فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ
آدم عليه السلام في القرآن
ينتقل القرآن إلى فصل آخر من موضوع عظمة الإِنسان، ويقول: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لاِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْليسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ، وَكَانَ مِنَ الْكَافِرينَ).
عدد الزوار: 158
وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَـئِكَةِ اسْجُدُواْ لاِدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ
أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَـفِرين(34)وَقُلْنَا يَــَادَمُ اسْكُنْ
أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتَُما وَلاَ
تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّـلِمِينَ(35) فَأَزَلَّهُمَا
الشَّيْطَـنُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ
بَعْضُكُمْ لِبَعْض عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِى الاَْرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَـعٌ إِلَى
حِين(36)سورة البقرة.
آدم(عليه السلام) في الجنّة
ينتقل القرآن إلى فصل آخر من موضوع عظمة الإِنسان، ويقول: (وَإِذْ قُلْنَا
لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لاِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْليسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ،
وَكَانَ مِنَ الْكَافِرينَ).
يبدو للوهلة الاُولى أن مسألة السجود لآدم جاءت بعد تجربة الملائكة المذكورة في
الآيات السابقة وبعد تعليم الأسماء. ولكن لو أمعنّا النظر في آيات القرآن الكريم
لألفينا أن موضوع السجود جاء بعد اكتمال خلقة الإِنسان مباشرة، وقبل امتحان
الملائكة.
يقول تعالى: (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ
سَاجِدِينَ)، السجود إذن جاء مباشرة بعد نفخ الروح في الإِنسان، وهذا المعنى جاء في
الآية 72 من سورة (ص).
ثمة دليل آخر على هذه المسألة هو أن استجابة الملائكة لأمر الله بالسجود، لو كانت
بعد اتضاح مكانة آدم، لما اعتبرت مفخرة للملائكة.
على أي حال، الآية المذكورة تقرير قرآني واضح صريح لشرف الإِنسان وعظمة مكانته. فكل
الملائكة يؤمرون بالسجود له بعد اكتمال خلقته.
حقاً، إن هذا الموجود، اللائق لخلافة الله على الأرض، والمؤهل لهذا الشوط الكبير من
التكامل وتربية أبناء عظام كالأنبياء وخاصة النّبي الخاتم(صلى الله عليه وآله
وسلم)، يستحق كل احترام.
نحن نشعر بالتعظيم والتكريم لمن حوى بعض العلوم وعلم شيئاً من القوانين والمعادلات
العلمية، فكيف حال الانسان الأوّل مع كل تلك العلوم والمعارف الزاخرة عن عالم
الوجود؟!
لماذا أبى إِبليس؟
«الشّيطان» اسم جنس شامل للشيطان الأوّل ولجميع الشّياطين. أمّا «إبليس» فاسم
علم للشيطان الذي وسوس لآدم. وإبليس ـ كما صرح القرآن ـ ما كان من جنس الملائكة وإن
كان في صفوفهم، بل كان من طائفة الجن، وهي مخلوقات مادية. قال تعالى: (فَسَجدُوا
إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الجِنِّ).
باعثه على الإِمتناع عن السجود كبُر وغرور وتعصب خاص استولى عليه حيث اعتقد أنه
أفضل من آدم، ولا ينبغي أن يصدر له أمر بالسجود لآدم، بل ينبغي أن يؤمر آدم بالسجود
له.
كفر إبليس كان يعود إلى نفس السبب أيضاً، فقد اعتقد بعدم صواب الأمر الإِلهي، وبذلك
لم يعصِ فحسب، بل إنحرف عقائدياً. وهكذا ذهبت أدراج الرياح كل عباداته وطاعاته
نتيجة كبره وغروره. وهكذا تكون دوماً نتيجة الكبر والغرور.
وعبارة (كَانَ مِنَ الْكَافِرينَ) تشير إلى أن إبليس كان قبل صدور الأمر الإِلهي
إليه بالسجود، قد انفصل عن مسير الملائكة وطاعة الله، وأسرَّ في نفسه الإستكبار
والجحود. لعله عزم في قرارة نفسه أن لا يخضع لو صدرت إليه أوامر بالخضوع والسجود.
ومن المحتمل أن تكون عبارة (مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ) إشارة إلى ذلك. وورد هذا
المعنى في حديث عن الإِمام الحسن العسكري(عليه السلام). قال إِبْليسُ: «لَئِنْ
أَمْرَنِي اللهُ بِالسُّجُودِ لِهَذَا لَعَصَيْتُهُ إِلى أَنْ قَالَ: ثُمَّ قَالَ
اللهُ تَعَالى لِلْمَلاَئِكَةِ: أُسْجُدُوا لاِدَمَ فَسَجَدُوا فَأَخْرَجَ
إِبْلِيسُ مَا كَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْحَسَدِ فَأَبِى أَنْ يَسْجُدَ».