كلمة الإمام الخامنئي(دام ظله) في لقاء النخب العلميّة الشابة
2016
كلمة الإمام الخامنئي(دام ظله) في لقاء النخب العلميّة الشابة
عدد الزوار: 184كلمة الإمام الخامنئي(دام ظله) في لقاء النخب العلميّة الشابة_28-7-1395 ه ش 19-10-2016 م
بسم الله الرحمن الرحيم (1)
الحمد لله رب العالمين والصلاة
والسلام على سيّدنا محمد وآله الطاهرين (2).
إنّها أيام مهمّة ؛ أيام محرم. محرّم ليس عشرة أيام إلى عاشوراء فقط؛ لقد وقعت
حادثة عظيمة في التاريخ في أيام محرم، وهذه الحادثة لا انتهاء لها. وهذا لا يعني
أنها مستمرّة في الأحداث المشابهة لها –فإنّ هذا محفوظ في محلّه وهو بحث آخر- بل
إنّ هذه الحادثة نفسها هي مثل شمس لا غروب لها.
.. شمس لا غروب لها
تقع أحيانًا حادثة عظيمة، تحصل اليوم وتنتهي غدًا؛ هذه ليست بالحادثة
المهمّة. حادثة محرم هذه مثل شمس بلا غروب، هكذا كانت دومًا حتى اليوم وهكذا ستبقى
في المستقبل أيضًا. إنّها لوحة وصورة حيّة وحقيقيّة عن الصراع بين النور والظلام،
الحرب بين الحق والباطل، المواجهة بين الشرف واللؤم والدناءة، وبالطبع فقد كانت
ذروتها في يوم عاشوراء، لكن مقدّماتها حصلت في أوائل شهر محرم وقبل عاشوراء، كذلك
أكملت بعد عاشوراء –في مثل هذه الأيام- بقيادة زينب الكبرى والإمام السجاد (عليهما
السلام). وعلى هذا، فهي أيام مهمة جدًّا. وحيث إنّي وُفّقت وكان هذا من حسن حظي –
إنّني حقًّا أعتبر هذا حظًّا وإقبالًا لي- أن ألتقي بكم أيها الشباب الأعزاء، فهو
بالنسبة لي توفيق استثنائي وأنا أستبشر خيرًا بهذا اللقاء معكم في هذه الأيام.
النخب.. هدايا إلهية!
حسنٌ، أنا العبد مسرور جدًّا بلقائكم أيها الأعزاء من النخب. الكلام
الذي نقوله ونسمعه حول مواضيع هذه الجلسة يتكرّر باستمرار طوال العام. إنني أسمع
وأقرأ الكثير من الأمور المشابهة لما طرحه هؤلاء الشباب الأعزاء وبيّنوه هنا،
وأتابعه عبر التقارير المتعدّدة طوال العام وإن كان هناك عمل يمكنني القيام به حول
هذه المسائل فإنّني أقوم به. الكلام الذي سنطرحه الآن كذلك، أنا العبد أطرحه على
مدار السنة خلال اللقاءات المختلفة؛ سواءً مع الجامعيّين أو في الجلسات واللقاءات
الأخرى؛ لكن هذا اللقاء بحدّ ذاته والجلوس معكم هو أمر جميل وجذاب بالنسبة لي؛
شبابنا النخبة قد اجتمعوا هنا وها نحن نتحدّث معهم –وسأطرح فيما بعد بعض العبارات
في وصفكم-.
أوّلًا؛ إنّ النخب –الشباب وخاصة الشباب النخبة- هم هدايا إلهية نفيسة لشعب ولبلد.
لا تتمتّع كل البلدان بهدايا كهذه، بهذا الحجم والتنوع الواسع والعدد الوافر. هذه
إحدى ميزات بلدنا، فهو لديه طاقات بشرية ذات نوعية جيدة وكمية كبيرة؛ إنها من
الخصوصيات المميّزة لبلدنا والتي قلّ نظيرها؛ إنها هدية إلهية، هدية غالية وذات
قيمة عالية. وبالنتيجة، فإنّ على مسؤولي البلاد أن يقدّروا هذه الأمانات ويحافظوا
عليها، لأنّ هذه الهدية هي أمانة بيد المسؤولين؛ بدءًا من مؤسسة النخب والسيد
الدكتور ستّاري والمجلس الأعلى للثورة الثقافية، وصولًا إلى وزارة التعليم العالي
ووزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم وباقي الأجهزة والمؤسسات الرسمية التي يمكن
أن يكون لها علاقة بالطاقات البشرية والطاقات الشابة؛ إنّ الشباب النخبة هم أمانة
بيد هؤلاء. إنها أمانة غالية ويجب مراقبتها بشكل كبير، للمحافظة عليها، وحين يكون
لدى هذه الأمانة قابليّة للنمو والزيادة، فإنّ عليكم أن تشعروا بالمسؤولية حيال
نموّها وازديادها.
المسؤولية؛ لازمة نعمة الاختيار!
من جهة أخرى فإنّ الإنسان هو موجود مختار؛ لقد منح الله تعالى الاختيار
للإنسان فيمكنه أن يقوم بهذا العمل أو لا يقوم؛ ولازمة الاختيار المسؤولية؛ إن لم
يكن لدينا الخيار في عمل؛ فإننا لا نتحمّل المسؤولية؛ حين نتمتّع بالاختيار،
فبالطبع تقع علينا مسؤولية.
لقد خلقكم الله تعالى أيها النخب بقدرة على الاختيار؛ ووهبكم هذه الهدية وهذه
النعمة – وهي عبارة عن طاقة مميزة وإمكانيات بارزة- فيمكنكم أن تستفيدوا منها أو لا
تستفيدوا؛ يمكنكم استخدامها في الطريق الصحيح ويمكنكم عدم استخدامها؛ الخياران
ممكنان؛ وبالتالي فأنتم مسؤولون. لا تنحصر المسؤولية فقط لدى الأشخاص الذين هم
أصحاب الأمانة، صاحب الأمانة الأصلي والأول هو أنتم أنفسكم؛ أنتم مسؤولون أيضًا.
إنّ أوّل مسؤولية وأكبرها هي شكر الله تعالى الذي أعطاكم نعمة الطاقة هذه. فماذا
يعني الشكر؟ إنه يعني أن تعلموا أوّلًا أنّ هذه نعمة، وأن تعلموا أنّ هذه نعمة من
الله؛ وأن تعدّوا أنفسكم مسؤولين في مقابل هذه النعمة وهذه المسؤولية هي أن
تستخدموا هذه النعمة في مكانها المناسب؛ -هذه هي الأركان التي تشكّل الشكر- هكذا
يكون الشكر، ليس فقط الشكر اللساني، بل هو مجموعة من هذه الأمور التي ذكرتها.
