خطبة السيد حسن نصر الله في ليلة القدر الكبرى
2015
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا شفيع ذنوبنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين
عدد الزوار: 724
خطبة السيد حسن نصر الله في ليلة القدر الكبرى_9-7-2015
خلاصة الأفكار الواردة:
- اقتران الإيمان بعمل الإنسان الصالح.
- الدعاء هو السلاح الذي زود الله به الإنسان من أجل الدنيا والآخرة.
- التسهيلات والكرم الإلهي.
- الدعاء ليس بديل العمل.
- آداب الدعاء والأمور التي تساعد على استجابة الدعاء.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا شفيع ذنوبنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم محمد بن عبد
الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الأخيار المنتجبين وعلى جميع الأنبياء
والمرسلين
إخواني وأخواتي السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته.
في البداية نتوجه إلى مولانا بقية الله في الأرضين صاحب الزمان (عجل الله تعالى
فرجه الشريف) وإلى جميع المؤمنين والمسلمين بالمواساة وتعابير العزاء في ذكرى شهادة
أمير المؤمنين وإمام المتقين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في مثل
هذه الليالي والأيام. ونتوجه إلى الله سبحانه وتعالى بالشكر بجميع محامده كلِّها
على جميع نعمه كلِّها.
كلنا يعرف أنَّ للإنسان حاجات ومطالب ومتطلبات وآمال ورغبات وأماني وغايات يتطلع
إليها ويتمنى الوصول إليها أو الحصول عليها في هذه الحياة الدنيا وكذلك في الحياة
الآخرة. لكن الله سبحانه وتعالى قضت مشيئته أن هذه الأماني والغايات والآمال
والمتطلبات وما يسعى إليه الإنسان ويأمل بأن يحصل عليه سواءً في الدنيا أو في
الآخرة؛ اقتضت المشيئة الإلهية أن يكون طريق هذا الأمر هو عمل الإنسان؛ أن يعمل
الإنسان وأن يسعى وأن يجد وأن يجتهد وأن يبذل وقته وعمره ليصل بإرادته هو؛ بمشيئته
هو. ففي دار الدنيا أي مصائر أو نتائج أو أوضاع أو أحوال ــ بمشيئة الله سبحانه
وتعالى وبإذن الله سبحانه وتعالى ــ الناس هم الذين يصنعونها.
المجتمع النشيط العامل المضحّي المتكافل المتعاون الذي يساعد بعضه بعضاً؛ يشد بعضه
أزر بعض، يحصل على نتائج مختلفة عن مجتمع أناني: أفراده أنانيون كُسالى تنابل لا
يتعاونون ولا يتكاملون. أحوالهم ستكون بالتأكيد أحوال مختلفة.
كذلك في ما يتعلق بالآخرة. ففي الفهم الإسلامي وفي الدين الإسلامي الإيمان وحده لا يكفي للنجاة يوم القيامة وللفوز بالجنة. لا يكفي الإيمان. يوجد كتير من الناس تقول لهم: اعملوا كذا قوموا بعمل كذا فيقول لك: لا داعي إلى ذلك؛ الإيمان بالقلب. الإيمان بالقلب لا وجود له. الإيمان وحده لا ينجّي الإنسان يوم القيامة. يجب أن يقترن الإيمان بالعمل الصالح. إذاً،هذه هي مشيئة الله سبحانه وتعالى.
طبعاً، هذه المقدمة لندخل
إلى أصل الموضوع. فإن ما يعمله الإنسان في الدنيا ــ الإنسان كفرد أو كمجموعة أو
جماعة أو شعب أو أمة أو مجموع البشرية ــ هو الذي يقرر مصيرها في الدنيا ويقرر
مصيرها في الآخرة: "اليوم عملٌ ولا حساب وغداً حسابٌ ولا عمل".
لكن الله سبحانه وتعالى لما تعلقت مشيئته بأن على الإنسان أن يعمل ويجهد ويثابر،
أعطاه الله سبحانه وتعالى المقدرات والمقومات والإمكانات ليحقق هذه النتائج؛ سخّر
له كل ما في هذا الكون: الشمس، القمر، النجوم، الرياح، الأرض، الطبيعة، الحيوانات.
كل هذا مسخّر للإنسان. المطلوب من الإنسان فقط أن يبذل جهد. الله سبحانه وتعالى
أعطاه عقل ومعرفة وعلم. الله سبحانه وتعالى أعطاه إرادة وحرية الاختيار، وأعطاه
القدرة على الاستفادة من الأشياء والقدرة على الاستفادة من التجارب وتراكم التجارب
البشرية طوال التاريخ وأرسل له الأنبياء والرسل وأنزل عليه الكتب السماوية. أعطاه
كل شي يمكّنه من أن يصل إلى حيث يطمح، وحيث يحب أن يصل في الدنيا أو في الآخرة.
الله سبحانه وتعالى وفّر له وهيّئ له كل ذلك.
يبقى الأمر بعد ذلك عند الإنسان نفسه. من جملة الأبواب التي فتحها الله سبحانه
وتعالى للإنسان ليدخل منها ويحقق ما أحب في الدنيا والآخرة؛ من جملة الأسلحة ــ
ويمكن تسميتها بالسلاح ــ من جملة الأسلحة التي زوّد الله سبحانه وتعالى بها
الإنسان من أجل الدنيا والآخرة هو الدعاء. هذا ما نريد أن نتحدث عنه هذه الليلة
المباركة.
وليلة القدر بالعمق هي ليلة الدعاء، وليلة توجّه إلى الله سبحانه وتعالى وليلة
الابتهال إلى الله عز وجل والطلب من الله والسؤال من الله. لنتحدث إذاً، عن هذا
الموضوع. وهو موضوع يرتبط بعملنا وإحيائنا في هذه الليلة بشكل مباشر.
الدعاء، ما معنى الدعاء. يعني أن يطلب أحدنا من الله؛ يسأل الله؛ يتكلم مع الله.
هذا هو الدعاء. الله سبحانه وتعالى أعطانا؛ فتح لنا هذا الباب، وأعطانا هذه القدرة
وهذه الإمكانية وقال: هذا الدعاء مثل أمور أخرى أنا أعطيتكم إياها وفتحت لكم
أبوابها. أنعمت عليكم بها لتصلوا إلى الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة. ولذلك من
أعظم النعم الإلهية على الإنسان هو أنَّ الله عز وجل أذِن لنا بدعائه ومسألته وأن
نجلس بين يديه وأن نكلمه وأن نخاطبه.
أحياناً إذا احتجت أن تتكلم مع شخص له شأن، فلا بد لك أن تأخذ إذن وتدق الباب تنتظر
موعد. ربما يسمح لك أن تكلمه لكنه لا يسمح لك أن تتكلم كيف تشاء.
أما الله سبحانه وتعالى فقد أذِن لنا بدعائه ومسألته. بل هو طلب منا أن ندعوه قال
عز وجل: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم). هذا الباب الآن هو بابٌ مفتوح.
موضوع الدعاء ــ أيها الإخوة والأخوات ــ أن يجلس أحدنا ويدعي، ويسأل الله ويطلب من
الله سبحانه وتعالى ــ هو من الأمور الدينية المسلّمة. هو من المسلمات الدينية في
كل الأديان السماوية من آدم (عليه السلام) إلى نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وعلى
جميع أنبياء الله ورسله).
