أهميّة المسائل الإقتصادية والإدارية
المسلك القرآني
رغم أنّنا لا نتّفق مع الرؤية التي تنظر إلى الأُمور بمنظار واحد وتحصر جميع الأُمور في القضايا الإقتصادية دون إعطاء أي دور للإنسان، ولكن برغم ذلك فإنّه لا يمكن غضّ النظر عن أهمية القضايا الإقتصادية ودورها في المجتمعات،
عدد الزوار: 270
قال تعالى: ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي
فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ
اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَلِكَ
مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ
بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلَأَجْرُ
الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ [يوسف: 54 - 57].
رغم أنّنا لا نتّفق مع الرؤية التي تنظر إلى الأُمور بمنظار واحد وتحصر جميع
الأُمور في القضايا الإقتصادية دون إعطاء أي دور للإنسان، ولكن برغم ذلك فإنّه لا
يمكن غضّ النظر عن أهمية القضايا الإقتصادية ودورها في المجتمعات، والآيات السابقة
تشير إلى هذه الحقيقة، والملاحظ أنّ يوسف ركّز من بين جميع مناصب الدولة على منصب
الإشراف على الخزانة، وذلك لعلمه أنّه إذا نجح في ترتيب إقتصاد مصر، فإنّه يتمكّن
من إصلاح كثير من المفاسد الإجتماعية، كما أنّ تنفيذه للعدالة الإقتصادية يؤدّي إلى
سيطرته على سائر دوائر الدولة وجعلها تحت إمرته.
وقد إهتّمت الرّوايات الإسلامية بهذا الموضوع إهتماماً كبيراً، فمثلا نرى في
الرّواية المعروفة المروية عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنّه جعل (قوام
الدين والدنيا) في ركنين: أحدهما القضايا الإقتصادية وما يقوم عليه معاش الناس،
والركن الآخر هو العلم والمعرفة.
وبرغم أنّ المسلمين قد أهملوا هذا الجانب من الحياة الفردية والإجتماعية الذي إهتمّ
به الإسلام كثيراً وتأخّروا عن أعداء الإسلام في هذا الجانب، إلاّ أنّ يقظة
المجتمعات الإسلامية المتزايدة وتوجّههم نحو الإسلام يزيد الأمل في النفوس بأن تزيد
من نشاطها الإقتصادي وتعتبره عبادة إسلامية كبرى، وتقوم ببناء نظام إقتصادي مدروس
وفق خطط محكمة لكي تعود إليهم قوّتهم ونشاطهم.
وهنا نقطة أُخرى يجب التنبيه عليها، وهي إنّنا نلاحظ أنّ يوسف (عليه السلام)يخاطب
الملك ويقول له: (إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) وهذه إشارة إلى أهميّة عنصر الإدارة إلى
جانب عنصر الأمانة وأنّ توفّر عنصر الأمانة والتقوى فقط في شخص لا يؤهّله لأنّ
يتصدّى لأحد المناصب الإجتماعية الحسّاسة، بل لابدّ من إجتماع ذلك العامل مع العلم
والتخصّص والقدرة على الإدارة، لكونه قرن الـ(عليم) مع الـ(حفيظ) وكثيراً ما نشاهد
الأضرار الناتجة عن سوء الإدارة لا تقلّ بل تزيد على الخسائر الناتجة عن الخيانة!
فهذه التعليمات الإسلامية صريحة في أهميّة جانب الإدارة والقدرة عليها، ومع ذلك نرى
تهاون بعض المسلمين بهذا الجانب، فالمهمّ لديهم هو نصب الأشخاص الذين يطمئنون إلى
تقواهم وأمانتهم لإدارة الأُمور، مع أنّ السيرة النبوية الشريفة (صلى الله عليه
وآله وسلم) وكذلك سيرة علي (عليه السلام) ترشدان إلى أنّهما كانا يهتمّان إهتماماً
كبيراً بالجانب الإداري والقدرة على الإدارة مع إهتمامهم بأمانة الشخص وسلوكه الحسن.