لا نتصور أن فكرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد فشلت، لا، لم تفشل، لكنها لم تتحقق في تلك البرهة الزمنية، وبقي هذا الخط المميز في المجتمع الإسلامي والتاريخ الإسلامي. وتلاحظون نتائجه اليوم في هذا الجزء من العالم الإسلامي، وسوف يزداد هذا النموذج وهذا الخط الساطع انتشاراً في العالم الإسلامي يوماً بعد يوم بفضل من الله وحوله وقوته. هذا هو مضمون الغدير.

قضية الغدير قضية كل المسلمين
إذن، قضية الغدير ليست قضية الشيعة فقط إنما هي قضية المسلمين، بل قضية كل البشر. الذين يفكرون سيتضح لهم أن هذا الخط النيّر خط لكل البشر. ولا سبيل سوى هذا. إذا كانت السلطة في المجتمعات البشرية بيد ذوي الصفات الشيطانية فسوف يسير العالم نحو المحطات التي تشاهدون اليوم مظاهرها في العالم الحديث.

كلما ازداد العالم حداثة كلما ازداد خطرُ مثل هذه الحكومات. طبعاً كلما تطور العالم من الناحية العلمية والمعرفية أكثر كلما ازداد احتمال وإمكانية بروز خط الهداية. و نحن لا نشعر بعرقلة خط الهداية بسبب تقدم العلم، لا، إنما سيتقدم هذا الخط.

من كلمة الإمام الخامنئي في ذكرى استشهاد الشهيد رجائي والشهيد باهنر وأسبوع الحكومة 30-08-2010
ميزة هذه الحكومة إتخاذها لإسس وقيم الثورة شعارا لها

وقد كان الشهيد رجائي والشهيد باهنر حقّاً هكذا مصداق العمل والسعي المؤمن الملتزم غير المنحرف عن الأسس. لقد كان التزامهما في عملهما للبلد بعيداً عن التعامي عن الأسس والقيم، مهما كان الدور الذي أدّياه.

في السنوات الماضية كان هذا الأمر مرسوماً، وكان يحتفى بأسبوع الحكومة، وكان إسما هذين العظيمين يذكران بإجلال, ولكن ليس جميع من يعظّم هذين الشهيدين العزيزين ملتزمون واقعاً بما كان لهما من نهج وتوجّه وهدف. فلتفخروا بأنّكم بحمد الله ملتزمون بأسس الثورة وبأنّكم ترضون بشعارات الثورة، وتريدون تطبيقها، تفتخرون بذلك, هذا توفيق عظيم. إن أحد أهمّ خصائص هذه الحكومة هي أنّها جعلت من شعارات الثورة شعاراتٍ لها، وأنّها تشعر بالرفعة والفخر بسبب ذلك. وهذا ما جعل الشعب يُقبل عليكم, فليكن هذا معلوماً أيضاً. لقد تعلّق قلب الشعب بهذه الشعارات، إنهم يحبّونها.

إن شعار العدالة يجذب الشعب، شعار الابتعاد عن صنع الوجاهات هو شعار مطلوب للنّاس وجذّاب، أو شعار خدمة الناس، أو شعار مقارعة الاستكبار، أو شعار بساطة العيش، أو شعار العمل والسعي وخدمة النّاس, هذه أشياء يحبّها الشعب ويريدها. إن مجتمعاً وبلداً وشعباً واعياً سيطلب هذه الأمور من مسؤوليه: المطالبة بالعدالة، المطالبة بالإنصاف، المطالبة بالخدمة، المطالبة بالعلاقة الوطيدة مع الشعب، المطالبة بالدين، والالتزام بالقيم الدينيّة، والالتزام بالشرع. هذه أمور يطلبها الشعب ويحبّها. وأنتم بحمد الله رفعتم هذه الشعارات، فرضيها الناس وأقبلوا عليها, اغتنموا هذه الفرصة.

من كلمة الإمام الخامنئي في الطلبة الجامعيين مناسبة: حلول شهر رمضان المبارك 23-08-2010

لا آراء أو مواقف للقيادة غير ما تعلنه
حيث يُقال هل إن علينا أن نتخذ المواقف مثل القيادة أم لا؟ بمعنى أن للقيادة تكليفها ولنا تكليفٌ آخر. لا يتصورن أحد أن للقيادة رأياً خلاف ما يُعرض كموقفٍ رسمي، حيث تنقله في الخفاء إلى بعض الخواص والمقرّبين لكي ينفّذوه, فلا يوجد مثل هذا الأمر مطلقاً. فلو تصوّر أحدٌ مثل هذا الأمر فهو تصوّرٌ خاطئ, ولو نسبه (إليها) يكون قد ارتكب معصية كبيرة. إن آراء ومواقف القيادة هي ما يتمّ التصريح به أو ما يُعلن بصراحة, أي ما أصرح به علناً.

