يتم التحميل...

ما هي عوامل الوحدة بين المسلمين؟

الوحدة الإسلامية

جعل الإسلام في عصر البعثة من الناس المتفرقين والمختلفين والمتقاتلين، جبهة واحدة مقابلة للشرك والكفر والنفاق وكان هذا الاتحاد والانسجام تحت لواء التوحيد وقيادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عاملاً مهمّاً في انتصارهم على كافّة الأعداء وأشدّهم مخالفة للإسلام. وفي العديد من الحالات كانت الأخوّة الإيمانية دليلاً على الاتحاد وعلى أساس ذلك كانت الدعوة إلى الوحدة والتعاون ومساندة المؤمنين.

عدد الزوار: 174


ألف ـ الأخوّة الإيمانيّة والإسلاميّة
جعل الإسلام في عصر البعثة من الناس المتفرقين والمختلفين والمتقاتلين، جبهة واحدة مقابلة للشرك والكفر والنفاق وكان هذا الاتحاد والانسجام تحت لواء التوحيد وقيادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عاملاً مهمّاً في انتصارهم على كافّة الأعداء وأشدّهم مخالفة للإسلام. وفي العديد من الحالات كانت الأخوّة الإيمانية دليلاً على الاتحاد وعلى أساس ذلك كانت الدعوة إلى الوحدة والتعاون ومساندة المؤمنين.
 
جاء في القرآن الكريم: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾[1].

عندما هاجر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة دوَّن منشوراً أساسيّاً عُرف بصحيفة المدينة، يقوم على أساس تعاليم القرآن الكريم، وحّد من خلاله القبائل المختلفة ـ وألّف أمة واحدة تتمحور حول الإيمان بالله والآخرة والعمل الصالح بدل القوميّة والعنصريّة[2].
 
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "الإسلام هو الذي جمع الجميع مع بعضهم البعض والإسلام هو الذي نصركم والإسلام هو الذي يهيِّئ السعادة لكافّة البشر"[3], ويقول في مكان آخر: "هذا من ألطاف الإسلام أن يجتمع كافّة الأخوة من السنّة والشيعة فلا يكون بينهم أيّ اختلاف... أتمنى أن تستمرّ هذه الروية"[4].

وخاطب الإمام الخمينيّ قدس سره المسلمين العرب في لقاء مع إحدى الصحف العربيّة قائلاً: "تعالوا واتركوا الخلافات جانباً قدّموا أيدي الأخوّة لبعضكم البعض مع كافّة الأخوة والمسلمين غير العرب، واجعلوا الإسلام هو معتمدكم الوحيد. ويمكنكم من خلال الذخيرة الإلهيّة والمعنويّة والتي هي الإسلام أن تؤلّفوا قوّة لا تفكّر القوى الكبرى بالتسلّط عليكم على الإطلاق"[5].
 
ب ـ التقوى والفضيلة
عندما يتوجّه أفراد المجتمع نحو كلمة التوحيد ويلتزمون بالأوامر الإلهيّة، تشيع بينهم التقوى والفضائل العالية. وعندما تنتشر مكارم الأخلاق والخصال الحميدة في المجتمع ويتمّ إحياء السنن بالاعتماد على الإيمان والتقوى، يزول التفوّق القوميّ والعرقيّ والامتيازات الكاذبة.
 
يرفض الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الأفضليّة القوميّة ويدعو الناس إلى الإله الواحد والأفضلية الناشئة من التقوى: "أيّها الناس إنّ ربّكم واحد وأباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم وليس لعربيّ على عجميّ فضل إلّا بالتقوى"[6]. تحدّث الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بهذه العبارات في حجّة الوداع.
 
ج ـ الحضور في التجمّعات العباديّة السياسيّة
كلّما كان أداء التكاليف الدينيّة يصدر عن إخلاص وفي الخلوة بعيداً عن أعين الناس، كانت قيمته أعلى وكان مؤثراً على مستوى الارتقاء المعنويّ للإنسان, ومع ذلك أمر الإسلام بأداء الصلاة جماعة وجعل ثوابها أكثر ممّا يتصوّر في غير ذلك, لأنّ حضور المسلمين مع بعضهم البعض يساهم في اطلاعهم على أوضاعهم وتقترب قلوبهم من بعضهم و.... صلاة الجماعة هي اجتماع عباديّ يوميّ، وصلاة الجمعة هي اجتماع أسبوعي أعمّ حيث يجب على إمام الجمعة تلاوة خطبتين بدل الركعتين يتحدث فيهما بالمواعظ، ويتناول مسائل العالم الإسلاميّ. ويبين خطط المستكبرين للنيل من العالم الإسلاميّ. وصلاة العيدين هي اجتماع آخر يقام مرّة في السنة. والأعمّ والأهمّ من ذلك برنامج الحجّ الواجب على كلّ مسلم عند القدرة البدنية والمالية. ويؤخذ بعين الاعتبار في هذه العبادة العظيمة الزمان الواحد والمكان الواحد واللباس الواحد.
 
