(1): ﴿الْحَمْدُ لِلّهِ﴾: أي قولوا: الحمد لله ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضَ﴾: بنظام وإحكام ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾: أي أوجد السبب
الموجب لوجودهما ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ﴾: بالرغم مما
أراهم من شواهد البينات على لطيف صنعته وعظيم قدرته.
(2): ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ﴾: أي خلق أصلكم من طين أو تراب ﴿ثُمَّ
قَضَى أَجَل﴾: وهو أجل الموت﴿وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَه﴾: وهو أجل النشر والبعث
﴿ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ﴾: تشكون في الله مع قيام الشواهد والدلائل.
(3): ﴿وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ﴾: أي أنه تعالى في كل مكان
بقدره وتدبيره وعلمه ﴿يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ﴾:
من خير أو شر.
(4): ﴿وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ
عَنْهَا مُعْرِضِينَ﴾: المراد بالآية هنا الحجة القاطعة على وجود الله وبنبوة محمد
(ص) والمعنى الظاهر أن الأدلة قائمة ومتوافرة على صدق الإسلام، وهي في غاية الوضوح
والبساطة، ولا عذر إطلاقًا لجاحد، لأن هذه الأدلة لا تتطلب من العاقل إلا أن ينظر
إليها بعقله دون هواه، وهكذا أكثر الناس يصرون على الرفض والإنكار بلا بحث وروية.
(5): ﴿فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُمْ﴾: بل وسخروا غير مكترثين دون
أن ينظر إلى حججه وبيانه ﴿فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُواْ بِهِ
يَسْتَهْزِؤُونَ﴾: لا بد وأن ينكشف لهم القناع عن جزاء عنادهم وتمردهم.
(6): ﴿أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ﴾: كان على من
أنكروا نبوة محمد (ص) وحاربوه بكل وسيلة أن يعتبروا بهلاك الأمم الماضية
﴿مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ﴾: أعطيناهم ما لم نعطكم،
ثم بين سبحانه نوع العطاء بقوله: ﴿وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَارً﴾:
تدر بالمطر ﴿وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ﴾: أي من تحت أشجارهم
وديارهم كناية عن الرخاء وكثرة الإنتاج، لأن خير الأرض من خير السماء
﴿فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ﴾:" ولم يغن مال أو سلطان ﴿وَأَنْشَأْنَا مِن
بَعْدِهِمْ قَرْنً﴾: أهل عصر ﴿آخَرِينَ﴾: والعاقل من اتعظ بهم وبأمثالهم، والمعروف
بين المفسرين أن الله سبحانه ترك أُمة محمد (ص) وذنوبهم إلى يوم الدين، وليست هذه
كرامة المسلمين بالذات أولاً لأن عذاب الآخرة أشد. وثانيًا لقوله تعالى: (إنما نملي
لهم ليزدادوا إثمًا – 178 آل عمران) أجل، الكرامة لمحمد (ص) ليبقى اسمه ببقاء الله
سبحانه دنيا وآخرة، وفي شتى الأحوال فإن الصلاة على محمد وآله خير وسيلة إلى الله
وشفيع اللهم صل على محمد وآل محمد.
(7): ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ﴾: كهذه الكتب المعروفة
﴿فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُو﴾: مكابرة وعنادًا: ﴿إِنْ
هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾: وهكذا كل منافق يسمي الأشياء بأضدادها يرفع شعار
الإيمان وهو مراء كذاب.
(8): ﴿وَقَالُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾: وهل يستقيم أمر الناس مع مخلوق
مباين لهم خَلقًا وخُلقٌا؟ ﴿وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا لَّقُضِيَ الأمْرُ ثُمَّ لاَ
يُنظَرُونَ﴾: أي أهلكناهم فورًا، لأنهم - والله أعلم – لا يؤمنون به، ويقولون: هلا
أرسل إلينا واحدًا منا نتبعه، كما هو شأن الإنسان، أحب شيء إليه ما يمنع عنه حتى
إذا ناله طلب سواه، وهكذا إلى ما لا نهاية!.
