كيفية وسوسة الشيطان
آدم عليه السلام في القرآن
يستفاد من عبارة (وسوس له) نظراً إِلى حرف اللام (التي تأتي في العادة للفائدة والنفع) أنّ الشيطان كان يتخذ صفة الناصح، والمحبّ لآدم، في حين أن (وسوس إِليه) لا ينطوي على هذا المعنى، بل يعني فقط مجرّد النفوذ والتسلّل الخفيّ إِلى قلب أحد.
عدد الزوار: 136
يستفاد من عبارة (وسوس له) نظراً إِلى حرف اللام (التي تأتي في العادة للفائدة
والنفع) أنّ الشيطان كان يتخذ صفة الناصح، والمحبّ لآدم، في حين أن (وسوس إِليه) لا
ينطوي على هذا المعنى، بل يعني فقط مجرّد النفوذ والتسلّل الخفيّ إِلى قلب أحد.
وعلى كل حال يجب أن لا يتصور أن الوساوس الشيطانية مهما بغلت من القوة تسلب
الإِرادة والإِختيار من الإِنسان، بل يمكن للإِنسان ـ رغم ذلك ـ وبقوّة العقل
والإِيمان أن يقف في وجه تلك الوساوس ويقاومها.
وبعبارة أُخرى: إِن الوساوس الشيطانية لا تجبر الإِنسان على المعصية، بل قوّة
الإِرادة وحالة الإِختيار باقية حتى مع الوساوس، وإِنّ مقاومتها تحتاج إِلى
الاستقامة والصمود الأكثر وربّما إِلى تحمّل الألم والعذاب وكذلك فإِنّ الوساوس
الشيطانية لا تسلب المسؤولية عن أحد ولا تجرّده عنها، كما نلاحظ ذلك في آدم. ولهذا
نرى أنه رغم جميع العوامل التي حفت بآدم، ودعته إِلى مخالفة أمر الله ونهيه، وشجعته
عليها، والتي أقامها الشيطان في طريقه، فإِنّ الله سبحانه اعتبره مسؤولا عن عمله،
ولهذا عاقبه على النحو الذي سيأتي بيانه.
ماذا كانت الشّجرة الممنوعة؟
جاءت الإِشارة إِلى الشجرة الممنوعة في ست مواضع من القرآن الكريم، من دون أن يجري
حديث عن طبيعة أو كيفية أو اسم هذه الشجرة، وأنها ماذا كانت؟ وماذا كان ثمرها؟ بيد
أنّه ورد في المصادر الإِسلامية تفسيران لها، أحدهما «ماديّ» وهو أنّها كانت
«الحنطة»كما هو المعروف في الرّوايات.
ويجب الإِنتباه إِلى نقطة، وهي أن العرب تطلق لفظة «الشجرة» حتى على النبتة، ولهذا
أطلقت في القرآن الكريم ـ لفظة الشجرة على نبتة اليقطين، إِذ قال سبحانه: (وانبتنا
عليه شجرة من يقطين).
والتّفسير الآخر «معنوي» وهو أنّ المقصود من تلك الشجرة ـ كما في الرّوايات ـ هو ما
عبّر عنها بـ «شجرة الحسد» لأنّ آدم طبقاً لهذه الرّوايات ـ بعد ملاحظة مكانته
ومقامه ـ تصوّر أنّه لا يوجد فوق مقامه مقام، ولا فوق مكانته مكانة، ولكن الله تعال
أطلعه على مقام ثلة من الأولياء من ذريته وأبنائه (رسول الإِسلام وأهل بيته)، فحصل
عنده ما يشبه الحسد، وكانت هذه هي الشجرة الممنوعة التي أُمر آدم بأن لا يقربها.
وفي الحقيقة تناول آدم ـ طبقاً لهذه الرّوايات ـ من شجرتين، كانت إِحداهما أقلّ منه
مرتبةً وأدنى منه منزلة، وقد قادته إِلى العالم المادي، وكانت هي «الحنطة».
والأُخرى هي الشجرة المعنوية التي كانت تمثل مقام ثلة من أولياء الله، والذي كان
أعلى وأسمى من مقامه ومرتبته، وحيث أنه تعدّى حدّه في كلا الصعيدين ابتلي بذلك
المصير المؤلم.