من البداية؛ الكتب السماوية، أقوال الأنبياء، سيرة الأنبياء، سيرة الأولياء
والصالحين، طوال التاريخ قائمة على هذا الدعاء والتضرّع والطلب من الله سبحانه
وتعالى. لكن، في أصل المشروعية والاستحباب والمطلوبية لله عز وجل؛ هذا من الأمور
المسلّمة المحسومة التي لا خلاف فيها ولا جدال ولا نقاش.
ورد في الروايات أيضاً من التشجيع على الدعاء وعلى الطلب من الله سبحانه وتعالى بعض
الأحاديث:" الدعاء نصف العبادة "أيضا: " الدعاء مخ العبادة " كذلك:" الدعاء أفضل
العبادة ". أصلاً؛ الصلاة التي نصليها هي بالأصل ماذا ؟ هي دعاء. فاتحة الكتاب (بسم
الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم) إلى آخر السورة، هي ماذا
؟ هي دعاء، علّمه الله سبحانه وتعالى نبيّه وعباده بأنه هكذا ينبغي أن تدعونني؛
هكذا ينبغي أن تتوجّهوا إليَّ.
ينبغي الالتفات أيضاً وقبل أن ندخل إلى جوانب هذا الموضوع؛ أنَّ الدعاء لله سبحانه
وتعالى بحد ذاته هو فعلٌ عبادي. يعني أن الإنسان يكسب عليه أجرا بمعزل عن تحقق
المطالب وإجابة الأسئلة أو لا.
يعني، إذا قعد أحد يدعو لساعة، لساعتين أو ثلاثة؛ لنصف ساعة أو لخمس دقائق؛ حتى لو
لم تُستجب دعوته، لكن جلوسه نفسه في مجلس الدعاء ودعائه وطلبه ومناجاته مع الله
سبحانه وتعالى هو عملٌ عباديٌ أجره وثوابه محفوظان. لأنَّ الدعاء مثل الصلاة، مثل
الصوم، مثل قراءة القرآن؛ لأنَّ الدعاء هو فعل عبادي على درجة عالية من الأهمية.
نحن نعلم اهتمام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والأنبياء السابقين، واهتمام أهل
البيت (عليهم السلام) بالدعاء. هم كانوا يدعون في المناسبات المختلفة. وأيضاً كانوا
يوجّهون الناس ويعلموهم وقالوا لنا: للدعاء آداب وشروط وجوانب عديدة. هم علمونا
إياها وأرشدونا إليها وهي موجودة في كتب الأحاديث وفي كتب الأدعية.
أنا الليلة ــ في الوقت المتاح وبالاختصار الممكن مع تقليل الشواهد ــ سأحاول أن
أتحدث عن عدد من الجوانب المفيدة من الناحية العملية. والليلة نريد أن ندعو. وان
شاء الله نكون دائماً من الداعين والطالبين والراغبين إلى الله سبحانه وتعالى. يعني
بنهاية المطاف، عندما يريد أحدهم أن يجلس مع غيره: مع أبيه، مع أمه، مع أهله، مع
أصدقائه، مع كبار، مع صغار؛ لكل مجلس آداب. لكل كلام آداب وحيثيات معينة يجب أن
تؤخذ بعين الاعتبار.
سيكون كلامي ضمن عناوين. العنوان الأول أسميته " في التسهيلات والكرم الإلهي". طبعاً،
هذا العنوان غير موجود في كتب الأحاديث. لكن من المضمون الذي سأتكلم عنه تصح هذه
التسمية:" تسهيلات ".
ماذا يعني هذا ؟ الله سبحانه وتعالى من أجل أن ندعوه قدم لنا تسهيلات. وهي في
واقعها تعبّر عن كرمه ولطفه وجوده وسعة رحمته. أولاً، الدعاء وسلاح الدعاء، هو متاح
لكل إنسان مهما كانت إمكاناته وقدراته الشخصية: قوي أو ضعيف، سليم أو مريض، غني أو
فقير، حاكم أو محكوم، أمير أو مأمور، أو إنسان عادي، كبير أو صغير، رجل أو امرأة.
أي إنسان يستطيع أن يخاطب الله ويتحدث إليه ويدعوه ويسأله ويطلب منه.
هذا أولا، وهو أمرٌ متاحٌ للجميع وسهلٌ على الجميع. كل ما هنالك أن لديه عدة كلمات
يريد أن يخاطب الله بها. وهذا أمر متاح لكل إنسان طالما أنه يمتلك لسانا ينطق به.
وحتى، في حال العجز عن النطق يكفيه أن يتكلم مع الله بقلبه.
ولذلك لا يوجد إنسان عاجز عن الدعاء. في حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله
وسلم) يقول:" إنَّ أعجز الناس من عجز عن الدعاء". من يعجز عن الدعاء يعني هو عاجز
عن كل شي. هذا أمر سهله الله سبحانه وتعالى؛ سهّله ويسّره لعباده.
ثانياً، في باب التسهيلات أنَّ كل الأزمنة متاحة ومفتوحة. كل الأزمنة: بالليل أو في
النهار بإمكانك أن تدعو، في أية ساعة أو في أية دقيقة. أيا يكن الوقت فلا مشكلة
أبداً. في أي وقت يمكن للإنسان أن يتوجه إلى الله ويدعوه ويسأله ويطلب منه. وهذا من
كرم الله سبحانه وتعالى. يعني، أنه لا يوجد وقت ما لا يسمع الله سبحانه وتعالى فيه
لعباده. في كل وقت أبوابه مفتّحة.
طبعاً، هناك أيام وليالي ومناسبات زمنية جليلة وعزيزة وفضيلة، الدعاء فيها أفضل.
مثل شهر رمضان؛ كل أيام وليالي شهر رمضان. شهر رمضان هو شهر القرآن وهو أيضاً شهر
الدعاء مثل ليلة القدر. ليالي القدر هي من أفضل الأوقات للدعاء. لماذا؟ لأن أبواب
الجنان مفتّحة وأبواب النيران مغلّقة والشياطين مغلولة. شهر ضيافة الله له مميزات
إضافية. هناك أزمنة أفضل من أزمنة ولكن كل الأزمنة مفتوحة ومتاحة.
ثالثاً في التسهيلات؛ في كل الأمكنة في المسجد، في البيت، في أي غرفة من البيت في
الحديقة، في الجبل، في الوادي، في البحر، في النهر، في الطيارة، في السفينة في
السيارة، على الدابّة، أين ما كنت وفي أي مكان كنت، أنت تستطيع أن تتوجه إلى الله
وتدعوه وتسأله. الله سبحانه وتعالى ليس له بروتوكول خاص. بمعنى أنه لا تتكلموا معي
إلا إذا كنتم بالمسجد مثلاً؛ لا تتكلموا معي إلا إذا كنتم في المكان الفلاني.
أبداً؛ أين ما كنت، الأبواب مفتوحة لدعائك ومسألتك. نعم، الدعاء في بعض الأماكن
أفضل من بعض الأماكن. مثلاً المسجد الحرام مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)،
المسجد الأقصى، مسجد الكوفة، المساجد، المشاهد المشرّفة. طبعاً، نذكر هذه التسهيلات
لنستفيد منها. يعني لا أحد يوفر " تسهيلات " فقط لأخذ العلم.
