(1) ﴿المص﴾: مضى الكلام عن حروف الهجاء في أول البقرة.
(2) ﴿كِتَابٌ﴾: هذا كتاب ﴿أُنزِلَ إِلَيْكَ﴾: يا محمد ﴿فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ
حَرَجٌ مِّنْه﴾: ضيق من تبليغه بما تلاقيه من قوى الشر والضلال، فالله معك وفي عونك
﴿لِتُنذِرَ بِهِ﴾: الناس كل الناس، ويسمى هذا الإنذار في عصرنا الراهن الثورة لقلب
الأوضاع الفاسدة من الأساس ومن هنا جاء الضيق والحرج من الغوغاء والبوغاء
﴿وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾: أي لتثبيت المؤمنين بالفعل ولمن يريد الإيمان بالحق.
(3): ﴿اتَّبِعُو﴾: أيها الناس ﴿مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ﴾: على قلب
محمد ولسانه، أمره تعالى أن يبلغ، وأمر العباد أن يتبعوه ويطيعوه ﴿وَلاَ
تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء﴾: لأنه ليس دون الرسول والقرآن إلا الضلال.
(4): ﴿وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَ﴾: لأنها كذبَّت المرسلين ﴿فَجَاءهَا
بَأْسُنَ﴾:عذابنا ﴿بَيَاتً﴾: ليلا ﴿أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ﴾: مستريحون في الظهيرة.
(5): ﴿فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَ﴾: عند الأمان والاطمئنان
يهتفون باسم الأصنام، وعند الشدة والعذاب يدعون الرحمن وينسون ما يشركون.
(6): ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ﴾: ماذا قلتم للمرسلين؟
﴿وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ﴾:ماذا قال لكم الذين أُرسلتم إليهم؟ والمؤمن حقًا
إذا تصور الوقوف بين يدي الله للسؤال ونقاش الحساب يهتز من الأعماق رعبًا، فكيف إذا
جاء الجد؟ رحماك اللهم رحماك.
(7): ﴿فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ﴾: ما قالوه وما فعلوه، أحصاه الله ونسوة.
(8): ﴿وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ﴾: لميزان الدنيا كفتان، فإذا وضعت في
إحداهما ترابًا بمقدار كيلو، مثلا، وفي الثانية تبرًا بهذا الثقل تستوي الكفتان،
ولا شأن للنوع والأثر، أما ميزان الآخرة فالثقل والشأن للكيف لا للكم، والنوع لا
للمقدار، وفي الحديث قليل للعمل مع التقوى خير من كثير بلا تقوى ﴿فَمَن ثَقُلَتْ
مَوَازِينُهُ﴾:وهم الذين ائتموا في جميع أعمالهم ومقاصدهم بالقرآن وتعاليمه
﴿فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾: لأن الله لا يضيع أجر المحسنين..
(9): ﴿وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ﴾: وهم الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم
لا يعلمون ﴿فَأُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم﴾: حيث أوردوها النار وبئس
الورد المورود ﴿بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ﴾: أي يكذّبون.
(10): ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ﴾: زوّد سبحانه الإنسان بكل الطاقات و
المؤهلات للإكتشاف والإختراع والسيطرة على الطبيعة ﴿وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا
مَعَايِشَ﴾: لا يوجد جانب إطلاقًا من حياة الإنسان بنفصل عن الأرض أو يخلو من برها
وخيرها.
(11): ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾: أي خلق وصور أبانا آدم حيث
قال عز من قائل: ﴿ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ﴾: والسجود لآدم
بأمر الله سجود وطاعة الله، ولكن ابليس ﴿فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن
مِّنَ السَّاجِدِينَ﴾: تعصبًا لأصله وحسدًا لآدم.
(12): ﴿قَالَ﴾: سبحانه لإبليس ﴿مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ﴾: لا زائدة ﴿إِذْ
أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن
طِينٍ﴾: وكل من يقول متعاظمًا: أنا خير من فلان فهو من حزب الشيطان، فرب وضيع عن
الناس هو عظيم ورفيع عند الله.
(13): ﴿قَالَ فَاهْبِطْ ...﴾: طرد سبحانه ابليس من رحمته إلى لعنته جزاءً على تكبره
ومعصيته.
