التلقين والتكرار سلاح مهم لدى الشياطين
الفصل الثالث
إنّ أحد أساليب الشياطين لإغواء البشر هو إصرارهم وتأكيدهم على الوسوسة لبني آدم، والتسلل إلى أفكارهم وعقولهم، ولهذا السبب يذكّرهم القرآن بصفة الوسواس الخناس،
عدد الزوار: 199
إنّ أحد أساليب الشياطين لإغواء البشر هو إصرارهم وتأكيدهم على الوسوسة لبني آدم،
والتسلل إلى أفكارهم وعقولهم، ولهذا السبب يذكّرهم القرآن بصفة الوسواس الخناس،
ويرشد الناس للاستعاذة بالله من شر شياطين الإنس والجن، لأنّ الشياطين تعمل
بوسوستها ودس الأوهام في قلب الإنسان، لأن تُخضع قلب الإنسان لسيطرتها، وتسيّر
أفكاره في منعطفات السقوط والضلال.
إنّ الشياطين وذوي الأطباع الشيطانية من الناس يعلمون بأنّ عليهم الثرثرة والكتابة
والتكرار من أجل، دس الأوهام الشيطانية في عقول عباد الله، ليجعلوا العقول تأنس
أوهامهم الباطلة، ليتسللوا بالتدريج في أذهان الناس وعقولهم، وهم بأنفسهم يقولون:
ينبغي التكلّم والكتابة والتكرار إلى الحد الذي يصاب الناس معه بالشك والتردّد.
إنّهم واستلهاماً من إبليس يعملون بالدرجة الأُولى على إغواء وتضليل الطبقة المثقفة
والطلابية، لأنه ـ وحسب تصورهم ـ يستطيعون بيسر إضلال عامة الناس بخداعهم لهذه
الطبقة، غافلين عن أنّ الله سبحانه وتعالى قد جعل مشاعل زاهرةً لهداية المسلمين
لاسيما الشيعة، وبلطف من الله واستلهاماً من علوم ومعارف هؤلاء سيطلع المسلمون على
الأحابيل الشيطانية للأعداء، ويغدون أشدّ نباتاً وصلابةً يوماً بعد يوم في اتّباعهم
للقرآن.
الاستناد إلى المتشابهات، أسلوب آخر في مواجهة القرآن
لقد تقدمت الإشارة إلى أنّ أحد شؤون النبي صلّى الله عليه وآله وسلم والأئمة
المعصومين عليهم السلام هو، تفسير وبيان الوحي الإلهي، فيما أنّ القرآن ذو محكمات
ومتشابهات، وكما تقدمت الإشارة آنفاً أنّ له ظاهراً وباطناً، فليس متيسراً الوصول
إلى عمق معارفه إلاّ للنبي والأئمة المعصومين والعارفين بالعلوم الإلهية وتفسيرها
وبيانها، لا يقوى عليه سوى المتعلّمين في مدرسة أهل البيت.
بناءً على هذا وطبقاً لحكم العقل ومنهج العقلاء القائم على وجوب رجوع الجاهل إلى
العالم، فلا سبيل لفهم القرآن ومعارف الدين، سوى الرجوع إلى مَن جاء بهذا الكتاب
الإلهي والأئمة المعصومين عليهم السلام والدارسين في مدرستهم، لكن ليس الأمر أنّ
جميع الناس يقتفون المنهج العقلائي، أو أنّهم يرون أنفسهم ملتزمين بالعقل والمنطق
والمبادئ المنطقية في الفهم والتفهيم والتفهّم، فهنالك أناس يعملون فقط من أجل
إضلال الناس، ولا هدف لهم سوى إثارة الشبهة والفتنة في المجتمع، وقد عني القرآن
بهذا الأمر أيضاً:
﴿هُوَ
الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ
الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ
فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ
تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي
الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ
إِلاّ أُولُو الأَلْبَابِ﴾1
لقد قسّمت هذه الآية القرآن الكريم إلى قسمين: محكمات ومتشابهات، ووصفت المحكمات بـ
(أمُّ الْكِتَابِ) فبعض القرآن آيات محكمات تمثّل الأم والأصل للقسم الثاني أي
المتشابهات.
إنّ محكمات القرآن عبارة عن الآيات الواضحة معانيها، ومعارفها لا تقبل الشك، وهذه
الآيات تمثّل أصول وأُمّهات معارف القرآن، فمعيار وملاك صحة وعدم صحة المعارف
الدينية هي المحكمات وأُمّهات القرآن، وفي المقابل هنالك آيات ليس ممكناً فهمها دون
الاستعانة بالمحكمات، وليس للجميع إدراك عمق معانيها، ويعبّر عن هذه الطائفة من
آيات القرآن بالمتشابهات.
لقد نهى القرآن الناس عن اتّباع المتشابهات بدون الاستعانة بالمحكمات وبتفسير وبيان
النبي صلّى الله عليه وآله وسلم والأئمة المعصومين عليهم السلام، فالقرآن الكريم
يعتبر اتّباع المتشابهات دليلاً على انحراف القلب، ويصرّح بأنّ الذين يجعلون
متشابهات القرآن ملاكاً لفكرهم وفهمهم وعقائدهم، إنّما يسعون وراء الفتنة وتأويل
القرآن وتحريفه، وبتصريح القرآن لا يعلم تأويل وتفسير الآيات المتشابهة إلاّ الله
والراسخون في العلم والأئمة المعصومين عليهم السلام، والراسخون في العلم هم الذين
تقبّلوا العبودية لله بكل كيانهم قائلين: آمنا بالقرآن محكماته ومتشابهاته كلّ من
عند ربنا.
* تجلي القرآن في نهج البلاغة - مؤلف: آية الله محمد تقي مصباح اليزدي
1_آل عمران: 7.
2016-06-22