يتم التحميل...

كلمة الإمام الخامنئي في حشد من أهالي قم المقدسة بمناسبة يوم 19 دي

2016

كلمة الإمام الخامنئي في حشد من أهالي قم المقدسة بمناسبة يوم 19 دي

عدد الزوار: 138

كلمة الإمام الخامنئي في حشد من أهالي قم المقدسة بمناسبة يوم 19 دي[1]_09/01/2016

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام على سیّدنا ونبیّنا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطیبین الأطهرین المنتجبین، لا سیّما بقیّة الله في الأرضین.

قدمتم خير مقدم أيها الإخوة والأخوات الأعزاء من أهل قم! لقد سطع اسم هذه المدينة في التاريخ بجهود أهاليها روّادًا وطلائع. وكلّما تقادمت الأيام منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، استدام هذا المفهوم وترسّخ بالأحداث التي عاشها أبناء قم الأعزاء والتجارب التي اكتسبوها. ولله الحمد فقد أضحت مدينة قم مصدراً ومركزاً ومنبتاً للثورة، وستغدو إن شاء الله موطناً لمواصلة طريقها وإرساء دعائمها يوماً بعد آخر. نرحّب بكم أجمل ترحيب، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجزيكم خير الجزاء.

هذه الأنشودة الرائعة التي أنشدتموها، يجب أن تقتصر الفقرة المتكرّرة فيها على مخاطبة ولي العصر (أرواحنا فداه) لا غير. فلنتعوّد على أن نهب ونهدي وافر إخلاصنا وجميع تضحياتنا وبالغ محبتنا وكل قلوبنا لتلك الشخصيّة العظيمة. فإنّ الدعاء له يستوجب دعاءه للداعي، وهذا ما ورد في أحاديثنا.

قضية 19 دي متجدّدة لا تبلى
لقد أُلقيت كلمات كثيرة طيلة هذه الأعوام من قبلي ومن قبل آخرين بمناسبة اليوم التاسع عشر من شهر دي (9/1/1978)؛ اليوم الذي عقدتم أيّها الأعزاء من أجله هذا الاجتماع الذي يسوده الودّ والوئام. وبعض هذه الكلمات بالطبع مكرّر لا ينطوي على كلام جديد، ولكن رغم كل ذلك، فإنّ قضية التاسع عشر من دي، قضية متجددة لا تبلى. وما يتكرّر على ألسنتنا مما قد تكلمنا عنه سابقاً لا يوجب اصطباغ هذه الحادثة بصبغة البلاء والاندراس؛ مَثَلها كمَثَل واقعة كربلاء، ولا نريد بالطبع المقارنة بين أهمية تلك الواقعة مع أي واقعة أخرى، ولكن نقول في مقام التشبيه إنّها كواقعة كربلاء، فمنذ نحو ألف وثلاثمئة عام وهذه الواقعة تتكرّر وتجري على الألسن مرّات ومرّات من دون أن تبلى، وهي كالشمس الساطعة تشرق كلّ يوم من دون أن يعتليها غبار القِدَم، وفي كل عام وكل شهر تنشر النور والطاقة والقوة في حياة هذا المجتمع والمجتمعات الإسلامية. والحال ذاتها في هذه الحادثة، وهي من سنخ حادثة عاشوراء. والسبب في ذلك هو أنّ العمل الذي تم إنجازه في التاسع عشر من دي، كان إنجازاً عظيماً، إذا ما تكرّر نظيره في أي شعب أو جماعة سيخلّف آثاراً مُذهلة.

إدراك الموقف في وقته!
كانت الأرضيّة قد تهيّأت بين أبناء الشعب الإيراني، إذ لا يمكن لأيّ مهمة أن تُؤتي ثمارها من دون تهيئة الأرضيّة لها. فكلمات الإمام الخميني على مدى سنوات الكفاح، ونضال الذين ناضلوا، وبيان الأفكار الثورية ونشرها في كل أرجاء البلاد، بالإضافة إلى منزلة العلماء والمراجع في أوساط الناس ومكانتهم التي كانت قد ترسّخت منذ قرون؛ كل ذلك قد هيّأ تلك الأرضية، بيد أن هذه الأرضية كانت بحاجة إلى مفتاح يحرّكها ويشغّلها، وهذا ما تصدى له أهل قم. فقد أنجزوا إنجازاً كبيراً، حيث نزلوا إلى الساحة دفاعاً عن الإمام الخميني العظيم؛ والساحة أيضًا لم تكن ساحةً معروفة، بل كانت ساحة رصاصٍ وإطلاق نار، وساحة رعبٍ وقمع. إلا أنّهم ومن دون أن ينتابهم خوف ورعب، وبشجاعة كاملة، وإدراك للموقف في أوانه نزلوا إلى الساحة -وإني أشدّدُ على هذه الكلمة: "إدراك الموقف في أوانه والشعور بالتكليف في وقته"، لا في وقتٍ متأخر -. وبالتالي فإن دماء شهداء التاسع عشر من دي التي أريقت ظلماً وعدواناً، وشجاعة أهالي قم، ونزولهم إلى الساحة في أوانه، ومعرفة التكليف في وقته المناسب، قد فعلت فعلتها. وهذا هو في الحقيقة ذلك المفتاح الذي شغّل هذه الحركة، وآلَ إلى تفعيل تلك الأرضيّة، ونهوض أبناء الشعب. ومن هذا المنطلق، فإنّ المهمّة التي اضطّلع بها أهالي قم، لا يمكن أن تذهب في غياهب النسيان.

