خطايا اللسان الكذب
الكذب
اعتبر الإسلام صدق الحديث من أهم الخصال التي يتميز بها المؤمن، فهو المعيار الأساس لتقييم الشخصية الإيمانية، فالمؤمن لا يُقيَّم بصلاته وصيامه وحجه، بل يُقيَّم بحديثه الصادق إضافة لأدائه لأمانات الناس،
عدد الزوار: 198بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى في كتابه المجيد
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ
اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾ (التوبة - الآية - 119)
الصدق وصية النبي الأولى
اعتبر الإسلام صدق الحديث من أهم الخصال التي يتميز بها المؤمن، فهو المعيار الأساس
لتقييم الشخصية الإيمانية، فالمؤمن لا يُقيَّم بصلاته وصيامه وحجه، بل يُقيَّم
بحديثه الصادق إضافة لأدائه لأمانات الناس، فقد ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه
وآله وسلم أنه قال:" لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم وكثرة الحج والمعروف
وطنطنتهم بالليل، انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة.
من هنا كان الصدق هو الوصية الأولى التي أوصى بها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله
وسلم وصية أمير المؤمنين عليه السلام حينما قال له: "يا علي أوصيك في نفسك بخصال
فاحفظها عني، ثم قال: اللهم أعنه، أما الأولى فالصدق ولا يخرجن من فيك كذبة أبدا ً"
الكذب أكبر الكبائر
واحتل الكذب المرتبة الأولى من بين خطايا الإنسان وآثامه فعن الرسول صلى الله عليه
وآله وسلم: "ألا أخبركم بأكبر الكبائر ؟ الشرك بالله وعقوق الوالدين وقول الزور"
ويتبين لنا مرتبة هذه الخطيئة اللسانية حين مقارنتها بخطيئتين كبيرتين، الأولى: شرب
الخمر، والثانية: الربا.
الكذب وشرب الخمر
فشرب الخمر يُعد من أكبر المعاصي البشرية، كيف لا وقد ورد عن الإمام الصادق عليه
السلام: " من شرب جرعة من خمر لعنه الله عزّ وجل وملائكته ورسله والمؤمنون"، وقد
بيّن الإمام المعصوم مفاسد شرب الخمر حينما قال: "ما عُصي الله بشيء أشد من شرب
المسكر، إن أحدهم يدع الصلاة الفريضة ويثب على أمه وابنته وأخته وهو لا يعقِل" لذا
فرض الإسلام أن يُقاطع شارب الخمر من المجتمع حينما تكون مقاطعته تنهاه عن شربه
للخمر، فعن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: "شارب الخمر إن مرض فلا
تعودوه ، وإن شهد فلا تقبلوه، وإن ذكر فلا تزكوه، وإن خطب فلا تزوِّجوه، وإن حدّث
فلا تصدقوه، وإن مات فلا تشهدوه، شارب الخمر يلقى الله عزّ وجل كعابد الوثن... شارب
الخمر يأتي يوم القيامة مسوداً وجهه ينادي بالويل والثبور".
ومع كل هذه العقوبات لشارب الخمر التي تبيّن حجم هذه الخطيئة فقد ورد أن الكذب أشر
من شرب الخمر.
فقد روى الحر العاملي في كتاب الوسائل حديثاً عن الإمام الباقر عليه السلام يقول:
"إن الله عزّ وجلّ جعل للشر أقفالا ً، وجعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب، والكذب أشرّ
من الشراب".
الكذب والربا
وإن قارنا بين حرمة الربا وحرمة شرب الخمر نجد أن حرمة الربا وصلت إلى حد فظيع
يُعبِّر عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: " درهم ربا عند الله أعظم من
سبعين زنية بذات محرم في بيت الله الحرام".
ومع ذلك فإن الكذب أعظم جرماً من الربا، فعن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: "أربى
الربا الكذب"
الكذب والإيمان
ومن مساوئ الكذب أنه يخرب الإيمان ويهدمه، فبينما يسعى الإنسان ليقترب إلى الله،
فيتكامل إيمانه يزلّ لسانه بكذبة يهدم ما كان بناه بجهد كبير، فقد قال الإمام
الباقر عليه السلام فيما ورد عنه: "الكذب خراب الإيمان".
فالإيمان والكذب لا يجتمعان لأن العمران والخراب لا يجتمعان، وهذا ما يفهمنا قول
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حينما سُئل: "أيكون المؤمن جباناً ؟، قال صلى
الله عليه وآله وسلم: نعم، قيل: ويكون بخيلا ً، قال صلى الله عليه وآله وسلم: نعم،
قيل: ويكون كذابا ً؟، قال صلى الله عليه وآله وسلم: لا".
