يتم التحميل...

حدود الوحدة من وجهة نظر الإمام الخمينيّ

الوحدة الإسلامية

من المهمّ القول إنّ الوحدة المنشودة، من وجهة نظر الإمام، هي وحدة المسلمين أو المستضعفين لتحقيق الأهداف الدينيّة العامّة والوصول إلى الكمال والارتقاء المنشودين، وهذه الوحدة حدودها واسعة ومتراقية الأطراف، ومطروحة في مجالات متعدّدة ومختلفة.

عدد الزوار: 174

من المهمّ القول إنّ الوحدة المنشودة، من وجهة نظر الإمام، هي وحدة المسلمين أو المستضعفين لتحقيق الأهداف الدينيّة العامّة والوصول إلى الكمال والارتقاء المنشودين، وهذه الوحدة حدودها واسعة ومتراقية الأطراف، ومطروحة في مجالات متعدّدة ومختلفة.

وقد كان هاجس الإمام قبل انتصار الثورة الوحدة بين العناصر الثقافية والدينيّة في البلاد أوّلاً وقبل كلّ شيء، فقد عمل بذكائه المتميّز على التقريب بين شريحة علماء الدين والجامعيّين ما أمكنه ذلك، مؤكّداً على حاجة كلّ منهما للآخر، ومنبّهاً كلّ طرف إلى أخطائه وزلاته بأسلوب ليّن ومتسامح، فكانت شخصيّته موضع احترام وقبول معظم علماء الدين والجامعين. في هذا يقول سماحته: "لقد بذلنا كلٍّ ما في وسعنا خلال السنوات الماضية للتقريب بين الجامعات والملالي ومدارس العلوم القديمة وطلبتها، وكذلك قرّبنا بين البازار وهاتين الطبقتين، وألّفنا بين هذه الجبهات المختلفة، وقرّبنا فيما بينها، وكنّا نوصي دائماً بوحدة الكلمة لكي تتمكّنوا من تحقيق ما تريدون"29.

ثم يشير إلى اختصاص كل من الحوزة والجامعة، معتبراً أنّ هؤلاء مختصّون بقضايا الإسلام، وأولئك مختصّون في شؤون البلاد بالقضايا السياسيّة، وهذا يعني أنّ وجود كلّ منهما ضروريّ لتحقيق النصر الآتي.

لقد بنى الإمام آماله على وحدة هاتين الشريحتين معتبراً هذه الوحدة حجر الزاوية في المسيرة النضاليّة، إذ أنّهما - من خلال هذه الوحدة - يشكّلان عاملين رئيسين في إفشال مخطّطات القوى العظمى. وفي تحليله لنتائج الثورة الإسلاميّة، يقول: "لو لم تكن نتيجة هذه الثورة إلّا هذه الوحدة بين طبقة المثقّفين وبين رجال الدين لكفى بها ونعمت"30.

وفي أحد تصريحاته المفصّلة حول هاتين الشريحتين الاجتماعيّتين المذكورتين، يقول الإمام: "بعد انتهاء الحرب سنبدأ بالحوزات العلميّة والجامعات التي تمثّل في الواقع القلب النابض للشعب، نحن نعلم بأنّ هذين المركزين الهامّين هما في الحقيقة غُصنان في شجرة طيّبة واحدة، وساعدان لرجل الدين الذي إذا أراد أن يقوم بالإصلاح ويعمل بواجبه والتزاماته الدينيّة، وأن يضع الجميع يدهم بيد بعض ويقفوا صفّاً واحداً لخدمة الحقّ والخَلق، فإنّهم سيأخذون بهذا الشعب إلى ذرى الكمال المنشود في كلا بُعديه المعنويّ والماديّ، ويحافظون على حريّة البلاد واستقلالها"31.

بطبيعة الحال، هناك الكثير ممّا يمكن الحديث عنه في مجال الوحدة بين علماء الدين والجامعيّين، وبصرف النظر عن محاولات المستعمر الذي بذل مساعي كبيرة من أجل الوصول إلى أهدافه عبر زرع بذور الخلاف والاختلاف بين هاتين الشريحتين العلميّتين.

ولهذا فقد وظّف الإمام الخمينيّ جزءاً مهمّاً من حملته الدعويّة والتبليغيّة لترسيخ دعائم الوحدة بين طبقات المجتمع الإيرانيّ، والتأكيد على المحور الإسلاميّ الذي يجمع حوله أفراد الشعب الإيرانيّ.