رابعاً، من التسهيلات أيضا؛ أن الله سبحانه وتعالى يسمع منك دعاءك ويقبل منك دعاءك
في أي حالٍ كنت: واقفا،جالسا، ممدا، قائما أو قاعداً أوعلى جنبك. ماشيا كنت أم
راكبا. في أي وضع تكون؛ على أية حالة تكون؛ لا مشكلة أبداً. الله سبحانه وتعالى
يسمع منك ويقبل منك. نعم، الدعاء في بعض الحالات أفضل. مثلاً، الدعاء أثناء الصلاة
أفضل من الدعاء خارج الصلاة. لأن الصلاة معراج المؤمن، وأقرب ما يكون الإنسان إلى
ربه وهو قائمٌ يصلّي. مثل آخر، من أفضل الأحوال في الدعاء هي حال السجود، سواء
أثناء الصلاة أو خارج الصلاة،. لأنَّ العبد أقرب ما يكون إلى الله سبحانه وتعالى،
وهو ساجدٌ بين يدي الله سبحانه وتعالى. لكن عموماً في أي وضع يكون الإنسان وهو يدعو
الله سبحانه وتعالى، لا بروتوكول خاص بهذا الموضوع.
خامساً، الدعاء لكل حاجاتك. أي شيء تريده، فلا تستحي أن تطلبه من الله. ألله يقول
لك: اطلب مني كل شي: الصغيرة والكبيرة،من القشة، من الإبرة، من أصغر شي أنت تحتاجه
لأكبر شي أنت تطمح له وتتطلّع إليه في الدنيا أو في الآخرة. شاهد على هذا: في ما
أوحى الله عز وجل إلى موسى: "يا موسى سلني كل ما تحتاج إليه حتى علف شاتك وملح
عجينك". العلف من أجل أن يطعم ماعزه، أو الملح من أجل أن يعجن عجينه. الله يقول له:
اطلبه مني لا تستحي. عن الإمام الصادق (عليه السلام) " عليكم بالدعاء فإنكم لا
تتَقرّبون إلى الله بمثله. ولا تتركوا صغيرةً لصغرها أن تدعو بها إنَّ صاحب الصغار
هو صاحب الكبار". الله بيده كل شي وعنده كل شي.
سادساً الدعاء بأي لغة. الإمام الحسين (عليه السلام ) يوم عرفة، في دعاء عرفة يخاطب
الله: " وعجّت إليك الأصوات بمختلف اللغات ". الناس بإمكانها أن تدعو بأي لغة.
اللغة العربية ليست شرطا. نحن لا يوجد لدينا هكذا بروتوكول. صحيح أن القرآن نزل
باللغة العربية وأنه في بعض العبادات لا بد من لغة عربية، ولكن الدعاء بالإمكان أن
ندعو به بأية لغة من لغات الأرض؛من لغات البشر.
سابعاً الدعاء بصيغة محددة ليست شرطا؛ إلا بالأدعية المخصوصة. بإمكانك أن تضع دعاء
من عندك. بإيمانك أن تتكلم ما تريد؛ تكلم على سجيتك: إشكي لله همك، إحكي له قصتك
واطلب منه حاجاتك، وتكلم بما تريد بالأدبيات التي تريدها. إن كنت فيلسوف وتريد أن
تتكلم معه بالفلسفة فلا مشكلة. وكذلك إن كنت شاعرا أو أديبا. وكذلك الأمر أيضا إن
تكلمت معه تعالى باللهجة "الضيعاوية" أو البدوية أو المدنية، وبالبيانات والأدبيات
والألفاظ التي تستطيع أن تعبر فيها عن حاجتك وطلبك ومسألتك. كل ذلك طبعاً، ضمن
وضعية معينة سنأتي على ذكرها بعد قليل. وهذا كله أيضاً، من التسهيلات؛ وإن كان
الأفضل هي الأدعية القرآنية. الله سبحانه وتعالى علمنا في القرآن مجموعة أدعية (ربنا
آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. ربنا أفرغ علينا صبراً وثبّت
أقدامنا. ربنا آتنا ما وعدتنا على رُسلك ولا تخزنا يوم القيامة) ربنا، ربنا. . . في
كثير من السور القرآنية الله يعلّم عباده وأنبياءه كيف يدعونه. وأيضاً الأدعية
الواردة والمنقولة عن الأنبياء وعن رسول الله وعن أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه
وآله وسلم). ومن عظمة الإسلام أيها الإخوة والأخوات أنه ترك لنا تراث كبير وهائل من
الأدعية، مليء بالمعرفة، بالعلم؛ ثري بالمعنويات وبالروحانية وبالأدب؛ أدب الخطاب
مع الله سبحانه وتعالى وفي مختلف المناسبات. لذلك إذا نظرتم في كتب الأدعية
المجموعة، تجدون أعمال اليوم، أعمال الليلة، أعمال الأشهر، الأعمال السنوية، شهر
رجب، شعبان، شهر رمضان،أعمال الحج، أعمال الأماكن. فكل هذا موجود وفي مختلف الحالات
التي يحتاجها الإنسان حين يريد أن يدعو الله سبحانه وتعالى؛وخصوصاً أدعية الإمام
علي بن الحسين (عليه السلام)، الإمام السجاد في الصحيفة السجادية التي تناولت حالات
كثيرة متنوعة.
حسنا؛ هذا هو العنوان الأول: " في التسهيلات ". القصة سهلة، لا تحتاج لا إلى فلسفة
ولا فقه ولا شعر ولا أدب. تكلم بما تريد وعبر عن مكنونات صدرك. اطلب من الله ما
تريد في أي وقت وفي أي حالة وبأية لغة وأية وضعية مهما كانت الحاجة التي تحتاجها
وتتطلّع إليها من حاجات الدنيا أو من حاجات الآخرة.
العنوان الثاني في موضوع الدعاء، أمور يجب التنبيه عليها. هذه الأمور مهمة جداً
وأحببت أن أركّز عليها في هذه الليلة.
الأمر الأول ـ وهو أمر إذا حصل خطأ بالفهم؛ يعني بالمفهوم لدينا نقع في إشكالية
كبيرة جداً. وهو أنَّ الدعاء ليس بديل العمل. لننتبه جيدا لأن البعض من الناس ربما
يدخلون الناس بشكل خاطئ في هذا الاتجاه. الدعاء ليس بديل العمل وإنما هو مكمّل
للعمل.
الدعاء قبل العمل. قبل ما تعمل العمل الذي تتجه للقيام به. بعد لحظات أتكلم
بالتفاصيل: تطلب من الله أثناء العمل، تطلب من الله بعد العمل، تطلب من الله
التوفيق. الدعاء يواكب العمل: قبله ومعه وبعده، ولكنه ليس بديلا من العمل.
مثلاً، موضوع طلب الرزق. الله سبحانه وتعالى ما قال إقبعوا في البيوت ودعوني حتى
أرزقكم. لا يوجد نبي جاء بهذا الكلام؛ أبداً. هذا غريبٌ عن أنبياء الله عز وجل وعن
رسالات الله عز وجل. بل دائماً: إطلب، إسعى، اعمل، إكدح؛ والكادح من أجل عياله
كالمجاهد في سبيل الله عز وجل. لذلك نجد أن كل أنبياء الله عز وجل باشروا العمل
بأيديهم: منهم من عمل بالزراعة، ومنهم من عمل بالتجارة. ومنهم من كان نجارا، ومنهم
من كان راعيا يرعى الغنم. هكذا هي المهن التي كانت متوفرة في تلك الأزمنة. أحد
الأنبياء كان يصنع سيوف ويصنع دروع مثل داوود (عليه السلام).
النبي داوود كان ملكا وكان يصنع دروعا من الحديد. في كل الأحوال، ليس هناك شي إسمه:
إجلس في البيت وأدعو الله. أو أجلس في المسجد وأغلق الباب على نفسك: تصوم وتصلي
وتقرأ القرآن ثم تدعو الله فينزل عليك الرزق في "السلة" من السماء.
