ماذا تعرف الملائكة من ابناء آدم
آدم عليه السلام في القرآن
أمثال محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) وابراهيم ونوح وموسى وعيسى والأئمّة من أهل البيت(عليهم السلام)وعباد الله الصالحين والشهداء والمضحّون من الرجال والنساء الذين قدّموا وجودهم على مذبح العشق الإلهي، والذين تساوي ساعة من تفكّرهم سنوات متمادية من عبادة الملائكة.
عدد الزوار: 230
أمثال محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم) وابراهيم ونوح وموسى وعيسى والأئمّة من أهل
البيت(عليهم السلام)وعباد الله الصالحين والشهداء والمضحّون من الرجال والنساء
الذين قدّموا وجودهم على مذبح العشق الإلهي، والذين تساوي ساعة من تفكّرهم سنوات
متمادية من عبادة الملائكة.
الجدير بالذكر، إن الملائكة ركنوا في بيان فضلهم إلى ثلاثة اُمور: التسبيح والحمد،
والتقديس، أمّا التسبيح والحمد فمعناهما واضح. وهو تنزيه الله عزّ وجلّ من كل نقص
والاعتراف له بكل كمال وجمال. أمّا ما هو معنى التقديس؟ البعض يرى أنه عبارة عن
تنزيه الله عزّوجلّ عن كل نقص. وهو معنى التسبيح المتقدم. ولكن آخرين ذهبوا إلى ان
التقديس من مادة «قدس» أي تطهير الارض من الفاسدين والمفسدين. او تطهير النفس من كل
رذيلة. أو تطهير الجسم والروح للّه. والشاهد على ذلك كلمة «لك»، في جملة «نقدس لك»
لأن الملائكة لم يقولوا «نقدسك» بل «نقدس لك»، أي تطهر المجتمع والارض لك.
وفي الحقيقة أن مرادهم هو القول بأن الهدف اذا كان هو الطاعة والعبودية فنحن على
أتمّ الاستعداد. ولو كان هو العبادة فنحن في هذه الحالة دائماً، واذا كان المقصود
هو تطهير النفس أو تطهير الارض فسوف ننفذ هذا الامر. في حين أن الانسان المادي
مضافاً إلى فساده. فانه يفسد الارض.
ومن أجل أن تتضح الحقيقة للملائكة أقدم الله سبحانه على هذه التجربة ليعلموا الفرق
الشاسع بينهم وبين آدم(عليه السلام).
الملائكة في بودقة الاختبار
كان آدم يملك ـ بفضل الله ـ قابلية خارقة لفهم الحقائق. وشاء الله أن ينقل هذه
القابلية من مرحلة القوّة إلى مرحلة الفعل، وهذا ما عبر عنه القرآن بقوله:
(وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا).
اختلف المفسرون في تفسير «تعليم الأسماء»، ومن المؤكد أن المقصود من ذلك ليس هو
تعليم الأسماء دون المعاني. فذلك لا يكسب آدم فخراً. بل المقصود هو معاني الأسماء
والمفاهيم والمسميات.
هذا العلم بالكون وبأسرار الموجودات وخواصها، كان مفخرة كبيرة لآدم طبعاً.
عن أبي العباس قَال: سألت الإِمام الصادق(عليه السلام) عن قولِ الله: وَعلّمَ آدَمَ
الأَسماءَ كلها، ماذا علّمه؟ قال: «الأَرَضِينَ وَالجبال والشعابَ والأوديةَ ثم نظر
إلى بساط تحته فقال: وهذا البساط ممّا علّمهُ».
علم الأسماء إذن لم يكن يشبه «علم المفردات»، بل كان يرتبط بفلسفة الأسماء وأسرارها
وكيفياتها وخواصها. والله سبحانه منح آدم هذا العلم ليستطيع أن يستثمر المواهب
المادية والمعنوية في الكون على طريق تكامله.
كما منح الله آدم قابلية التسمية، ليستطيع أن يضع للأشياء أسماء، وبذلك يتحدث عن
هذه الأشياء بذكر اسمها لا بإحضار عينها. وهذه نعمة كبرى، نفهمها لو عرفنا أن علوم
البشرية تنقل عن طريق الكتب والمدوّنات. وما كان هذا التدوين مقدوراً لولا وضع
الأسماء للأشياء وخواصها.
(ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ: أَنْبِؤُنِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ
إِنْ كُنْتُمْ صَادِقينَ...)وأمام هذا الاختبار تراجع الملائكة لأنهم لم يملكوا هذه
القدرة العلمية التي منحها الله لآدم، (قَالُوا: سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا
إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).
وهكذا أدركت الملائكة تلك القدرة التي يحملها آدم، التي تجعله لائقاً لخلافة الله
على الأرض. وفهمت مكانة هذا الكائن في الوجود.
وحان الدور لآدم كي يشرح أسماء الموجودات وأسرارها أمام الملائكة: (قَالَ يَا آدَمُ
أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ
أَقُلْ لَكُمْ إِنّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ وَأَعْلَمُ مَا
تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ).
وهنا اتضح للملائكة أن هذا الموجود هو وحده اللائق لاستخلاف الأرض.
عبارة (مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) إشارة إلى أن الملائكة كانوا يخفون شيئاً لم
يظهروه في أقوالهم. قال بعض المفسرين: إنها إشارة إلى حالة استكبار إبليس الذي كان
يومئذ بين الملائكة. وكان يكتم إصراره على عدم الخضوع لآدم.
ومن المحتمل أيضاً أن تكون العبارة إشارة إلى ما كان يبطنه الملائكة من اعتقاد
بأنهم أليق من غيرهم للخلافة الإِلهية على الأرض. فهم أشاروا إلى مثل هذا الاعتقاد
ولم يصرّحوا به.
جواب على سؤالين
ويبقى سؤالان في هذا المجال، الأوّل يدور حول تعليم الله لآدم، كيف تمّ ذلك؟
ولو قُدّر أن يكون هذا التعليم من نصيب الملائكة لنالوا نفس فضيلة آدم، فهل هناك
مفخرة يمتلكها آدم ولا تمتلكها الملائكة؟
أما بشأن كيفية التعليم فالجواب هو أن هذا التعليم تكويني، أي إن الله أودع هذا
العلم في وجود آدم بالقوة، ودفعه خلال مدّة قصيرة إلى المرحلة الفعلية.
إطلاق كلمة «تعليم» في القرآن على «التعليم التكويني» ورد في موضع آخر من القرآن،
كقوله تعالى: (عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) وواضح أن الله سبحانه علّم الإِنسان البيان في
مدرسة الخلقة، أي منحه الكفاءة والخصائص الفطرية اللازمة للبيان والكلام.
أما الشطر الآخر من هذا السؤال فيتبين جوابه لو علمنا أن الملائكة كانت لهم خلقة
خاصة، ما كانت تؤهلهم لتلقي كل هذه العلوم. إنهم مخلوقون لهدف آخر، لا لهذا الهدف،
وهذه الحقيقة فهمها الملائكة وتقبلوها بعد أن مرّوا بتلك التجربة المذكورة في
الآية. ولعلهم اعتقدوا في البداية أنهم يحملون الكفاءة اللازمة لهذا الهدف، لكن
الله بيّن لهم الفرق بين كفاءتهم وكفاءة آدم بتجربة تعليم الأسماء.
أمّا السّؤال الثّاني فيرتبط بالضمير «هم» في قوله تعالى: (ثم عرضهم) و أسمائهم
وباسم الإشارة هؤلاء في الآية. فالمعروف أنّ «هم» و«هؤلاء» يستعملان في العاقل،
وهذا لا ينسجم مع تفسير «الأسماء» بأنهم أسرار الخلقة وفهم خواص جميع الموجودات.
والجواب هو أن استعمال الضمير «هم» واسم الإِشارة «هؤلاء» لا يختص بالعاقل، بل قد
يستعملان في جمع مكوّن من عاقل وغير عاقل، وقد يستعملان في جمع غير عاقل. كقوله
تعالى: (رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) والضمير «هم» في الآية يعود على الكواكب
والشمس والقمر التي رآها يوسف.