قبل عدّة سنوات حدثت عملية قتلٍ . وقد أثار الأعداء الضوضاء والدعايات وقالوا إنّ هؤلاء (ويقصد سماحته نفسه) قد أفتوا وأمروا ــ وقد أرادوا بذلك أن يورطوا القيادة ــ فقلت في صلاة الجمعة: لو اعتقدت يوماً بأنّ أحداً هو مهدور الدّم فإنني سأعلن ذلك في صلاة الجمعة. فلا يجوز ولا يليق أن يكون هناك مواقف أخرى للقيادة غير ما تصرّح به وتعلنه . كلا، الأمر كما أقول الآن وليس غير ذلك. ومن الممكن بالطبع أن يكون هناك اختلاف بين كيفية صيامكم وصلاتكم مع صيامي وصلاتي أنا. حسناً، أنتم شباب وجامعيون ونشاطكم الديني والاجتماعي شبابّي, وهو يتفاوت مع السلوك الهرم للعجائز. ولا يصحّ غضّ النظر عن هذه الاختلافات الطبيعية والواقعية. وقد ذُكرت قضية حفظ النظام. فبرأينا ـ كما قلنا ـ حفظ النظام واجبٌ بل هو أعظم وجوباً من جميع الأمور. وللنظام حدودٌ مشخّصة منها الحدود الأخلاقية والثقافية ولا شك بأنه يجب حفظها. وعدّة نقاطٍ قيلت فيما يتعلّق بالمرجعية العلمية ومقتضياتها كانت صحيحة. وأنا أطالب المسؤولين أن يلتفتوا إليها وأن يدوّنوا هذه المطالب.

من كلمة الإمام الخامنئي في التعبويين من محافظة قم بمناسبة الزيارة الخاصة لمدينة قم 24-10-2010
ممارسة الحوزات العلمية الشأن السياسي من صميم الإسلام ولا غنى عن دورها في قيام المجتمع الإسلامي

المحاور الرئيسية
لحوزة قم دورها الفاعل في القضايا العلمية والسياسية
إنخراط الحوزة في القضايا العامة ليس سببا في عداء الآخرين
مخاطر إنعزال حوزة قم عن القضايا العامة:
أ ــ التهميش والعزلة فالإنقراض
ب ــ تعريض الدين للضرر
ج ــ للعداوات إيجابياتها: تستثير الهمم وتهيء الفرص
د ــــ حيادية العلماء لا يلغي عداوة الأعداء

العلاقة بين الحوزات العلمية والنظام الإسلامي
أ ـــــ مفهومان عدائيان حول علاقة العلماء بالنظام
1 ــ الحكومة حكومة الملالي
2 ــ العلماء صنفان: علماء السلطة وآخرون مستقلون
ب ــ علاقة العلماء بالنظام علاقة دعم ونصيحة
1 ــ النظام الإسلامي يحتاج إلى تنظيرات علماء الدين
2 ـــ الحوزات العلمية لا يمكنها أن تكون لا مبالية

الإستقلالية أس العلاقة بين الحوزات العلمية والأنظمة على امتداد التاريخ
لا تعارض بين إستقلالية الحوزات عن النظام والتعاون بينهما

دور الحوزة العلمية الفاعل في القضايا العالمية والسياسية
حسناً، إن الحوزات العلمية ــــ وخاصة حوزة قم العلمية ــــ لم تكن يوماً من الأيام وعبر تاريخها كما هي اليوم محط أفكار وأنظار العالم. ولم تكن يوماً مؤثّرة في السياسات العالمية ولعّله في مصير العالم والدّول كما هي اليوم. لم يكن لحوزة قم في يوم من الأيام من الأصدقاء والأعداء كما هو اليوم. أنتم الملازمون لحوزة قم العلمية لديكم من الأصدقاء ما يفوق كلّ ما حصل في هذا التاريخ؛ وكذلك على مستوى الأعداء عدداً وخطورة. إنّ حوزة قم العلمية ــــ والتي هي في قمّة الحوزات العلمية ــــ في يومنا هذا تتبوأ هذه المكانة الحسّاسة.