وكانت الوحدة بين الحكومة والشعب واتّحاد الأجنحة المتعدّدة داخل الدولة مع بعضها، وكذلك وحدة الأهداف والاتّجاهات والتيارات السياسيّة والأحزاب وانضواؤها تحت راية الإسلام وحزبه الأوحد، كل هذه الأمور وغيرها شكّلت عناصر أخرى في الوحدة التي كان سماحة الإمام يرفع شعارها خلال السنوات التي تلت انتصار الثورة الإسلاميّة في إيران. وأمّا على الصعيد الخارجيّ فقد كانت الوحدة بين مسلمي العالم وبين مستضعفيه حلمه القديم، والذي ظلّ يؤكّد عليه قبل الثورة وبعد انتصارها.

جوهر الوحدة ونطاقها
إنّ مشروع الوحدة لا يمكنه أن يتضمّن مبادئ واحدة ومتساوية. ويبدو أنّ الإمام كان ينظر إلى مبدأ الوحدة في الظروف المختلفة وفقاً لأُسس واهتمامات خاصّة.

ففي مراحل معيّنة من عمر الثورة الإسلاميّة عندما ركبت قوميات متعدّدة في إيران موجة العصيان، وأوقدت نيران الفتنة آنذاك مثل الأكراد واللورستانيّين32 والبلوش33 والتّركمان (في الشمال)، وأصرّت على الحصول على الحكم الذاتيّ، وأرادت أن توجّه ضربة قاسية إلى الثورة الإسلاميّة ونظام الجمهوريّة الإسلاميّة الفتيّ، في تلك المراحل طرح الإمام مشروع "الوحدة القومية"، أيّ أنّه كان يعترف بالتعدّدية القومية ضمن إطار "الوحدة القومية". بطبيعة الحال إنّ الإسلام، على الأغلب، هو العامل الأصليّ وراء هذه الوحدة، من وجهة نظر سماحته، وليس "القوميّة الإيرانيّة"، ولأنّ الأكثرية الساحقة من الشعب الإيرانيّ تدين بالإسلام، فقد قدّم الإسلام على مسألة القوميّة الإيرانيّة.

وكان هذا النمط من الوحدة هو النموذج المفضّل في العديد من البلدان التي تستبطن مشكلة التعدّد القوميّ، على سبيل المثال، كان (جواهر لال نهرو)34 يدافع عن قيام هذا النموذج الوحدويّ في بلده الهند، الذي يجمع طيفاً واسعاً من القوميّات والأديان. كما عانى الاتّحاد السوفياتي (سابقاً) والمارشال (جوزيف بروس تيتو) في يوغسلافيا السابقة من هذه المشكلة فوجدا في فكرة الوحدة القوميّة حلّاً مقبولاً لمعالجة هذه المشكلة.

في ما يتعلّق بالأحزاب والقوى السياسيّة، فقد دفعت الخلافات التي كانت قائمة بين طبقة بعض رجال الدّين والشريحة الجامعية، بالإمام إلى تبنّي شعار الأخوّة والوحدة، حيث طرح هذه الفكرة من أجل التقريب بين وجهات النظر السياسيّة، وتصحيح أفكار ومعتقدات مختلف طبقات المجتمع إزاء بعضها. ولا ننسى أنّ هذا النّمط من الوحدة كان مطروحاً ضمن المبادئ الرئيسة للثورة الفرنسيّة، حيث كانت الدعوة إلى رفع شعار الأخوّة والهويّة القوميّة عنوان رسالتها الإنسانيّة.

وقد طرح الإمام شعار الوحدة الدينيّة والإسلاميّة على صعيد الأقطار الإسلاميّة و"الأمّة الإسلاميّة"، بل وذهب إلى أبعد من ذلك عندما طرح شعار "المستضعفين والمظلومين في الأرض".

وبالنّظر إلى التعدّد المذهبيّ الموجود داخل الأمّة الإسلاميّة فإنّ الدعوة التي أطلقها الإمام أو الفقهاء الآخرون الذين سبقوه إلى الوحدة، ليس المقصود منها وحدة العقائد والمذاهب، بل إنّ الهاجس الرئيس الذي كان يؤرّق سماحته في هذا المجال هو "الوحدة السياسيّة للأمّة الإسلاميّة" في إطار التمسّك بالثوابت والأصول الدينيّة العامّة.

العلاقة بين مبدأ الوحدة والمبادئ السياسيّة الأخرى
إذا اعتبرنا الوحدة بمثابة الانصهار "المطلق" والانخراط التامّ لجميع طبقات المجتمع والأحزاب في الأهداف الرئيسة وأُسس النظام الإسلاميّ وخططه وبرامجه، فإنّ ذلك سيعني صراحة تعارض وحدة المجتمع مع حريّة المعتقد والعمل والرأي و(تعدّد) الأحزاب.

