يتم التحميل...

من آداب التوبة

زاد عاشوراء

هذه الآية خطاب للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بعنوان نبوّته ورسوليّته، وعبره إلى كلّ حامل للإسلام أن يعلموا النّاس كلّ النّاس أنّ الله غفور، يغفر الذنوب جميعاً

عدد الزوار: 223

قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحً1.

التوبة لجوء إلى رحمة الله:

لقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ2.

هذه الآية خطاب للنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بعنوان نبوّته ورسوليّته، وعبره إلى كلّ حامل للإسلام أن يعلموا النّاس كلّ النّاس أنّ الله غفور، يغفر الذنوب جميعاً، ورحيم في معاملتهم في كلا الدارين، وقد أشار إلى أنّه تبارك وتعالى يعاهد النّاس بل كلّ المخلوقات أن يعاملهم بالرحمة قائلاً: ﴿كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ3.

وزيادة في بثّ روح الأمل في نفوس البشر خصوصاً المذنبين منهم قال لهم: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ4.

ولأنّ المذنبين بذنوبهم يشعرون بأنّهم بعيدون عن ساحة رحمة الله ومستحقّون لعقوبات الآجلة منها بل والعاجلة، قد يظنّون وهم على هذه الحال أنّهم ممنوعون من مخاطبته تعالى وطلب العفو والمغفرة، وهذه من حيل إبليس وتلبيساته، جاء الخطاب الإلهيّ بقوله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ5.

وحتّى لا يستبدّ المرض الخطير وهو اليأس من رحمة الله بالعباد، فلا بدّ من باب يلجأ به الإنسان إلى كنف مغفرته تعالى من سطوات جبروته وقاهريّته، لا بدّ من باب يفضي إلى دار أمنه وأمانه من خوف عقابه وانتقامه، فكان الباب هو التوبة التي اقتضتها رحمته تعالى، فبالتوبة يلجأ العبد إلى رحمته تعالى ليعالج أمراض الذنوب وليتحوّل من مبغوضه إلى محبوبه تعالى.

آداب التوبة ومقدّماتها:

كما أنّ للتوبة أركانها وهي الندم والعزم على ترك الذنوب، وشرائط لقبولها وهي جبران التقصير في حقّه تعالى والخروج من مظالم العباد بردّها وطلب المسامحة منهم، كذلك فإنّ لها آداباً، ذكرتها الأدعية المنقولة عن أئمّة أهل البيت عليهم السلام لا سيّما الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السلام في دعائه الموسوم بدعاء التوبة فمنها:

1- الإقرار بالذنوب بين يديه تعالى:
إذ يعلّمنا هذا الأدب قائلاً: "هذا مقام من تداولته أيدي الذنوب، وقادته أزمّة الخطايا، واستحوذ عليه الشيطان، فقصّر عمّا أمرت به تفريطاً، وتعاطى ما نهيت عنه تعزير، كالجاهل بقدرتك عليه، أو كالمنكر فضل إحسانك إليه"6.

ومضمون الإقرار والاعتراف بالذنوب أن يقف موقف الذليل كاسراً كبرياء نفسه التي بها أقدم على ذنبه فكما أقدم باعتزاز على الذنب، أو على الأقلّ بلا مبالاة كما تفيده عبارة: "كالجاهل بقدرتك عليه" أو بنكران الجميل كما ترشد إليه عبارة: "أو كالمنكر فضل إحسانك إليه"، عليه أن يتأدّب بين يديه تعالى ويؤدّب نفسه بإيقافها هذا الموقف مع هذه الحال في إقدامه على الإقرار ذليلاً منكسر، ولا بدّ من الإشارة إلى أن الإقرار والاعتراف هو من ترشّحات الندم القلبيّ على اللسان، ولنتأمّل قليلاً ما ساقه من الاعتراف بأنّه عندما انساق إلى الحرام كان قائده إلى ذلك شهوته وهواه ورغباته فأسقطه ذلك في قبضة الشيطان، كأنّه أصبح مهيمناً عليه.

2- الاستيقاظ من الغفلة:
وهي مقدّمة لسلوك الطريق الموصل إلى التوبة، إذ بلا يقظة وانتباه جديّين كيف يتوب الإنسان؟ ولذا عدّها علماء السلوك أُولى خطوات السالكين إليه، وعنها قال عليه السلام: "حتّى إذا انفتح له بصر الهدى وتقشّعت عنه سحائب العمى.."، لكن هذه اليقظة مقدّمتها الاعتراف والإقرار التي تشكّل محفّزاً على اليقظة كوخز الأبر للنائم، ولكن لتنفع اليقظة ولا يعود المذنب إلى غفلته وسباته في قبضة الشيطان لا بدّ من أن تتبعها خطوات هي محكّ جدّيّة التوبة ومؤثّريّة اليقظة وهي:
أ- إحصاء الذنوب: وفيه قال: "أحصى ما ظلم به نفسه" ذلك أن من يريد إصلاح ما أفسد عليه أن يحصي أخطاءه ليخرج منها جميعاً، ذلك أنّ التوبة إمّا أن تكون شاملة لكلّ الذنوب، وإلّا فإنّها ليست بجدّيّة تمام الجدّيّة.
ب- التفكّر بالحال التي هو عليها والذنوب التي اقترفها: فليس من إحصاء الذنوب هو عدّها، بل المقصود أن يعرف الإنسان أوّلاً سوء الحال التي هو عليها، تماماً كما يحصل لمن قضى ليله سكران فإنّه بعد إفاقته من سكره سيرى ما فعله، بنفسه وبمن وما هو حوله وبالتالي ستكون النتيجة المرجوّة من التفكّر انكشاف سوء حاله وقبح واقعه: "فرأى كبير عصيانه كبيراً، وجليل مخالفته جليلاً".

