منزلة الشهيد
ربيع الثاني
يمكن النظر إلى ظاهرة الشهادة من زوايا عدّة؛ إذ أننا من أية جهة ننظر إلى هذه الظاهرة نجدها زاخرة بالعظمة والتلألؤ، فإذا ما نظرنا إلى منزلتها عند اللّه تعالى نجد السنتنا عاجزة عن بيان مالها من قيمة كبرى عنده عزّ وجلّ وقد ورد في الحديث:
عدد الزوار: 243
منزلة
الشهيد
مقتطفات من كلمة الإمام الخامنئي في لقائه عوائل شهداء القوات المسلحة وجهاد البناء
6جمادى الثانية 1419 هـ.ق.
الشهادة
ظاهرة زاخرة بالعظمة والتلألؤ:
"يمكن النظر إلى ظاهرة الشهادة من زوايا عدّة؛ إذ أننا من أية جهة ننظر إلى هذه
الظاهرة نجدها زاخرة بالعظمة والتلألؤ، فإذا ما نظرنا إلى منزلتها عند اللّه تعالى
نجد السنتنا عاجزة عن بيان مالها من قيمة كبرى عنده عزّ وجلّ وقد ورد في الحديث:
«إن فوق كل برٍّ برّ حتّى يُقتل المرء في سبيل اللّه فليس
فوقه برّ»، وإذا ما تناولنا هذا الموضوع من زاوية الدين وفلسفه للدين
نجد هذا المعنى صائباً تماماً؛ فما من شيء أسمى من أن يبذل المرء ذاته ووجوده وبملء
ارادته في سبيل هدف إلهي وكبير، وهذا هو معنى الشهادة، ولذلك تتخذ الشهادة عند
اللّه تعبيراً خاصاً. وقد أكد القرآن الكريم ان القتل في سبيل اللّه لا يحسب موتاً
كأي موت آخر، بل لها في المعيار الإلهي وفي الرؤية الدينية والقرآنية مفهوماً آخر
ومعنى فاخر. وكل من يكتب له هذا العطاء الإلهي وينال مفخرة الشهادة، عليه ان يشكر
الباري جل شأنه.
إنّ أعظم لطف اللّه هو ما يَمُنَّ به على الشهيد؛ فهذه الدنيا كما ترون ما لأحد
فيها بقاء، وكل من عليها فان، والناس يهلكون بشتّى أنواع الموت الذي لا يفرق بين
كهل ولا شاب والموت مكتوب على الجميع شباباً وشيوخاً، وصغاراً وكباراً والموت قدر
محتم جعله اللّه على الناس ولابدّ لهم أن يعبروا هذا الباب. إلا انه عزّ وجلّ جعل
ميتة الشهيد على قدر كبير من الأهمية لم يجعله لسائر أنواع الموت الطبيعي. فهل هناك
فضل على الشهيد أكبر من هذا؟ كلّنا ميّتون، ولكن ما أجمل أن يجعل اللّه تعالى هذا
المصير في مسير يحظى بمثل هذا المقدار من الفضيلة!. وإذا نظرنا إلى الشهادة من
زاوية أُخرى نراها ظاهرة باهرة وذلك لأن كل عمل خيري سواها وأيّ برّ آخر يفعله
الإنسان انّما هو عمله بمفرده، إلاّ الشهادة فهي حصيلة جهود جماعة من الناس. فالشاب
الذي يمّم وجهه صوب الجبهة واستشهد هناك، لم يكن وحده قد جاهد فحسب، بل أنت والده
قد جاهدت إذ ذهب. وتوجّه الشاب نحو مكامن الخطر حيث يتهدد الخطر حياته، لا يعتبر
جهاداً له فقط، وانّما يشاطره والداه جهاده، وتشاطره زوجته جهاده، ويشاطره أولاده
جهاده، ويشاطره كل من يودّه جهاده، والعجيب في الأمر هو ان هذا الجهاد لا نفاد له؛
فإذا ما توجّه هو إلى جبهة القتال ورابط هناك وصبر وجاهد إلى ان استقبل الشهادة
وانتهى جهاده، لا ينتهي عند ذلك جهاد والدته ووالده. فصبرهما جهاد، ولا ينقطع عند
هذا الحد جهاد أولاده وزوجته؛ لأن صبرهم جهاد. وهم إذا لم يتذمّروا، واحتسبوا كل
ذلك في عين اللّه، واعتبروا ذلك الدم مفخرة لهم، فإنهم بشكرهم وصبرهم يغرسون بذور
الشهادة ليتواصل نبتها بين سائر الناس، ويكونون مصدر تحفيز لهم للتسابق نحو الجهاد،
وتصبح الحكايات التي يروونها عن صمودهم وبسالتهم مفخرة للشعب، ومدعاة لبروز الشعب
والبلد على صعيد الرأي العام العالمي بشكل مثالي، ولو كان آباء وامهات وأزواج
الشهداء يتذمرون ويتأوّهون ويتشكّون ويظهرون معالم الجزع والمنّة، هل كانت تنعكس عن
هذا الشعب مثل هذه الصورة الوضّاءة؟! الحقيقة هي أنكم رفعتم رأس هذا الشعب وأبرزتم
صورته الناصعة من خلال كلامكم وسلوككم ومن خلال شموخكم واعتزازكم باستشهاد ابنائكم،
ولازال هذا الجهاد قائماً حتى يومنا هذا. لقد مرّت سنوات على التحاق الشهداء برضوان
ربّهم، وأدّوا ما عليهم، بيد أن جهادكم لازال متواصلاً. فأية فضيلة وأية مأثرة
تتألف من مثل هذا التركيب المتداخل من شتى ألوان المجاهدة وتستمر لمثل هذه المدّة
المديدة؟!".
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
2016-02-06