إنخراط الحوزة في القضايا العامة ليس سببا في عداء الآخرين
ويوجد هنا مغالطة ينبغي أن أشير إليها. فمن الممكن أن يقول بعضهم إنّه لو لم تتدخّل الحوزات العلمية في القضايا العالمية والسياسية وفي التحدّيات، لما كان لها مثل هذا العدد من الأعداء، ولكانت أكثر احتراماً مما هي عليه؛ هذه مغالطة. لم يكن هناك أي جماعة أو مؤسسة أو مجموعة ذات قيمة تنال احترام الرأي العام بسبب انزوائها واعتزالها وإحباطها ولن يكون أبداً.

إن الاحترام الذي تحصل عليه المجامع والمؤسسات اللامبالية التي تتنزّه عن أن تلتصق بالتحدّيات هو احترامٌ صوري. وهو في الواقع والعمق عدم احترام؛ مثل احترام الأشياء الذي لا يُعدّ احتراماً حقيقياً، كاحترام الصّور والتماثيل والتصاوير، فإنّه ليس احتراماً واقعياً. وأحياناً يكون هذا الاحترام مهانة تتلازم مع التحقير الخفيّ من ذاك الذي يتظاهر بالاحترام. فالموجود الذي يكون حيّاً نشطاً مؤثّراً هو الذي يبعث الاحترام, سواء في قلوب الأصدقاء أو حتى في قلوب الأعداء. يعادونه إلا أنهم يعظّمونه ويحترمونه.

مخاطر إنعزال حوزة قم عن القضايا العامة
أ ــ التهميش والعزلة فالإنقراض
إنّ انعزال حوزة قم العلمية وأيّة حوزة علمية أخرى، ينتهي بها إلى الانقراض والزوال. فعدم التدخّل في الأحداث الاجتماعية والسياسة والتحدّيات يؤدّي بالتدريج إلى التهميش والنسيان والعزلة. لهذا فإنّ علماء الشيعة بالعموم، وبغض النظر عن استثناءات جزئية وفردية، كانوا دوماً في صلب الأحداث. ولأجل هذا تمتّع علماء الشيعة بمثل هذا النفوذ والتوغّل في المجتمع بما لم يتحقّق لأيّة مجموعة علمائية أخرى في العالم سواء الإسلامي أو غير الإسلامي.

ب ــ تعريض الدين للضرر
ثمّ إنّه لو أراد العلماء أن يتحرّكوا على الهامش، وينزووا فإن الدين سيتعرّض للضرر. العلماء جند الدين، وخدّامه، وليس لهم حيثية بدون الدين. لو أنّ العلماء اتّخذوا منحى العزلة والابتعاد عن القضايا الأساس ـــ والتي تمثّل الثورة الإسلامية العظيمة نموذجها البارز ــــ ووقفوا يتفرّجون غير مكترثين فإنّ الدين ولا شك سيتعرّض للضرر. وإنّ هدف العلماء هو حفظ الدين.

ج ــ للعداوات إيجابياتها: تستثير الهمم وتهيئ الفرص
ثالثاً، إذا كان الحضور في الساحة موجباً لاستثارة العداوات، فإن هذه العداوات إذا جمعناها كلّها فإنّ حصيلتها مجتمعة ستكون أساساً للخير. فتلك العداوات تستثير الهمم والنخوات وتخلق الفُرص لكلّ موجودٍ حيّ. أينما برزت الخصومات والأحقاد تجاه مجموعة علمائية وتجاه الدين، يتحقّق في مقابلها حركة بنّاءة من جانب أهل اليقظة والاطّلاع. قلت ذات مرّة أمام جمعٍ إن تأليف كتاب من قبل كاتب متعصّبٍ ضدّ الشيعة أدّى إلى إنجاز العديد من الكتب التي مثّلت مصادر شيعية كبيرة. في هذه المدينة بالذات لو لم يُنشر كتاب (أسرار الألف سنة)5 من قبل شخصٍ منحرفٍ تمثّل شخصيّته مركّباً من الأفكار العلمانية والتوجّهات الوهّابية، لما قام إمامنا العظيم بتعطيل درسه وتأليف كتاب (كشف الأسرار), حيث نرى في هذا الكتاب أهميّة الحكومة الإسلامية وولاية الفقيه في مراحلها الأولى.