..لماذا النخب؟!!
أنني أقول لكم: لماذا نعطي كل هذه الأهمية للشباب وللعلم وللنخب
وللطاقات الأعلى، فنفرح لرؤيتهم ونخصّص الكثير من الوقت لهم –إنّنا حقًّا نخصّص
وقتًا كثيرًا لهم، اعلموا هذا الأمر- ونبذل الجهد والهمّة وما شابه، لماذا؟ لأنّ
لدينا تجربة تاريخيّة مريرة، فخلال عهود طويلة ضخّوا فينا "جينات" العجز و"إننا لا
نستطيع"، و"جينات" التبعيّة للآخرين؛ على مرّ سنوات متمادية، من عهد القاجاريين
وحتى العهد البهلوي، أوجدوا لدى شعبنا –هذا الشعب المميّز بطاقاته وإمكاناته- هذا
الشعور الداخلي بانعدام القدرة والعجز والإحساس بالضعف؛ لقد رسّخوا فينا ذلك – في
عموم المجتمع الإيراني- ونحن الآن لدينا هذه التجربة السابقة التي بنتيجتها تم
تعريفنا كشعب تابع وهوية تابعة تسعى للسير خلف الغرب.
يوجد الكثير من الكلام –كلام تاريخي واجتماعي وتحليلي- في هذه المجالات، لكن هذا
ليس وقته ولا مكانه ولم نجتمع الآن لأجله.
.. آسيا؛ لا "الشرق الأوسط"!
لقد نظر الغربيون والأوروبيون، بسبب العلم الذي وصلوا إليه قبل الآخرين
ورفَعَهم عاليًا، إلى الشعوب الأخرى ومنها شعبنا؛ [نظروا] إلى شعوب تتمتّع بهذه
الثقافات العريقة والعميقة والماضي المتألّق، نظرة احتقار واعتبروا هذه الشعوب
تابعة لهم. لقد تكلمت عدة مرات سابقًا حول كلمة "الشرق الأوسط" هذه في اللقاءات
العامة (3)؛ إنّ منطقة آسيا هذه –حيث أن أكبر وأعرق الحضارات البشرية هي من هنا،
وقد ولدت وتشكّلت هنا، والأعراق البشرية القديمة انطلقت من هنا- آسيا هذه بكل
عظمتها، تمّ تقسيمها بالمنطق الأوروبي وأدبياته إلى ثلاثة أقسام: أصبحت الشرق؛
فقالوا الشرق الأقصى، أقصى عن ماذا؟ عن أوروبا! والشرق الأدنى، أدنى ممّن ومن ماذا؟
من أوروبا! لاحظوا وتأمّلوا هذه الثقافة وهذه الأدبيات، إنّها تخفي وراءها الكثير
من الأمور؛ فهم قد قسّموا كل هذه الحضارات، هذه الأعراق، هذه الثقافات؛ كل هذه
العلوم التي أُنتِجت في منطقة آسيا هذه – في الهند بشكل وفي الصين بشكل آخر وفي
إيران بشكل معيّن وفي بلاد ما بين النهرين بشكل آخر؛ في بابل وأمثالها- كل هذه
الحضارات العريقة أصبحت بأجمعها منطقة واحدة وتمّ تسميتها وتعريفها بما يتناسب مع
القرب والبعد من أوروبا! ما زالوا حتى اليوم يطلقون على منطقتنا اسم الشرق الأوسط،
منطقتنا هي الشرق الأوسط! وعلى منطقة أخرى الشرق الأقصى، لماذا الأقصى؟ لأنها بعيدة
عن أوروبا! انظروا لقد عرّف الأوروبيون الآخرين بهذا الشكل.
علوم الغرب.. وتحقير الشعوب!
إن الشعوب الغربية تشبه ذلك الإنسان "المحدث النعمة" الذي انتقل من
الفقر إلى الغنى فضاع واغترّ- لم يكن غنًى ماليًّا؛ فحاصل الأمر أنّ العلم يدور من
يد إلى يد؛ لقد حدث هذا الأمر وحصل هؤلاء على علوم؛ وطوّروها ونمّوها باستمرار طبقة
فوق طبقة ومدماكًا فوق مدماك، فارتفعوا للأعلى- وبمجرّد أن أصبحوا في مستوًى عال
نظروا بعين الاحتقار والإهانة إلى جميع البشر وحتى إلى الشعوب التي أخذوا العلوم
منها في البداية؛ كان بلدنا من تلك البلدان أيضًا. وللأسف فإنّ الحكّام والزعماء في
بلادنا قد ساعدوا على ترسيخ هذه الحالة و[على] الاحتقار للذات؛ هذا شيء بالغ
الخطورة والأهمية.
عندما يتمّ تعريف بلد على أنه تابع لقوة أخرى ومرتبط بها، فإنّ كلّ إمكانات ذلك
البلد وطاقاته ستتعلّق شاء أم أبى بتلك القوة؛ فيأتي أصحاب هذه القوة لاستغلال
موارده وطاقاته، يستخدمون النفط والموارد ويستغلّون الموقع الاستراتيجي. في الحرب
العالمية، كانت القوى العالمية تتصارع فيما بينها، ولم يكن لدينا أي علاقة بهذا
الصراع، ولكن بما أنّ الاتحاد السوفياتي يقع بالقرب منّا وبريطانيا إلى جوارنا من
الجهة الأخرى، كان لديهم إمكانات وقدرات وقواعد، فقد سيطروا على إيران بدون أن
يستأذنوا من أحد وجعلوها ممرًا لعبور الأسلحة من نقطة إلى نقطة أخرى. خطّ السكّة
الحديديّة هذا – والذي كان اسمه خط السكة الحديدية الشامل لكل أرجاء البلاد ولكنه
لم يكن شاملًا أصلًا لأرجاء البلاد!- قد صنع في تلك الفترة بناءً على أهدافهم؛ فمن
جهة يوجد الخليج الفارسي، ومن جهة أخرى الاتحاد السوفياتي في الشمال، يجب أن يتم
وصل الإنكليز بالسوفيات – ويوجد كلام كثير حول هذه المسائل- فتصبح كل موارد البلاد
وأسواقها وثرواتها ملكًا لهؤلاء وفي خدمتهم، ويبقى البلد منتظرًا ليأتوا وينهبوا
نحاسه وفولاذه وحديده وموارده المختلفة ويأخذوا نفطه وغازه بثمن بخس، ثم يقومون
بعدها بإرسال ما صنعوه إلى هذا البلد، ، ويريدون بيعه لتكديس ثرواتهم وأرباحهم،
فيبيعونه دون ضرائب ولا جمارك ودون أي مانع أو رادع! فيصبح هذا البلد سوقًا مربحًا
لمنتوجاتهم؛ هذا الوضع هو بالضبط ما كان يحصل في إيران قبل الثورة.