هذا غريبٌ عن الإسلام وعن الأديان الإلهية. بل نحن مأمورين بطلب الرزق؛ بالسعي،
بالعمل: بالزراعة، بالتجارة، بالصناعة، بالكد، بأي شيء يدرّ على الإنسان رزقاً من
أجل نفسه ومن أجل عياله. وأيضاً نحن مأمورون بإدارة مالنا بطريقة موضوعية وعلمية
وواقعية ــ يعني، ما نسميه اليوم " الاقتصاد" ــ يعني، حرمة الإسراف حرمة التبذير.
ليس مسموحا لصاحب المال أن ينفق ماله في ليلة واحدة ثم يجلس ويطلب من الله أن
يرزقه.
لذلك ورد في بعض الأحاديث الشريفة ــ من المفيد أن اقرأ الحديث التالي، لان هاهنا
أمر مهم يشير إلى حالة من الحالات؛ ممن لا يستجاب لهم: رجل جالسٌ في بيته يقول يا
رب ارزقني، فيقول الله له:" ألم آمرك بالطلب ". ألم أقل لك إسعى واعمل كي أرزقك.
الدعاء فقط لا يكفي. ورجلٌ كان له مالٌ فأفسده فيقول يا رب ارزقني فيقول له الله:
ألم آمرك بالاقتصاد. فطلب الرزق يتطلب من الإنسان أن يعمل ثم يدعو الله أن يرزقه.
كذلك الأمر في حالة من يكون مريضا. لا يجوز لك أصلا أن لا تعرض مرضك على الطبيب أو
إذا أوصاك الطبيب بحمية ما أن تخالف وصيته أو تمتنع عن تناول الدواء الذي وصفه لك.
أنا أتكلم هنا بالحلال والحرام: إذا قال لك الطبيب في شهر رمضان الصوم يضر بصحتك
فلا يجوز لك أن تصوم. في بعض حالات المرض لا يجوز أن تصوم نهائيا. لا بد للمريض أن
يراجع الطبيب. مع الطبيب ومع الدواء يصح الدعاء. الدعاء مكمّل للعمل. طلب العلم
مثلا ــ عندما صدرت نتائج امتحانات "البروفيه" أهل الشباب الناجحين ملئوا الدنيا
بالرصاص وبالمفرقعات. واقعاً كان أمرا محزنا ومزعجا جداً جداً جداً ــ هذه بين
هلالين. حسنا؛ قبل امتحان البروفيه يقول لك: أدعو لنا الله أن يجعل النجاح من نصيب
ولدنا. لا مانع من الدعاء من أجله، ولكن إذا هو لم يدرس ماذا ينفعه الدعاء. لا بد
من أن تدرس. إذا طلبت العلم فلا بد أن تذاكر، ومن ثم ندعو. الله سبحانه وتعال ينوّر
لك قلبك، ينشط حافظتك،يساعدك أن لا تنسى. لكن عليك أن تقوم بالخطوات الأولى. لا يصح
أن يجلس أحدهم في المسجد ويقول: اللهم ارزقني علماً، واجعلني من العلماء ومن
الفقهاء ومن العرفاء؛ مكتفيا بالدعاء فقط.
مثل آخر؛ النصر. أرضنا محتلة ــ ها هم العرب لا يزالون يدعون على إسرائيل منذ أكثر
من 65 سنة؛ خير إن شاء الله. هذا إذا دعوا ! في هذه الأيام لا أحد يدعو على
إسرائيل. صار دعاؤهم في اتجاه الآخر ــ حسنا؛ أرضك محتلة وعدوك يهددك ويريد أن ينهب
مياهك والخيرات التي أعطاك إياها الله، ونفطك وغازك. إذاً، أنت ماذا فعلت: اللهم
ادفع عنا هذا العدو؟ اللهم انصرنا على هذا العدو؟ اللهم أعد لنا أرضنا؟ اللهم أعد
لنا أسرانا؟ حسنا؛ هناك تهديد قادم لاجتياح المنطقة، كلاَّ. اللهم ادفع عنا هذا
التهديد. هذا لا يستجاب، لأن الله أمرك بالإعداد والله أمرك بالجهاد والله أمرك
بالدفاع والله أمرك بالتضحية والله أمرك بالحضور في الميادين. تعد العدة وتجاهد
وتدافع وتحضر في الميادين وتضحّي، فينزّل الله النصر عليك.
كذلك في حوائج الآخرة: يا رب أدخلنا الجنة، أعتق رقابنا من النار وأنت ترتكب
المعاصي. هذا لا ينفع: لا تصلي، لا تصوم، لا تحج، لا تدفع زكاة أموالك؛ لا تقوم
بالأعمال التي تدخلك الجنة ــ بل بالعكس، تقوم بالأعمال التي تدخلك النار ــ ثم
تدعو الله وتقول يا رب أدخلني الجنة واعتق رقبتي من النار. هذا الدعاء لا ينفع.
فإذاً، لا في شأنٍ من شؤون الدنيا الدعاء يغني عن العمل ولا في شأنٍ من شؤون الآخرة
الدعاء يغني عن العمل.
العمل مطلوبٌ على كل حال والدعاء متممٌ ومكمّل. بل ورد في بعض الأحاديث تعبير شعبي
ولكن يقرب الفكرة "كالملح في الطعام". هل يوجد وجبة طعام فقط من الملح؟ هل إذا
استضفت أحدا إلى الطعام تقدم له صحن ملح ؟ لا أحد يأكل ملح فقط. ولكن إذا قدمت له
طعاما غير مملح فإنه سيطلب منك " رشة ملح". بالمثل يجب أن نعمل كي نرفعه بالدعاء؛
ندعمه بالدعاء.
فإذاً، النقطة الأولى بهذا العنوان هو أهمية العمل.
النقطة الثانية، أن لا ندعو الله سبحانه وتعالى فيما يكرهه. المعاصي مثلا. هذا الآن
موجود حتى على ألسنة الناس العاديين. تسمع أحدهم يقول للآخر: لا بأس لو مزحنا؛ غدا
نريد أن نسرق " مصرفا"؛ لو تدعو الله الليلة عسى الله أن يوفقنا. أو يقول لك مثلاً:
إذا أردنا أن نسرق "مصرفا" فهل يجوز أن ندعو الله للتوفيق ؟ أو: نريد أن نقتل فلان
بغير حق فادعو لنا الله أن يوفقنا فنقضي علية بضربة واحدة. ومثل ذلك من يريد أن
يفتن بين الرجل وزوجته، وهكذا. هذا لا يجوز. التقرب إلى الله والتوجه إليه لا يكون
بما هو مبغوض إليه أو مكروه لديه. ثالثا: لا تدعو بما لا يكون أو يخالف الحكمة
الإلهية أو السنن الطبيعية إذا قلت: الله سبحانه وتعالى يطلب من عباده أن يدعوه: "
أدعوني استجب لكم "فربما أحدهم يقول لك: أنا دعوته بالأمر الفلاني فما استجاب لي.
ماذا دعوته؟ يا رب بحق ليلة القدر التي تقضي فيها وتقدّر اجعل السماوات السبعة
ثمانية ؟! هذا تضييع وقت.
النظام الكوني قام على سبع سماوات. الله خلق سبع سماوات؛ هذه هي حكمته. أو مثلاً:
يا رب أقم الساعة الآن. الآن أقمم القيامة على البشرية. الحكاية على مزاجك أنت ؟!.
