يتم التحميل...

اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ

آدم عليه السلام في القرآن

تُبَيّنُ هذه الآيات وتستعرض قصّة آدم، فتقول أوّلا: إِنّ الله سبحانه أمر آدم وزوجته حواء بأن يسكنا الجنّة: (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة).

عدد الزوار: 273

وَيَـأَدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتَُما وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّـلِمِينَ * فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَـنُ لِيُبْدِىَ لَهُمَا مَا وُ ورِىَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَتِهِمَا وَقَالَ مَانَهَـكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَـلِدِينَ * وَقَاسَمَهُمَآ إِنِّى لَكُمَا لَمِنَ النَّـصِحِينَ * فَدَلَّـهُمَا بِغُرُور فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَهُمَا رَبُّهُمَآ أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَآ إِنَّ الشَّيْطَـنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ (سورة الأعراف)

وَساوِسُ شيطانيَّة في حُلَل خَلاّبة:
تُبَيّنُ هذه الآيات وتستعرض قصّة آدم، فتقول أوّلا: إِنّ الله سبحانه أمر آدم وزوجته حواء بأن يسكنا الجنّة: (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنّة).

ويستفاد من هذه العبارة أنّ آدم وحواء لم يكونا في بدء الخلقة في الجنّة، إِنّما خلقا أوّلا ثمّ هُديا إِلى السكنى في الجنّة وأنّ القرائن تفيد ـ كما أسلفنا في ذيل الآيات المتعلقة بقصة خلق آدم في سورة البقرة ـ أن تلك الجنّة لم تكن جنّة القيامة، بل هي ـ كما ورد في أحاديث أهل البيت(عليهم السلام) أيضاً ـ جنّة الدنيا، أي أنّها كانت بستاناً جميلا أخضر من بساتين هذا العالم، وفّر الله سبحانه فيها جميع أنواع النعم والخيرات.

وفي هذه الأثناء صدر أوّل تكليف وأمر ونهي إِلى آدم وحواء من جانب الله تعالى، بهذه الصورة: (فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) أي أنّ الأكل من جميع أشجار هذه الجنّة مباح لكما، إِلاّ شجرة خاصّة لا تقرباها، وإِلاّ كنتما من الظالمين.

ثمّ إِنّ الشيطان الذي طُرِدَ من رحمة الله تعالى بسبب إِحجامه عن السجود لآدم، وكان قد صمّم على أن ينتقم لنفسه من آدم وبنيه ما أمكن، ويسعى في إِضلالهم ما استطاع، وكان يعلم جيداً أنّ الأكل من الشجرة الممنوعة تعرّض آدم للإِخراج من الجنّة، عمد إِلى الوسوسة لآدمَ وزوجته، وبغية الوصول إِلى هذا الهدف نشر شباكاً متنوعة على طريقهما.

ففي البداية ـ وكما يقول القرآن الكريم ـ بدأ بنزع لباس الطاعة والعبودية لله، عنهما، فأبدى عورتهما التي كانت مخبأة مستورة: (فوسوس لهما الشيطان ليبدى لهما ما وورِىَ عنهما من سوآتِهما).

وللوصول إِلى هذا الهدف رأى أنّ أفضل طريق هو أن يستغلّ حبّ الإِنسان ورغبته الذاتية في التكامل والرقي والحياة الخالدة، وليوفّر لهما عذراً يعتذران ويتوسلان به لتبرير مخالفتهما لأمر الله ونهيه، ولهذا قال لآدم وزوجته: (ما نهاكما ربّكما عن هذه الشجرة إِلاّ أن تكونا مَلَكَين أو تكونا من الخالدين).

وبهذه الطريقة صَوَّرَ الأمر الآِلهي في نظرهما بشكل آخر، وصوّر المسألة وكأنَّ الأكل من «الشجرة الممنوعة» ليس غير مضرّ فحسب، بل يورث عمراً خالداً أو نيل درجة الملائكة.

والشاهد على هذا الكلام هو العبارة التي قالها إِبليس في سورة طه الآية 120: (يا آدم هل أدلّك على شجرة الخلد ومُلك لا يبلى).

فقد جاء في رواية رويت في تفسير القمي عن الإِمام الصادق(عليه السلام)، وفي «عيون أخبار الرضا» عن الإِمام علي بن موسى الرضا(عليه السلام): فجاء إِبليس فقال: «إِنّكما إِن أكلتما من هذه الشجرة التي نهاكما الله عنها صرتما ملكين، وبقيتما في الجنّة أبداً، وإِن لم تأكلا منها أخرجكما الله من الجنّة».

ولما سمع آدم هذا الكلام غرق في التفكير، ولكنّ الشيطان ـ من أجل أن يحكم قبضته ويعمّق وسوسته في روح آدم وحواء ـ تَوسَّلَ بالأيمان المغلَّظة للتدليل على أنه يريد لهما الخير! (وقاسمهما إِنّي لكما لمن الناصحين).