ثورة خارج الحسابات!
لا أريد سرد أحداث التاريخ، فلدينا قضايانا المعاصرة، وعلينا أن نعرف اليوم ما هو واجبنا ليوم غد. لقد انتصرت الثورة الإسلامية، وكان هذا الانتصار أمراً مستحيلاً وفق الحسابات الدارجة في العالم. إذ لم يكن أحدٌ يصدّق أنّ بلداً كإيران، بما تحمله القوى الاستكبارية من حساسية تجاهه -حيث كان متنزّهاً للصهاينة، ومحلاً لحضور المستشارين الأمريكيين، وموطناً يشعر فيه الأجانب بالهدوء والراحة، فقد قال الرئيس الأمريكي في خطابٍ له بطهران قبل عشرة أيام تقريباً من 19 دي، بأن إيران جزيرة مستقرة؛ هكذا كانوا يحسبون هذا البلد -في مثل هذا المكان، وفي مثل هذا البلد، وفي ظلّ مثل هذه الحكومة القامعة الجائرة التي كانت تواجه الناس بلا رادع، وتحت وطأة أمريكا، كان من المستحيل وفق الحسابات الطبيعيّة أن تنتصر ثورة قائمة على أساس الدين والمعتقدات الدينية وإيمان الناس، على يد الناس أنفسهم، وبقيادة مرجع تقليد وعالمٍ مبرَّز؛ هذا ما كان يبدو أمراً متعذراً. ومن هنا لم يتوقّع أيّ جهاز استخباراتي في تقديراته حدوث مثل هذا الأمر، لأنّه لم يكن ينسجم مع الحسابات الطبيعيّة على الإطلاق. في مثل بلدٍ كهذا، تنتصر ثورة بهذه الطريقة من دون أن تشهد إخقافاً وفشلاً[2] وتقوم بوضع أسس نظامٍ، وإقامة جمهورية إسلامية، وهكذا تواصل الجمهورية الإسلامية مسيرتها، وتقوى وتتجذر وتترسخ يوماً بعد يوم.
 
"فلمّا رأى الله صدقنا.."
لم تكن كلّ القواعد والحسابات الماديّة تقبل مثل هذا الشيء، ولم تكن تراه أمراً ممكناً، ولكنه تحقق بالفعل. وتحقُّق ذلك مؤشرٌ على أن هناك قوانين تحكم عالم الكون وعالم الوجود لا يعرفها الماديون؛ ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ[3]، وفي مكان آخر: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ[4]، وسنّة الله هي القوانين الإلهية الحاكمة على عالم الوجود وعلى جميع أرجاء هذا الكون العظيم. هذه القوانين مثل القوانين الطبيعيّة، كقانون الجذب، وقانون الكواكب والشمس والقمر وجريانهما في الليل والنهار، فإنّ هذه بأسرها قوانين طبيعيّة. وكذلك ثمّة قوانين تحكم المجتمعات البشريّة لا يتأتى للماديين إدراكها ورؤيتها بأبصارهم الكليلة، ولكنها موجودة. فلو عمدنا إلى تمهيد السبيل لهذه القوانين بأيدينا، سيقوم الله سبحانه وتعالى بإثباتها. فالنار ]على سبيل المثال[ حارقة، ولكن عليكم تهيئة الأرضية، وإضرام النار، ومن ثمّ وضع شيء غير رطب عليها، فإنّها ستشتعل. إن هيّئوا الأرضية سيعمل القانون الطبيعي عمله. ولذا يجب تمهيد الأرضية، وهذا ما نهض به الشعب الإيراني. وقد ورد هذا المعنى في كلمات الأعلام، وآيات القرآن، وروايات الأئمة (ع)، وأحاديث رسول الله (ص). كما في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين (ع): «فَلَمّا رَأَى اللهُ صِدقَنا أَنزَلَ بِعَدُوِّنَا الکَبتَ وَأَنزَلَ عَلَینا النَّصر»[5]. وهذا قانون وقاعدة عامة، وقد تحققت هذه القاعدة في الثورة الإسلامية أيضاً، حيث نزل الناس إلى الساحة صادقين وصمدوا.

نواجه جبهة عريضة!
لنستخلص هنا نتيجة وهي أن ثمة جبهة معادية واسعة تواجهنا، وهذه الجبهة العريضة تتمثل في زعماء الكيان الصهيوني، وساسة الإدارة الأمريكية، وأيادي الاستكبار العالمي، والجماعات التكفرية، وداعش. فانظروا كم هذه الجبهة واسعة النطاق وتتشكل من ائتلاف عظيم غير متآلف، وهؤلاء بأسرهم يعادون نظام الجمهورية الإسلامية، وبالتالي فهناك جبهة موجودة، بإمكانها أن تُنجز الكثير من الأعمال والهجمات الإعلامية، لأنّ كل وسائل الإعلام العالميّة في قبضتها، ولذلك يشيعون وينشرون ضدّ الجمهوريّة الإسلاميّة كلّ ما يحلو لهم. إضافةً إلى أنّ مقاليد الشؤون الاقتصادية بأيديهم، والقوى السياسيّة بأيديهم، والأنظمة الأمنيّة بأيديهم، والأجهزة الاستخباراتيّة بأيديهم، وهم يواجهون نظام الجمهوريّة الإسلاميّة. هناك جماعة إذا ما نظروا إلى هذه الجبهة ارتعدت فرائصهم، والسبب في هذا أنّهم غافلون عن ذلك المفهوم الرئيسي الهام المتمثّل في السُنّة الإلهيّة. لقد واجهت الثورة حالات العِداء نفسها هذه بل أشدّ منها، ولكنّها انتصرت، واليوم أيضاً نواجه هذا العداء نفسه، واليوم أيضاً لو عملتم بلوازمه لحالفكم النصر لا محالة، واليوم أيضاً يصدق هذا القول: «فَلَمّا رَأَى اللهُ صِدقَنا أَنزَلَ بِعَدُوِّنَا الکَبتَ وَأَنزَلَ عَلَینا النَّصر». فلو نزلنا -أنا وأنتم -إلى الساحة بصدق، وعملنا بلوازمها، وصمدنا، وتحلّينا بالبصيرة، وقمنا بالعمل في وقته، وتكلّمنا بالصواب، وعملنا بشكل صحيح، وخضنا الميدان بصدق، سوف يصدق علينا ما قاله أمير المؤمنين: «فَلَمّا رَأَى اللهُ صِدقَنا أَنزَلَ بِعَدُوِّنَا الکَبتَ وَأَنزَلَ عَلَینا النَّصر»، حيث يكون النصر حليفنا، والكبت والقمع حليف الأعداء. إلى هنا عرفنا أنّ الثورة كنقطة أساسية مشرقة، تُلهمنا درساً كبيراً لمستقبلنا.