أو مثلاً: يا رب ابعثني نبياً فأنا عبدك الذي يحبك ويطيعك؛ ابعثني نبياً في هذا
الزمن. الله بمشيئته ختم النبوة، وأنت تطلب منه أن يتخذك نبيا ؟ّ!
طبعاً. في هذا الزمن هناك ناس من يدعي لنفسه النبوة، وهناك من يدعي الإمامة ! على
كلٍ؛ أن لا يدعو بما لا يكون أو بما يخالف الحكمة الإلهية والسنن الكونية. البند
الرابع مهم جداً أيضاً، وهو عدم الاستعجال: أنه ليس بمجرد أن طلبنا من الله يعني أن
الاستجابة ستقع غدا أو بعد غد. وهذا لا يتنافى مع الإلحاح بالطلب. الإلحاح شيء وعدم
الاستعجال شيء آخر. الإلحاح مطلوب. الله سبحانه وتعالى يحب أن يسمع صوت عبدهُ؛ يحب
أنَّ يلح عبده عليه في الطلب. ولكن عدم الاستعجال، بمعنى أن لا أشعر باليأس أو
أمتنع عن الدعاء مجددا،إذا لم يحصل غدا ما طلبت. لأنَّ عدم الاستجابة قد يكون لها
ظروف ومعطيات مختلفة: من أهمها أن الله سبحانه وتعالى كريم وجواد، لكن هو أيضاً
لطيف رحيمٌ بعباده وخبيرٌ بعباده، يعرف ما يصلحهم؛ ما يصلح لهم في الدنيا وما يَصلح
لهم ليكونوا من أهل الآخرة.
مثلاً، أنا قد أطلب مالا، لكن الله سبحانه وتعالى يعلم أنه لو أعطاني هذا المال
لفسدت وفسدت عائلتي ولأنفقت هذا المال في المعاصي وليس في عمل الخيرات فيحجب عني
هذا المال، لأنه يريد صلاحي في الدنيا وفي الآخرة. الله سبحانه وتعالى قد أطلب منه
الرئاسة فيحجب عني هذه الرئاسة لإنه يعرف أن قلبي ضعيف وإذا صرت رئيسا سأغتر
بالدنيا؛ بجاهها وزخارفها. وقد أظلم وأطغى وأكون من أهل جهنم. لذا ــ ورأفةً بي ــ
الله سبحانه وتعالى لا يعطيني الرئاسة.
الله سبحانه وتعالى يعرف ما يَصلُح لعبده؛ لدنياه ولآخرته. قد أكون الآن مريضا
فأطلب من الله شفاء. الله يعلم أن مصلحتي خلال السنتين أو الثلاثة، في أن أبقى
مريضا. وأنني لو عوفيت سأقوم بأعمال سيئة: أقتل فأدخل السجن، وفي ألآخرة سيكون
مصيري إلى جهنم. الله يعلم، فلذلك يجب أن لا أعجل على الله، والله لا يعجل لعجلة
العباد. وإنما أطلب من الله سبحانه وتعالى ما هو حلالٌ، ما هو مطلوبٌ وما هو مرغوبٌ
وألحّ بالطلب وأسلّم لله عز وجل؛ أسلّم له وهو الذي يختار ما فيه صلاحي في الزمان
والمكان المناسب.
العنوان الثالث والأخير، هو في بعض أدب الدعاء.
أولا، الدعاء بحضور قلب. يعني أن يصرف ذهنه عن كل ما يحيط به. أن يعتبر نفسه جالسا
بين يدي الله سبحانه وتعالى، ويوجّه قلبه إلى الله ويحضر قلبه بين يدي الله ويخاطب
الله سبحانه وتعالى بقلبٍ صافٍ؛ بقلبٍ هادئ رحيم. إذاً، ندعو مع حضور القلب وليس
مجرد لقلقة لسان أو أدعو وأنا شارد بذهني بعيدا عما أنا فيه. نعم، أثناء الأدعية
الطويلة قد يتعب أحدنا أو يشرد بذهنه ولكن يعود إلى نفسه ويكمل فلا بأس. فالشيطان
كما نعلم يأتي إلى الإنسان أثناء مجالس الدعاء ــ الأدعية الطويلة خصوصاً ــ يأتي
علينا بالنعاس ويشغل بالنا و يأخذ لنا خيالنا. والآن لو كشف لنا الغطاء لأُريتم
الشياطين يهجمون عليكم ويعملون على سلب النوم من أعينكم أو يدخلون الملل إلى
نفوسكم. وهذا جزء من جهاد النفس. يجب أن تقاوم هذا الأمر وليكن قلبك حاضر كي تستفيد
من كل لحظات وثواني هذه الليلة المباركة.
ثانيا، في أي دعاء نبدأ بالبسملة.
ثالثا، في أي دعاء بعد البسملة؛ التمجيد لله والتحميد لله سبحانه وتعالى
أربعة، بدء الدعاء وختم الدعاء بالصلاة على محمدٍ وآل محمد: اللهم صل على محمد وآل
محمد. هذا يساعد على استجابة الدعاء.
خمسة، الاستشفاع بالصالحين: أنبياء الله، رُسل الله، الأئمة، الأوصياء، الأولياء،
عباد الله الصالحين. لذلك عندما ندعو الله سبحانه وتعالى نقول له "نسألك باسمك
العظيم الأعظم الأعز الأجل الأكرم؛ بأسمائك الحسنى"؛ نسأله بكل أسمائه وصفاته. كما
نسألك بأنبيائك ورُسُلك وملائكتك وكتبك. يعني،كل ما هو عزيزٌ عند الله وحبيبٌ إلى
الله سبحانه وتعالى نقدمه بين أيدينا. ببركة هؤلاء الذين يحبهم الله ويعزهم الله؛
كرامتهم عند الله، مقامهم، حرمتهم، درجتهم؛ هذا يفتح لنا الأبواب: أبواب الاستجابة.
سادسا، الإقرار بالذنب: " لتغفر ذنوبنا "
سبعة، الاعتراف والإقرار والإذعان بالعجز والضعف والحاجة. يعني، أن لا يدعو أحدنا
دعاء المستغني، بل يدعو دعاء الفقير المسكين المحتاج ويقول لله عز وجل: أنت تعلم
فقري وعجزي ووهني وضعفي وفاقتي. والخير كله عندك وأنا لا أملك شيئا. أصلاً؛ أنا لست
شيئا حتى يكون عندي شيئا. فالإقرار بالعجز والضعف والحاجة.
ثامنا، التضرع والابتهال. يدعو ــ تكلمنا سابقا عن حضور القلب. هنا نتكلم عن حضور
القلب ــ بخضوع لله عز وجل؛ بخشوع؛ بخوف؛ بتهيب؛ بتذلل؛هذا مطلوب. بقدر ما يكون
الإنسان بين يدي الله سبحانه وتعالى خاضعاً متهيباً خائفاً متوجهاً بقدر ما يكون
الدعاء مؤثراً ومفيداً. في ما أوحى الله تعالى إلى موسى (عليه السلام) "يا موسى كن
إذا دعوتني خائفاً مشفقاً وجلاً وعفّر وجهك في التراب" هذا للتعبير عن الخضوع.