(9): ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُل﴾: أي في صورة رجل حيث لا
تحتمله العقول لو بقي على صورة الملك، ومجيئه في صورة البشر لا يغير من الأمر شيئًا
﴿وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ﴾: لاشتبه الأمر عليهم، وقالوا: هذا
إنسان لا ملك، ونحن نريد ملكًا لا إنسانًا.
(10): ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ ... ﴾: وبمخلصين ومصلحين، ولا شيء أسهل على
الفم من مضغ الهواء بالسخرية والاستهزاء والغيبة والافتراء! والعبرة بالعاقبة وهي
إلى وبال لا محالة.
(11): ﴿قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ..﴾: واضح، وتقدم في الآية 137 من آل عمران.
(12): ﴿قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ﴾: وساغ أن يكون
النبي هو السائل والمجيب حيث لا خلاف بينه وبين المسئولين أن الله خالق الكون
ومالكه والقصد إلقاء الحجة ﴿كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾: ما من شك؟ أن هذا
إيجاب فضل وكرم، ولكن نسأل عن سره وسببه وهو في منتهى البساطة والوضوح، لأنه تعالى
غني عن كل شيء، وإليه يفتقر كل شيء ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾: حيث لا يستقيم في عدله أن يفلت المسيئ من العقاب، ويحرم المحسن
من الثواب.
(13): ﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾: من السكنى لا من السكون،
والقصد عموم الملك لكل كائن أينما كان ومتى يوجد.
(14): ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا ...﴾: وهو الخالق الرازق ﴿قُلْ
إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ﴾: بطبيعة الحال لأنه هو
الداعي الأول إلى القرآن والإسلام ﴿وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ﴾: أي نهيت
عن الشرك كما أمرت بالإسلام.
(15): ﴿قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾: لقد
وضعت هذه الآية محمدًا مع غيره على مستوى واحد أمام الله، بلا امتياز وحقوق مقدسة
لأي إنسان إلا بما يقدمه من خدمة لأخيه الإنسان، ومن هنا جاءت عظمة محمد (ص) وغيره
من الأنبياء والعظماء، هذا هو الإسلام في واقعه: عدل ومساواة.
(16): ﴿مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ﴾: العذاب ﴿يَوْمَئِذٍ﴾: القيامة ﴿فَقَدْ رَحِمَهُ﴾: أي
ينال رحمة الله وثوابه.
(17): ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ﴾: مهما كان نوعه ﴿فَلاَ كَاشِفَ لَهُ
إِلاَّ هُو﴾: حتى الدواء الذي يشفيك من مرضك والطبيب الذي عالجك هما من خلق الله
﴿وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ﴾: يقدر على إزالته
وعلى دوامه ومضاعفته ويجب أن لا ننسى أن الشرط الأساس لكل نجاح في الحياة الدنيا
والآخرة هو العمل (إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات – 2 العصر..
وأن ليس للإنسان إلا ما سعى. 39 النجم).
(18): ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾: يقصم ظهور الطغاة والجبارة.
(19): ﴿قُلْ﴾: يا محمد لمن يجحد نبوتك: ﴿أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً﴾: هل
تريدون مني دليلا؟ ًفعندي أعظم دليل ﴿قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾:
وكفى بالله هاديًا وشهيدًا ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ
وَمَن بَلَغَ﴾: القرآن هو الشاهد والدليل من الله على نبوة محمد، وقد تحدى وما زال
كل جاحد ومعاند ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى﴾:
كيف تجعلون مع الله شركاء بعد وضوح الأدلة على وحدانيته ﴿قُل لاَّ أَشْهَدُ﴾: لا
أجعل مع الله إلهًا آخر ﴿قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَاحِدٌ﴾: وهذا هو التوحيد:
(قل هو الله أحد الله الصمد..).
(20): ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ
أَبْنَاءهُمُ﴾: الضمير في يعرفونه لمحمد (ص) والمراد بأهل الكتاب علماء اليهود
والنصارى في عهد الرسول، وتقدمت هذه الآية في سورة البقرة الآية 146، وأيضًا تأتي
في سورة الأعراف 157: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبًا عندهم
في التوراة والإنجيل).
