تأثيرهما في منح نظرة جديدة نحو المسائل
تأثير الزمان والمكان على التشريعات
إنّ تغير الاَوضاع والاَحوال الزمنية تضفي للمجتهد نظرة جديدة نحو المسائل المطروحة في الفقه قديماً وحديثاً. ولنذكر بعض الاَمثلة:
عدد الزوار: 268
إنّ تغير الاَوضاع والاَحوال الزمنية تضفي للمجتهد نظرة جديدة نحو المسائل المطروحة
في الفقه قديماً وحديثاً. ولنذكر بعض الاَمثلة:
1. كان القدماء ينظرون إلى البيع بمنظار ضيّق ويفسرونه بنقل الاَعيان وانتقالها،
ولا يجيزون على ضوئها بيع المنافع والحقوق، غير انّ تطور الحياة وظهور حقوق جديدة
في المجتمع الاِنساني ورواج بيعها وشرائها، حدا بالفقهاء إلى إعادة النظر في حقيقة
البيع، فجوّزوا بيع الامتيازات والحقوق عامة.
2. أفتى القدماء بأنّ الاِنسان يملك المعدن المركوز في أرضه تبعاً لها دون أيّ قيد
أو شرط، وكان الداعي من وراء تلك الفتوى هو بساطة الوسائل المستخدمة لذلك، ولم يكن
بمقدور الاِنسان الانتفاع إلاّ بمقدار ما يعدّتبعاً لاَرضه، ولكن مع تقدم الوسائل
المستخدمة للاستخراج، استطاع أن يتسلّط على أوسع مما يُعد تبعاً لاَرضه، فعلى ضوئه
لا مجال للاِفتاء بأنّ صاحب الاَرض يملك المعدن المركوز تبعاً لاَرضه بلا قيد أو
شرط، بل يحدد بما يعد تبعاً لها، وأمّا الخارج عنها فهو إمّا من الاَنفال أو من
المباحات التي يتوقف تملّكها على إجازة الاِمام. وليست هذه النظرة الشمولية مختصة
بالفقه بل تعم أكثر العلوم.
تأثيرهما في تعيين الاَساليب
إنّ هناك أحكاماً شرعية لم يحدّد الشارع أساليبها بل تركها مطلقة كي يختار منها في
كل زمان ما هو أصلح في التنظيم نتاجاً وأنجع في التقويم علاجاً، وإليك بعض الاَمثلة
على ذلك:
1. الدفاع عن بيضة الاِسلام قانون ثابت لا يتغيّـر ولكن الاَساليب
المتخذة لتنفيذ هذا القانون موكولة إلى مقتضيات الزمان التي تتغير بتغيّـره، ولكن
في إطار القوانين العامة فليس هناك في الاِسلام أصل ثابت إلاّ أمر واحد وهو قوله
سبحانه: (وَأَعِدُّوا لَهُم ما اسْتَطَعْتُم مِن قُوّةٍ الاَنفال|60) وأمّا غيرها
فكلّها أساليب لهذا القانون تتغيّـر حسب تغيّـر الزمان.
2. نشر العلم والثقافة أصل ثابت في الاِسلام، وأمّا تحقيق ذلك وتعيين كيفيته فهو
موكول إلى الزمان، فعنصر الزمان دخيل في تطبيق الاَصل الكلّـي حسب مقتضيات الزمان.
3. التشبّه بالكفار أمر مرغوب عنه حتى إنّ الرسول صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم
أمر بخضب الشيب وقال: «غيّـروا الشيب ولا تشبهوا باليهود»، والاَصل الثابت هو صيانة
المسلمين عن التشبّه بالكافرين، ولما اتسعت دائرة الاِسلام واعتنقته شعوب مختلفة
وكثر فيهم الشيب تغير الاسلوب، ولمّا سُئِلَ علي - عليه السَّلام - عن ذلك، فقال:
«إنّما قال - صلَّى اللّه عليه و آله و سلَّم - ذلك والدين قلّ، فأمّا الآن فقد
اتسع نطاقه وضرب بجرانه فامروَ وما اختار» (1).
4.انّ روح القضاء الاِسلامي هو حماية الحقوق وصيانتها، وكان الاسلوب المتبع في
العصور السابقة هو اسلوب القاضي الفرد، وقضاوَه على درجة واحدة قطعية، وكان هذا
النوع من القضاء موَمِّناً لهدف القضاء، ولكن اليوم لمّا دبّ الفساد إلى المحاكم
وقلَّ الورع اقتضى الزمان أن يتبدل اسلوب القضاء إلى اسلوب محكمة القضاة الجمع،
وتعّدد درجات المحاكم حسب المصلحة الزمانية التي أصبحت تقتضي زيادة الاحتياط، وقد
ذكرنا كيفية ذلك في بحوثنا الفقهية (1). فزبدة القول هي:
1. انّ عنصري الزمان والمكان لا تَمُّسَانِ حصر التشريع في اللّه سبحانه أولاً، ولا
كرامة الكبريات و الاَُصول الشرعية ثانياً.
2. تأثير عنصري الزمان والمكان في محقّقات الموضوع.
3. تأثير عنصري الزمان والمكان في الوقوف على ملاكات الاَحكام.
4. تأثير عنصري الزمان والمكان في كيفية إجراء الحكم.
5. تأثيرها في منح نظرة جديدة نحو المسائل.
6. تأثيرها في تعيين الاَساليب. هذا كلّه في تأثيرهما في الاجتهاد واستنباط
الاَحكام الاَوّلية.
التفسير الخاطىَ أو تغيير الاَحكام حسب المصالح
قد ظهر ممّا ذكرنا انّ القول بتأثير عنصري الزمان والمكان يجب أن يحدّد بمالا يمس
كرامة الاَصلين السابقين: حصر التقنين باللّه سبحانه وتعالى، تأبيد الاَحكام
الشرعية غير انّه ربّما يفسر التأثير بنحو خاطىَ وهو تغيير الاَحكام الشرعية حسب
المصالح الزمنية وبهذا يبرّر مخالفة بعض
الخلفاء للكتاب والسنّة قائلاً بأنّ للحاكم الاَخذ بالمصالح وتفسير الاَحكام على
ضوئها.
1 نهج البلاغة: قسم الحكم، رقم 16.
2016-04-27