"وعفّر وجهك في التراب واسجد لي بمكارم بدنك واقنط بين يدي في القيام" أي في حال
الوقوف،"وناجني حيث تناجيني بخشيةٍ. " وفي ما وعظ به الله تعالى عيسى (عليه
السلام):"يا عيسى ادعني دعاء الحزين الغريق الذي ليس له مغيث ". حالة الدعاء ينبغي
أن تكون دائماً هكذا: كمثل الغريق الذي لا يملك شيئا؛ لا يملك ما ينجيه. في المثل
الشعبي يقولون: يتمسك بأعشاب الماء. الغريق ينقطع عنه كل شي من أسباب الدنيا ووسائل
الدنيا فيتوجه إلى الله عز وجل. يجب أن يكون دعاؤنا بين يدي الله دائماً دعاء
الحزين دعاء الغريق. ولا تدعني إلا متضرعاً إلي وهمك هماً واحداً فإنك متى تدعني
كذلك، أجبتك. الحسين (عليه السلام) يقول عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): "
كان عندما يدعو الله عز جل؛ كان يرفع يديه إذا ابتهل ودعا كما يستطعم المسكين. كما
المسكين يأتي ويطلب بكل خضوع، بكل تذلل بكل تهيّب لله سبحانه وتعالى.
تسعة، تعميم الدعاء لأهله، لإخوانه، لمن سأله الدعاء، لمن أحب، للمؤمنين للمؤمنات.
لوالديه لأرحامه لأهله لإخوانه لأخواته، للناس من حوله. تعميم الدعاء هذا مؤثر في
الإجابة.
عشرة، الاجتماع في الدعاء. كان معروفا عند الأنبياء (عليهم السلام)، إذا كان لدى
أحدهم مطلب حساس ــ حتى النبي ــ كان يأتي بزوجته ويجمع أولاده وأحفاده؛ عياله،
جيرانه ثم يجلس للدعاء، وهم يأمّنون من بعده. أي يقولون: " آمين يا رب العالمين".
بقدر ما يكون عدد المجتمعين كبيرا بقدر ما يكون أثر الدعاء كبيرا. ولذلك يختلف
الأمر بين من يجلس في البيت لوحده ويدعو وبين يأتي إلى مسجد أو مجمّع أو حسينية أو
مكان عام ــ لا سيما في مثل هذه المجالس، في مثل هذه الليالي ــ ويلتقي بحشود
المؤمنين والمؤمنون والمؤمنات ويدعون ويتوسلون سوياً ويؤمّنون سوياً. هذا طبعاً باب
الاستجابة فيه أفضل بكثير.
أحد عشر، اختيار الأوقات المناسبة والأماكن المناسبة.
إثنا عشر، الإلحاح بالدعاء وعدم اليأس.
ثالث عشر، من جملة الأمور التي تساعد في الاستجابة للدعاء؛ دعاؤك لأخيك في ظهر
الغيب. أخيك يطلب منك أن تدعو له ولا يعلم أنك بصدد الدعاء له. أو طلب منك ولكن لا
يعلم أنك تدعو أو لا تدعو هذه الليلة. ليس المقصود بالأخ هنا؛ إبن أمك وأبيك. أي
أخ، أي أخت؛ الأخ الإيماني. يعني، في ليلة قدر وفي منتصف الليل أنت قائم وتدعو
لأخيك في ظهر الغيب؛ تدعو له بالصحة وبالعافية وبالرزق. تدعو له الله أن يغفر ذنوبه
ويدخله الجنة؛ ويقضي دينه ويحميه ويحرسه ويعزه ويرفعه، و و و. . إلى آخره. هذا يؤثر
في إجابة الدعاء. لأنَّ الملائكة تقول: " ولك ذلك ولك ذلك ". كل ما تطلبه لإخوانك
في هذه الليلة الملائكة تقول: "ولك ذلك". بينما لو دعوت منفردا ونسيت إخوانك ليس
معلوما أن تقول الملائكة: "ولك ذلك. ولكن دعاؤك لأخيك في ظهر الغيب الملائكة ستقول
لك: "ولك ذلك ". دعاء الوالدة لولدها دعاء الوالد لولده دعاء الولد لأبويه دعاء
الأرحام لبعضهم البعض دعاء المريض لغيره. ربما تكون الحكمة في ذلك أن الإنسان عادةً
عندما يدعو لأبيه أو لأمّه أو لابنه أو لرحمه أو المريض؛ يكون في حالة عاطفية خاصة.
عادةً؛ يكون في حالة إقبال وتوجه أكبر؛ يكون النية أكثر خلوصا. على كل حال، الله
سبحانه وتعالى يستجيب لهذا النوع الخاص من الأدعية.
رابع عشر، أن يكون الإنسان أساساً ودوما ــ مع الإستطاعة ــ من أهل الدعاء. وليس أن
يدعو فقط عند وقوع المصيبة؛ على سبيل المثال،مثل إنسان يطل على جيرانه ينظر إن
كانوا محتاجين لشيء أم لا؛يتفقّدهم بالأفراح،يشاركهم بالمصائب. مثل هذا الإنسان إذا
إضطر ذات يوم لطلب المساعدة منهم فلن يستغربوا. لكن إذا لم يكن يسأل عنهم لا بفرح
ولا بحزن ولا سوى ذلك، ثم بعد 20- 30 عام،وقع في ضيقة وقصدهم طلبا للمساعدة فإنهم
سيستغربون قدومه إليهم: خير إن شاء الله؛ ما الذي أتى بك إلينا ؟ في الروايات، يوجد
مثل هذا الأمر. العبد الذي يدعو الله ويشكره زمن نعم الله عليه، إذا حلت عليه بعد
ذلك مصيبة ما ودعا الله سبحانه وتعالى، ستقول الملائكة اسمعوا له واستجيبوا له. هذا
الصوت ليس غريبا علينا. نحن نسمع هذا الصوت منذ 20 سنة. هذا المعنى ورد في
الروايات.
خامس عشر، النقطة الأخيرة،وهي الجدية في ترك المعاصي. الله سبحانه وتعالى يطلب من
الجميع أن يدعوه. إن الدعاء ليس متاحا فقط للأتقياء. الدعاء للجميع: للأتقياء
والعاصين. والله سبحانه وتعالى يقول: ادعوا، توبوا وأنا أحب التوابين وأنا أقبل
التوابين وأنا أُكرم التوابين وأكافئ التوابين. لكن لهؤلاء التوابين الذين يتوجهون
بالدعاء إلى الله: عندما ندعو ونطلب من الله أن يغفر لنا ذنوبنا ــ في مثل هذه
الليلة؛ في ليلة القدر ــ ينبغي أن نمتلك إرادة جدية بترك المعصية وعدم العودة
إليها. ولكن من غير هذه الإرادة ربما يذلّ مع ذلك الشيطان الإنسان وتغلبه نفسه
الأمارة بالسوء ويرتكب معصية هنا وذنب هناك وسيئة هنالك. طبعا، الله لا يسد الباب،
ويسمع الدعاء من جديد ويتوب. ولكن الله سبحانه وتعالى لا يقبل الاستهزاء به.
انتبهوا: الاستهزاء به يعني أن نرتكب معصية ثم نحيي ليلة القدر ونتوب، وغدا نرتكب
معصية ثم نتوب. ثم نرتكب المعصية مرة أخرى ونتوب. ماذا يعني هذا ؟ هذا يعني أننا
مسبقاً ليس لدينا إرادة جدية حقيقية بترك المعصية. هذا اسمه استهزاء الله. هذا
حرام. الله سبحانه وتعالى ينتقم من هؤلاء المستهزئين. الله سبحانه وتعالى كما أنه
رحيم وغفور وودود ولطيف وكل هذه المواصفات؛ فلا تنسوا أنه شديد العقاب، منتقم. وأنه
متكبر وأنه متجبر. هو لا يقبل الاستهزاء به من أحد. ولذلك يجب أن تكون النية، هي
الإرادة الجدية بترك المعصية. الليلة حتى لو كان ظهرنا مثقل بالمعاصي والذنوب؛ هذه
الليلة الله يغفر الذنوب. الله نحن ضيوفه. نحن عنده: يسمع أصواتنا، يرى دموعنا
ويسمع آهاتنا ويطّلع على أفئدتنا وقلوبنا. إذا وجد في قلوبنا الصدق والإرادة الجادة
في ترك المعاصي؛ الله يغفر لنا ذنوبنا ويوفقنا للعمل الصالح وللتقوى ويعيننا على
أنفسنا الأمارة بالسوء ويعيننا على شياطين الجن والأنس الذين يعملون في الليل وفي
النهار لنرتكب المعاصي والذنوب.