أقسام الكذب
الكذب على الله:
يقول تعالى في القرآن الكريم:
﴿ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ
الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ
إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ
قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
من خطورة اللسان الشديدة الكذب على الله كأن يقول وهو غير صادق بكلامه هذا حرام
وهذا حلال، فإنه بقوله هذا كأنما يقول إن الله قد حكم بهذا الحكم وقال به مع أنه لا
يعرفه، فمن يفعل هذا فليتبوأ مقعده من النار، ومن أمثلة الكذب على الله أن يقول
الإنسان بعد كلامه: "الله يعلم بما أقول"، فهذا الإنسان يكون مصداقا ً للحديث
القائل: "إذا قال العبد علم الله وكان كاذباً قال الله تعالى: "أما وجدت أحداً تكذب
عليه غيري"، وما أعظم هذه الخطيئة التي يترتب عليها اهتزاز عرش الله تعالى، فعن
الإمام الصادق عليه السلام: "من قال علم الله ما لا يعلم اهتز له العرش"
الكذب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم والإمام عليه السلام
ويتم هذا النوع من الكذب حينما يخترع الإنسان حديثاً من عند نفسه ثم ينسبه إلى
الرسول أو الإمام.
والكذب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان أحد أهم المشاكل التي شتتت المجتمع
الإسلامي ووسعّت من دائرة الانحراف في الأمة الإسلامية، فكان البعض يروون الأحاديث
الكاذبة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليغيروا المفاهيم الإسلامية الحقة،
وينقل لنا التاريخ أن الكذب على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدأ في حياته
الشريفة مما جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يهدد بالعقاب الأخروي لمن يكذب
عليه، فقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: "من قال عليّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من
النار"
الموارد الاستثنائية لجواز الكذب
جوّزت الشريعة الإسلامية الكذب في بعض الموارد الاستثنائية ومن تلك الموارد:
إصلاح ذات البين، فإن حصل صراع بين المسلمين، كالأخ وأخيه والزوج وزوجته، وكان طريق
الإصلاح منحصراً في الكذب فيجوز حينئذٍ الكذب لأجل الإصلاح، ويكون الكذب في هذه
الحالة محبباً إلى الله تعالى، لأنه في طريق تطبيق فريضة الإسلام الإلهية التي كان
الإمام علي عليه السلام يحدّث عنها ابنيه الحسن والحسين قائلا ً: " صلاح ذات البين
أفضل من عامة الصلاة والصيام"، لذا جوّزت الشريعة الكذب في مورد الإصلاح واعتبرت
"المصلح ليس بكذاب" كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام، بل اعتبرت الكذب محبباً
في هذه الحالة كما جاء في وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أمير
المؤمنين عليه السلام حين قال له: " يا علي إن الله تعالى أحب الكذب في الصلاح،
وأبغض الصدق في الفساد"
دفع الضرر عن النفس والمال والعرض، فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه
قال: "أحلف بالله كاذباً ونجِّ أخاك من القتل"
كونوا مع الصادقين
حينما يطّلع المؤمن على نظرة الله تعالى في الكذب تتحرك إرادته لاجتناب هذه الخطيئة
الكبيرة ملبياً دعوة الله
﴿وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾، الذين هم نبينا محمد
وآله الأطهار.
فقد عُرف الرسول الأكرم قبل الرسالة بالصادق الأمين، وكان صدقه هو الأساس المعتمد
لتبليغ رسالته، فقد صعد النبي في بداية الدعوة على صخرة المروة ونادى الناس
فاجتمعوا فقال لهم: "أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج من سفح هذا الجبل تريد أن
تغير عليكم أكنتم مصدقيّ ؟، قالوا: بلى والله ما جرّبنا عليك كذباً، قال صلى الله
عليه وآله وسلم: إني نذير لكم بين يديّ عذاب أليم.
وعلّم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهل بيته الصدق ليكونوا الصادقين في وصف الله
، وليدعوا أتباعهم وشيعتهم أن يكونوا الصادقين الملتزمين تحت الشعار الذي رفعه
الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "كونوا دعاة لنا بالخير بغير ألسنّكم" .
وحينما نكون كذلك نحرز مقام القرب من النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم ومقام
شفاعته يوم القيامة وهو الذي قال فيما ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم: إن أقربكم
مني غداً وأوجبكم عليّ شفاعة أصدقكم لسانا ً وأدّاكم للأمانة وأحسنكم خلقا ً
وأقربكم من الناس.
والحمد لله رب العالمين.
2016-04-01