تحوّل الثورة الإسلامية.. ضربَ التبعية
لقد أحدثت الثورة تحوّلًا؛ لقد أوجدت الثورة الإسلاميّة تحوّلًا عظيمًا،
وهو ما أعبّر عنه اليوم، فأقول إنّه في الثورة نهض الإيمان بالذات والثقة بالنفس
لمحاربة التبعيّة؛ والله قد أعان ونصر. إنّ الحرب تجربة مريرة، حرب السنوات
الثمانية كانت حقًّا مريرة، كلّفتنا خسائر فادحة، سبّبت لنا الكثير من المتاعب
والمصاعب؛ أنا العبد كنت في قلب الأحداث ووسط المعركة؛ كانت الحرب مرّة وصعبة جدًّا
وجرّعتنا الكثير من الغصص، وطالما كانت تُجري دموعنا وتُشعرنا بالتعب، ولكن رغم كل
هذه المشاق، كان للحرب حسنٌ كبير: إنها أثبتت للشباب الإيراني بأنه قادر، وهو
يستطيع، إنْ امتلك الإرادة ونزل إلى الميدان، أن يتغلّب على الخصوم والمنافسين؛
وهذا ما حصل فانتصر الشباب الإيراني؛ لقد نزل هذا الشاب إلى ميدان الحرب، ولو لم
تكن الحرب لما كان حصل هذا الأمر بهذا الشكل. إنّ الحرب هي مثل الحريق؛ عندما يشبّ
حريق في منطقة، فإنّ الأهالي يتركون كل أعمالهم ويسارعون إلى إطفاء الحريق؛ لقد
انتبه الجميع وسارعوا لمواجهة الحرب. فبرزت الطاقات والقابليات، وثبت بأنّ الشباب
الإيراني قادر ويستطيع فعل الكثير؛ هذا الحضور في الحرب، مشاركة الشباب والانتصار
على العدو –لم يكن العدو دولةً واحدة بل كان عدوانًا تقف خلفه كل القوى العالمية-
قد أدّى إلى رشد الإيمان بالذات. فالثورة إذا أدّت إلى نهوض وتجلّي الإيمان بالذات
وتصدّيه الباسل لروحيّة التبعيّة والإفلاس التي كانت موجودة سابقًا؛ لقد حصل هذا
الأمر.
الحرب الناعمة؛ حرب ثقافية.. عميقة!
حسنًا، يوجد هنا نقطة وينبغي عدم الغفلة عنها؛ في "الحروب العميقة"
والتي تُدعى اليوم بالحرب الناعمة؛ في هذه الحروب العميقة –ومن جملتها الحروب
الثقافية التي هي من الحروب العميقة- وعلى عكس الحروب العسكريّة، فإنّ النتائج على
المدى القصير ليست أساسيّة ولا تحدّد مصير المعركة؛ الحرب العميقة طويلة. في الحرب
العسكرية يتمكّن طرف من التغلّب على طرف آخر، يغلبه وتنتهي المسألة. نحن استطعنا
خلال ثمانية أعوام من المقاومة أن نطرد قوات صدام المعتدية من بلادنا وتنتهي
القضية.
في الحرب الناعمة، في الحرب العميقة، في الحرب الثقافية، القضية ليست هكذا.
فأنتم تنتصرون في مرحلة, ولكن هذا لا يعني الانتصار الدائم؛ يجب الانتظار، حيث يعيد
الطرف المقابل تجهيز نفسه مجدّدًا ويهاجم مرة أخرى. وهذا ما حصل؛ حيث أعيد إنتاج
آفة التبعيّة تلك في بلادنا ولكن بأشكال أخرى؛ فالعدو لديه عناصره هنا؛ حسنًا، هذا
أمر لا يمكن إنكاره وتجاهله. شعبنا شعب كبير، شعب طيب وشعب صالح، ولكن يوجد داخل
هذا الشعب – مثل كل الشعوب الأخرى- أفراد يقدّسون الأجنبي الغريب، [هؤلاء] أفراد
ضعفاء الإرادة والأخلاق، أفراد ماديّون، أفراد ساذجون يمكن خدعهم بسهولة؛ هؤلاء
بدأوا بإعادة إنتاج ثقافة التبعيّة تلك، ولكن بأدبيات حديثة وأنيقة ومزيّنة
بالألوان ومؤطّرة بقوالب وتصنيفات أخرى بأسماء جديدة: العولمة، الدخول إلى المجتمع
العالمي. واليوم أيضًا فإنّ النصائح والتوصيات التي يقولها الغربيون والأمريكيون
لنا في الاجتماعات هي هذه: فلتكيّف إيران نفسها مع الأسرة الدوليّة، لتصبح مثلهم
وتصبح عالميّة! وهم يقصدون "تلك التبعيّة" نفسها، هذا الأمر هو تلك التبعيّة. لا
يحدثنّ اشتباه وخلط خاطئ؛ أنا العبد لا أخالف العلاقات والتواصل مع الآخرين –أنا
كنت في مرحلةٍ رئيسًا للجمهوريّة، ومنذ ذلك الوقت، كان أحد أعمالي الأساسيّة التي
أتابعها في السياسة الخارجيّة هو فتح العلاقات؛ سواءً العلاقات الثنائيّة مع جميع
البلدان- مع أوروبا ومع الآخرين، كل الآخرين باستثناء دولة أو دولتين- أو العلاقات
ذات الأطر الجمعية, ولكن يوجد هنا مفهومان مختلفان؛ حيث تحمل العولمة معنًى آخر.
العولمة؛ الخضوع الثقافي
العولمة تعني الخضوع الثقافي لعدة قوى كبرى استطاعت أن تفرض نفسها على
اقتصاد العالم وسياسته وأمنه، ثم تُظهر مفهوم الخضوع لسياسات هؤلاء في هذا القالب
الجديد؛ فهذا هو معنى العولمة عند هؤلاء. عندما يقولون كونوا عالميّين وانضمّوا إلى
الأسرة الدوليّة فهذا ما يعنونه ويقصدونه؛ وهو التبعيّة نفسها ولا فرق بينهما.
الاهتمام بالنخب؛ لهدفٍ كبير!