(14): ﴿قَالَ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾: أمهلني إلى يوم القيامة.
(15): ﴿قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ﴾: في الخطبة الأولى من نهج البلاغة: أعطاه
الله النظرة استحقاقًا للسُخطة واستتمامًا للبلية وانجازًا للعدة.
(16): ﴿قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي﴾: أرأيت إلى هذا النطق المقلوب؟ إن الله سبحانه
أمر إبليس، وترك له الخيار، فاختار الغواية وآثارها على الهداية، ولكن ابليس عاد
وناقض نفسه بنفسه حيث قال: ﴿لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ﴾: ومعنى
هذا أن ابليس هو الغواية والتضليل، فكيف نسب الغواية هنا إلى نفسه بعد أن نفاها
عنه، ونسبها إلى الله تعالى عن ذلك علوًا كبيرًا؟ وهل قال سبحانه لابليس : اصرف
عبادتي عن طاعتي، واحملهم على معصيتي؟ على أن ابليس يتبرأ من أتباعه، ويقول لهم
فيما يقول غدًا: (إني بريء منكم... وما كان لي عليكم من سلطان... فلا تلوموني
ولوموا أنفسكم) كما في الآية 48 من الأنفال و22 من ابراهيم، وهذه الصورة التي رسمها
القرآن لابليس تنطبق على العديد من شياطين الإنس.
(17): ﴿ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ...﴾: كناية عن وسوسة الشيطان
وإغوائه بحيث لا يدع معصية إلا أغرى ضعاف العقول والإيمان بها، ولا طاعة إلا ثبطهم
عنها.
(18): ﴿قَالَ﴾: سبحانه لابليس: ﴿اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُومً﴾ : بالهمزة من ذأمه إذا
عابه وذمه ﴿مَّدْحُورً﴾:مطرودا ﴿لَّمَن﴾: اللام للابتداء، والكلام مستأنف
﴿تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأنَّ﴾: اللام جواب لقسم محذوف أي أقسم لأملأن ﴿جَهَنَّمَ
مِنكُمْ أَجْمَعِينَ﴾: خلقتُ النار لك ولحزبك.
(19): ﴿وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ...﴾: تقدم في الآية 35 البقرة.
(20): ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا
مِن سَوْءَاتِهِمَ﴾: ليظهر ما ستر من عوراتهما ﴿وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا
عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ
الْخَالِدِينَ﴾: في الجنة.
(21): ﴿وَقَاسَمَهُمَ﴾: حلف لهما ﴿إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾: عكس
اللعين الآية رأسًا على عقب وجعل السلب إيجابًا، والإيجاب سلبًا حيث أقسم أن عاقبة
الأكل من الشجرة الخلود في الجنة، وهو على علم اليقين بأن الأكل سبب الطرد منها،
وهذا هو المراد بوسوسة الشيطان وحزبه الذين يرفعون شعارات الخير وهم أعدى أعدائه!
وينادون بالحرية ويبطشون بالأحرار، ويتبجحون بالعدالة ويقتلونها غيلة وغدرًا،
ويتباكون على الإلفة والوحدة وهم الذين شهروا عليها السيوف ومزقوا الصفوف.
(22): ﴿فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ﴾: أنزل إبليس آدم وحواء إلى الأكل من الشجرة بما
غرهما من القسم بالله ﴿فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا
سَوْءَاتُهُمَ﴾: ظهرت لكل واحد منهما عورته وعورة صاحبه ﴿وَطَفِقَ﴾:
شرع﴿يَخْصِفَانِ﴾: يضعان ﴿عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ﴾: ليستترا بهذا الورق
﴿وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَ﴾: لائمًا: ماذا فعلتما بأنفسكما؟ ﴿أَلَمْ أَنْهَكُمَا
عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ﴾: نهى سبحانه آدم وأنذره وحذره من الشيطان، وآدم يؤمن
بالله عن حس وتجربة، فقد أوجده من طين لا من أب وأم، ورأى الملائكة يسجدون له،
وأسكنه الجنة، وكلّمه، ولا دليل فوق ذلك، وكل هذا وغير هذا يبعث آدم إلى الكف عن
الشجرة، فكيف أكل منها؟ والذي يبدو لنا، والله أعلم، أن براءة آدم وصفاءه يشبه إلى
حد بعيد صفاء الطفل، وإن كان رجلا لأنه لم يمر بعدُ بأية تجربة. وقد ظن قياسًا على
نفسه أن ما من أحد يجرأ على الحلف بالله كاذبًا، ومن هنا أخذ، ولذا ندم وطلب الصفح
بمجرد التنبيه.