ثورتنا.. منقطعة النظير!
أما فيما يتعلق بالمقارنة التي أشرت إليها ما بين الثورة الإسلاميّة وبين أحداث أخرى، فإنّه إذا ما قارنّا بين هذه الثورة وبين سائر الأحداث التي وقعت في هذا البلد أو في العالم ]لوجدنا أنّها حادثة منقطعة النظير[. ولو أردتُ أن أخوض البحث للمقارنة بينها وبين بعض الثورات الكبرى، لطال الكلام، وقد أشرنا بعض الشيء إلى هذه المقارنة قبل ذلك في بعض اللقاءات.

وأمّا بالمقارنة مع أحداث بلدنا الداخليّة، فلنقارن الثورة على سبيل المثال بنهضة تأميم النفط[6] التي كانت حادثة كبيرة في البلد، فإن الناس حضروا فيها أيضاً في الميدان ونزلوا إلى الساحات، ولذلك اشتهرت على ألسن السياسيين بالنهضة الوطنيّة. ولكن ماذا كانت مطالب هذه النهضة؟ كانت تطالب بالحدّ الأدنى من المطالب، إذ لم تكن تسعى وراء الاستقلال الاقتصادي والاستقلال السياسي والاستقلال الشامل، وإنما كان نفطنا تحت سيطرة الإنجليز بالكامل، وكنّا نطالب في نهضة تأميم صناعة النفط بانتزاع البترول من أيديهم وسيطرتنا عليه. ولم يكن هذا مطلباً كبيراً جداً، حتمًا كان مهمًّا، لكنّه لم يكن استقلالًا تامًّا. في هذه النهضة نزل الناس إلى الساحة أيضاً، وتخللتها بعض الأحداث، ولكنها لم تستمر لأكثر من عامين أو ثلاثة! واستطاع العدوّ القضاء عليها، والحيلولة دون استمراريتها. وبعد أن قُمعت النهضة، ساءت أوضاع النفط بشدّة؛ أي إن الائتلاف التجاري الذي تمّ تأسيسه في البلد بعد انقلاب الثامن والعشرين من مرداد (19/11/1953)، أسوأ بكثير ممّا كان عليه قبل ذلك؛ أي إن كان البترول فيما مضى تحت سيطرة الإنجليز، فقد أضحى الآن تحت هيمنة إنجلترا وأمريكا معاً! وأصبح تحت سيطرتهم بالكامل، واستمر الوضع على هذا المنوال حتى "انتصار الثورة الإسلامية". أما الكلام في الثورة الإسلاميّة فإنّه لم يدُر حول النفط، وإنما كان يدور حول الاستقلال التامّ في الجانب السياسي والاقتصادي والثقافي؛ وقد اندلعت الثورة بهذه الشعارات، ولا يمكن مقارنتها بنهضة التأميم، بيد أنّ تلك النهضة لم تستقم، ولكن هذه الثورة، نجحت، واستمرّت وخُلّدت.

أما عن مقارنة الثورة بالحركة الدستورية، فإنّ الحركة الدستورية تقع على جانب كبير من الأهميّة في البلد، ولكن، ماذا كانت مطالب هذه النهضة والحركة الدستورية؟ وضع الحدود للحكومة الملكية المطلقة والمستبدة؛ ويبقى الملك متكئاً على عرشه، ويبقى على ما كان عليه من إصدار الأوامر والنواهي، ولكن تُحَدُّ تلك السلطة المطلقة التي كان يتمتّع بها، وذلك من خلال تشكيل مجلس.. هذا ما كانت تطالب به الحركة الدستورية. وفي غضون ذلك نزل الكثير من الناس إلى الساحة بمختلف أطيافهم، وبذلوا أنفسهم، وقدّموا الشهداء، إلا أنّ العدو قد فرض سيطرته على هذه النهضة وتحكّم بها، وأصبحت في يده، وأطاح بها في واقع الأمر. وبعد القضاء على الحركة الدستورية، اشتدّ الاستبداد والديكتاتورية! فإنه بعد خمسة عشر عاماً من المصادقة على [مطالب] الحركة الدستورية، تسلّم رضا خان مقاليد الأمور، وهو الذي لا يُقارَن استبداده بأيّ واحد ممّن سبقه، فقد كان ظالماً، جبّاراً، عدواً بكل ما للكلمة من معنى، وخادماً للأجنبي. فسائر الحكّام رغم استبدادهم، لم يستسلموا للأجنبي بهذا الشكل، لكن [رضا خان]جاء بأمر الأجنبي وخرج بأمر الأجنبي، وكانت مقاليد الأمور كلها بيد الإنجليز، وحينما أراد أن يحرّك ساكناً أمامهم، ولو قليلًا، ألقموه حجراً وطردوه وانتهى أمره. إذًا فالحركة الدستوريّة رغم الحدّ الأدنى من مطالبها، لم تكن قادرة على مواصلة الطريق، وأخفقت، وقُضي عليها.