كما أنّه يُستشعر في هذا الكتاب إعادة إنتاج هذا الفكر الفقهي والشيعي المهم. لو لم يكن هناك تحرّكات للتيّارات اليسارية والماركسية وحزب توده6 في عقد العشرينات، وأوائل عقد الثلاثينات (قبل حوالي ستين سنة) لما تمّ إنتاج كتابٍ حيّ وباقٍ مثل (أصول الفلسفة ومذهب الواقعية)7. لهذا فإنّ هذه العداوات لم تنتهِ إلى ضررنا. أينما انبعثت الخصومة يُظهر الموجود اليقظ والمطّلع ـــ أي الحوزة العلمية ـــ ردّة فعلٍ من نفسه ويوجد فرصة. العداوات تخلق الفُرص, وذلك عندما نكون يقظين وأحياء وغير غافلين.

في عهد رضا خان حيث برزت تلك الحركة المعادية للعلماء أدّى ذلك إلى أن يعطي مرجع تقليدٍ كالمرحوم السيد أبو الحسن الأصفهاني قدس سره، إجازة لصرف الحقوق الشرعية في إصدار المنشورات الدينية والمجلات الدينية, حيث كان ذلك ممّا لا سابقة له، وكان في ذلك الزمان شيئاً عجيباً. ولهذا بدأت تصدر النشرات الدينية بأموال الحقوق وسهم الإمام، وكذلك بدأت تُقام المجامع الدينية بالاعتماد على سهم الإمام.

أي أنّ شخصية مثل السيّد الأصفهاني قدس سره، وخلافاً لما تصوّر بعضهم ويتصوّرون، كان يهتمّ بالقضايا الثقافية المتعلّقة ببلدنا والمجتمعات الشيعية ودولة الشيعة، ويجيز صرف سهم الإمام في مثل هذا العمل, هذه هي الفُرص. هكذا تُوجِد العداوات مثل هذه الفُرص الكبيرة.

د ــــ حيادية العلماء لا يلغي عداوة الأعداء
رابعاً، إن حيادية العلماء تجاه قضايا التحدّيات الأساس لا تؤدّي إلى خمود العداء تجاه العلماء والدين، أو توقّفها، "ومن نام لم يُنم عنه"8.

لو أنّ علماء الشيعة لم يشعروا بالمسؤولية تجاه العداوات التي تتوجّه إليهم ولم ينزلوا إلى الميدان، ولم يفعّلوا إمكاناتهم، ولم ينجزوا العمل الكبير المُلقى على عاتقهم، ما كان العدو ليتوقف عن عداوته, بل على العكس إنهم كلّما شعروا بضعفنا تقدّموا، وأينما أحسّوا باضطرابنا يزيدوا من نشاطهم ويتقدّموا.

لقد أدرك الغربيّون الإمكانات الهائلة لفكر الشيعة في مواجهة الظلم والاستكبار العالمي وذلك منذ مدّة طويلة نسبياً؛ من قضايا العراق وقضية التنباك. لهذا فهم ليسوا ممن يسكت بل إنهم يستمرّون على اعتدائهم واقتحامهم. إنّ سكوت ولامبالاة العلماء والحوزات العلمية لا يمكن أن يوقف عداوة الأعداء بأيّ وجهٍ.

لهذا فإنّ تحرّك الحوزات العلمية وعدم بقائها على الحياد قبال الأحداث العالمية والتحدّيات الداخلية والدولية يُعدّ أمراً لازماً لا يمكن إغفاله.

العلاقة بين الحوزات العلمية والنظام الإسلامي
أ ـــــ مفهومان عدائيان حول علاقة العلماء بالنظام
وبعد انتصار الثورة الإسلامية طرح أولئك الذين كانوا يسيئون للعلماء والثورة في الأذهان مفهومين خاطئين ومنحرفين. وقد تمّ الردّ على هذه الأفكار قولاً وعملاً: "شنشنة نعرفها من أخزم". يجب الالتفات واليقظة دوماً. المفهومان الخاطئان اللذان يُعدّان تهمتين طرحهما العدوّ تكتيكياً؛ أحدهما حكومة الملالي.

1 ــ حكومة إيران حكومة الملالي
قالوا إنّ الحكومة في إيران أضحت حكومة الملالي، وقد أمسكت حكومة الملالي بزمام الأمور. كتبوا هذا، وقالوه وروّجوا له وكرّروه.