النقطة الأخيرة وهي مهمة جداً في ملف الدعاء. طبعاً، يوجد آداب وعناوين أخرى، لكن
نكتفي بهذا المقدار. هذا العنوان كان من المفترض ذكره في البداية ولكنني أخرته عمدا
كي يبقى في الذهن.
العنوان الأساسي في الدعاء هو المعرفة؛ يعني، معرفة من نخاطب؛ معرفة مع من نتكلم؛
معرفة من نسأل؛من ندعو. وقد ورد في بعض الأحاديث الشريفة أنه في زمن أحد
الأنبياء(عليهم السلام) كان قوم يدعون الله، الله لم يستجيب لهم. قصدوا النبي
وسألوه عن سبب ذلك فقال لهم النبي: لأنكم لا تعرفون من تدعون. معرفة الله سبحانه
وتعالى هي شرط أساسي وجوهري وركن في عملية الدعاء. وفي هذا الفعل العبادي أنا لا
أتكلم عن موضوع معقّد، وإنما هو موضوع بسيط جدا؛ الصغير والكبير يستطيع فهمه. عندما
نقول نريد أن ندعوه سبحانه وتعالى، حسنا؛ يعني من هو، ما هي صفات من أتينا لندعوه؛
من أتينا لنسألهُ ونطلب منه.
سأذكر مثلا شعبيا، وأنتم بإمكانكم تطبيقه خصوصاً أنكم تدعون بدعاء "الجوشن الكبير"
حيث يمكنكم إستحضار هذا المعنى من مقاطع عديدة في هذا الدعاء.
إذا كان هناك فقير عطشان، جوعان، وبلا مأوى ولا يملك من المال شيئا، وليس لديه عمل
يعتاش منه؛ هو بأشد الحاجة لمن يساعده. السؤال: ممن يطلب المساعدة ؟ أيطلب من فقير
مثله (يعني بيوقع المعتّر عالمعتّر). أبدا؛ بل سيفتش عن غني؛ سيطلب من غني يملك
مالا يقضي عنه دينه ويستأجر له بيتا يأويه؛ ولديه طعام وماء فيطعمه ويسقيه. إذاً،
الذي سيقصده ويطرق بابه بالضيعة أو بالمدينة أو بالحي يفترض به أن يكون غنيا. أليس
كذلك ؟
ثانيا، هذا الغني يجب أن لا يكون بخيلا. لا يكفي أن يكون غنيا فقط. إذا كان غنيا
لكنه بخيلا فلن تطلب منه. إذاً، لا بد أن يكون كريما جواد يعطي بسخاء.
ثالثا، لا بد أن تعرف أنك حين تقصده هل سيفتح لك بابه أم لا؟ فقد يكون محتجبا. صحيح
أنه غني وكريم وجواد لكنه مغلق بابه لا يلتقي بأحد ولا يرى أحدا. نعم، رآه أحد صدفة
ربما يساعده. حسنا؛ إذا كان بابه مفتوح ودخلت إلى الدار هل سيستقبلك أم لا يستقبلك؛
موجود أم مسافر؛ يتواجد في بيته بشكل دائم أم لا؛ هو نائم أم مستيقظ؟ حسنا؛ هذا
الغني هل هو هادئ أم متوتر؟ لأنه إذا كان متوترا فلن يساعدك. هل علاقتي بهذا الغني
جيدة لا يشوبها شائبة أم أنني سبق وأن قتلت إبنه أو أطلقت النار على أخيه أو شتمت
أبيه ؟ أيحسن أن أذهب إليه أم أن ما بيني وبينه من الإضطرابات والمشالكل ما يمنعني
من ذلك؟ حسنا؛ وهل أطلب منه شيئا يقدر عليه أم أطلب منه فيللا وقطعة أرض ومهنة
ومالا أتزوج به واقضي به ديني. يعني الطلبات يجب أن تكون طلبات متواضعة. لماذا ؟
لأن هذا لغني عندما يعطي تنقص خزنته، فلا بد أن يعطي بحساب. من جهة أخرى، إن كان لا
يعرفني سيقول لي: لا بد أن أسأل عنك فأعرف إن كنت ذو سمعة طيبة أم لا؛ هل أنت حقا
محتاج أم أنك تكذب؟ لذا فهو لن يلبي طلبي سريعا. ثم بعد ذلك لا أدري كيف ستكون
المعلومات التي سيجمعها عني: هل هي صحيحة أم مغلوطة؟ وهكذا. . . بينما مع الله
سبحانه وتعالى عندما نقصد بابه نحن الفقراء المحتاجون ــ وبإمكانكم أن تعمموا هذا
على كل شيء ــ الله هو الغني. هذا يعني المعرفة. أن نعرف بأنَّ الله غني، وأنَّ أي
غنى موجود في هذا الوجود هو من الله سبحانه وتعالى. أما البعض ــ كما اليهود ــ
قالوا: إنَّ الله فقيرٌ ونحن أغنياء.
إذاً، أولاً يجب أن تعرف أنَّ الله غني هذا أحد جوانب بالمعرفة.
ثانيا، أنَّ الله سبحانه وتعالى الغني؛ هو أيضا كريم وهو جواد
ثالثا، أنَّ الله سبحانه وتعالى لا يحتجب عن عباده:(لا إله إلا هو الحي القيوم لا
تأخذه سنةٌ ولا نوم). لا ينام ولا يتعب ولا يملّ ولا يضجر ولا يغتاظ ولا ينفعل ولا
غائب ولا مسافر ولا غير موجود: (حيٌ قيومٌ لا تأخذه سنةٌ ولا نوم). يجب أن تعرف
ذلك. وعندما تدعوه وتطلب منه حاجتك لا يحتاج أن يسأل عنك. هو يعرف من تكون. فهو
خالقك وأنت عبده. يعرف حقيقتك وجوهرك وماهيتك وماضيك وحاضرك والمستقبل الذي ستصير
إليه. ويعرف حاجتك ويعرف مصلحتك ويعطيك قدر مصلحتك. هذا الله الغني لا تنفد خزائنه.