جديرة بالتحليل والدراسة؛ ثورة بمطالبها القصوى!
ولكن ماذا عن الثورة الإسلامية؟ الثورة الإسلامية لم تدعُ إلى الحدّ من حكومة السلاطين، وإنما قالت: ماذا تعني الملكيّة أساساً؟ وما هو المراد منها؟ ثمة شعبٌ يعيش في مملكة تعود إليه، فلِمَ يتسلّط شخصٌ على رقاب الناس، ويجري أمره فيهم؟ لقد قامت الثورة باقتلاع جذور الملكيّة وأساس الحكومة المطلقة. ومع ذلك فقد بقيت وخُلّدت، وهناك تحليل يبيّن ما هو السرّ في هذا البقاء والخلود؟ لماذا لم تتمكن نهضة تأميم النفط رغم حضور الناس فيها -إلى حدّ كبير، وليس كما كان في الثورة -ورغم مطالبها الدنيا، من مواصلة الطريق، فيما الثورة الإسلامية التي على الرغم من مطالبها القصوى المتمثلة في الاستقلال، بقيت وواصلت طريقها؟ لماذا لم تكن الحركة الدستورية رغم الحد الأدنى من مطالبها في تحديد السلطة المطلقة، قادرة على الاستمرار والبقاء، بينما الثورة الإسلامية رغم الحد الأقصى من مطالبها في استئصال شأفة السلطنة والنظام الملكي في البلد، قد نجحت وتخلدت؟

هذا ما يتطلّب دراسةً وتحليلاً. وعليكم أنتم الشباب التصدي لتحليل هذه القضية، فبالنسبة لي هي واضحة، لكن على الشباب أن يتداولوا هذا الأمر، ويتباحثوا، ويفكروا، وينظروا ما هو الأمر الذي لعب دوراً في هذا المضمار؟ وأيّ عنصر ترك بصماته على تلك النهضات، بحيث لم تتمكّن من مواصلة طريقها ومن إيتاء ثمارها المنشودة، فيما الثورة الإسلامية تمكّنت من الثبات والصمود بكل قوة واقتدار؟ ما هو السبب في ذلك؟ يجب على شبابنا أن يتجالسوا ويحللوا هذه القضية. ولو توصلنا في شأن هذه الأحداث إلى تحليل صائب، لتضاءلت عند ذاك مساعي البعض في بثّ بذور الخوف والرعب واليأس في قلوب الناس ولاضمحلّت كلّياً. ولو أدركنا وعرفنا بشكل صحيح، لاتّضح طريق مستقبل هذا البلد تمامًا. فإنّ بقاء حالة اجتماعيّة وخلودها وثباتها يشكّل عنصراً هاماً للغاية. وهناك بالتالي أحداث عالمية، وقد تكون أيضًا كبيرة جداً، لكنّها تتعرّض للزوال والاضمحلال، ويقوم العدو باحتوائها والقضاء عليها. أما أن تتمكن ثورة من المحافظة على ديموميّتها واستمراريّتها فذلك غاية في الأهميّة. وهذا ما يتطلب بحوثاً مطوّلة، وعلى الشباب أن يتداولوا هذه القضية بحثاً ودراسة.

أما الثورة الفرنسيّة..
ولنفترض على سبيل المثال: الثورة الفرنسية الشهيرة، والمعروفة بالثورة الفرنسية الكبرى، فقد كانت في حقيقة أمرها ثورة كاملة شاملة مشفوعة بحضور الناس وحضورهم، ورغم ما تخلّلها من أحداث مريرة انتصرت في نهاية الأمر، ولكنّها لم تصل حتى إلى الخامسة عشرة من عمرها. لقد كانت ثورة مناهضة للملكيّة، ولكن، بعد أقل من خمسة عشر عاماً من اندلاع الثورة، بدأ عهد نابليون، وهو عبارة عن ملكيّة مطلقة، وغابت الثورة في مدارج النسيان! فإن تلك الأسرة نفسها التي طُردت بالثورة، عادت وتربّعت على كرسي الملك، وامتدت حكومتها لسنوات طوال، ثمّ علت أصوات الناس من جديد، وتكرّرت الأحداث، واستمرت هذه المنازعة والمغالبة في فرنسا نحو مئة عام، حتى استقرت في نهاية المطاف تلك الجمهورية التي كانت تنشدها الثورة، بعد زهاء تسعين عاماً أو مئة عام؛ لم يتمكنوا من صيانة الثورة والمحافظة عليها [منذ البداية].

والثورة الروسية أيضاً هي الأخرى شهدت المصير نفسه بطريقة مختلفة.

 أما أن تتمكن ثورة من البقاء والمحافظة على نفسها ومغالبة أعدائها والتغلب عليهم، فذلك في غاية الأهميّة. وثورتنا هي الثورة الوحيدة التي استطاعت أن تقوم بهذا الأمر، وعليها أن تتمكّن من القيام بهذا الأمر بعد ذلك أيضاً.

