جهاد السمع
آداب إسلامية
إن هذه الآية تؤكد ما يقرره العقل من أن الإنسان مسؤول أمام كل نعمة وعن كل نعمة ومن أعظم النعم نعمة السمع التي هي أحد أهم أبواب تحصيل العلم النافع لكلا الدارين،
عدد الزوار: 523
قوله تعالى:
﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ
وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولا﴾1.
مسؤولية السمع وفضله:
إن هذه الآية تؤكد ما يقرره العقل من أن الإنسان مسؤول أمام كل نعمة وعن كل نعمة
ومن أعظم النعم نعمة السمع التي هي أحد أهم أبواب تحصيل العلم النافع لكلا الدارين،
ولذا تحدث الإمام الصادقعليه السلام عن هذه المسؤولية قائلاً: "يسأل السمع عما
سمع والبصر عما نظر إليه والفؤاد عما عقد عليه"2 فقيمة السمع أن
يحفظ على ما ينفع وان ينزه عما يضر. فالأذن يمكن أن تكون باباً لتلقي الحكمة،
وباباً لمرور آيات الله إلى القلب كما يمكن أن تكون باباً للقذر من الكلام والمحرم
منه وللإنسان أن يشرفه ويكرمه باستماع كل ما يليق بالعاقل والحكيم وتنزيهه عما لا
يليق بهما.
وفي فضل السمع قال الإمام علي عليه السلام: "جعل لكم أسماعاً لتعي ما عناها،
وأبصاراً لتجلو عن عشاها"3.
حق السمع:
وللسمع حق على صاحبه قرره الإمام زين العابدين عليه السلام في رسالة الحقوق: "وأما
حق السمع فتنزيهه عن أن تجعله طريقاً إلى قلبك إلا لفرصة كريمة تحدث في قلبك خيراً
أو تكسب خلقاً كريماً فإنه باب الكلام إلى القلب يؤدي إليه ضروب المعاني على ما
فيها من خير أو شر ولا قوة إلا بالله".
فلو كان السمع غاشاً لصاحبه غير أمين على ما يتلقاه كم في الحقائق تصبح باطلاً وكم
من الباطل يصبح حقاً.
فإذا كان السمع أميناً وصادقاً يؤدي ما أوتمن ويصدق في ما يأتي إليه فهل يا ترى
يكون صاحبه عارفاً بالجميل إن ألقاه باتجاه أنواع الكلام البذيء، أو السفيه أو
اللغو أو المحرم.
من هو السميع: إن القران الكريم وأهل بيت العصمة يقسمون ذوي الأسماع إلى سامع وأصم
لا باعتبار عطل آلة السمع بل بتعطيل فائدتها.
فنقرأ في القران الكريم قوله تعالى:
﴿وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ
كَانُواْ لاَ يَعْقِلُون﴾4.
فهم صم لا لعطل في الأذان ولكن لأنهم لا يتعقلون ما يسمعونه. وفي نظر المولى الكريم
الذي له سمع ولا يستفيد منه ميت:
﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء
إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾5.
بل إنهم في نظر المولى ليسوا موتى فقط وإنما موتى وفي القبور، قبور الإعراض عن ذكر
الله وقبول الهدى. على حد التعبير العامي "ماتوا وشبعوا موتاً".
﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ
يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ﴾6.
فللحياة معيار عند المولى هو مدى استفادة الإنسان من ما يسمع من آيات الله ودعوات
الصلاح والهدى.
وهذا الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة يؤكد هذه المعاني قائلاً: "ما كل ذي
قلب بلبيب ولا كل ذي سمع بسميع ولا كل ناظر ببصير".
بينما ترى في المقابل أن هناك من هم ذوي سمع هو اسمع الأسماع.
فعن الإمام الحسن عليه السلام: "... واسمع الأسماع ما وعى التذكير وانتفع به"7.
وعن أبيه عليه السلام أيضاً: "... إلا إن أسمع الأسماع ما وعى التذكير وقبله"8.
سوء السمع:
السمع سمعان: سمع سيء ، وسمع حسن.
السمع السيئ: قد يكون شريكاً لكل من يسمعه ومشاركاً في كل ما يسمعه "السامع
شريك القائل".
1- سماع الغيبة: عن أمير المؤمنينعليه السلام: "سامع الغيبة أحد المغتابين".
2- بسماع الهجر من القول: "سامع هجر القول شريك القائل".