وهناك هدف كبير يُحتِّم على جميع المسؤولين الاهتمام بالنخب كفريضة
وكواجب لا يمكن اجتنابه. يوجد هنا هدف كبير، وهذا الهدف يستدعي أن تكون النظرة إلى
النخب نظرة جدّيّة وعمليّة ونظرة رحمة وحنان ومتابعة دؤوبة. ما هو ذلك الهدف؟ إنّه
عبارة عن تبديل إيران إلى بلد متقدّم وشريف – شريف في مقابل [بلد] لئيم وخبيث وهي
صفات بعض الدول والقوى حاليًّا- وإلى بلد يحمل الأفكار الجديدة في القضايا
الإنسانيّة والمسائل العالمية. أن يكون لإيران، في مجالات القضايا الإنسانية ومسائل
حياة البشريّة، كلام جديد وأفكار جديدة تطرحها على العالم لأنّ وضع البشريّة
حاليًّا ليس وضعًا جيّدًا! هل يوجد اليوم بين مفكّري العالم من هو راضٍ عن وضع
البشريّة؟ ولا فرق في هذا بين الشرق والغرب. انظروا إلى كلام مفكّري العالم؛ الكلّ
يشتكي ويتألم من الحياة الشاقة للبشريّة اليوم. حسنًا، هناك كلام يجب أن يُقال
وأفكار يجب أن تُطرح لشقّ طريق جديد وسط هذا الانسداد الحالي للأفق. يجب على إيران
الإسلاميّة أن تطرح هذه الأفكار الجديدة.
والهدف كذلك، تبديل البلد إلى بلد يتمتّع بالعزة ويستشعر العزّة. قد تكونون أحيانًا
أعزّاء ولكن لا تشعرون بالعزة. من القضايا التي أتابعها منذ عدة سنوات؛ هي أن نشعر
بالعزة؛ هذه العزّة التي وهبنا إياها الله تعالى؛ أن نستشعر العزّة. الإحساس
بالعزّة هو عنصر من العناصر التي تشكّل العزّة الحقيقيّة.
.. وتحمل راية الحضارة الإسلاميّة الجديدة
كذلك أن يكون بلدًا مفعمًا بالمعنويات والإيمان. قلنا نريد بلدًا
متقدّمًا وما شابه، لكن إلى جانب التقدّم والتطوّر يجب أن يكون هناك المعنويات
والإيمان. إنّ الآفة الكبرى للعالم القوي اليوم هي أنه يوجد قوة ولا يوجد إيمان.
انظروا إلى وضع انتخابات رئاسة الجمهورية في أمريكا؛ يتنافس عليها الآن شخصان؛
انظروا وتأمّلوا في مناظراتهما، لاحظوا ماذا يفعلان وماذا يقولان لبعضهما! إنّ
أحدهما سيصبح رئيسًا للجمهوريّة، أين؟ في إحدى الدول الكبرى ذات عدد السكان الكبير
والثروة والتطوّر العلمي الهائل. أحد هذين المرشّحين سيصبح رئيس هذا البلد الذي
يمتلك أكبر ترسانة سلاح نووي وأكبر ثروة في العالم وأضخم وسائل إعلاميّة في قبضته.
سيكون رئيس هذا البلد أحد هذين الشخصين اللذين ترون من هما وكيف هما. كل هذا بسبب
غياب المعنويات وبسبب فقدان الإيمان.
نريد بلدًا يحمل راية الحضارة الإسلاميّة الجديدة. هدفنا هو بلد كهذا. لاحظوا أنّي
قد ذكرت الآن تسعة شواخص. نحن نريد تبديل بلدنا إلى بلد يتمتّع بهذه الخصوصيات.
بالطبع لم يكن الوضع سيّئًا في أقسام في منتصف الطريق، لقد أنجزنا العديد من مراحل
التقدم ولكنها لا تزال في وسط الطريق، يجب أن نتقدّم ونسير إلى الأمام، يجب أن نصل
إلى القمم. وهذا غير ممكن بدون جيل شاب من النخب. ينبغي وجود جيل يمكنه تحقيق هذا
الهدف. من الذين لا يترددون أبدًا في ضرورة الوصول إلى هذا الهدف؛ حيث نعتبر أنفسنا
مسؤولين بعنوان إنسان، بعنوان مدير ومسؤول، بعنوان مسلم وبعنوان إيراني- من لا
يعتقد بالإسلام ولا يقبله، فهو إيراني وبالتالي كونه إيراني يحمّله مسؤولية أيضًا-
بهذه العناوين المحمّلة للمسؤولية، أن نعتبر أنفسنا مسؤولين ومكلّفين أن نوصل البلد
إلى هذا الهدف.
حسنًا ما هو السبيل؟ إنّه تربية وإعداد جيل يتمتّع بخصوصيات ومميزات؛ يجب إعداد جيل
شجاع متعلّم، متديّن مبدع، متفوق ومبادر، واثق بنفسه وغيور –بالتأكيد ولحسن الحظّ
فإنّ الكثير من هذه الخصوصيات موجودة في الجيل الشاب اليوم ولكن يجب أن تنتشر وتعمّ
أكثر –إنّنا نحتاج لجيل كهذا. بحيث يتحلّى بالإيمان والعلم والثقافة والغيرة
والشجاعة والثقة بالنفس والدافع الكافي للحركة والنشاط، أن يتحلّى بالطاقة والقدرة
الجسديّة والفكريّة، أن يركّز على الهدف وينظر إلى الأهداف البعيدة وكما عبّر أمير
المؤمنين "أعِر الله جمجمتك"(4)، بحيث يضع حياته ووجوده في سبيل الهدف ويتحرّك
بجدّية نحوه؛ ويمكن تلخيص كل هذه المواصفات بكلمة واحدة؛ أن يكون إنسانًا ثوريًّا؛
هذا هو معنى الثوريّة. بعضهم وبسبب عداوته يفسّر الثورية بشكل سيّئ. فيعتبر أن
الثورية تعني الجهل وقلة العلم وضعف الثقافة وعدم الاهتمام وغياب الانضباط؛ كلا،
فإنّ هذه الخصائص هي تمامًا بعكس الثورية. الثوري هو المثقّف المتعلّم، الذي يتمتّع
بالانضباط والتديّن والحركة والنشاط، يتحلّى بالعقل والحكمة. نحن نحتاج إلى جيل
كهذا. هذا الجيل هو جيل شبابنا، فهو رصيد هذه الحركة, والمولّد المحرّك لهذه النهضة
هم النخب الشبابيّة؛ هكذا هي النخب. أنتم المولّد المحرّك. متى عملتم بشكل جيد،
سيتحرّك الجيل الشاب في هذا الاتجاه الذي ذكرته. هذا هو السبب في اهتمامي بالنخب
وتقديري لجهودهم. النخبة لها قيمة عالية.