لذلك اطلب منه ما ترغب وتحب. ولتكن طموحاتك عالية فخزائنه لا تنفد. مع الله سبحانه
وتعالى ــ حتى لو وجهك عنده مسودا: حتى لو مذنبا أو مخطئا ــ تأتي إليه وتقف عند
بابه وتقول: يا رب أنا أخطأت. أنا أذنبت أنا عصيت؛ سامحني. أنا أذيت عبادك أدرت
ظهري لأوامرك ونواهيك. أستغفر وأستشفع بعباده الصالحين الله يقبل مني. يسمع لي؛ لا
يغلق الباب في وجهي ولا بطردني. كذلك مثلاً، في موضوع المرض؛ كم من طبيب وكم من
دواء ما عوفي المريض بهم. الله هو المعافي. الله هو الطبيب الذي يعرف حقيقة مرضي
ويعرف الدواء الذي يشفيني ويعرف مصلحتي بالصحة وبالمرض: متى يجب أن يشفيني ويعافيني
وكيف. وبابه مفتوح دائماً. عيادته لا تُقفل أبدا ولا تحتاج لها موعد مسبق. مثلاً؛
إذا قصد أحدهم زعيما ما ــ كما هي العادة في أيام الآحاد؛ عجقة وضجة ــ ترى هذا
الزعيم يستمع لهذا ويكتب،ثم يستمع لذاك ويكتب. لا يستطيع أن يستمع لإثنين معا. هو
يستطيع فقط أن يستمع لواحد إثر واحد. وإذا إهتم فإنه يهتم بشيء واحد فقط. لا يستطيع
أن يتابع امرين أوعملين في الآن نفسه.
أما الله سبحانه وتعالى لا يشغله سمعٌ عن سمع، لا يغلّطه سؤالٌ عن سؤال أبداً.
يستمع للكل. مليارات الأصوات تناجيه في وقت واحد فيسمعهم جميعا ويستجيب لهم معا،
ويحل مشاكلهم بإرادته. هذا هو الله.
كيف نعرف من هو الذي ندعوه ؟ مثلاً،عندما نطلب النصر، لا نطلب من مهزوم؛ لا نطلب من
ضعيف أو من عاجز. وإنما نبحث عن جبارٍ قهارٍ متكبرٍ. مثلاً، في دعاء الجوشن نقرأ
"يا من السماوات مطوياتٌ بيمينه". طبعاً، يمينه تعالى ليس المقصود به يده. تعالى
الله عن ذلك، وإنما " قدرته ".
لكن التشبيه بأن السماوات مطويات بيمينه، أنه تعالى ملِك السماوات والأرض؛ مالك
السماوات والأرض؛ جبار الجبابرة؛ ملك الملوك؛ له ما في السماوات والأرض؛ له جنود
السماوات والأرض. انت تطلب النصر ممن له جنود السماوات والأرض. وليس ممن مثلا لديه
100 ألف مقاتل وعندو سلاح نووي. أما ماذا عند الله سبحانه وتعالى؟ زلزال صغير من
(قريبو) يجعل أكبر قوة في هذا العالم؛ يجعل عاليها سافلها.
فإذاً؛ عندما نريد أن نطلب نصرا أو نطلب رزقا أو نطلب عزا أو نطلب عافية أو نطلب
علما أو نطلب أي شي؛،يجب أن نعرف الله الذي نطلب منه؛ أنه يقدر على كل شيءٍ مما
نطلبه من شؤون الدنيا وشؤون الآخرة. هذا المعرفة هي معرفة أساسية وشرط أساسي. نحن
الليلة بين يدي الله سبحانه وتعالى نتوجه إليه بهذا المأثور من الدعاء. هذه
المضامين التي تقرأونها مضامين عالية في المعرفة: في الأوصاف، في المفاهيم. وهذه
المضامين دعا الله بها أولياء الله عز وجل طوال التاريخ. ونتوجه إليه بقلوبٍ رقيقة؛
بحضور وخشوع وتضرّع وتذلّل وتواضع، ونعرف أنَّ الله سبحانه وتعالى قادرٌ على كل شيء
ومحيطٌ بكل شيء وعالمٌ بكل شيء وغنيٌ عن كل شيء ومحيطٌ بكل شيء. هناك أمور كثيرة
نحتاج أن نطلبها من الله سبحانه وتعالى وأن ندعو الله عز وجل من أجلها.
وضع الأمة بشكل عام وضع صعب؛ وضع مأساوي. هذه السنوات هي من أسوأ السنوات التي تمر
على أمتنا العربية والإسلامية. طبعاً هي تحتاج؛هذا يحتاج إلى الدعاء إلى العمل
والدعاء. الدعاء مع العمل.
الدعاء يدفع البلاء. الدعاء يرد القضاء ولو كان مبرماً. هذا موجود في الأحاديث. لا
يستهينن أحد بالدعاء. هذا من جملة الأسلحة التي نحتاجها اليوم لننقذ أمتنا من
المصائب التي تعيشها.
الإنقاذ يحتاج إلى إرادة سياسية؛ يحتاج إلى جهد ثقافي وفكري ويحتاج إلى قتال في
الميدان ويحتاج إلى تعاون وإلى توحّد وإلى صبر وثبات؛ إلى ترفّع وقدرة على تحمّل
المصائب. ولكن هو أيضاً يحتاج إلى دعاء. لا تستهينوا بالدعاء.
في حرب تموز؛ هذا الدعاء الذي كان يدعو به الرجال والكبار والصغار والنساء في لبنان
وفي أماكن كثيرة من العالم هو قطعاً كان مؤثراً في النصر الذي أنزله الله سبحانه
وتعالى على لبنان وعلى شعبه وعلى هذه المقاومة. وإلا بحسب المعطيات المادية
والخارجية رأيتم كم كان الوضع صعبا. كذلك الأمر في الساحات الأخرى.
إذاً، وضع أمتنا؛ مصائب أمتنا من المستكبرين وأطماعهم بخيراتنا، إلى إسرائيل
المغتصبة لقبلة المسلمين الأولى ومقدسات المسلمين والمسيحيين، إلى هذه الفتنة
التكفيرية التي يهرم فيها الكبير ويشيب فيها الصغير ويكدح فيها مؤمنٌ حتى يلقى ربه،
نحن نحتاج بقوة إلى دعاء أمتنا. شعوبنا المضطهدة المظلومة المنكوبة في مثل هذه
الأيام هي بحاجة إلى مثل هذا الدعاء. حفظ المؤمنين والمؤمنات حفظ المجاهدين؛ سماحة
الإمام القائد الذي يحمل الراية الإمام الخامنئي علي (دام ظله الشريف).
نحن في أصعب مرحلة من تاريخنا، وأوضاع أمتنا، مراجعنا الكبار العظام علماءنا إخوانا
أخواتنا المجاهدين المضحين المخلصين المظلومين المحتاجين المستضعفين المعذبين على
امتداد العالم الأسرى والمعتقلين والمغيبين؛ يجب أن نذكّر بسماحة الإمام السيد موسى
الصدر ورفيقيه؛ مفقودي الأثر في الكثير من الجبهات: هناك إخوة، هناك مجاهدون فُقد
أثرهم لا نعلم هل هم أحياء أم أموات؛ لم نحصل على أجسادهم. وعائلاتهم بالتأكيد
تنتظر في الليل وفي النهار. عوائل الشهداء الذين هم تاجنا وعيننا وفخرنا الذين
يتحملون آلام خاصة في مثل هذه المرحلة يقدّمون فلذات أكبادهم وبعض هذه العائلات
الآن تقدّم شهيدين وثلاثة شهداء وبقية أبنائها أيضاً موجودين في الجبهات؛ ندعو الله
سبحانه وتعالى لهم بالقبول وبحسن العاقبة، وبحسن الجزاء والأجر والثواب. وأنَّ الله
سبحانه وتعالى يمنّ عليهم بالصبر بالثبات؛ يسليهم ويؤنسهم. كل حوائج الدنيا أيضاً،
والأهم حوائج الآخرة. لو أن أحدنا يا إخوان طلب الليلة كل شي وحصّل على كل شي: مال
وعمر وصحة وعافية ونصر وعز وزعامة وجاه و وأمن وسلام
2015-07-09