(23): ﴿قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا
وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾: هدي هي بالذات الكلمات التي أشار
إليها سبحانه في الآية 37 من البقرة: (فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه أنه هو
التواب الرحيم).
(24): ﴿قَالَ اهْبِطُو﴾: الخطاب لآدم وحواء وابليس ﴿بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ
عَدُوٌّ﴾: ابليس يعادي آدم حسدًا له. ويعادي بنيه وذريته انتقامًا منه، أما بنو آدم
فأكثرهم من حزبه حيث يجدون عنده اللذة والمتعة... قال سبحانه: (أكثر الناس لا
يؤمنون... لا يشكرون... فأبى أكثر الناس إلا كفورًا). والأحمق المغرور هو الذي يقطع
ويجزم أنه من الصفوة القليلة ﴿وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى
حِينٍ﴾: تمامًا كضيوف مؤقتين، وعلينا أن نكون مؤدبين لا نتجاوز الناس، كل الناس، من
أولياء وأشقياء وصعاليك وأُمراء ولدوا من هذه الأرض، وإليها يعودون، وما لأحد منهم
كائنًا من كان إلا خمسة أشبار أو ستة من الأرض بعد موته في عرض شبرين ونصف أو
ثلاثة، وكل هذا يهون إذا قيس بالنشر والحشر، والويل كل الويل عندئذ للمجرمين من
عذاب أليم.
(26): ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسً﴾: خلقناه لكم أو
أنزلنا السبب الموجب للباس وغير اللباس وهو المطر ﴿يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ﴾: يسد
الحاجة الضرورية ﴿وَرِيشً﴾: للزينة والحاجة الكمالية، وهو مستعار من ريش الطائر
﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ﴾: من كل شيء، لأن التقوى تقي من عذاب النار
وغضب الجبار، وسلام على من قال: ما خير بخير بعده النار، وما شر بشر بعده الجنة.
(27): ﴿يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ
أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ ...﴾: قال واعظ من الأولين: إن ذنبًا واحدًا أخرج آدم
من الجنة بعد أن دخلها آمنًا، فكيف يدخلها أبناؤه، وقد تراكمت عليهم الذنوب؟
﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ﴾: كل من يكيد
للناس في خفاء، ويظهر غير ما يضمر فهو شيطان رجيم﴿إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ
أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾: أبدًا لا سلطان للشيطان إلا على أوليائه
الذين يستجيبون له عن رضا وطيب نفس تماما كالمومس إذا دعاها الفاجر العاهر إلى
الفاحشة.
(28): ﴿وَإِذَا فَعَلُو﴾: الضمير لحزب الشيطان وأوليائه ﴿فَاحِشَةً﴾: رذيلة
﴿قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَ﴾: وفي العصر الراهن تقول فئة من المسلمين:
كل جديد زندقة وهرتقة حتى ولو كان علمًا نافعًا، وهنا يمكن سر التأخر والتقهقر
﴿وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَ﴾: وهذا عين الافتراء عليه تعالى ﴿قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ
يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾: ولكن بعض
المنتمين إلى الإسلام يعلمون أن كتاب الله يحرم التقليد، ويحث على العلم النافع.
ومع ذلك ينحرفون عن طريقه، ولو شاءوا لاستقاموا عليه، ولكنهم لايشاءون ولا يستمعون
لأية حجة وبينة.
(29): ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ﴾: وبكل جديد مفيد ﴿وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ
عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾: أي أبيح لكم أن تصلوا وتعبدوا الله في أي مسجد شئتم، وقيل:
المراد بكلمة مسجد هنا مكان السجود تمامًا كقول الرسول الأعظم: (جعلت لي الأرض
مسجدًا وطهورًا) ﴿وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾: والإخلاص في الدين أن
تعمل بموجبه، ولا تتخذ منه وسيلة إلى منافع شخصية. وفي أصول الكافي: (وأوحى الله
إلى داود لا تجعل بيني وبينك عالمًا مفتونًا يصدك عن طرق محبتي، فإن أولئك قطاع
الطريق).
