تجلّيات حسينيّة في حركة المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف
زاد عاشوراء
"دخل الإمام الحسين على عليّ بن أبي طالب عليهما السلام وعنده جلساؤه فقال: هذا سيّدكم سمّاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيّد، وليخرجنَّ رجل من صلبه شبهه في الخلق والخُلُق يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً"
عدد الزوار: 283"دخل الإمام الحسين على عليّ بن أبي طالب عليهما السلام وعنده جلساؤه فقال: هذا سيّدكم سمّاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيّد، وليخرجنَّ رجل من صلبه شبهه في الخلق والخُلُق يملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً"1.
الثورة المقدّسة:
لاشكّ أنّ شهادة الإمام الحسين عليه السلام ومن كانوا معه بالظروف الملابسة لها رغم
طغيان الجانب المأساويّ بل الكارثيّ عليها فهي أيضاً مظهر من مظاهر الشموخ والإباء
والبطولة بل الفداء النادر للدّين والقيم الإسلاميّة بل الإنسانيّة ونحن لا ننكر
أنّها مثلت حدثاً أليماً كان وما زال وسوف يظلّ مهيّجاً للعواطف ومستدرّاً للدموع
وللحسرات والزفرات والأنين.
إلّا أنّنا عندما نقرأ في أكثر من زيارة علّمنا الأئمّة أن نزور سيّد الشهداء به،
هذه العبارة وخصوصاً في زيارة وارث: "السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، السلام
عليك يا وارث نوح نبيّ الله السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله...".
ندرك أنّ حركة الإمام الحسين عليه السلام هي حركة ثوريّة لها رابط وثيق، بل هي
امتداد لكلّ الثورات والحركات المقدّسة التي قادها الأنبياء والأولياء، فهي فعل
ثوريّ مقدّس له جذوره الضاربة في القداسة إلى أبعد مداها ولها امتداد في حركة مصلح
آخر الزمان الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف فحركة ونهضة وثورة الإمام
الحسين عليه السلام هي إحدى أهمّ الثورات والحركات الممهّدة لثورة الإمام المهديّ
عجل الله تعالى فرجه الشريف.
إضافة إلى ذلك فثمّة أوجه تشابه بين نهضة الحسين عليه السلام وثورته ونهضة الإمام
المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وثورته ومن ذلك:
1- ثورة وتحرّر، أبطالها أحرار:
إنّ رفض بيعة الإمام الحسين عليه السلام البيعة ليزيد وتعليله بقوله:
"... ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع
مثله"2، يلاقيها ما ورد عن أئمّة الهدى في سبب غيبة الإمام المهديّ
عجل الله تعالى فرجه الشريف وهو: لكي لا يكون في رقبته بيعة، فكما كانت ثورة كربلاء
ثورة أحرار في زمن العبيد وقادها سيّد الأحرار عليه السلام لكن في الدولة
الإسلاميّة، كذلك فإنّ نهضة المهديّ وثورته هي ثورة الأحرار في عالم ملأه الطغاة
ظلماً وجوراً يقودها سيّد الأحرار لكنّها عالميّة.
وكما أنّ الإمام الحسين عليه السلام لم يبايع حتّى لا يعطي أي شرعيّة لملك بني
أميّة وخصوصاً يزيد، كذلك فإنّ الإمام المهديّ أضيف إلى أسباب عدم بيعته للظالم
أمانة دماء الحسين عليه السلام وأصحاب الحسين لكيلا يبايع ظالماً.
2- معركة الإسلام والإنسانيّة:
ممّا جاء عن الإمام الحسين عليه السلام أنّه قال: "... وعلى الإسلام
السلام إذ قد بليت الأمّة براع مثل يزيد"3.
إنّ الإمام الحسين عليه السلام بخروجه رافضاً البيعة ليزيد وهو بقيّة أهل الكساء
وسبط الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يجد بدّاً من أن يضحّي بنفسه وصحبه وعياله
حتّى يسلب الشرعيّة عن حكم الطاغية الباغي. وذلك حفظاً للإسلام وحتّى لا يكون على
الإسلام السلام.