وهذه حقيقة يمكن ملاحظتها في الأنظمة السياسيّة الأخرى حيث يتعارض تعدّد الأحزاب مع الوحدة الوطنيّة، ولهذا عارض البعض سياسة تعدّد الأحزاب في بلادهم، مثل الجنرال (شارل ديغول)35.

وكذلك فعلت الفاشيّة والشيوعيّة حيث إنّها لم تكن ترخّص لمبدأ تعدّد الأحزاب لئلّا يحول ذلك دون الوصول إلى أهدافها وضياع الوحدة الوطنية.

وقد كتب أحد المفكّرين المعاصرين حول ذلك يقول: "في ما عدا الأنظمة السياسيّة التي تتبع سياسة الحزب الواحد، نجد في أغلب البلدان ذات التعدّدية الحزبيّة حدوث صراع بين عدّة أحزاب للوصول إلى سدّة الحكم. وخلال هذا الصراع على السلطة يسعى كلّ حزب من تلك الأحزاب إلى استقطاب أكبر عدد من الموالين والأعضاء، وبالتالي فإنّ سياسة تعدّد الأحزاب تتعارض والوحدة الوطنيّة"36.

وكان سماحة الإمام الخمينيّ أيضاً يرى - في تلك المرحلة - في مبدأ تعدّد الأحزاب عائقاً أمام وحدة الأمّة الإسلاميّة، وفي ذلك يقول: "يسعى هؤلاء ومعهم القوى العظمى وأعداؤنا الآن إلى استغلالكم، نعم استغلالكم من خلال الإيقاع بينكم. من هؤلاء؟ هؤلاء الجبهة الوطنية. من هؤلاء؟ هؤلاء هم (حزب) حركة الحريّة. من هؤلاء؟ هؤلاء شباب الحزب الفلانيّ. من هؤلاء؟ هؤلاء الجماعة الفلانية. جماعات متعدّدة ومختلفة، كلّ منها يكذّب الآخر ويفنّده. كلّ جناح عدوّ للجناح الآخر... وهكذا. هل تعلمون مقدار الضرّر الذي تتسبّبون به للإسلام؟ هل تعلمون مقدار الضرر الذي تسبّبونه لوطنكم وأيّة خدمة تقدّمونها لأميركا..."37؟

بعد انتصار الثورة الإسلاميّة، وفي الموضوع نفسه، تحدّث الإمام عن تعارض وجود الأحزاب مع مبدإ تحقيق الوحدة، حيث قال: "لقد حان الوقت لكي نتخلّى عن جميع خلافاتنا وأن نسعى في القضايا التي تدفع باتجاه الحفاظ على وحدتنا ومصالح بلادنا. لا ينبغي لأحد اليوم أن يقول: أنا أنتمي إلى الحزب الفلاني, ويقول الآخر: أنا من الحزب الفلاني، ليس هناك من داعٍ لظهور كل هذا العدد من الأحزاب، ليس من حاجة إلى مئتي حزب ولا إلى كلّ هذه الجماعات. لا بدّ للجميع أن يتّحدوا ويكونوا يداً واحدة من أجل إنقاذ البلاد التي يريد الجميع العيش في أحضانه.."38.

لا شكّ في أنّ ثمّة غموضاً يشوب مسألة استيعاب الموقف الصريح لسماحته في رفض الأحزاب وتعدّدها أو قبولها، وحثّه على عدم التوسّع في إيجاد التشكّلات الحزبية، مع عدم أخذه بعين الاعتبار الأوضاع السياسيّة والاجتماعيّة والقاعدة الحزبيّة وأهداف الأحزاب التي كانت قائمة في الفترة التي صرّح فيها برأيه هذا.

لقد اعتبر الإمام أنّ الأحزاب التي كانت تسعى إلى الحركة ضدَّ مسيرة الأهداف الإسلاميّة وعلماء الدين هي أحزاب تتّبع (أجندة) وأهدافاً استعماريّة، وأنّ هدفها غير المعلن هو "خدمة الاستعمار".

وحول ذلك يقول سماحته: "لا أستبعد وجود أيادٍ وفئات سياسيّة في إيران تعمل ضمن نشاطات معادية للإسلام والدين، تحت مسمّيات وعناوين مختلفة، وقد زرعها الأجانب في بلادنا من أجل إضعاف الإسلام ومذهب التشيّع المقدّس والمكانة الرفيعة لرجال الدين"39.