هدفهم القضاء على الثورة
وأقولها لكم إنّ جميع مراكز الفكر السياسي في العالم الاستكباري اليوم-سواء في أمريكا أو في بعض البلدان الاستكبارية الأخرى -قد استجمعت فكرها وقواها لترى ماذا تصنع لاقتلاع جذور هذه الشجرة وهذه الدوحة، التي كانت ذات يوم غرسة صغيرة، ومع ذلك لم تتمكن من القضاء عليها، وقد أصبحت اليوم شجرة باسقة. التفتوا، لكي تستقر المسألة في أذهانكم. فالأنباء التي تصلنا والتحليلات التي تُرفَع إلينا من قِبَل من يقدّم تحليلاتهم لنا، تفيد بأن الذي يدور في أفكارهم على الدوام، هو أنهم ماذا عليهم أن يفعلوا للقضاء على هذه الثورة. والثورة حالياً وبفضل الله وجهودكم أنتم أيها الناس، تشقّ طريقها نحو الأمام، وتقوى وتتقدم يوماً بعد آخر.

لقد استنفروا كل طاقاتهم للإخلال بعناصر بقاء الثورة ودوامها، وعلينا جميعاً -أنا وأنتم -أن نشحذ كل هممنا لإرساء دعائم هذا الخلود والبقاء. فمنذ بداية الثورة وهم يفكرون بالقضاء عليها، وكان هذا هو السبب في إشعال نار الحرب المفروضة، وإثارة الصراعات القوميّة في أطراف البلاد، وفرض الحصار الاقتصادي، والعقوبات الشديدة في السنوات الأخيرة، وتأسيس الجماعات التكفيريّة في شرق البلد وغربه، كلّ ذلك من أجل القضاء على هذه الثورة، وعلى عناصر البقاء فيها التي تعتبر بالنسبة لهم مذهلة ومريرة وموجعة للغاية. وقد وظّفوا من أجل ذلك كل همهتم وطاقتهم. وأخذوا كل يوم يحيكون مؤامرة جديدة، نظير الأحداث التي اندلعت عام 2009، والتي تعتبر من الابتكارات الأمريكية الجديدة. علماً بأنهم قد جرّبوا ذلك في عدة أماكن أخرى، ولم يكن الأمر مختصّاً بنا، حيث نفّذوا هذه الخطة في عدد من الدول الأخرى، ثم جاؤوا ليطبّقوا هذه التجربة نفسها على بلدنا أيضاً، ولكنّهم تلقّوا صفعةً. وابتكارهم هذا يتمثّل بأنهم يقومون في بلدٍ قد أقيمت فيه الانتخابات وتم التصويت فيه لحكومة لا تؤيّدها أمريكا، ولا تضمن المصالح الأمريكية بالشكل الذي يروقُها، بجرّ تلك الأقليّة التي لم تُحرز أكثرية الأصوات إلى الساحة، وسوقها إلى الشوارع وذلك بذريعة الانتخابات! ولكي يبرّزوا هذه الأقليّة ويلفتوا الأنظار إليها، يحدّدون لها لوناً معيناً، كاللون الأرجواني والوردي والأخضر وما شابه ذلك، وما وصل إلينا هو اللون الأخضر، وكانوا قد حدّدوا قبل ذلك في أماكن أخرى اللون الأحمر والبرتقالي ونحو ذلك، ليجرّوا بهذه الحيلة تلك الأقليّة التي لم تحقق فوزاً في الانتخابات إلى الشوارع. وعلى هذه الأقلية -التي هي من أبناء الشعب حقاً، ولا شك في ذلك، لكن مرشحها لم يفز بالاقتراع -أينما كانت أن تثبت على مطالبها، وهم بدورهم يدعمونهم مالياً وسياسياً متى ما اقتضت الضرورة ذلك، ويزوّدونهم حتى بالسلاح إن تطلّب الأمر، وذلك لإفساد نتائج الانتخابات. وهذا ما نفّذوه في عدة بلدان ونجحوا في ذلك، وجاؤوا إلى بلدنا لتنفيذ هذه العمليّة أيضاً، ولكنهم لم ينجحوا في تحقيق مآربهم؛ لقد تكررت هنا أيضاً تلك القضية بعينها.

علماً بأن أصدقاءنا حينها كانوا يوصونني باستمرار بأن لا أعبّر عن تلك الأحداث بالثورة الملونة، ولكوني أؤمن بالمشورة -وللمستشارين آراؤهم وأفكارهم -لم أُطلق عليها عنوان الثورة الملونة، إلا أنها بالتالي كانت ثورة ملونة، وكانت في الحقيقة انقلاباً ملوّناً فاشلاً. وهذا أمرٌ بالغ الأهمية، فهذه الأحداث التي أثارها الأمريكيون بالأموال والإمكانات في أربع أو خمس دول أخرى ونجحوا فيها، قد فشلت في الجمهورية الإسلامية رغم دعمهم ومساندتهم.

رسالة الرئيس وسلوك عدائي
قُبَيل تلك الأحداث، بعث الرئيسي الأمريكي إليَّ رسالة -وكانت الرسالة الثانية -مشحونة بالتصريحات المؤيّدة لي أنا العبد الحقير، ولنظام الجمهورية الإسلامية، وكنت عازماً على الإجابة، ولم أكن أنوي عدم الردّ، ولكن بعد حصول تلك الأحداث، اتخذَ [الرئيس] على الفور موقفاً إلى جانب أولئك الذين نزلوا إلى شوارع طهران لمناهضة النظام والثورة، ومجابهة اسم الإسلام في الجمهورية الإسلامية، وحظيت كل أعمال المعارضين بتأييد هؤلاء، علماً بأنهم كانوا يريدون أن يفعلوا المزيد، ولكنّهم لم يتمكنوا من ذلك. واليوم أيضاً، يقول عددٌ من معارضي الرئيس الأمريكي الحالي، بأنك لم تقدّم الدعم الكامل لأولئك الذين ناهضوا الجمهورية الإسلامية في عام 2009. وكيف لا، لقد دعمهم، إلا أنّ الشعب الإيراني تحرّك ونزل إلى الساحة في الوقت المناسب، وقام بالعمل الصحيح.