2 ــالعلماء صنفان: علماء السلطة وآخرون مستقلون
والآخر طرح موضوع علماء البلاط والسلطة، وتقسيم العالِم إلى حكومي وغير حكومي. كان هدفهم من طرح هذين المفهومين الانحرافيين والخاطئين، أولاً: حرمان النظام الإسلامي من الدعامة الفكرية والنظرية والاستدلالية والعلمية العظيمة لعلماء الدين. وثانياً، تهميش العالِم المسؤول والثوري والحاضر في الساحة، الذي يواجه العداوات والإساءة لسمعته؛ هذا بزعمهم. يقصدون أن هناك نوعاً من العلماء، هم علماء السلطة. وهو أمرٌ سيّىء وسلبي ومضاد للقيم. ونوعاً غير تابع للسلطة، وهو أمرٌ إيجابي ونزيه.

ب ــ علاقة العلماء بالنظام علاقة دعم ونصيحة
إن علاقة العلماء مع النظام الإسلامي علاقة واضحة. وعلاقة العلماء والحوزات العلمية مع النظام الإسلامي هي علاقة دعمٍ ونصيحة. وهذا ما سأوضّحه. الدعم إلى جانب النصيحة؛ الدفاع إلى جانب الإصلاح. وذانك المفهومان الخاطئان، هما في الحقيقة مفهومان انحرافيان وعدائيان. وذلك، أولاً؛ لأن القول إن الحكومة حكومة الملالي ونسبة الجمهورية الإسلامية إلى هذا المفهوم هو قولٌ كاذب. إن الجمهورية الإسلامية هي حكومة القيم، وحكومة الإسلام، وحكومة الشرع، وحكومة الفقه، وليست حكومة الملالي. "فالمشيخة" ليست كافية لأجل أن يكتسب الشخص سلطة حكومية. إن الجمهورية الإسلامية تختلف بالماهية مع حكومات المشايخ التي نعرفها في العالم؛ تلك التي كانت موجودة في الماضي أو هي موجودة اليوم في بعض مناطق العالم.

إن حكومة الجمهورية الإسلامية هي حكومة القيم الدينية. من الممكن أن يحوز أحد المشايخ على خصائص قيمية تجعله أفضل من كثيرٍ من المشايخ الآخرين, ويكون مقدّماً عليهم. لكن المشيخة لا توجب سلب الأهلية والكفاءة من أحد. فليست المشيخة وحدها أهلية وكفاءة كما أنّها ليست سبباً لسلبها. إن الحكومة هي حكومة الدين وليست حكومة صنفٍ خاص أو مجموعة خاصة.

كما أن تقسيم العلماء إلى علماء السلطة وغيرهم، واعتبار القيم بناء على هذا الأساس هو خطأٌ فاحش. إن السعي من أجل السلطة ـــ بل من أجل أي شيء آخر ـــ إذا كان للدنيا فهو سيّئ؛ إذا كان لهوى النفس فهو سيّئٌ ولا يختصّ بالحكم. إنّ تحرّكنا نحو أيّ هدفٍ إذا كان القصد فيه هوى النفس والمصالح الشخصية، فهو مخالفٌ للقيم. وهو مصداق الدخول في الدنيا الذي جاء في شأنه: "الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا"9.

إذا كان الهدف هو الدنيا فهو مردود. وليس الأمر مختصّاً بالسلطة والحكومة. أمّا إذا كان منطلقاً من الأهداف المعنوية والإلهية فهو من أفضل مصاديق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن أسمى مصاديق الجهاد. إنه تقبّلٌ للمسؤوليات الثقيلة أو دفاعٌ عن المسؤولين المؤهّلين. إذا أطلقت كلمة عالم حكومي على من يدافع عن النظام الإسلامي أو يدعم المسؤولين أداء لدينه ومسؤوليته الشرعية وفي سبيل الله، فهذا من القيم. وعدم وجود مثل هذه الحالة مخالف للقيم. لهذا، فإن كلا المفهومين: مفهوم حكومة الملالي ومفهوم علماء البلاط، غير صحيح. إنّ طرحهما بعد الثورة وبعد تأسيس النظام الإسلامي هو مغالطة, فهذه المفاهيم ليس لها علاقة بثقافة هذه الثورة.