يتحدّث الإمام عليّ عليه السلام مشيراً إلى فلسفة بعض العبادات الإسلامية كالحجّ ويقول: "والحج تقوية للدين (أو: تقربة للدين)"[7] والمقصود واحد.
 
يقول الشهيد مطهّري رحمه الله في هذا الخصوص: "إذا كان مفهوم الكلام أنّ فلسفة الحج، هي تقوية الدين، فالمقصود عندها أنّ اجتماع الحج يجعل العلاقات بين المسلمين أكثر استحكاماً وإيمانهم أكثر قوّة وبهذه الوسيلة يقوى الإسلام. وإذا كان مفهوم الكلام أنّ فلسفة الحج، هي القرب إلى الدين، عندها يكون المقصود هو تقريب قلوب المسلمين والنتيجة تقوية الإسلام"[8].
 
يقول الإمام عليّ عليه السلام حول بيت الله: "جعله سبحانه وتعالى للإسلام علماً"[9].
يعتقد الشهيد مطهّري كما أنّ الأعلام تكون رمز الاتحاد ووحدة الأمم وعلامة التضامن فيما بينهم ورفعها علامة على حياة تلك الأمم، كذلك الكعبة بالنسبة إلى الإسلام[10].
 
يوصي الإمام القائد حفظه الله في هذا المجال ويقول: "الحجّ يمكنه إحياء روح التوحيد في القلوب، ويصل أوصال الأمّة الإسلاميّة الكبيرة، ويعيد للمسلمين عزّتهم وينجيهم ممّا يشعرون به من حقارة وذلّة فرضاً عليهم"[11].
 
د ـ المسجد
المساجد منذ فجر الإسلام، مركز للعبادة والعلاقة مع الله وتلاوة القرآن، وهي أماكن تواصل القوى المسلمة على مستوى الحركة الدينيّة والتبليغيّة ومواجهة المعاندين وإزالة آفات التوحيد.
 
يقول الإمام الخمينيّ قدس سره: "... بما أنّ الأمّة قد أدركت سرَّ الانتصار وأدركت بوعي أنّ التعبئة العامّة تبدأ من المتاريس الإلهيّة المساجد والمنابر والمحافل الدينيّة، لذلك يجب حفظ هذه المتاريس الإسلاميّة، يجب إقامة هذه الاجتماعات في المساجد والمحافل الدينية بعظمة أكبر"[12].
 
هـ ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
أشرنا إلى أنّ الله تعالى أوصى المسلمين في الآية 103 من سورة آل عمران: التمسك بحبل الله وعدم التفرق وحذّرهم في الآية 105 من السورة عينها فقال: ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.
 
وتوضح الآية 104 من السورة نفسها والواقعة بين الآيتين المتقدّمتين: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾[13].
 
يبيّن القرآن الكريم أنّ الحفاظ على وحدة المجتمع يتمّ من خلال الدعوة إلى الصلاح والأمر بالمعروف والمنع عن القبائح. وإذا ساد المجتمع حالات الأمر بالمنكر، تغرب عنه الفضائل والمكارم.
 
* روضة المبلغين (3)، جمعية المعارف الإسلاميّة الثقافية


[1] سورة الحجرات، الآية: 10.
[2] مسيرة ابن هشام، ج1، ص501.
[3] في البحث عن الطريق من كلام الإمام، ج15، ص129.
[4]  المصدر نفسه، ص107.
[5] المصدر نفسه، ص146.
[6]  تحف العقول، ص34.
[7] نهج البلاغة، الكلمات القصار، الحكمة 244.
[8] تعليقات الشهيد مطهري، ج2، ص215.
[9] نهج البلاغة، الخطبة 1.
[10] تعليقات الأستاذ مطهري، ج2، ص216.
[11]صحيفة كيهان، العدد 19939.
[12] صحيفة اطلاعات، العدد 22578، 19.
[13] سورة آل عمران، الآية: 104.

2025-03-24