3- سماع الغناء: قال رجل للإمام الصادق عليه السلام: إن لي جيراناً ولهم جوار
يتفيئن ويضربن بالعود فربما دخلت المخرج فأطيل الجلوس استماعاً مني لهن؟... فقال له
الإمام الصادق عليه السلام: "تالله أنت! أما سمعت الله عز وجل يقول:
﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ
عَنْهُ مَسْؤُولا﴾9".
4- سماع كل محرم: عن الإمام الرضا عليه السلام: "ففرض على السمع أن يتنزه عن
الاستماع إلى ما حرم الله، أن يعرض عما لا يحل له مما نهى الله عز وجل عنه،
والإصغاء إلى ما أسخط الله عز وجل فقال في ذلك:
﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ
آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ
حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِه﴾10".
5- استماع اللغو: قال تعالى:
﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا
أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾11
ما العمل مع هذه الحالات وسواها فقد أمر الله بالإعراض فقال:
﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾12
فالمطلوب أن يكرم الإنسان نفسه وسمعه بأن لا يسمع أمثال هذا الحرام.
وقال الإمام في غرر الحكم: "إذا سمعت من المكروه ما يؤذيك فتطأطأ له يخطك".
السمع الحسن: وعنه يتحدث الإمام علي عليه السلام قائلاً: "من أحسن الاستماع تعجل
الانتفاع".
1- السمع الواعي: عن الإمام عليعليه السلام: "إذا لم تكن عالماً ناطقاً فكن
مستمعاً واعياً".
وهذه الرواية بقيد صدرها يكون السمع الواعي هو سماع العلم،فكأنه عنى عليه السلام
انه إن لم تكن أنت العالم الذي يلقي العلوم فكن مستمعاً للعلم بوعي والله أعلم.
2- سماع الكلام الحسن: لا شك مما تقدم إن إكرام السمع أن لا يستمع الإنسان إلى ما
يشين من بذي القول أو السفه أو الكفر أو غير ذلك لكن تمام إكرامه بالاستماع إلى كل
ما حسن الاستماع إليه من كلام.
فعن الإمام زين العابدين عليه السلام: "لكل شيء فاكهة وفاكهة السمع الكلام
الحسن"13.
3- سماع ذكر الله: عن الإمام علي عليه السلام: "سامع ذكر الله ذاكر"14.
4- سماع الصلاح: وعنه عليه السلام: "عود أذنك حسن الاستماع ولا تصغ إلى ما
لا يزيد في صلاحك"15.
تنبيه
إن من أهم ما يتأدب به الإنسان مما يتعلق بسلوكه الاجتماعي هو أن يتعلم الإصغاء إلى
مخاطبه واحترامه والإقبال إليه بسمعه ووجهه، والإصغاء يفترض أن يتحول إلى عادة نمهر
بها سلوكنا في علاقاتنا مع الناس بل إن من التواضع ومن الحكمة أن تتلقى مخاطبك
بالإصغاء وعدم التلهي والاشتغال بأمور توحي له بأنك غير مهتم له ولكلامه فقد يكون
في ذلك أذية كبرى له، بل قد يكون في ذلك لك خسارة كبرى. ويكفي في حق مكلمنا علينا
انه اهتم لنا واعتنى بنا فوجّه خطابه إلينا.
وأهم من قام بذلك هو الله عز وجل الذي اعتنى بنا وبوجودنا وبهدايتنا فاختار من خير
خلقه رسولاً لنا وأرسل إلينا كتابه يخاطبنا به ويكلمنا الم يقل أهل بيت العصمة إنه
من أحب أن يكلمه الله فليقرأ كتاب الله فإن كان من الآداب أن نصغي لمخاطبنا خصوصاً
إذا كان ذا غرض شريف ونبيل وكان فيه صالحنا وفائدتنا فإن في رأس أدب الإصغاء أن
نصغي إلى كلمات الله وكلمات أوليائه وهو القائل في كتابه:
﴿وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُوا﴾.
* جهاد الجوارح , سلسلة الدروس الثقافية , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- الإسراء:36.
2- مشكاة الأنوار 255.
3- نهج البلاغة، الخطبة 83.
4- يونس:42.
5- النحل:80.
6- فاطر:22.
7- البحار،/18/109/17.
8- نهج البلاغة، خطبة 105.
9- الإسراء:36.
10- النساء:140.
11- القصص:55.
12- الفرقان:72.
13- البحار.
14- غرر الحكم 9443.
15- غرر الحكم.