ولكن في المقابل هناك حقيقتان ومفهومان آخران يُعدّان من المفاهيم القِيَمية ومن مناشئ القيم. المفهوم الأول، أن نظام الحكم يحتاج من الناحية النظرية والعلمية إلى علماء الدين والحوزات العلمية وهو يستقوي بمساعيهم العلمية. النظام يعتمد على الحوزات العلمية والعلماء والفضلاء وأصحاب الرأي والخبرة على المستوى الديني. والمفهوم الآخر هو أنّ الحوزة والعلماء ليسوا غير مبالين فيما يتعلّق بالنظام الديني. لا يوجد أيّ عالم ديني وأيّ خادمٍ للإسلام يمكن أن يكون غير مبالٍ بالنسبة للنظام الذي تحقّق على أساس الإسلام، وهو يتحرّك بالدوافع الإسلامية ويعمل على هذا الأساس, لا يمكن أن يعدّ نفسه غريباً عنه. فهذه حقيقة أخرى.

1 ــ النظام الإسلامي يحتاج إلى تنظيرات علماء الدين
تلك الحقيقة الأولى التي ذكرنا فيها أن النظام يستقوي بالحوزة العلمية لأنّ التنظير السياسي والتنظير في جميع الأبعاد الإدارية لشعبٍ أو لدولة في النظام الإسلامي يكون على عاتق علماء الدين. إن من يتمكّن من بيان أحكام الإسلام ونظريّته في باب النظام الاقتصادي وفي باب الإدارة وفي باب الحرب والسلم وفي باب القضايا التربوية وفي غيرها من الكثير من القضايا هو المتخصص الديني والعارف بالدين. وإذا لم تجرِ تعبئة مكان هذا التنظير، وإذا لم يقم علماء الدين بهذا العمل، فإن النظريات الغربية والنظريات غير الدينية والنظريات المادية ستملأ هذا الفراغ. لا يمكن لأيّ نظامٍ أو مجتمعٍ أن يدور في الفراغ: هناك سيأتي نظامٌ إداريٌّ آخر ونظام اقتصاديٌّ آخر، ونظامٌ سياسيٌ آخر، تمّ وضعه وإيجاده من قِبَلِ الأذهان المادية ويحلّ محلّه. مثلما حدث هذا الأمر عندما استشعر هذا الفراغ في بعض الموارد

إن ما ذكرته بشأن العلوم الإنسانية في الجامعات وحذّرت من خطر هذه العلوم المسمّمة بذاتها ، سواء بالنسبة للجامعات أو للمسؤولين؛ فلأجل هذا الأمر، إن هذه العلوم الإنسانية التي تروج اليوم، فيها من المضامين ما يتعارض ويخالف بماهيّته الحركة الإسلامية والنظام الإسلامي وهو يعتمد على رؤية كونية مختلفة، ولديه مقولات وأهدافٌ أخرى. عندما راجت هذه الأمور تمّ إعداد المديرين على أساسها؛ والذين هم أنفسهم من يتصدّى لشؤون الجامعات ويقف على رأس اقتصاد الدولة وعلى رأس قضاياها السياسية والداخلية والخارجية والأمنية وغيرها وغيرها.

إن الحوزات العلمية وعلماء الدين هم الدعامات وهم مكلّفون باستخراج النظريات الإسلامية في هذا المجال من قلب المتون الإلهية، وتظهيرها وجعلها في متناول الأيدي في عملية التخطيط وفتح المجالات المختلفة. فالنظام الإسلامي يعتمد على علماء الدين وعلى العلماء أصحاب الرأي والنظريات الإسلامية, لهذا فإن النظام مكلّفٌ بدعم الحوزات العلمية لأنها معتمده. وبالإضافة إلى حاجة النظام الإسلامي في إدارة الشعب والدولة إلى الحوزات، هناك نقطة أخرى ترتبط بالشبهات التي تُطرح بوجه النظام، حيث يتمّ حقن الشبهات الدينية والشبهات السياسية والشبهات الاعتقادية والمعرفية في قلب المجتمع ـــ وخصوصاً بين الشباب ـــ والتي لا هدف لها إلا عدول الناس عن فكرٍ إلى فكر، والقضاء على الدعائم البشرية للنظام، وخدش مبانيه الأساس في الأذهان، ومعاداته.

لهذا فإنّ القضاء على هذه الشبهات ومواجهتها وإزالة مثل هذا الغبار عن ذهنية المجتمع ـ وهو ما يتحقق بواسطة علماء الدين ـ يُعدّ دعامة أخرى للنظام الإسلامي.