الحركة العلمية؛ ومؤامرة العدو
حسنًا، لقد بدأت هذه النهضة. انظروا، أنا العبد ومن خلال فهمي لهذه
المسألة، أي فهم مسألة البلاد وحاجتها لآليات كهذه وحركة كهذه ، قد طرحت من خمسة
عشر عامًا أو أكثر قضية النهضة العلمية ونهضة إنتاج البرمجيّات والحركة العلميّة
العظمى، وقد رحّب وتفاعل وشارك فيها العلماء والشباب والأساتذة والجامعات والكثير
من الأقسام الرسمية المتعدّدة التي تتولّى الأعمال وزمام الامور، وقد تقدّمت هذه
الحركة؛ لكنها ليست حركة سهلة على جادة معبّدة بالإسفلت، إنّ هذه الحركة أمامها
موانع وعقبات، يجب التعرّف إلى هذه الموانع وإزالتها. هناك عدوّ لهذه الحركة، من هو
العدو؟ بعضهم سيقول الآن بالطبع هذا واضح، بمجرّد أن يطرح "فلان" كلمة العدو، فهو
يقصد أمريكا والصهاينة وأمثالهم وإن لديه "وهم نظرية المؤامرة"! كلا، ليس هذا
توهّمًا للمؤامرة، بل هو معرفة المؤامرة ومشاهدة المؤامرة. عندما أرى مؤامرة
وأشاهدها بدقّة، لا يمكنني أن أخفي هذا عنكم، يجب عليّ أن أقول لكم. هناك بعضهم،
وبمجرّد أن أتحدّث عن العدو، يقول فورًا: كم يتحدّث "فلان" عن العدو ويكرّر كلمة
العدو! حسنًا، يجب ألا نقول إنّ هناك عدوًّا؟ كم ذكر الله اسم الشيطان في القرآن؟
كان يكفي أن يذكره مرّةً وكفى! لماذا يكرّره إلى هذه الدرجة؟ كي لا ننسى –أنا
وأنتم- هذا العدو؛ يجب مراقبة العدو دائمًا. لأنّ العدو لا يجلس هكذا عاطلًا عن
العمل؛ العدو يعمل دائمًا ويتحرّك. وإن استطاع فإنه سيوقف هذه الحركة العلمية؛ وإن
رأى أنّه لا يستطيع إيقافها فإنّه سيعمل على انحرافها عن مسيرها ومن الممكن أن نقوم
نحن وبسبب بساطتنا وقلّة نضجنا بمساعدته على هذا الانحراف! وقد قمت أنا بتكرار هذا
الأمر مرارًا (5) –والآن قد ذكره أيضًا بعض شبابنا الأعزّاء- بأن تكون الأعمال
البحثيّة والتحقيقات والمقالات ورسائل التخرّج وغيرها في خدمة حاجات البلاد وأن
تتمّ وتُنجز بهذه النيّة ولأجل هذا الهدف، فكلّ هذا لأجل أن لا تنحرف الحركة
العلمية.
إن لم يستطع العدو إيقاف هذه الحركة أو حرفها عن مسارها، يسعى إلى تشويه سمعتها
وتلويثها. يأتي شخص من الخارج إلى هنا بعنوان عالم، ويتمّ استضافته ثم يذهب إلى
الشارع المقابل للجامعة، فيصوّر لوحة إعلانية عن بيع رسائل التخرّج وينشرها في
العالم؛ هذا مثال عن التشويه. من يقوم بدعوة هؤلاء إلى إيران؟ هل هؤلاء علماء
حقًّا؟ لماذا لا نفهم هذا؟ لماذا نرتكب هذه الأخطاء؟
لا تسمحوا بأن تقلّ هذه السرعة!
خلال السنوات الماضية، قام شباب البلاد والمسؤولون المعنيّون بأعمال
جعلت مستوى رشد التقدّم العلمي في البلاد يكسر الأرقام القياسية للتقدم في المواقع
المرجعيّة المعروفة في العالم؛ حين كرّرنا مراراً أنّ سرعة تقدم البلاد علميًّا في
السنة الفلانيّة هي ثلاثة عشر ضعف المتوسّط العالمي للنمو العلمي، فهذا ليس كلامي
أنا، فلا خبر عندي، بل هذا ما أعلنته المراكز المرجعيّة المعروفة في العالم وأنتم
تعرفونها وقد شهدت بهذا. هل هي مزحة وأمر عابر أن تكون سرعة حركة بلد ما ثلاثة عشر
ضعف المتوسط العالمي؟ حين أقول لا تسمحوا بأن تقلّ هذه السرعة، فالسبب هو أننا
متأخرون جدًّا؛ يجب أن تبقى سرعتنا مضاعفة حتى الوصول إلى الصفّ الأوّل؛ لقد قلت
هذا مرارًا (6) والآن فإنّ المسؤولين المحترمين يجيبونني: يا سيد، إنّ موقعنا
العلمي مثلًا لم ينزل عن الدرجة الفلانيّة؟ هل كان من المقرّر أن ينزل وينخفض؟! من
المقرّر أن يرتفع وبسرعة أكبر أيضًا؛ هذا هو الإشكال. يجب ألا نسمح بوقوع خلل في
هذه الحركة العلميّة؛ إنّ هناك عدوًّا لهذه الحركة العلميّة، فإن كان لهذه الحركة
عدو ولم نفهم نحن هذا ولم نراقبها ونحافظ عليها، فإنّ النتيجة ستكون قاسية ومريرة
جدًّا. هل تعرفون ما هي النتيجة؟ إنها عبارة عن إيجاد اليأس عند الطاقات الشبابية
للبلاد؛ فإن حصل هذا، فإنّ إصلاحه وترميمه لن يكون بهذه السهولة.
لقد اشتعل أمل في المجتمع الشبابي الحكيم والمتعلّم خلال هذه السنوات الماضية؛
حسنًا منذ سنوات طويلة ونحن نلتقي بالشباب هنا وهم يأتون ويتحدّثون؛ وأنا الآن
أقارن، بين الكلام الذي طرحه هؤلاء الشباب اليوم مع الكلمات التي كانت تلقى وأسمعها
منذ عدة سنوات مثلًا، أجد أنها اختلفت من الأرض إلى السماء؛ لقد أصبح شبابنا أكثر
رشدًا، تقدّموا ونضجوا وصاروا أكثر عمقا وأوسع نظرًا؛ هذه أمور بالغة الأهمية؛ فإذا
دخل اليأس إلى هؤلاء الشباب، وفقدوا الأمل، لا يمكن إرجاعه لهم بهذه الطريقة.