(21): ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ
بِآيَاتِهِ﴾: كل من كذب على الله ورسوله عامدًا متعمدًا في سلب أو إيجاب – فهو كافر
بالإتفاق، وعليه فالمراد من الظلم هنا الكفر.
(22): ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعً﴾: ولا مهرب لأحد من ذاك اليوم الشاهد
المشهود ﴿ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ
كُنتُمْ تَزْعُمُونَ﴾: تعبدون من دون الله حجرًا كان أو إنسانًا أو متاعًا من ملذات
الدنيا.
(23): ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ﴾: أي معذرتهم الكاذبة الكافرة ﴿إِلاَّ أَن
قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾: أي ما كنا نعتقد بأننا على
الشرك والضلال، أو أن في القيامة مواقف في بعضها يستطيعون الكذب، وفي بعضها (ولا
يكتمون الله حديثًا – 42 النساء).
(24): ﴿انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ﴾: حيث أنكروا الشرك وهو في
أعماقهم ﴿وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾: غاب عن المشركين الإله الذي
كانوا يعبدونه من دون الله.
(25): ﴿وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾: يا محمد وأنت تتلو القرآن، ولكنهم لا
ينتفعون به ولا بغيره من الدلائل والبينات ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ
أَكِنَّةً﴾: جمع واحدها كنان وهو الغطاء ﴿أَن يَفْقَهُوهُ﴾: أن يفهموا القرآن
﴿وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرً﴾: ثقل السمع، وصحت النسبة إلى الله تعالى، لأنه خالق كل
شيء حتى السم القاتل، وأيضًا النسبة إلى الفاعل القادر المختار لتوسط الإرادة
والاختيار. ﴿وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَ﴾: وكل ذاتي لا يؤمن
إلاّ بذاته، ولا يقتنع إلا بمنفعته، ويستحيل في حقه أن يحتمل ويرتقب الخطا من نفسه
إلا نظريًا لا عمليًا، أقول هذا عن حس لا عن حدس وبشهادة العيان والوجدان ﴿حَتَّى
إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ﴾: في القرآن وهم مصرون سلفًا على الكفر به على كل
حال حتى وإن قام عليه ألف دليل ودليل ﴿يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَآ
إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ﴾: ضلالات وخرافات.
(26): ﴿وَهُمْ﴾: المشركون ﴿يَنْهَوْنَ عَنْهُ﴾: عن محمد ﴿وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ﴾: لا
يقربون من النبي ﴿وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ﴾: أرادوا الكيد للإسلام
ونبيه فدارت عليهم دائرة السوء.
(27): ﴿وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ﴾: ويا هول ما رأوا ﴿فَقَالُواْ
يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ﴾: وهل يُرجى من رجعة العمر مامضى في الحياة الدنيا؟ فكيف بالآخرة؟
(28): ﴿بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ﴾: لا ينجوا في الآخرة
إلا من كان صريحًا واضحًا في الدنيا، وأوضح من هذه الآية على ذلك قوله تعالى: (وقال
الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم – 119 المائدة).﴿وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ
لِمَا نُهُواْ عَنْهُ﴾: وكم قرأنا وسمعنا عن مجرمين تابوا في غياهب السجن، حتى إذا
خرجوا عادوا إلى الحرام والآثام.
(29): ﴿وَقَالُواْ إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ
بِمَبْعُوثِينَ﴾: من أحمق الحمق أن نسرع إلى الحكم قبل أن نعرف الصواب من الخطأ،
ونستدل بترك هذه الدار على عدم الإنتقال منها إلى دار ثانية.
(30): ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ﴾: في الدار الثانية ﴿قَالَ
أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ﴾: الذي حذّرتم من ضره وحره؟﴿قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَ﴾:
بعد أن رأوا العذاب، تقطعت بهم الأسباب.
(31): ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ﴾: وفاز المؤمنون به
العاملون له ﴿حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً﴾: فجأة ﴿قَالُواْ يَا
حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَ﴾: أي في الحياة الدنيا ﴿وَهُمْ
يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ﴾: آثامهم ﴿عَلَى ظُهُورِهِمْ﴾: أي ملازمة لهم، والتعبير
بالظهور لأن الأثقال تحمل على الظهر عادة.