3- اللجوء إلى الله تعالى:
فبعد اليقظة وانكشاف الواقع المزري لا بدّ من البحث تلقائيّاً عن المؤمن من العواقب، والمعين على الخلاص، والمساعد في الإصلاح، ولأنّه بالتفكّر يعرف أن جرحه وخطأه مخالفة لله، ومجانبة لشرعه، وخروج عن طاعته، ولأنّه الله الواحد الأحد الذي كتب على نفسه الرحمة لا بدّ من اللجوء إليه: "فاقبل نحوك" لكن لما كان على هذه الحال المبغوضة له تعالى فهذا اللجوء لا بدّ أن يكون مصحوباً بجملة من الأمور والآداب ومنها:
أ- الحياء: "مستحيياً منك"، والحياء أحد موانع الذنوب فاستحضاره هنا ليكون مستجلباً لعطفه تعالى.
ب- الرغبة والثقة به تعالى: "ووجّه رغبته إليك ثقة بك".
ج- بين الخوف والرجاء: "فأَمَّكَ بطمعه يقيناً، وقصدك بخوفه إخلاصاً".

وفي هذا إشارة إلى توحيده تعالى في الخوف والرجاء وعلى هذا النوع من التوحيد أكّد بقوله عليه السلام: "قد خلا طمعه من كلّ مطموع فيه غيرك، وأفرخ روعه من كلّ محذور منه سواك".

4- الدعاء:
والذي يشير إلى ذلك قوله عليه السلام: "فمثل بيد يديك متضرّعاً" لدعاء طالب التوبة من الله آدابٌ، منها:
أ- في ظاهر حال الداعي أن يعكس بظاهر جسده حالة الحياء، والمذلّة لأنّه يتوجّه من ذلّ مسكنته كمذنب إلى رحمة الباري، وليكون على هيئة يستعطفه بها. "وغمض بصره إلى الأرض متخشّعاً وطأطأ رأسه لعزّتك متذلّلاً".
ب- تضمين الدعاء جملة من الأمور:

1- الإفصاح عن الذنوب وتعدادها سرّها وعلانيّتها: كما جاء في الدعاء: "وابثّك مِن سرّه ما أنت أعلم به منه خضوعاً، وعدّد من ذنوبه ما أنت أحصى لها خشوعاً". تماماً كالمريض الذي يصف لطبيبه المداوي علله وعوارضها ليترفّق به ويتحنّن عليه بالمداواة، وتخفيف الآلام بل إزالتها.

2- الاستقامة: وعلى الداعي أن لا يكتفي بتعداد الذنوب، بل عليه أن يطلب غوثه تعالى مسترحماً مستعطفاً عند من بيده الانجاء من التبعات والعواقب فمن ذلك قوله عليه السلام: "واستغاث بك من عظيم ما وقع به في علمك وقبيح ما فضحه في حكمك، من ذنوب أدبرت لذّاتها فذهبت، وأقامت تبعاتها فلزمت".

3- اليقين بإجابته تعالى: لكن بعد عدم استعظام عدله إن عاقب ورحمته إن عفا لأنّ من صفاته وهو الكريم: "لأنّك الربّ الكريم الذي لا يتعاظمه غفران الذنب العظيم".

خاتمة: له الفضل في التوبة والتوفيق لها:

هذا النذر اليسير من آداب التوبة ومقدّماتها التي ألفت إليها دعاء التوبة للإمام زين العابدين عليه السلام والتي - إضافة إلى ما ذكرنا - بقيت مضامين كثيرة، منها: إسناد الفضل إليه في اللجوء إلى التوبة الذي يشير إليه قوله عليه السلام: "فها أنا ذا قد جئتك مطيعاً لأمرك فيما أمرت به من الدعاء، متنجّزاً وعدك فيما وعدت به من الإجابة إذ تقول: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾".

على أنّه لا بدّ من تأكيد العزم على التوبة، وهذا ما لَفَتَ إليه عليه السلام بقوله: "اللهمّ إنّي أتوب إليك... توبة من لا يحدِّث نفسه بمعصية، ولا يضمر أن يعود في خطيئة...".

* كتاب زاد عاشوراء، إعداد معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- سورة التحريم، الآية 8.
2- سورة الحجر، الآية 49.
3- سورة الأنعام، الآية 54.
4- سورة الزمر، الآية 53.
5- سورة البقرة، الآية: 186.
6- الصحيفة السجّاديّة.

2016-11-02