والحاصل أن هذا البقاء والخلود أمرٌ يتّسم بالأهميّة، ولا بد من النظر إليه كهدفٍ، والتفكير في كيفية ضمانه وتأمينه. فانظروا وفتشوا عن عناصر بقاء الثورة وديموميتها؛ العناصر التي يجب علينا جميعاً تأمينها واحداً بواحد. وقد أشرت إلى أن تحليل هذه المسألة يقع على عاتقكم أنتم الشباب.

معرفة التكليف وأداؤه!
لقد أطلق الأمريكيون على مرحلة ما بعد المفاوضات النووية «مرحلة التشدّد مع إيران»، ولكن هذا التشدد ليس بأقسى من حالات التشدد والتضييق السابقة. فعلى شباب إيران والشعب الإيراني ومسؤولي البلاد التحلي بالوعي واليقظة والأمل والشجاعة والتوكل على الله والاعتماد على نقاط القوة الكثيرة، لمواجهة عِداء الأعداء، وهذا أمرٌ بالغ الأهمية. إنّ لكل لحظة تكليفًا محدّدًا، والواجب هو معرفة ذلك التكليف وأداؤه. لقد أسهبنا في الكلام بشأن هذا الموضوع.

لنتحدّث في قضية الانتخابات التي هي إحدى هذه الوظائف والمهام. فإن الانتخابات في حقيقة أمرها تبعث روحاً جديدة في أبناء الشعب الإيراني، والشعب يكتسب بها أنفاساً جديدة، هذه هي طبيعة الانتخابات. فأن ينزل كل واحد من أبناء الشعب الإيراني إلى الساحة، ويدلي بصوته للمرشح الفلاني معتقداً بضرورة أن يكون هو المسؤول -سواء في رئاسة الجمهورية، أو في مجلس الشورى الإسلامي، أو في مجلس الخبراء؛ ولكل واحد على حدة أهمية بالغة -وأن يشعر كل فرد من أفراد الشعب بالمسؤولية، فإنّ هذا بحد ذاته يعدّ واحداً من تلك العناصر التي تصون الثورة وتحفظها. وحضور الشعب هو أحد تلك العوامل التي تلحق الهزيمة بالعدو. وهذا هو السبب في تأكيدنا وتشديدنا وإصرارنا على مشاركة كل الناس في الانتخابات. ولطالما ذكرت سابقاً -ولا أعلم بالضبط كم كررت هذا الأمر -مطالباً بأن يشارك في الانتخابات حتى أولئك الذين يعارضون النظام، وذلك من منطلق صيانة البلد وحفظ سمعته. قد يوجد من لا يقبل بي، ولا ضير في ذلك، غير أن الانتخابات ليست للقائد، وإنما هي لإيران الإسلام، ولنظام الجمهورية الإسلامية. فعلى الجميع المشاركة في هذه الانتخابات، لأن ذلك سيؤدي إلى إرساء دعائم نظام الجمهورية الإسلامية، وضمانة استقراره واستمراريته، وبقاء البلد [مصونا] تمامًا في أمنه -وهو اليوم كذلك والحمد لله -واكتساب الشعب الإيراني سمعة حسنة ومصداقية عالية ومتقدمة في أنظار الشعوب الأخرى، ومجداً وشموخاً في أنظار أعدائه.. هكذا هي الانتخابات.

الأساس: حضور الناس!
ومن هنا فإن الأساس في الانتخابات هو حضور الناس عند صناديق الاقتراع والإدلاء بأصواتهم. فعلى الجميع المشاركة في الانتخاب لأنها مبعث عزة نظام الجمهورية الإسلامية، وعزة الإسلام، وعزة الشعب الإيراني، وعزة البلد. هذه هي القضية الأولى.

"القضية الثانية: الانتخاب الصحيح"
قد تختلف الآراء والتوجهات، ولا إشكال في ذلك، لكن على الجميع أن يجتهدوا في الوصول إلى الانتخاب الصحيح. فلنبذل سعينا، فقد يصل هذا السعي إلى النتيجة المرجوّة ويكون انتخابنا صحيحاً، وقد لا يصل إلى النتيجة المطلوبة ويكون انتخابنا خاطئاً، ولا بأس في ذلك، فإن الله سبحانه وتعالى سوف يتقبل منا، لأننا أنجزنا ما علينا، وبذلنا جهدنا وسعينا. وأمامنا عمليتان انتخابيتان: انتخابات مجلس الشورى الإسلامي وانتخابات مجلس الخبراء.