ولكن يجب أن نعلم أن هذا الحسد لم يكن من النوع الحرام منه، بل كان مجرّد إِحساس
نفساني من دون أن تتبعه أية خطوة عملية على طبقه.
وحيث إنّ للآيات القرآنية ـ كما أسلفنا مراراً ـ معان متعدّدة، فلا مانع من أن يكون
كلا المعنيين مرادين من الآية.
ومن حسن الإِتفاق أنّ كلمة «الشجرة» قد استعملت في القرآن الكريم في كلا المعنيين،
فحيناً استعملت في المعنى المادي المتعارف للشجرة مثل: (وشجرة تخرج من طور سيناء
تنبت بالدهن) التي هي إِشارة إِلى شجرة الزيتون، وتارة استعملت في الشجرة المعنوية
مثل (والشجرة الملعونة في القرآن) التي يكون المراد منها إِمّا طائفة من المشركين،
أو اليهود، أو الأقوام الطاغية الأخرى مثل بني أُمية.
على أنّ المفسّرين أبدوا احتمالات متعددة أُخرى حول الشجرة الممنوعة، ولكن ما قلناه
هو الأبين والأظهر من الجميع.
ولكن النقطة التي يجب أن نذكِّرَ بها هنا، هي أنه وصفت الشجرة الممنوعة في التّوراة
المختلفة ـ المعترف بها اليوم من قِبَل جميع مسيحيي العالم ويهودييه ـ بشجرة العلم
والمعرفة بشجرة الحياة تقول التّوراة: إِن آدم لم يكن عالماً ولا عارفاً قبل أكله
من شجرة العلم والمعرفة، حتى أنّه لا يعرف ولم يميّز عريه، وعندما أكل من تلك
الشجرة، وصار إِنساناً بمعنى الكلمة طرد من الجنّة خشية أن يأكل من شجرة الحياة
أيضاً فيخلد كما الآلهة.
وهذا من أوضح القرائن الشاهدة على أنّ التّوراة الرائجة ليست كتاباً سماوياً، بل هي
من نسيج العقل البشري القاصر المحدود، الذي يعتبر العلم والمعرفة عيباً وشيناً
للإِنسان، ويعتبر آدم بسبب ارتكابه معصية تحصيل العلم والمعرفة مستحقاً للطرد من
جنة الله، وكأنّ الجنّة لم تكن مكان العقلاء الفاهمين ومنزل العلماء العارفين!!
ولملفت للنظر أنّ الدّكتور «ويليم ميلر» الذي يُعَدّ من مفسري الإِنجيل القديرين
والبارزين بل من مفسّري العهدين (التّوراة والإِنجيل معاً) يقول في كتابه المسمى
«ما هي المسيحية»: «إِنّ الشيطان تسلّل إِلى الجنّة في صورة حيّة، وأقنع حواء بأن
تأكل من ثمرة تلك الشجرة، ثمّ أعطت حواء من تلك الثمرة إِلى آدم، فأكل منها آدم
أيضاً، ولم يكن فعل أبوينا الأوليين مجرّد خطأ عادي، أو غلطة ناشئة من عدم التفكير،
بل كان معصية متعمّدة ضدّ الخالق، وبعبارة أُخرى: اِنّ آدم وحواء كانا يريدان بهذا
الصنيع أن يصيرا آلهة، إنّهما لم يرغبا في أن يطيعا الله، بل كانا يريدان أن يعملا
وفق رغباتهما وميولهما الشخصية، فماذا كانت النتيجة؟ لقد وبّخهما اللهُ تعالى
بشدّة، وأخرجهما من الجنّة، ليعيشا في عالم مليء بالعذاب والألم والمحنة».
لقد أراد مفسّر التّوراة والإِنجيل هذا أن يبرر شجرة التّوراة الممنوعة، ولكنّه نسب
أعظم الذنوب وهو مضادة الله ومحاربته ـ إِلى آدم ... أمّا كان من الأفضل أن يعترف ـ
بدل إِعطاء مثل هذه التّفسيرات ـ بتطرّق التحريف والتلاعب إِلى هذه الكتب المسماة
بالكتب المقدّسة؟!