(32): ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْو﴾: إلا لرجلين: رجل أذنب
فتاب، ورجل يسارع في الخيرات ﴿وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ
يَتَّقُونَ﴾: تقية الآمل المتخوف.
(33): ﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ﴾: يا محمد ﴿الَّذِي يَقُولُونَ﴾: عنك،
ومن ذلك: (وقالوا معلم مجنون – 14 الدخان). ولماذا مجنون؟ لأنه جاء بجديد. هكذا كل
جاهل بجهله ﴿فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ﴾: يا محمد ﴿وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ
بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ﴾: ما كذبوك إلاّ لأنهم أعداء الحق! وسلام الله على من
قال: ما ترك الحق لي صاحبًا.
(34): ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ﴾: وما أنت بأول رسول لاقى من قومه
الأذى والتكذيب ﴿فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُو﴾: فهَّون عليك ولا
تبال تمامًا كما فعل الرسل من قبل ﴿حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَ﴾: على المكذبين،
ويأتيك هذا النصر وزيادة ﴿وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ﴾: إشارة إلى قوله
تعالى: (ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم المنصورون – 172 الصافات).
(35): ﴿وَإِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ﴾: يريد محمد (ص) الحياة للناس،
كل الناس، فيدعوهم إليها ويجتهد، فينفرون ويبتعدون، ولا وسيلة لديه إلا التوجع
والحسرات، فخاطبه المولى بقوله: ﴿فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقً﴾:
منفذًا ﴿فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ﴾: يؤمنون
بسببها فافعل وإلا فسلم الأمر إلى الله، وكأن هذا الخطاب الحكيم منه تعالى لقلب
نبيه الكريم روح وريحان وسكينة واطمئنان، وإن يك في أُسلوبه أشبه بالعتاب ﴿وَلَوْ
شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى﴾: ولا شيء أهون عليه من ذلك، ولكنه عنف
وإرغام، ولا طاعة وثواب لمكره مرغم ﴿فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾: أي لا
ينبغي أن يكون تحسك على تكذيبهم أشبه بتحسر الذين يجهلون أن الله لو شاء لجمعهم على
الهدى.
(36): ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ﴾: وهؤلاء صم لا يسمعون
﴿وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ﴾: دعهم يا محمد: إنهم سوف يموتون ويبعثون عندئذ
يرون ويسمعون.
(37): ﴿وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ﴾: أي معجزة معينة
كانوا اقترحوها ﴿قُلْ إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ آيَةً﴾: من النوع
الذي اقترحوه، ولكن لا يستجيب لطلبهم ما دام تحكمًا وتعنتًا بالباطل.
(38): ﴿وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ
إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم﴾: في سعيها وكدحها وهدايتها إلى حوائجها، والفرق أننا
نفعل ذلك عن علم وعقيدة وإرادة، أما هي فتفعل آليًا بالطبع والغريزة تمامًا كدورة
الدم في جسم الحي ﴿مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ﴾: ما من شيء يحتاج
إليه الناس من أمور دينهم عقيدة وشريعة إلا وقد أنزل الله سبحانه في كتابه ببيان
خاص أو بأصل عام، وتجدر الإشارة أن السنة النبوية بحكم القرآن الكريم، لقوله تعالى:
(وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا – 7 الحشر).
(39): ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ﴾: هم
كالصم لأنهم لا يستمعون إلى الحق، وهم كالبكم لأنهم لا ينطقون به، وفوق ذلك هم في
الظلمات، أي ظلمات بعضها فوق بعض ﴿مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ﴾: إن اختار هو
الضلال لنفسه: (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم – 5 الصف) وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ
عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ: إن اختار هو لنفسه الهداية والاستقامة: (والذين اهتدوا
زادهم هدى – 17 محمد).
(40): ﴿قُلْ أَرَأَيْتُكُم﴾: التاء للمخاطبين ومحلها مع الميم الرفع، والكاف حرف لا
محل لها من الإعراب حيث لا يجتمع خطابان معربان في فعل واحد، والمعنى أخبروني ما
رأيكم أو حالكم ﴿إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ﴾:
القيامة ﴿أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ﴾: كل مشرك وملحد إذا اشتد به البلاء، ويئس من
أهل الأرض – يلجأ فطريًا وآليًا إلى رب السماء خاضعًا متضرعًا من غير شعور وتصميم،
ولا تفسير لهذا إلا أن النفس ترجع إلى خالقها بالطبع والغريزة حيث لا عقبات ولا
حاجز من الشهوات.