فهو عليه السلام أبقى بذلك الجهد والجهاد والشهادة والأسر والسبي جسد الإسلام وروحه
بل أمدّه بأسباب البقاء.
والإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف سيعمل على تحرّر الإنسانيّة وبناء
مجدها ليملأ جوانب وجودها عدلاً وقسطاً بعد الظلم والجور، وذلك على أساس الإسلام.
فلولا دم الشهادة الحسينيّة ما بقي في الإسلام بقيّة حياة حتّى ينفذ وعد الله
لنبيّه:
﴿لِيُظْهِرَهُ
عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ...﴾4.
وصحّ القول إنّ الحسين عليه السلام خاض في زمنه معركة الإسلام للإبقاء عليه وعلى
معالمه، والإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف سيخوض ويقود معركة الإنسانيّة
متّكلاً على الإرث الحسينيّ وعلى أساس الإسلام الذي استمدّ بقاءه من دم الشهادة
الحسينيّة.
3- المظلوميّة وتحقيق الأهداف المقدّسة:
لا يختلف اثنان على أنّه إنّما كان لحركة الإمام الحسين عليه السلام
وقضيّته هذا الوقع وهذا الأثر المتجاوز للزمان والمكان بسبب وضوح مظلوميّته، وهذا
البعد أوضح الأبعاد وأكثر الأبعاد قدرة على الجذب والاستقطاب إلى الحسين عليه
السلام ومبادئه، نعم لقد كان الحسين عليه السلام بطل التوحيد، وبطل الأحرار، وبطل
الأباة لكنّه أيضاً أسير الكربات، غريب الغرباء، مظلوم وعطشان كربلاء، ولذا أمرنا
أئمّة آل البيت أن نحمل قضيّة مظلوميّة الحقّ وأهله بإحياء ذكراه في كلّ فرصة،
لاسيّما في العاشر من المحرّم من كلّ عام، ولتتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل لنوافي
يوم الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وقد تربّينا في كنف الحسين عليه
السلام وصنعنا على عينه كما علّمنا الإمام الرضا عليه السلام إذ يقول: "يا ابن
شبيب، إن سرَّك أن يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين، فقل متى ما
ذكرته: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً"5.
فلا غرو أن يكون شعار أنصار المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف يا لثارات الحسين
ويكون الراسخ في النفوس أنّه عجل الله تعالى فرجه الشريف: "الطالب بدم المقتول
بكربلاء" كما في دعاء الندبة.
فحركة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف تقوم على استنهاض النّاس على
خلفيّة المظلوميّة الحسينيّة والإنسانيّة.
خاتمة:
في ضوء ما سلف فإنّنا نستطيع القول إنّ الإمام الحسين عليه السلام بفدائيّته وإباء
نفسه وجهاده وشهادته المقدّسة قدّم للإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف
المنبت الصالح للممهِّدين له ولأنصاره.
وإضافة إلى كون الإمام المهديّ امتداداً جسديّاً للإمام الحسين عليه السلام فكذلك
هو امتداد روحيّ له ولثورته وحركته ونهضته.
وأخيراً نقول: إنّنا عندما لا نكون لائقين بنصرة الإمام المهديّ عجل الله تعالى
فرجه الشريف بسبب ذنوبنا فمعنى ذلك أنّنا نطيل فترة غيابه ونزيد من غربته
ومظلوميّته.
فالحقيقة أنّ الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف هو الذي ينتظرنا لنكون
جاهزين لنصرته والجهاد بين يديه حتّى تحقيق الأمل المنشود في اليوم الموعود.
* كتاب زاد عاشوراء، إعداد معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- التشريف بالمنن للسيّد ابن
طاووس، ص 286.
2- بحار الأنوار، ج 44 ص 325.
3- بحار الأنوار، ج 44 ص 326.
4- سورة التوبة، الآية 33.
5- بحار الأنوار، ج 44، ص 286.