2 ـــ الحوزات العلمية لا يمكنها أن تكون لا مبالية
لهذا فإنّ النظام الإسلامي يعتمد على علماء الدين والمنظّرين والمحقّقين والعلماء في الحوزات العلمية من جهاتٍ عدّة. ومن هذه الجهة فإن الحوزات العلمية لا يمكنها أن تبقى لا مبالية. إن الحوزة العلمية وخصوصاً حوزة قم هي أمّ هذا النظام، هي التي أوجدت وولّدت هذه الثورة وهذه الحركة العظيمة، فكيف يمكن لأمٍّ أن تهمل وليدها وتكون غير مبالية بشأنه حينما يكون من الضروري أن تدافع عنهّ! إنه غير ممكن. لهذا فإن العلاقة المتبادلة بين الحوزات العلمية ونظام الجمهورية الإسلامية هي علاقة الدعم. فالنظام يدعم الحوزات، والحوزات تدعم النظام فيتعاونان ويتآزران.

الإستقلالية أس العلاقة بين الحوزات العلمية والأنظمة على امتداد التاريخ
هنا قضية تُطرح ـــ وأنا أطرحها ـــ وبعدها سأعرض لعدّة قضايا أخرى ذات أهميّة فيما يتعلّق بالحوزة إن شاء الله. وهذه القضية هي قضية استقلالية الحوزات. فهل أن دعم النظام الإسلامي للحوزات العلمية يمكن أن يوجد خللاً أو يوجّه ضربة لهذه الاستقلالية أم لا؟ وهل أنّ هذا العمل جائزٌ أم لا؟ فهذا بحثٌ مهم. فالحوزات العلمية أوّلاً، كانت طوال التاريخ مستقلّة ليس فقط في عهود الحكومات المعارضة للتشيّع، بل حتى في عهد الحكومات الشيعية. فعندما كان الصفويون على رأس السلطة وقدِم إلى إيران علماء كبار كالمحقق الكركي ووالد الشيخ البهائي وغيرهما من الأعاظم وشغلوا مناصب دينية عدّة لم يصبح هؤلاء العلماء وتلامذتهم ومن تربّى على أيديهم خاضعين للسياسات الصفوية أو تحوّلوا إلى أداة بأيديهم. نعم، كانوا يقدّمون العون ويتعاونون ويمدحون ويجلّون, ولكنّهم لم يصبحوا في قبضتهم، وقد كان الأمر على هذا المنوال أيضاً في مقطع من العهد القاجاري.

فكاشف الغطاء قدس سره، ذلك العالم الكبير جاء إلى إيران وألّف كتاب (كشف الغطاء)، وفي هذا الكتاب ـــ سواء في المقدّمة أو في بحث الجهاد بمناسبة حروب روسيا وإيران ــــ كان يظهر الكثير من الإجلال لفتحعلي شاه, ولكنّ كاشف الغطاء لم يكن شخصاً يمكن أن يصبح بيد فتحعلي شاه وأمثاله, أمثال هؤلاء كانوا مستقلّين. وكان الميرزا القمّي في منزله في قم محترماً ومجلّلاً من قبل شاه زمانه, ولكنّه لم ينزل تحت إرادته. وكانوا يصرّون عليه أن يفتي بما يريدون, ولكنّ الميرزا لم يقبل ولم يتنازل.

للميرزا القمي رسالة بعنوان (الرسالة العباسية)، يبيّن فيها آراءه الفقهية في باب الجهاد. وهذه الرسالة، قد طُبعت ونُشرت قبل عدّة سنوات لأوّل مرّة. وقد طُلب منه أن يعطي وكالة - على سبيل المثال - أو نيابة ليتمكّنوا من الجهاد من طرفه. وبظنّي أن هذا الموضوع قد ذُكر في كتاب جامع الشتات. ولكنّه لم يخضع أو يقبل.

لا تعارض بين إستقلالية الحوزات عن النظام والتعاون بينهما
هكذا كان علماء الشيعة على الدوام، كانوا مستقلّين دوماً، لم يتحوّلوا إلى أداة في قبضة السلطات, واليوم الأمر كذلك، وبعدها ينبغي أن يكون كذلك، وسيكون هكذا بتوفيق الله. ولكن يجب أن تكونوا متنبّهين ها هنا لكي لا تنشأ مغالطة أخرى, فلا ينبغي أن تُتلقّى استقلالية الحوزات بمعنى عدم دعم النظام للحوزة والحوزة للنظام .