لم يكن آدم يمتلك تجربة كافية عن الحياة، ولم يكن قد وقع في حبائل الشيطان وخدعه بعد، ولم يعرف بكذبه وتضليله قبل هذا، كما أنّه لم يكن في مقدوره أن يصدّق بأن يأتي بمثل هذه الايمان المغلَّظة كذباً، وينشر مثل هذا الحبائل والشباك على طريقه.

ولهذا وقع في حبال الشيطان، وانخدع بوسوسته في المآل، ونزل بحبل خداعه المهترىء في بئر الوساوس الشيطانية للحصول على ماء الحياة الخالدة والملك الذي لا يبلى، ولكنّه ليس فقط لم يظفر بماء الحياة كما ظنّ، بل سقط في ورطة المخالفة والعصيان للأوامر الإِلهية، كما يعبّر القرآن عن ذلك ويلخصه في عبارة موجزة إِذ يقول: (فدلاّهما بغرور).

ومع أن آدم ـ نظراً لسابقة عداء الشيطان له، ومع علمه بحكمة الله ورحمته الواسعة، ومحبته ولطفه ـ كان من اللازم أن يبدّد كل الوساوس ويقاومها، ولا يسلّم للشيطان، إِلاّ أنه قد وقع ما وقع على كل حال.

وبمجرّد أن ذاق آدم وزوجته من تلك الشجرة الممنوعة تساقط عنهما ما كان عليهما من لباس وانكشفت سوءاتهما (فلمّا ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما).

ويستفاد من العبارة أعلاه أنّهما بمجرّد أن ذاقا من ثمرة الشجرة الممنوعة أُصيبا بهذه العاقبة المشؤومة، وفي الحقيقة جُرِّدا من لباس الجنّة الذي هو لباس الكرامة الإِلهية لهما.

ويستفاد من هذه الآية جيداً أنّهما قبل ارتكابهما لهذه المخالفة لم يكونا عاريين، بل كانا مستورين بلباس لم يرد في القرآن ذكر عن حقيقة ذلك اللباس وكيفيته، ولكنّه على ايّ حال كان يعدّ علامة لشخصية آدم وحواء ومكانتهما واحترامهما، وقد تساقط عنهما بمخالفتهما لأمر الله، وتجاهلهما لنهيه.

على حين تقول التّوراة المحرفة: إِنّ آدم وحواء كانا في ذلك الوقت عاريين بالكامل، ولكنّهما لم يكونا يدركان قبح العري، وعندما ذاقا وأكلا من الشجرة الممنوعة التي كانت شجرة العلم والمعرفة، انفتحت أبصار عقولهما، فرأيا عريهما، وعرفا بقبح هذه الحالة.

إِنّ آدم الذي تصفه التّوراة لم يكن في الواقع إِنساناً، بل كان بعيداً من العلم والمعرفة جداً، إِلى درجة أنّه لم يكن يعرف حتى عريه.

ولكن آدم الذي يصفه القرآن الكريم، لم يكن عارفاً بوضعه فحسب، بل كان واقفاً على أسرار الخلقة أيضاً (عِلم الأسماء)، وكان يُعَدّ معلّم الملائكة، وإِذا ما استطاع الشيطان أن ينفذ فيه فإِنّ ذلك لم يكن بسبب جهله، بل استغلّ الشيطان صفاء نيّته، وطيب نفسه.

ويشهد بهذا القول الآية (27) من نفس هذه السورة، والتي تقول: (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أُخرج أبوَيكم من الجنّة ينزع عنهما لباسهما).

وما كتبه بعض الكّتاب المسلمين من أن آدم كان عارياً منذ البداية، فهو خطأ بيّن نشأ ممّا ورد في التّوراة المحرفة.

وعلى كل حال فإِنّ القرآن يقول: إِن آدم وحواء لمّا وجدا نفسيهما عاريين عمدا فوراً إِلى ستر نفسيهما بأوراق الجنّة: (وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة).

وفي هذا الوقت بالذات جاءهما نداء من الله يقول: ألم أُحذِّركما من الاقتراب والأكل من هذه الشجرة؟ ألم أقل لكما: إِنّ الشيطان عدوٌّ لكما؟ فلماذا تناسيتم أمري ووقعتم في مثل هذه الأزمة: (وناداهما ربّهما ألم أنهكما عن تلكما الشّجرة وأقل لكما إِنّ الشّيطان لكما عدوّ مبين).

من المقايسة بين تعبير هذه الآية والآية الاُولى التي أجاز الله فيها لآدم وحواء أن يسكنا الجنّة، يستفاد بوضوح أنّهما بعد هذه المعصية ابتعدا عن مقام القرب الإِلهي إِلى درجة أنّ أشجار الجنّة أيضاً اضحت بعيدة عنهما. لأنّه في الآية السابقة تمت الإِشارة إِلى الشجرة بأداة الإِشارة القريبة (هذه الشجرة) وأمّا في هذه الآية فقد استعملت مضافاً إِلى كلمة (نادى) التي هي للخطاب من بعيد، استعملت (تلكما) التي هي للإِشارة إِلى البعيد.

2016-04-28