(30): ﴿فَرِيقًا هَدَى﴾: وهم الذين رغبوا في الهداية (والذين اهتدوا زادهم هدى – 17
محمد ) ﴿وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ﴾: وهم الذين زاغوا عن الهدى إلى
الظلال: ( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم – 5 الصف)﴿إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا
الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ﴾:
جهلوا بجهلهم، فانفصلوا عن واقعهم، وعاشوا في دنيا الأخيلة و الأحلام، وأيقنوا بأنه
لا دين إلا دينهم ولا إيمان إلا إيمانهم ، وهنا يكمن الداء العياء، وبه جنوا على
أنفسهم ومجتمعهم.
(31): ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾: البسوا أثوابًا
طاهرة نظيفة عند كل عبادة (وثيابك فطهر – 4 المدثر) ﴿وكُلُواْ وَاشْرَبُو﴾: ما
تشتهون وتستلذون إلا ما ورد النهي عنه ﴿وَلاَ تُسْرِفُو﴾: في طعام أو شراب أو
لباس.
(32): ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ﴾: من مسكن وملبس ومركب وأثاث ﴿الَّتِيَ
أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ﴾: كيف تكون حرامًا، وقد خلقها سبحانه لعباده وعياله؟
﴿وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ﴾: طعامًا وشرابًا وكواعب أترابًا... ومن هنا قال
الفقهاء: كل شيء مباح حتى يرد فيه نهي ﴿قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾: الطيبات والملذات في الدنيا
للمؤمن والكافر والبر والفاجر، وهي في الآخرة للمتقين الأبرار، أما المجرمون
الأشرار فهم في سموم وحميم وظل من محموم.
(33): ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا
بَطَنَ﴾: تقدم في الآية 151 من الأنعام ﴿وَالإِثْمَ﴾:وهو كل ما يعصي الله به من
القول أو الفعل ﴿وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾: الظلم، وفي نهج البلاغة: بئس
الزاد إلى المعاد العدوان على العباد.
(34): ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ...﴾: تهديد ووعيد للسفاحين والمجرمين بأن لهم
يومًا يحاصرون فيه من كل الجهات ويؤخذون بما كانوا يجرمون.
(35) - (36): ﴿يَا بَنِي آدَمَ إِمَّ﴾: مركبة من كلمتين: إن الشرطية وما زائدة
مؤكدة، ولدخولها على إن دخلت النون الثقيلة على ﴿يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ
يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي﴾: مبشرين ومنذرين ﴿فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ
خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾: البريء لا يخاف العدالة، والذي يخافها ويمتلئ منها رعبًا وهيبة
هو المريب.
(37): ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ...﴾: تقدم في الآية 21 من الأنعام ﴿أُوْلَـئِكَ يَنَالُهُمْ
نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ﴾: والمراد هنا المكتوب، والمعنى أن أعمال المجرمين
كلها مكتوبة، وأيضًا تصلهم أرزاقهم المقدرة بالكامل ﴿حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ
رُسُلُنَ﴾: وهم ملائكة الموت ﴿يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ
تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ﴾: أي أين الآلهة التي كنتم تعبدونها؟ ﴿قَالُواْ
ضَلُّواْ عَنَّ﴾: لا نحن نعرف أين هم؟ ﴿وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ
كَانُواْ كَافِرِينَ﴾: الاعتراف بالذنب يجدي من غير شك إذا كان عن نية خالصة وتوبة
صادقة، أما التوبة عند الاحتضار وتنفيذ العقوبة فإنها تمامًا كمن ينشد النجاة بعد
أن شرب السم القاتل.