فبعضهم يريد هذا الأمر؛ يريد أن يقطع علاقة الحوزة بالنظام تحت عنوان الاستقلالية وباسمها. وهذا لا يصحّ، فالتبعية غير الدعم، وهي غير التعاون. إن النظام مدين للحوزة ويجب أن يدعم الحوزات. بالطبع، يجب أن تدار معيشة الطلاب على يد الناس، على طريقة السنّة المتعارفة والمليئة بالمعاني والأسرار, فليأتِ الناس ويقدّموا الحقوق الشرعية, هذه هي عقيدتي.

كلّما دقّق المرء في أعماق هذه العادة والسنّة القديمة التي لعلّها كانت رائجة قبل حوالي 150 سنة، تزداد بنظره أهميّتها ومعانيها وأسرارها. إن سرّ الرابطة المحكمة للناس مع الحوزات هو شعورهم بالقرابة والانتماء. الناس لا يتوقّعون الكثير من العالِم لكنّهم يعدّون أنفسهم مسؤولين عن الدعم المالي للحوزات والعلماء، وهو الصحيح.

لكنّ قضايا الحوزات لا تنحصر بقضية المعيشة. ففي الحوزات إنفاقات لا يمكن تأمينها إلا بدعم بيت مال المسلمين ومساعدة الحكومات. وعلى الحكومات أن تصرف هذه الميزانيات دون أن تتدخّل. الكثير من المدارس المهمّة في المدن المختلفة بناها الأمراء والسلاطين والكبار. في مشهد بُنيت ثلاث مدارس متقاربة. مدرسة نوّاب والباقرية والحاج حسن. وكل واحدة بُنيت في زمان أحد سلاطين الصفوية وبأمره أو بأمر أمرائه, فلا إشكال في ذلك. فالمدرسة الباقرية التي كانت محلّ تدريس المحقّق الملا محمد باقر السبزواري صاحب (الذخيرة والكفاية) قد بُنيت بواسطتهم ولا إشكال في ذلك. يجب أن تُصرف الميزانيات دون تدخّل. فالحوزة تتقبّل أنواع الدعم من جانب النظام بعزّة ومنعة. إن كل هذا الدعم الذي يقدّمه النظام في يومنا هذا للحوزات ويجب عليه وينبغي أن يزداد، كلّه يندرج تحت عنوان المسؤولية والتكليف، وليس مجرّد دعم مادّي. اليوم، بحمد الله، أهم المنابر الوطنية وأكثرها انتشاراً يوضع تحت تصرّف فضلاء الحوزة العلمية والمراجع المعظّمين. فهذه من أشكال الدعم التي يقدّمها النّظام.

فالنّظام الإسلامي يجب عليه أن يقدّم كل هذا الدعم انطلاقاً من تلك الرابطة المذكورة. لهذا، لا ينبغي الخلط بين قضيّة التدخّل والاستقلالية وتلك الوقائع الموجودة في هذا المجال.

الحقيقة هي أنّ هذين التيّارين العظيمين ؛ تيّار النظام الإسلامي وفي قلبه تيّار الحوزات العلمية، هما تيّاران متّصلان ومترابطان ولهما نفس المصير, وعلى الجميع أن يعرفوا هذا. فاليوم، مصير العلماء والإسلام في هذه البقعة من الأرض مرتبطٌ ومتشابكٌ مع مصير النظام الإسلامي. فأية ضربة يتعرّض لها النظام الإسلامي ستكون حتماً خسارة للعلماء وأهل الدين وعلماء الدين أكثر من سائر أبناء الشعب. وبالطبع فإن النظام حيٌّ وشامخٌ وقويّ. وإني بثقة تامّة أقول إن النظام سيتغلّب على جميع التحدّيات التي تواجهه وسينتصر.


1- الكافي، ج 1، ص 420.
2- سورة المائدة، الآية 55.
3- سورة الأنبياء، الآية 73.
4- سورة القصص، الآية 41.
5- أسرار هزار ساله، كتاب من تأليف موسى البرقعي.
6- الحزب الشيوعي الإيراني.
7- تأليف العلامة الطباطبائي صاحب تفسير الميزان.
8- نهج البلاغة، الخطبة 62.
9- الكافي، ج 61 ص 46

2017-02-22