ومن المهم القول هنا، إنّنا كما وافقنا على كون الوحدة مفهوماً مركَّباً، فإنّ نشاط الأحزاب هو كذلك أيضاً. فلو افترضنا وجود أحزاب تعمل على صيانة "المبادئ" و"الأُسس القانونيّة والدينيّة" إلّا أنّها تختلف في ما بينها في المناهج والأساليب والتطبيقات وغيرها، ويدّعي كلّ منها توافره على نهج خاص يضمن الوصول إلى الأهداف العامّة المشتركة، ففي هذه الحالة لا يمكن اعتبار التعدّديّة الحزبيّة مضرّة بالوحدة الوطنيّة، بل إنها تمثّل ضرورة من ضرورات تحقيق الوحدة المنشودة كذلك، وذلك لأنّ هذه الوحدة ليست وحدة مطلقة بل هي وحدة في الأصول والمبادئ العامّة والأهداف الرئيسة. وربما يمكن القول إنّ الجناحين اللذين لم يكن وجودهما بحسب رأي الإمام يتعارض مع مبادئ الوحدة، وكانا يمارسان نشاطاتهما إلى جانب المؤسّسات المختلفة الأخرى داخل النظام، هذان الجناحان كانا في الحقيقة حزبين يتحرّكان باتّجاه تحقيق الوحدة المطلوبة - برأي الإمام - على الرغم من عدم امتلاكهما صفة الحزب رسميّاً.

ولكن، إذا كانت هنالك اختلافات ومبدئيّة بين الأحزاب، فحينئذٍ لا يمكن اعتبار نشاطاتها منسجمة مع الوحدة الوطنيّة والوحدة الدينيّة المطلوبة.

والسؤال المطروح هنا، إذا كانت مبادئ بعض الأحزاب تتضمّن اختلافات جوهريّة فهل يجوز منع تلك الأحزاب من ممارسة نشاطاتها بغية الحفاظ على الوحدة؟ أم أنّ ذلك يُعتبر أقلّ ثمن يجب دفعه من أجل الوصول إلى (الحريّة)؟

يبدو أنّ الشرط (المطلوب) لشرعية ممارسة الأحزاب لنشاطاتها السياسيّة ليس التوافق التامّ على "أُسس الفكر السياسيّ" بالمعنى الذي أشار إليه الإمام، فالأحزاب في حال توافر فيها (الحدّ الأدنى) لبعض المعايير، كالحفاظ على سيادة البلاد، وعدم ارتكاب جريمة الخيانة للوطن والحركة ضمن إطار الدستور... وما شابه ذلك، إذا توافرت على هذه الشروط، فلا شكّ في أنّ نشاطاتها ستحمل صفة المشروعيّة. هذا الرأي يمثّل وجهة نظر الإمام الخمينيّ أيضاً وذلك بالنّظر إلى أسلوب المواجهة الذي اتّبعه مع عدد محدود من الأحزاب التي كانت تمارس نشاطاتها خلال فترة تولّيه قيادة البلاد.

وإذا استطلعنا رأي القرآن الكريم في هذه المسألة، فهو يعتبر منشأ الخلاف والفرقة هو في تعدّد الأحزاب بالمفهوم المتعارض مع مصلحة الإسلام والبلاد والعباد، ولهذا فإنّ هذه الحالة تبقى بشكل عام غير مرغوب فيها، إلّا أنّه (القرآن الكريم) في المقابل أثنى على "حزب الله". وكما هو ملاحظ فإنّ الآيات الشريفة لا تطرح موضوع وجود عدّة أحزاب تعمل بمجموعها في سبيل إحقاق الحقّ وتحت اتجاهات وتيارات فرعيّة مختلفة.

ومهما يكن من أمر فعندما يكون الدستور أو أيّ مبدأ محدَّد آخر - وضعيّ أو شرعيّ - هو محور الوحدة في أيّ مجتمع، فإنّ تعدّد الأحزاب لا يمكنه أن يتعارض مع الوحدة الوطنيّة، خاصّة إذا كانت تلك الأحزاب تمارس نشاطاتها ضمن إطار القانون أو الشريعة.

إنّنا إذا لم نعتبر جوهر الوحدة هو وجود حقيقة أسمى اكتشفها الحاكم، ففي هذه الحالة ستكون تلك الأحزاب التي تحظى بحقوق متساوية وتُعتبر مسؤولة أمامها، تجسيداً لإرادة الشعب والفئات السياسيّة.

في هذه الحالة ستكون المنافسة الحزبيّة غير مضرّة بوحدة المجتمع، بل ستشكّل عاملاً مساعداً على نموّه وتطوّره وتهيئته من أجل صيانة الحسّ القوميّ وذلك من خلال التزام الأحزاب المسؤوليّة إزاء الدستور.