(38): ﴿قَالَ﴾: أي يقول سبحانه للمجرمين بعد أن يشهدوا على أنفسهم: ﴿ادْخُلُواْ فِي
أُمَمٍ﴾: مجرمة مثلكم ﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم﴾: وفعلت فعلكم ﴿مِّن الْجِنِّ
وَالإِنسِ فِي النَّارِ﴾: التي كنتم بها تكذبون ﴿كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ
لَّعَنَتْ أُخْتَهَ﴾: وهكذا اللصوص والقراصنة يتعاطفون، وهم في الطريق إلى السلب
والنهب حتى إذا افتضحوا وأُخذوا للعقاب تلاعنوا، وألقى كل التبعة والمسؤولية على
صاحبه ﴿حَتَّى إِذَا ادَّارَكُواْ فِيهَا جَمِيعً﴾: أي تلاحقوا واجتمعوا في جهنم،
وأدرك بعضهم بعضا ﴿قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ﴾: المراد بأُولاهم الرؤساء
والقادة، وبأخراهم الإتباع والسواد ﴿رَبَّنَا هَـؤُلاء أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ
عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ﴾: طلب من الله التابعون أن يضاعف سوء العذاب
للرؤساء لأنهم أصل البلاء ﴿قَالَ﴾: سبحانه ﴿لِكُلٍّ ضِعْفٌ﴾: أيلكل من رؤساء الضلال
واتباعهم عذاب عظيم ﴿وَلَـكِن لاَّ تَعْلَمُونَ﴾: لا يعلم كل فريق مقدار ما يقاسيه
الآخر من العذاب وشدته.
(39): ﴿وَقَالَتْ أُولاَهُمْ لأُخْرَاهُمْ فَمَا كَانَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن
فَضْلٍ﴾: في الإيمان والعمل الصالح الذي يوجب أن يكون عذابنا أشد من عذابكم، بل نحن
وأنتم سواء في الكفر والضلال ﴿فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ﴾:
بأيديكم أنتم، ولا تلوموا إلا أنفسكم.
(40): ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَ﴾: المراد
بآياته تعالى الدلائل على وجوده ونبوة أنبيائه﴿لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ
السَّمَاء﴾: أي لا يقبل الله أعمالهم ما داموا به كافرين، ويأتي قوله تعالى:
(والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم- 147 من هذه السورة) ﴿وَلاَ
يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ﴾: أي في ثقب
الإبرة، والمعنى أن المشرك أو الملحد لا يدخل الجنة أبدًا، وليس معنى هذا أنه يدخل
النار حتمًا وجزمًا حيث لا ترابط بين الأمرين، فقد يعمل احدهما للخير والصالح العام
ويكف أذاه عن الناس، ويغيث الملهوف، ويناصر العدل، فيكون للظالم خصمًا، وللمظلوم
عونًا، أو يخترع الكهرباء، أو يكتشف الدواء للأدواء المستعصية، وما إلى ذلك لوجه
الإنسانية مما ينجيه من النار ولا يدخله الجنة. وفي مجمع البيان عن الإمام
الصادق(ع) أنه قال: إن آية (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) جرت في الكافر والمؤمن
والبر والفاجر.
(41): ﴿لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ﴾: فراش ﴿وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾: أغطية،
والمعنى لهم من النار لحاف وفراش ودثار.
(42): ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ﴾: الذين مبتدأ ﴿لاَ
نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَ﴾: جملة معترضة بين المبتدأ والخبر للإشارة إلى
أن طريق الجنة سالكة لمن أراد ﴿أُوْلَـئِكَ﴾: مبتدأ ثان ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾:
خبر المبتدأ الثاني، والجملة خبر الأول.
(43): ﴿وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾: وألف تف وأُف على الحقد
والبغضاء، والحسد والعداء ﴿وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَ﴾: إلى
طريق جنته ورضوانه، والبعد عن غضبه ونيرانه ﴿وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ
هَدَانَا اللّهُ﴾: برسله وكتبه ﴿لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ﴾: أخبرهم
الرسل بالجنة فآمنوا بالغيب، ولما شاهدوها عيانا فرحوا، وأصبح الغيب مشهودًا
﴿وَنُودُواْ أَن﴾: بمعنى أي ﴿تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَ﴾: هي حق لكم
﴿بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾: فنعم أجر العالمين.