يتسم مجلس الشورى الإسلامي بأهمية فائقة، سواء في تشريع القوانين، أو في تعبيد الطريق ووضع السكك للحكومات -فإن المجلس هو الذي يتصدى لإعداد السكك الحديدية من أجل أن يتحرك القطار ويتجه نحو الأهداف -أو على الصعيد الدولي. وتلاحظون أنّ المجلس الحالي -ولله الحمد -يتخذ مواقف جيدة جداً حيال القضايا الدولية، وهذا مغنم وفيه صلاح للغاية بالنسبة إلى البلد. وشتان ما بين هذا المجلس وبين أن نشكّل مجلس شورى يتحدث باسم الأعداء الدوليين والجبهة المعادية الموحدة، هناك بونٌ شاسع بينهما. ويوجد فرق بين مجلسٍ يردد على لسانه قول العدوّ، سواء في الملف النووي، أو في الملفات المختلفة الأخرى، وبين مجلس مستقلٍ، حرٍّ، شجاعٍ، يعكس في شعاراته مطالب الناس، ويعبّر في مواقفه عن المواقف التي ينشدها الناس، وهذا أمرٌ بالغ الأهمية. ومن هذا المنطلق، فإن مجلس الشورى الإسلامي يتسم بأهمية كبيرة، سواء في البعد الداخلي للبلد، أو في سمعته العالمية والدولية، وهذا ما يساهم فيه كل واحد من نوّاب المجلس.

تريدون الإدلاء بأصواتكم، فالمدينة الفلانيّة مثلاً لها نائب واحد، والمحافظة الفلانية لها عشرة نواب، ولكل واحد منهم دوره ونشاطاته، على المرء أن يصل إلى النتيجة بنحو يبعث على الاطمئنان. وبرأيي، بما أننا قد لا نعرف الأشخاص فرداً فرداً -وأنا شخصياً حينما يعرضون عليَّ القوائم الانتخابية للإدلاء بالصوت، لا أعرف بعض من سُجِّلت أسماؤهم في هذه القوائم، وإنما أثق بمن عرّفهم، فأنظر وأرى من هم الذين قاموا بإعداد هذه القائمة، فإن وجدتهم من المتديّنين المؤمنين الثوريين، أثق بكلامهم، وأصوّت لمصلحة قائمتهم، وإن رأيت أنهم لا يأبهون كثيراً بقضايا الثورة والدين واستقلال البلاد، وقلوبهم ميالة إلى ما تمليه أمريكا وغير أمريكا عليهم، لا أثق بقولهم، وهذا برأيي طريق جيد -يجب علينا أن نفتّش لنرى من الذي أعدّ هذه القائمة الانتخابية لمجلس الشورى الإسلامي أو مجلس الخبراء، ولنثق بمن نعتقد حقاً بتديّنه والتزامه، ونعرف أنه من المتدينين الثوريين السائرين على خط الإمام الخميني ونهجه والمؤمنين به حقاً؛ فإن التعرف إلى هؤلاء هو السبيل. ومن سلك هذا السبيل، وتصدى للبحث والتحري في هذا الإطار، فقد أدى ما عليه، وسيثيبه الله تعالى على ذلك، حتى ولو أخطأ في مجال من المجالات. كما إذا كنتُ أتصور على سبيل المثال أن الشخص الذي أدليتُ بصوتي له شخص صالح، واتفق أنه لم يكن هو الشخص المطلوب، إلا أني قد بذلت جهدي، وإن الله تعالى سيهبني الأجر والثواب.

انتخابات مجلس الخبراء
وكذلك مجلس خبراء القيادة هو الآخر يقع على جانب كبير من الأهمية. فإذا ما نظرنا إلى هذا المجلس بالعين الظاهرة، لوجدنا أن أعضاءه يجتمعون في كل سنة مرتين، لمداولة الأبحاث السياسية وغيرها، ثم ينصرفون من بعد ذلك، لكن، لا ينبغي أن ننظر إلى هذا المجلس من هذا المنظار. فإن من المفترض أن ينهض مجلس الخبراء بمهمة اختيار القائد، وهل هذا مزاح؟ على هؤلاء أن يختاروا قائدًا عندما يرتحل القائد الحالي عن دار الدنيا، أو لا يكون هناك قائد أساساً. ولكن، على من سيقع اختيارهم؟ هل سيختارون شخصاً يقف أمام عدوان العدو، ويتكل على الله، ويثبت بشجاعة وبسالة، ويسير على نهج الإمام الخميني؟ هل سيختارون مثل هذا الشخص، أم يختارون فرداً يتسم بسمات أخرى؟ هذا أمرٌ بالغ الأهمية. إنّكم تريدون أن تنتخبوا لمجلس الخبراء من ينهض في الحقيقة بمسؤولية اختيار القائد التي تكون مقاليد مسيرة الثورة بيده، وهذه قضية بالغة الأهمية، ولا تصَنَّف في صنف الأعمال الصغيرة. ولذا يجب التقصي والتحري وتحصيل الثقة.
إذًا، أساس الانتخابات والمشاركة فيها كأصل هو مسألة، وانتخاب الأصلح أو الصالح مسألة أخرى يجب أخذها بعين الاعتبار.

وكذلك المعالم والمؤشرات الثورية أيضاً هي مسألة فائقة الأهميّة، فلنعرف ما هي المؤشّرات الثوريّة حقاً، ولنفتّش عنها بشكل صحيح، ونحدّدها في أذهاننا، ونسأل من هو أعلم بها منا. ولو قمنا بذلك سوف تتسم الثورة بالبقاء والخلود والاستمرار لا محالة.

نماء الثورة أكثر من تساقطاتها
ثمة خصوصيتان في إطار أداء الواجبات: الخصوصية الأولى هي استمرارية الثورة وديمومتها.