(41): ﴿بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ﴾: حيث لا ملجأ إلا إليه ﴿فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ
إِلَيْهِ إِنْ شَاء﴾: وإن لم يشأ لم يكن﴿وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ﴾: في الرخاء
يذكرون الشيطان، وينسون الرحمن، وفي الشدائد تنعكس الآية، وهكذا عند الشدائد تستحق
الحقائق.
(42): ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ﴾: أرسلنا بالبينات فكذبوهم
﴿فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء﴾: من البؤس، وهو الفقر وشدة الحاجة ﴿وَالضَّرَّاء﴾:
من الضر وهو البلاء والداء العياء ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾: ويتوبون إلى الله
تعالى كما قال:
(43): ﴿فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُو﴾: أدبهم سبحانه بسوطه كي
يستقيموا ﴿وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾: فهي كالحجارة أو أشد قسوة.
(44): ﴿فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ﴾: ذكرهم سبحانه قبل كل شيء بالقول، ثم
البأساء والضراء ولكن لا حياة لمن تنادي ﴿فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ
شَيْءٍ﴾: من الرزق والرخاء لإلقاء الحجة والاستدراج بالنعم ﴿حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ
بِمَا أُوتُو﴾: من فضل الله، وازدادوا بطراً وأشرا ﴿أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً﴾: انزل
بهم العذاب على حين غفلة ﴿فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ﴾: متحيرون آيسون من النجاة
والرحمة.
(45): ﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُو﴾: أي آخرهم، ولم يترك منهم
أحدًا
(46): ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ ...﴾: يذكر سبحانه العصاة
والطغاة بقدرته ويحذرهم منها عسى أن يتوبوا ويثوبوا، وفي نهج البلاغة: فوالله لقد
ستر حتى كأنه قد غفر ﴿انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ﴾: نكرر العظات في شتى
الأساليب، ولا مزدجر ومغير.
(47): ﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ﴾: أخبروني ﴿إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً﴾:
بلا إنذار وإشعار ﴿أَوْ جَهْرَةً﴾: مع الإنذار والإشعار ﴿هَلْ يُهْلَكُ﴾: دنيا
وآخرة ﴿إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ﴾: أما الأبرار فلهم أجرهم مرتين بما صبروا.
(48): ﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ﴾: بالثواب
﴿وَمُنذِرِينَ﴾: بالعقاب ﴿فَمَنْ آمَنَ﴾: بالله مخلصً﴿وَأَصْلَحَ﴾: من عمله ﴿فَلاَ
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾: وهل يخشى البريء من سلطان الحق وسيف
العدل؟.
(49): ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ﴾: ولذا يخافون
العدل في دار الأمان.
(50): ﴿قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ﴾: أبدًا لا أحد يملك مع
الله سيئًا حتى الأنبياء ﴿وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾: إنما الغيب لله ﴿وَلا أَقُولُ
لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾: وهكذا يحدد محمد
(ص) نفسه في أنه يقف مع كل الناس أمام سلطان الله وقدرته على قدم المساواة، فأين
مكان الحقيقة المحمدية في كتاب الله، وأنها الروح الذي سرى في جميع الكائنات والنور
الذي خلق الله منه جميع الموجودات؟ وأعظم ما في محمد وآل محمد أنهم بلغوا من كمال
البشرية وجلالها الغاية والنهاية بحيث لا موجود فوقهم إلا خالق الوجود وخالقهم وكفى
بذلك عظمة وكرامة ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ﴾: أبدًا لا أحد يقاس
بمحمد وآل محمد. فهم المطهرون من الرجس والدنس تطهيرًا بإرادة الله، ومودتهم حق
وفرض على الناس في كتاب الله.
(51): ﴿وَأَنذِرْ بِهِ﴾: القرآن ﴿الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى
رَبِّهِمْ﴾: وهم لمهتدون
2015-12-10