(44): ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ...﴾: إن أصحاب الجنة على
علم اليقين بأن أصحاب النار قد وجدوا صدق الوعيد والتهديد، ولكن السؤال لمجرد الشكر
على ما أنعم الله عليهم، وتذكير من كان يسخر منهم في الحياة الدنيا (فحاق بالذين
سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون- 10 الأنعام) ﴿فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ﴾: أعلن معلن
﴿بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ﴾: عذابه ﴿عَلَى الظَّالِمِينَ﴾: وفي نهج البلاغة:
يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم.
(45): ﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّه﴾: عن الحق، وقد يكون الصد بقوة
السلاح، وبالكتمان والإخفاء، وبالتضليل والدعايات الكاذبة في الصحف وغيرها من وسائل
الإعلامِ ﴿وَيَبْغُونَهَ﴾: الهاء تعود إلى السبيل﴿عِوَجً﴾: كذبًا ونفاقًا وغشًا
وخداعًا.
(46): ﴿وَبَيْنَهُمَ﴾: أي بين الجنة والنار أو أهليها ﴿حِجَابٌ﴾: وهو الأعراف الذي
أشار إليه سبحانه بقوله: ﴿وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ
بِسِيمَاهُم﴾: أهل الأعراف يعرفون كلا أهل الجنة وأهل النار بعلامات ﴿وَنَادَوْ﴾:
أهل الأعراف ﴿أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ﴾: وهنيئًا لكم بما
أسلفتم في الأيام الخالية ﴿لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾: في دخول الجنة،
لأنهم كانوا يؤمنون بالله ومغفرته.
(47): ﴿وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ قَالُواْ
رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾: أو النار وأهلها... ويا
هول ما رأوا، فاستعاذوا بالله واسترحموا... اللهم يا غني الأغنياء أجرنا من عذابك
برحمتك وعفوك، فإننا لا نطيق عدلك، ولا وسيلة لنا إلى ذلك إلا الولاء لنبيك وآله،
عليهم أفضل صلواتك.
(48): ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ﴾:
المراد بالرجال هنا الجبابرة الذين تسلطوا على المستضعفين ظلما وعدوانا ﴿قَالُواْ
مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ﴾: كنتم في الحياة
الدنيا تنتقصون من قدر الناس وكرامتهم، وتتعالون عليهم بما تملكون من جاه ومال فكيف
أنتم الآن؟ وفي أية حال من الهوان؟.
(49): ﴿أَهَـؤُلاء﴾: إشارة إلى المؤمنين المستضعفين ﴿الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ﴾: أيها
الجبابرة المترفون وقلتم ﴿لاَ يَنَالُهُمُ اللّهُ﴾: غدا ﴿بِرَحْمَةٍ﴾: في الدنيا
قال الأغنياء للفقراء: نحن السعداء في الدنيا والآخرة، وأنتم البؤساء فيهما، حين
جاء يوم الجزاء قيل لهؤلاء: ﴿ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ﴾: وقيل
لأولئك: ادخلوا النار وبئس القرار.
(50): ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ
عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء﴾: فقد أجحف بنا وأهلكنا العطش﴿أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ
اللّهُ﴾: من طعام، يستجدون بعد أن كان يستجدي منهم، مع فارق كبير، وهو أن فقر
الدنيا إلى حين، ويمكن الصبر عليه، أما فقر الآخرة فجحيم وإلى ما شاء الله.
وبالمناسبة جاء في الحديث الشريف: اتقوا النار ولو بشق تمرة... الصدقات كفارات
﴿قَالُواْ إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ﴾: بالله والإنسانية
وقيمها، ولا يؤمنون إلا بأنفسهم وذويهم ومنافعهم.
(51): ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ
الْحَيَاةُ الدُّنْيَ﴾: وتشمل هذه الآية لمكان كلمة (دينهم) المشرك والموحد الذي
يؤوِّل الدين تبعًا لأهوائه وأهدافه الشخصية سواء أفعل ذلك عن قصد وعمد أم عن جهل
بأنه يقول ويفعل بوحي من عاطفته، وهو يظن بأنه من وحي الدين والإيمان حيث لا عذر
إطلاقًا لمن يعتد برأيه كوحي من السماء ﴿فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ﴾: نهملهم ﴿كَمَا
نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَـذَ﴾: أهملوه، ولم يعملوا له، وفي الأشعار: (وكما
تراني يا جميل أراك) ناسيًا أو ذاكرًا
2015-12-10