ومن البديهي أنّه كما لدينا حالات من التساقط, هناك ايضا نماء [وصعود][7]، وهذا ما ذكرته مرات عديدة. فهناك من كان ثورياً في يوم، ثم تخلى عن الثورة لعارضة عرضت عليه، سواء بحق أو ظلم. فالبعض يُعرض عن الثورة لحادثٍ حدثَ على خلاف ما كان يتوقعه -كما إذا تعرض لظلم في مكان ما -والحق معه [كمظلوم]، بيد أنه في عمله هذا لم يسلك جادة الحق. والبعض الآخر يُعرض عن الثورة لقضايا شخصية وعائلية ومتنوعة أخرى. وهذه هي حالات التساقط في الثورة، وجميع الثورات وكل النهضات الاجتماعية تتعرض لحالاتٍ من التساقط، ولكن إلى جانب السقوط هناك حالات من النماء والتجدد. فإنّ معلوماتي ليست بقليلة، وأنا على علم واطلاع بالكثير من الأماكن، وحينما أُجيل نظري، أجد أن حالات النماء أكثر من حالات التساقط؛ ذلك أن لدينا هذا الكمّ الهائل من المؤمنين في الشريحة الشابة والمتخرجة والمحلّلة والكفوءة في القضايا التقنية والعلمية، وهذه هي حالات النماء والصعود في الثورة. في فترة من الفترات كان بلدنا يعاني من مشكلة وهي أنّ الذين يمكنهم مزاولة التعليم في الجامعات لا يبلغون خمسة آلاف أستاذ.. هكذا كنا في بداية الثورة، حيث هاجر البعض، وأعرض البعض عن التدريس، ولم يتسم البعض الآخر بالأهلية والصلاحية. واليوم لدينا عشرات الآلاف من الأساتذة المؤمنين الذين يزاولون أعمالهم في شتى المجالات الجامعية، وكلهم من المؤمنين والملتزمين والمعتقدين بالثورة حقاً ومن أعماق قلوبهم، بل قد ترعرعوا في أحضان هذه الثورة، وهذا ليس بالقليل والأمر اليسير. إنّ كل هؤلاء الشباب المؤمنين في مجال التأليف والفنّ والعلم والتقنية والتبليغ والخطابة، على مختلف الأصعدة، وفي القضايا الداخلية والخارجية، يدخلون في عداد حالات النماء الخضراء اليانعة للثورة، وهذا ما يكتسب أهمية وقيمة كبيرة. ومن هنا فإن العمل بواجباتنا في إطار الثورة، يعني صعود وتنامي هذه الحالات الخالدة وتضاعف هذه الأنماط.

العهد مع الثورة مبايعة النبي (ص)
- والخصوصية الثانية هي السكينة التي تحلّ في قلب الإنسان.
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه حول مبايعة النبي: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ[8]، إنّ هذه البيعة التي كانت نابعة عن صدقٍ وإخلاصٍ، استوجبت أن يُنزل الله تعالى السكينة والطمأنينة على القلوب. وحينما تحلّ السكينة في القلوب، ترحل الهواجس وحالات القلق واليأس. وإنّ من أهم الأعمال التي يمارسها الأعداء في الظرف الراهن، هي بثّ اليأس وحقنه في النفوس. ففي شتى المجالات يبثون اليأس في قلب الشاب والشيخ والثوري السابق. وهذه الطمأنينة والسكينة الإلهية تبعث الأمل في قلب الإنسان، وهي من ثمار البيعة للنبي. إنكم اليوم حين تقطعون العهد وتجددون البيعة للثورة، فقد بايعتم (أو تبايعون؟؟) النبي (ص). وكل من يهبّ اليوم لمبايعة الإمام الخميني، قد [كمن] بايع النبي (ص). وعندما تحافظون على نهج الإمام الثوري، وتحولون دون اندراسه وبلائه، فإنكم تبايعون النبي في حقيقة الأمر، ومن يبايع النبي ]يكون مصداقاً لقوله[: ﴿أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ[9]، كما جاء في آية أخرى، وفي الآية المذكورة أعلاه: ﴿فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ. وإذا ما نزلت عليكم السكينة، واطمأنّت قلوبكم، فلن تُصابوا بالتيه والحيرة واليأس والتزلزل في ساحة مواجهة العدو. وبالاستناد إلى هذه السكينة والطمأنينة يستطيع الإنسان اليوم أن يقطع بأن الشعب الإيراني، سوف يتغلّب على أمريكا ودسائسها لا محالة[10].

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يمنّ عليكم جميعاً بالتوفيق، وأن يثبّت أقدامنا جميعاً في هذا الطريق، وأن يجعلنا من الجنود الذين يبذلون جهودهم في سبيل الحفاظ على هذه الثورة وبقائها والذين لا يدّخرون شيئاً في بذل النفس والنفيس في هذا الدرب.

إلهنا! نقسم عليك بمحمد وآل محمد إلا ما أسبغت ألطافك وأفضالك على هذا الشعب، وجعلت الروح الطاهرة للإمام الخميني راضية عنا، والقلب المقدس لولي العصر (أرواحنا فداه) راضياً عنا.

والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته


1- 19 دي (هجريّاً شمسيّاً) موافق لـ 9 ك2 1978م؛ ذكرى انتفاضة أهالي قم، وهي حادثة مفصلية في تاريخ الثورة الإسلاميّة.
2-  استطرد القائد قائلًا: "وسوف أقارن بين هذا الحدث وبين ما جرى في البلد من أحداث أخرى".
3-  سورة الأحزاب، جزء من الآية 38
4-  سورة الفتح، جزء من الآية 23
5-  نهج البلاغة، الخطبة 56
6-
7- يمكن التعبير أيضا بطريقة أخرى: لدينا حالات صعود وهبوط.
8-  سورة الفتح، جزء من الآية 18
9-  سورة التوبة، الآية 26
10- انطلاق هتافات الحضور المدوية: الله أكبر الله أكبر.. الموت لأمريكا

2017-01-12