ولهذا فإنّ ما أراد الإمام توجيه الانتباه إليه هو التاريخ غير المشرّف لبعض الأحزاب الإيرانيّة في القرن الأخير، وخاصّة خلال العقود التي عاصرها سماحته، الأمر الذي خلق لديه شعوراً بعدم الارتياح، وقد انعكس ذلك بوضوح على موافقته على تشكيل الحزب الجمهوريّ الإسلاميّ - كما بيّن ذلك أيضاً قادة الحزب المذكور - وعلى الرغم من مرور عدّة سنوات على ممارسة ذلك الحزب لنشاطاته، أبدى الإمام ارتياحه البالغ لاستقالة المسؤولين فيه، حتى انتهى به المطاف إلى الموافقة على حلّه40.

وحدة الأراضي وسلامتها
أحد الأصول العامة المتّفق عليها في السياسة الخارجيّة لجميع دول العالم هو القبول بمبدأ حاكميّة البلد، والذي يعني احترام حدود أيّ بلد، وأنّ لكلّ حكومة الحقّ في ممارسة حاكميّتها ضمن حدود ذلك البلد. ويمكن للوحدة أن تشمل معاني عدّة في البُعد الخارجيّ، فوحدة الأمّة الإسلاميّة قد تعني تشكيل مجموعة واحدة كاملة من الأقطار والبلدان الإسلاميّة تمتلك حكومة وحدوداً واحدة، وهذا المفهوم، بطبيعة الحال، قد يتعارض مع استقلال كلّ بلد من تلك البلدان.

وفي ضوء الحقائق الموجودة في المجتمعات الراهنة فإنّ الإمام لم يطرح يوماً فكرة الوحدة التي تعني إلغاء الحدود الجغرافيّة الحاليّة، إذ إنّ غاية ما كان يصبو إليه هو تحقيق التضامن العاطفيّ والسياسيّ ووحدة الصف تجاه المواقف العالميّة... إلخ وفي ذلك يقول: "على البلدان الإسلاميّة أن تكون بمثابة دولة واحدة تمتلك مجتمعاً واحداً وعلماً واحداً وكتاباً واحداً ونبيّاً واحداً. على هؤلاء أن يكونوا متّحدين على الدوام وأن تربط بينهم علاقات شاملة، فإذا تحقّق هذا الهدف وهو أن تتّحد الأقطار الإسلاميّة في جميع الجوانب، نأمل أن تستطيع التغلّب على مشاكلها"41.

وفي حديث آخر صريح لسماحته يشير إلى وحدة القلوب مع بقاء الحدود الجغرافيّة بقوله: "يجب أن تكون القلوب مجتمعة مع بقاء الحدود. فإذا اتّحد المسلمون مع بعضهم بقلوبهم وحافظوا على حدودهم فإنّهم سيصبحون أمّة كبيرة"42.

* كتاب الوحدة الإسلامية، نشر دار المعارف الإسلامية الثقافية.


29- صحيفة النور، ج 4، ص 92.
30- م.ن، ج 5، ص 22.
31- م.ن، ج 19، ص 104.
32- وهم أبناء محافظة لورستان - الواقعة غرب إيران ومركزها خرّم آباد -. المترجم -.
33- أبناء إقليم بلوشستان - شرقيّ إيران ومركزه زاهدان -. المترجم -.
34- 1889 - 1964-: سياسيّ هنديّ من موسّسي استقلال الهند الحديثة. كان تلميذاً للمهاتما غاندي وساعده الأيمن في بناء الدولة الجديدة. أصبح رئيساً للوزراء 1947 - 1964 - ومن زعماء العالم الثالث وأحد مؤسّسي حركة عدم الانحياز. المترجم -.
35- 1890 - 1970-: جنرال فرنسيّ تزعّم قوّات بلاده قوّات فرنسا الحرّة - خلال الحرب العالمية الثانية. أصبح رئيساً للجمهورية 1959 - 1969م -. منير البعلبكي، قاموس "المورد"، "معجم الأعلام"، طبعة 1998م. المترجم -.
36- عبد الحميد أبو الحمد، مباني السياسة "مبادئ السياسة"، ص 438.
37- صحيفة النور، الطبعة الجديدة المنقّحة والمزيدة، ج 4، ص 91 - 92.
38- صحيفة النور، ج 11، ص 90.
39- م.ن، ج 1، ص 382.
40- صحيفة النور، ج 20، ص 93.
41- صحيفة النور، ج 6، ص 125 - 126.
42- م.ن، ج 10، ص 223.

2016-12-13