على أجهزتنا أن تكشفَهم قبل الأجنبي
حسنًا، يوجد بعضهم هنا ممّن أصيب باليأس، وهو يذهب إلى أماكن أخرى؛
الأفخاخ والكمائن كثيرة أيضًا. إنّني أقول لكم هذا الآن ومن هنا: إنّ لدينا لقاءات
ومعارض للتقدّم والإنجازات العلميّة وهذا أمر جيّد جدًّا، لكن يجب الانتباه
والمراقبة بأن لا تصبح هذه المعارض والمؤتمرات مراكزَ لتعريف طاقاتنا ونخبنا إلى
الأجانب؛ حيث تقومون هناك بتعريف الشباب المتفوّقين، فيقومون هم بالتعرّف إليهم
ورصدهم ثم المجيء لجذبهم وأخذهم! كلا، قبل أن يتعرّف إليهم الأجنبي، فلتتعرّف إليهم
قطاعاتنا ومؤسساتنا نحن. لا يصحّ بأن يبقى هؤلاء الشباب المميّزين خلف الستارة ثم
يتمّ تكريمهم وإظهارهم، على أجهزتنا الداخليّة أن تكشفهم وتتعرّف إليهم قبل الآخرين
وتقوم بجذبهم واستقطابهم وتقديم العمل لهم. لا يوجد أي شاب يفضّل الغربة على أجواء
حياته وأسرته؛ إنّهم يقدّمون له امتيازات ليتحمّل الغربة؛ أنتم يمكنكم أن تقدّموا
له امتيازات وإمكانات أقلّ من الخارج فيعمل لكم ويعمل لبلده.
إنّني أقول لكم، أنا العبد، وحتى النفس الأخير، لن أتراجع ذرّة واحدة عن الدفاع عن
مجتمع النخب والحركة العلميّة في البلاد، وأنا أدرك بأنّ هذه الحركة هي حركة مباركة
وإن شاء الله ستكون عاقبتها خيرًا؛ وسنتقدم إلى الأمام إن شاء الله.
يوجد عدّة نقاط سأطرحها الآن:
من العوامل التي يمكنها أن تحرّك بشكل قويّ دورة العلم والتقنية والدفاع عن النخب
في البلد، هي هذه "الشركات القائمة على العلم" والتي أشار إليها السيد الدكتور
ستّاري في كلمته وكذلك بعض الأصدقاء الآخرين في كلماتهم ولحسن الحظّ فإنّ هذه
الشركات قد نمت من الناحية الكمية بشكل جيّد. وأنا أوصي؛ أوّلًا: أن يستمرّ هذا
النمو والرشد، ثانيًا وكما قال أحد شبابنا الأعزاء، أن تُمنح هذه الشركات فرصة
المشاركة في الأقسام الهامّة والأساسيّة في صناعة وتقنيات البلد، وترتبط بتلك
الأقسام التي تمّ الإقرار بأهمّيتها البالغة في السياسات العامة للبلاد؛ ثالثًا:
الاهتمام بنوعية هذه الشركات العلمية؛ أي إنّ عدد الشركات جيد ومهم، لكن التفتوا
واهتموا بالمعايير والموازين ثم حدّدوا الأولويات، وعلى أساسها حدّدوا تعاملكم
وردّة فعلكم تجاه هذه الشركات القائمة على العلم. إذا نمت هذه الشركات وكانت ذات
نوعيّة جيّدة وانطلقت بأعمالها، بلا شك لن يكون عندنا مشكل بالدعم المالي الحكومي
للنخب، لأنّ هذه الشركات نفسها ستُغني النخب عن دعم الحكومة المالي، لن ينتظروا
الحكومة لتقول يومًا: "الدعم متوفّر" وتقول يومًا آخر "لا يوجد دعم مالي". هذه نقطة
هامة.
من الأمور التي يمكن أن تروّج لهذه الشركات العلميّة: الترويج لمنتوجاتها؛ لقد
تكلّمنا كثيرًا حول مسألة الواردات واستيراد البضائع التي يُنتج مثلها أو ما
يعادلها في الداخل وما شابه؛ ويجري حاليًّا القيام ببعض الأعمال في هذا المجال،
لكنّي أريد التأكيد هنا على ضرورة الترويج للمنتوجات التي تنتجها شركاتنا العلمية،
من الأعمال الأساسية لهذا الترويج أن لا يتمّ في المراكز الحكومية والرسميّة إلا
شراء واستخدام واستهلاك منتوجات هذه الشركات؛ لأنّ الحكومة هي أكبر مستهلك في
البلاد، أي إنّ أهم مستهلك في البلاد هو الحكومة.
هناك نقطة حول تشكيل "نواة النخبة" داخل الجامعات، وكنت قد أوصيت بهذا سابقًا، بأن
يجمع أستاذ في الجامعة أو أستاذان مجموعة من الشباب ويؤسّسون معًا "نواة النخبة"؛
وهذا يمكن تكثيره وتوسيعه وهو أمر مبارك جدًّا؛ لم يصلني حتى الآن أي تقرير حول
حصول أمر كهذا. كنت سابقًا قد كرّرت هذا الاقتراح في السنة الماضية وخلال لقاءات
متعدّدة (7) يجب أن يتم تحقيق هذا العمل. وهو ليس من أعمال أجهزة الحكومة وإداراتها
وما شابه؛ إنّه عمل المجموعات الجامعيّة نفسها.
يوجد نقطة أخرى، مع أنّ وزير التربية والتعليم المحترم ليس حاضرًا هنا، ولكن يجب أن
تصل إلى مسامعه، وهي حول مسألة "سمباد" –المنظمة الوطنيّة لتنمية الطاقات المتألقة-
فأنا قلق عليها! تصلني تقارير حولها وهي تقارير ليست مُرضية؛ منظمة "سمباد" هذه
مهمة جدًّا. هذا العمل مهم جدًّا وكذلك ما أشار إليه بعض في كلمته بأنّ هناك عددًا
كبيرًا من المدارس يجري تأسيسها وفق نموذج مدارس "سمباد"، ولكن كل هذا يتوقف على أن
تدير هذه المنظّمة المدارس بشكل جيد؛ التقارير التي تصلنا في هذا المجال ليست
مُرضية.
هناك أمرٌ مقلق آخر، وقد تحدّثت عنه مع السيد ستّاري بشكل إجمالي، وهو "القلق على
مؤسسة النخب نفسها". إنّ هذه المؤسسة مهمّة جدًّا، من الضروري أن تكون مؤسسة النخب
مؤسّسة حيّة ونشيطة وحيوية جدًّا. وأنا في الواقع عندي ثقة كبيرة بالسيد الدكتور
ستّاري، فأنا مطمئنّ حقًّا إلى قدراته الذهنيّة والعلميّة وكذلك إلى صحة عمله. يا
سيد ستّاري! إن كنت ترى أنّ عمل المعاونيّة العلمية ومؤسسة النخب لا ينسجمان معًا،
أي أنّ مهام مؤسسة النخب تتعارض مع الأنشطة الواسعة للمعاونيّة العلمية، ففكّر بحلّ
ما لهذه المسألة؛ إما بفصلهما عن بعض وإما بالحدّ الأدنى أن تعيّن مديرًا قويًّا في
نطاق المعاونية العلمية لإدارة مؤسسة النخب؛ ولا تترك عمل مؤسسة النخب للجامعات. لو
كانت الجامعات مؤهّلة وقادرة على هذا العمل لما كنّا أسّسنا مؤسسة النخب أصلًا.
