يتم التحميل...

البلايا والمصائب والعدل الإلهي

آيات العدل

إنّ من يظن انّ البلايا والمصائب تخالف عدله فإنّما ينظر إليها من منظار ضيّق محدود، فلو نظر إليها في إطار النظام الكوني العام، لأذعن انّها خير برمّتها، أو انّها خير يلازم شراً قليلاً، وتكون المسألة كما يصفه الشاعر في البيت التالي:

عدد الزوار: 217

إنّ من يظن انّ البلايا والمصائب تخالف عدله فإنّما ينظر إليها من منظار ضيّق محدود، فلو نظر إليها في إطار النظام الكوني العام، لأذعن انّها خير برمّتها، أو انّها خير يلازم شراً قليلاً، وتكون المسألة كما يصفه الشاعر في البيت التالي:
ما ليس موزوناً لبعض من نغم***ففي نظام الكلِّ كل منتظم

إنّ من ينظر إلى هذه الظواهر من منظار خاص ويتجاهل غير نفسه في العالم، ففي نظره تتجلىٰ هذه الحوادث أمامه شرّاًً وبليّة، وأمّا إذا نظر إليها من منظار خارج عن إطار الإنانية والمصالح الشخصية الضيِّقة، تنقلب هذه الحوادث عنده إلى الخير والصلاح، وتكتسي ثوبَ العدل، ولبيان ذلك نضرب مثالاً:

إنّ الإنسان يرى أنّ الطوفان الجارف يكتسح مزرعته والسيل العارم يهدم منزله، والزلزلة الشديدة تقتلع بنيانه، ولأجل ذلك يصفها بالبلاء، دون أن يرى ما تنطوي عليه هذه الحوادث والظواهر من نتائج إيجابية في جالات أُخرى من الحياة البشرية.

وما أشبه حال هذا الإنسان في مثل هذه الرؤية المحدودة بعابر يرى جرَّافة تحفر الأرض وتهدم بناءً وتثير الغبار والتراب في الهواء، فيقضي من فوره بأنّه ضارّ وسيّء، ولكن المسكين لا يدري بأنّ ذلك يتم تمهيداً لبناء مستشفى كبير يستقبل المرضى ويعالج المصابين ويهيّئ للمحتاجين للعلاج، وسائل المعالجة والتمريض ولو وقف على تلك الأهداف النبيلة لقضى بغير ما قضى، ولوصف ذلك التهديم بأنّه خير.

إذا علمت ذلك، فنحن نذكر مثالاً من نفس ما نحن بصدده.

إذا هبّت عاصفة هوجاء على السواحل، فبما أنها تقطع الأشجار وتدمّر المنازل القريبة من الساحل، حينها توصف بالشرِّ والبلية، ولكنّها من جهة أُخرى خير محض حيث توجب حركة السفن الشراعية المتوقفة في عرض البحر بسبب سكون الرياح وبذلك تنقذ حياة المئات من ركّابها اليائسين من النجاة.

إنّ هذه العاصفة وإن كان يُكمن فيها الشر لكنها في نفس الوقت وسيلة فعّالة في عملية تلقيح الأزهار، وإثارة السحب للمطر، وتبيد الأدخنة الضارة المتصاعدة من فوهات المصانع والمعامل، إلى غير ذلك من الآثار المفيدة لهبوب الرياح التي تتضاءل عندها بعض الآثار السيئة.

إنّ السبب لوصف بعض الحوادث بالشرور والبلايا هو ضيق علم الإنسان وضآلته ولو وقف على أسرارها التي ربما تظهر بعد سنين لرجع عن قضائه، ويُرتّل قوله سبحانه: ﴿رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ [آل عمران: 191] ولأذعن بقوله سبحانه: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلً [الإسراء: 85] .


المؤلف: آية الله جعفر السبحاني، الكتاب أو المصدر: مفاهيم القرآن، الجزء والصفحة: ج10، ص 67-69 .

2016-02-02