أثر عمومية الامتحان لجميع الأمم والأقوام
المسلك القرآني
بالرّغم من أن بيان عمومية الإمتحان لجميع الأمم والأقوام كان له أثر كبير فعّال بالنسبة لمؤمني مكّة، الذين كانوا يمثلون الأقلية في ذلك العصر، وكان التفاتهم إلى هذه الحقيقة سبباً في وقوفهم بوجه الأعداء بصبر واستقامة...
عدد الزوار: 170
بالرّغم من أن بيان عمومية الإمتحان لجميع الأمم والأقوام كان له أثر كبير فعّال
بالنسبة لمؤمني مكّة، الذين كانوا يمثلون الأقلية في ذلك العصر، وكان التفاتهم إلى
هذه الحقيقة سبباً في وقوفهم بوجه الأعداء بصبر واستقامة... إلاّ أن ذلك لم يكن
منحصراً في مؤمني مكّة، بل إن كل جماعة وطائفة لها نصيب من هذه السنة الإلهية فهم
شركاء فيها، إلاّ أن الإمتحانات الإلهية لهم تأتي بصور مختلفة. فالجماعة الذين
يعيشون في محيط ملوث بالمفاسد والوساوس تحيط بهم من كل جانب، فإن امتحانهم الكبير
في مثل هذا الجو والظروف، هو أن لا يتأثروا بلون المحيط وأن يحفظوا أصالتهم ونقاءهم.
والجماعة الذين يعيشون تحت ضغط الحرمان والفقر، يرون بأنّهم لو صمموا على ترك رأس
مالهم الأصيل «الإيمان» فإنّهم سرعان ما يتخلصوا من الفقر والحرمان لكن ثمن ذلك هو
فقدانهم للايمان والتقوى والكرامة والحرية والشرف، فهنا يكمن امتحانهم..
وجماعة آخرون على عكس أُولئك غرقى في اللذائذ والنعم، والإمكانات المادية متوفرة
لديهم من جميع الوجوه... ترى هل يؤدون في مثل هذه الظروف الشكر على النعم.. أم
سيبقون غرقى في اللذائذ والغفلة وحب الذات والأنانية... غرقى الشهوات والإغتراب عن
المجتمع وعن أنفسهم!
وجماعة منهم كالمتغربين في عصرنا، يرون بعض الدول بعيدة عن الله والفضيلة والأخلاق
حقّاً، ولكنّها تتمتع بالتمدن المادي المذهل والرفاه الإجتماعي. هنا تجذب هؤلاء
المتغرّبين قوّة خفية إلى سلوك هذا النوع من الحياة وسحق جميع القيم والأصول
والأعراف التي يعتقدون بها، ويبيعون أنفسهم أذلاء عملاء لتلك الدول، ليوفروا لهم
ولمجتمعهم مثل هذه الحياة... وهذا نوع آخر من الإمتحان.
المصائب، والآلآم والهموم، والحروب والنزاعات، والقحط والغلاء، وما تثيره الحكومات
الأنانية لتجذبهم إليها وتستعبدهم به وأخيراً الأمواج النفسية القوية والشهوات، كلّ
منها وسيلة للإمتحان في طريق عباد الله، والسائرين في الميادين التي تتميز فيها
شخصية الأفراد وتقواهم وإيمانهم وطهارتهم وأمانتهم وحريتهم.. الخ.
ولكن لا طريق للانتصار في هذه الإمتحانات الصعبة لاجتيازها إلاّ الجدّ السعي
المستمر، والاعتماد على لطف الله سبحانه.
ومن الطريف أنّنا نقرأ حديثاً عن أحد المعصومين في أصول الكافي في تفسير الآية ﴿أَحَسِبَ
النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾ [العنكبوت:
2] يقول فيه: «يُفتنون كما يفتن الذهب، ثمّ قال يخلصون كما يخلص الذهب» (1).
وعلى كل حال، فإن طالبي العافية الذين يظنون أنّ إظهار الإيمان كاف بهذا المقدار
ليكونوا في صفوف المؤمنين وفي أعلى عليين في الجنّة مع النّبيين والصديقين والشهداء
والصالحين، فهم في خطأ كبير.
وعلى حدّ تعبير أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة: «والذي بعثه بالحق
لتبلبلن بلبلة ولتغربلن غربلة، ولتساطن سوط القدر حتى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم
أسفلكم»(2).
قال (عليه السلام): هذا الكلام والناس جديدو عهد ببيعته، وينتظرون ما سيفعل ببيت
المال، أيقسمه حسب الجاه والمقامات بحسب المعايير السابقة، فيبعّض في المال، فيعطى
الكثير لبعضهم بحسب المقام، والقليل للبعض الآخر!.. أم سيسير معهم بالعدل المحمّدي؟
1 أصول الكافي، طبقاً لما نقل
في تفسير نور الثقلين، ج 4، ص 148.
2 نهج البلاغة، خطبة 16.