هذه المشاريع؛ يجب أن لا تتعطّل أبدًا!
المشاريع الكبرى في مواضيع بحثية هامة كالمسائل الجويّة –الفضائيّة
والأقمار الاصطناعيّة وما شابه تتعرّض للتوقف أو التلكّؤ؛ هذا الأمر يقلقني، أريد
أن أطرح هذا هنا لكي يتحوّل إلى مطالبات عامة، إنني أطلب من المسؤولين وبشكل جدّي
أن يتصدّوا لمتابعة هذه المسائل؛ هذه المشاريع هي مشاريع مهمة جدًّا؛ حتى بعض هذه
المشاريع التحقيقية تتعلّق بالطاقة النووية تتعرّض لهذا أيضًا.
يجب أن لا تتوقّف هذه المشاريع أبدًا؛ يجب أن لا تتعطّل كليًّا ولا جزئيًّا، حيث
يُقال إنّ بعض هذه المشاريع نصف معطّلة أو إنها على مشارف التعطيل والإغلاق! وأعتقد
أنّ المعاونيّة العلميّة تستطيع أن تقوم بدور مؤثّر في هذا المجال؛ هذا أمر مهم
جدًّا. فهذه خسارات علميّة لنا، وكذلك فإنّ العالم الشاب الذي يعمل بكل جدّ وأمل في
القسم النووي مثلًا أو المجال الجوي- الفضائي أو تقنيات النانو أو العلوم البيئيّة،
عندما يرى الإهمال والتعطيل فإنّه ييأس ويفقد أمله.
لقد ذكرت سابقًا أنّ اليأس وفقدان الأمل لدى شبابنا خطر كبير جدًّا. وأنا العبد كنت
قد دوّنت عندي أنّ هذه المشاريع إمّا أنّه يجب أن تُسلّم إلى المعاونيّة العلمية
وإما في الحدّ الأدنى أن تُشرف عليها المعاونيّة العلميّة بشكل جيّد ودقيق؛ يجب جذب
الطاقات واستقطابها نحو هذه المجالات.
.. ومعاونية ثقافية
هناك نقطة أخرى أطرحها، وهي أنه ولحسن الحظّ قد تمّ تشكيل معاونيّة
ثقافيّة داخل المعاونيّة العلميّة وهذا عمل جيّد؛ غاية الأمر، فليكن السعي والعمل
أن يكون هذا النشاط الثقافي ذا مستوى راقٍ ورفيع، فاليوم ولحسن الحظّ، إنّ مستوى
التفكير الديني بين فئات الشباب قد ارتفع وتطوّر. وأنا أستفيد هنا من هذه الفرصة
لأشكر هذه اللجان والمجموعات التي كانت تدير مراسم العزاء والمجالس في أيام
عاشوراء، والتي أعرف بعضها وأنا مطّلع على نشاطها، وبعضها الآخر تصلني تقارير عنه.
لقد ارتفع مستوى الهيئات بشكل مميّز؛ خطباء جيّدون، مطالب جيّدة فأنا أسأل حتى عن
موضوع البحث الذي يُطرح في المجالس، بعض الذين يتردّدون إلى تلك المراسم – حسنٌ،
إنّ هذا جزء من أعمالنا، أي إننا متخصّصون وخبراء في هذه المسائل- وقد لاحظت حقًّا
أنّ الوضع جيد جدًّا؛ المستويات رفيعة، الكلام والأفكار جيدة والشباب حاضر بقوة في
هذه المجالس. وقد كان لنا هنا أيضًا مجالس إحياء؛ لعلّ أكثر من تسعين بالمئة من
الحاضرين كانوا شبابًا؛ وقد طُرحت هنا أبحاث جيدة، لكن هناك مجالس بقيت لعشر أو خمس
عشرة ليلة أو نهار، كان الخطباء جيّدين وكانت اللطميات أحيانًا جيّدة وبعض مجالس
العزاء كانت عميقة جدًّا؛ كل هذا له قيمة عالية.
إنّ مستوى فكر الشباب في مجال المسائل الدينيّة قد ارتفع عاليًا؛ ويجب أن ينمو
العمل الثقافي ويصل للرشد بهذه النسبة نفسها.
الرحلات الجهادية؛ نشاطٌ وشحذٌ للهمم
من الأمور التي يمكن أن تكون مفيدة جدًّا؛ إقامة الرحلات الجهاديّة
للشباب النخبة. هذه الرحلات الجهادية ذات قيمة عالية؛ إنّ حضوركم أيها النخب هناك،
يعرّفكم أولًا إلى أوضاع بلدكم وكذلك يعرّفكم إلى مختلف فئات المجتمع، ويعرّفكم إلى
المهام الكبرى الملقاة على عاتقكم ويُظهر لكم تقصيرنا ونقاط ضعف أعمالنا طوال هذه
السنوات بعد انتصار الثورة – نحن قصّرنا حقًّا في بعض المجالات- إنّ حضوركم هناك
يمنحكم النشاط والحركة؛ إنّ دماءً تجري في شرايين الإنسان عند حضوره في أمثال تلك
المناطق (جبهات الدفاع المقدّس على الحدود الإيرانية -العراقية).
يجب إنقاذ العالم من الجهالة والضلالة
خلاصة الأمر؛ أطرحها في عبارة واحدة في ختام كلامي: نحن نريد مجتمعًا
وبلدًا يرفع رأسه في المحافل العلميّة العالميّة لينقذ العالم من الجهالة والضلالة
التي تسودها.
أيها الشباب الأعزاء! إنّ هذا الهدف ممكن التحقيق. إن استطعتم أن تجعلوا بلدكم
متقدّمًا على المستوى العلمي، وعلى مستوى الثقة بالنفس، الإبداعات وبذل الجهود في
هذا العالم المليء بالجهالة والضلالة، فيغدو بلدكم معلمًا بمقياس المعايير المقبولة
عالميًّا –شواخص العلم والتقدم التقني والثروة والماديات والموارد البشرية- وفي
الوقت نفسه، يكون بلدًا يتحلّى بالمعنويات والشرف والتوجّه إلى الله، والإيمان
والثقة بالله في أعلى المستويات. إنْ تحقّق هذا الوضع، فسيكون أهم عامل مؤثر في جذب
إيمان الناس وقلوبهم؛ أنتم تستطيعون إنقاذ البشريّة. أن نقوم بلقاء الأشخاص والجلوس
معهم واحدًا واحدًا وطرح الاستدلالات لكي نوجّه أذهانهم نحو الإيمان بالله
والإسلام، فهذا أثره في مقابل حركة كهذه، مثل عُشرٍ أو واحد بالمئة، أو واحد بالألف
أو واحد بالمليون مقابل عدد كبير جدًّا! كنسبة قطرة ماء إلى البحر؛ نحن نريد أن
تحصل حادثة كهذه. يجب إنقاذ الناس والبشرية من هذه الضلالة وهذه الجهالة؛ أنتم من
يمكنه القيام بهذه المهمة.
وهل يمكن حسن الظنّ بهم!؟
واليوم، إنّ أجهزة العالم الشيطانية، القوى الشيطانية، القوى الشيطانيّة
في العالم، تُغرق الناس يومًا بعد يوم بشكل أكثر في مستنقع الجهالة والضلالة هذا،
وتحارب كل من يخالف حركتها الشيطانية في أي نقطة في العالم. والآن فإن السادة
الأمريكيين الذين يلتقون في اجتماعات مع مسؤولينا، يعتبون عليّ –أنا العبد الحقير-
ويسألون لماذا هو متشائم وسيّئ الظنّ بنا إلى هذا الحدّ؟ حسنًا، هل ينبغي أن
أتفاءل؟ مع هذا الوضع الذي أنتم عليه، هل يمكن حسن الظن بكم؟ في هذه الأيام الأخيرة
الماضية، أحد هؤلاء "الحضرات"، أعلن في برنامج تلفزيوني، كان يتحدّث فيه عن الحظر
على إيران بأنّه طالما تؤيد الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران "المقاومة" في المنطقة
وتقدّم لها الدعم والمساعدة، فمن غير المعلوم أن يتغيّر وضع العقوبات!
انظروا! هذا هو الأمر نفسه الذي كنت أقوله مرارًا؛ قلته للمسؤولين في اللقاءات
الخاصة وكذلك طرحته في اللقاءات العامة، حيث كنت أقول: هل تظنّون وتتخيلون بأنكم إن
تراجعتم في مسألة الطاقة النووية فستنتهي مسألتكم مع أمريكا؟ كلا أيها السيد، سيتمّ
طرح مسألة الصواريخ: لماذا تملكون صواريخ؟ وعندما يصلون لليأس من مسألة الصواريخ
يطرحون قضيّة المقاومة ولماذا تدعمون حزب الله وحماس وفلسطين؟ إذا استطعتم حلّ هذه
المسألة وتراجعتم أمامهم ستُطرح قضية جديدة، مثلًا قضية حقوق الإنسان، فإذا حللتم
تلك المسألة وقلتم حسنًا، نحن سنعمل في مجال حقوق البشر وفق معاييركم، ستأتيكم
مسألة تأثير الدين ودوره في الحكومة؛ فهل سيتركونكم وشأنكم؟ إنّهم لا يستطيعون
تحمّل وجود نظام في بلد يتمتّع بهذه المساحة الواسعة وهذا العدد من السكان وهذه
الإمكانات وكل هذه أمور استثنائيّة.
على النخب أن تعرف هذا الأمر:
إنّني أقول لكم: مساحة بلدنا الواسعة وعدد سكاننا وإمكاناتنا البشرية
ومواردنا الجوفية، من المميزات البارزة في العالم. أنا لا أريد أن أرتجز وأتغنّى
بهذا؛ في هذا البيان الذي صدر مؤخّرًا عن الاتحاد الأوروبي ووصل إلينا أيضًا،
يتحدّثون فيه عن العلاقات مع إيران ويحلّلون أوضاع إيران، يذكرون كلّ هذا الكلام
الذي أذكره لكم حول جزء من إمكانات البلد، حيث قالوا إنّ إيران هي بلد يتمتّع
بموارد كهذه وطاقات وأسواق ولديه شعب كهذا وقابليات كبرى ومصادر جوفيّة وموقع
استراتيجي استثنائي –هذا ما يقوله الآخرون- حسنًا، حين يقف بلد لديه هذه المميزات
في مواجهة التسلّط والهيمنة، فإنّ هذا يصعب كثيرًا عليهم! لا يمكنهم تحمّل نظام
إسلامي، نظام ديني، ويعارضون؛ ينبغي على الشباب والنخب أن تعرف هذا الأمر. لا أقول
لكم أن تنهضوا دائمًا لتطلقوا شعار "الموت لفلان" و"يحيا فلان"؛ نحن لا نقول بهذا
ولا نتوقعه من أحد من شبابنا –وبالطبع فهذا أمر جيّد ونتوقعه في موقعه المناسب- لكن
يجب أن تعلموا، يجب أن تتمكّنوا من تحليل المسائل السياسية في المنطقة وفي البلاد
وعلى هذا، فإننا نسأل الله تعالى أن يوفّقكم ويحفظكم للبلاد.
أنتم أبناء الشعب الإيراني وفلذات أكباده؛ ندعو الله تعالى أن يحفظكم لهذا الشعب
وأن يهديكم جميعًا نحو ما فيه رضاه إن شاء الله.
والسلام عليكم ورحمة الله
1- جرى هذا اللقاء بمناسبة المؤتمر
الوطني العاشر لنخب الغد، وقد ألقى في بداية اللقاء السيد الدكتور "سورنا ستاري"
(المعاون العلمي لرئيس الجمهورية ورئيس مؤسسة النخب) تقريرًا وكذلك تكلّم سبعة من
الشباب والشابات النخب.
2- قال سماحة القائد: الشباب الأعزاء يكتبون أحيانًا بعض الأشياء – مثل هذه الأوراق
التي يرفعونها أو يكتبون كلمات على أكفّهم - أنا أشكرهم كثيرًا؛ للأسف فأنا لا
أستطيع أن أراها، أي إنّني في الحقيقة لا أتمكّن الآن من قراءتها، إن سلّمتم فيما
بعد هذه الأوراق واللوحات التي ترفعونها إلى الإخوة هنا كي أراها وأقرأها عن قرب
فسيكون هذا جيّد جدًّا، لكني الآن لا يمكنني أن أعرف ما هي عن هذا البعد.
3- من جملتها، كلمة سماحته في لقاء عدد من أساتذة الجامعات في 22-5-1391ه ش(2012م)
4- نهج البلاغة، الخطبة 11.
5- من جملتها، كلمة سماحته في لقاء عدد من رؤساء الجامعات ومراكز الأبحاث والحدائق
العلميّة في20-8-1394 ه ش( 11-12-2015م)
6- المصدر السابق.
7- من جملتها، كلمة سماحته في لقاء جمع من طلاب الجامعات والمتفوّقين علميًّا
ورؤساء الشركات القائمة على العلم22-7-1394 ه ش( 13-11-2015م)